ظلت الثقافة الشفوية هي المهيمنة على المجتمع المحلي بالصحراء بحكم نمط إنتاجه المتسم بالترحال وعدم الاستقرار، لذا فالكتابات المحلية التاريخية حول منطقة الصحراء ومجتمعها تدخل في حكم النادر، فإذا ما إستثنينا كتابات العصر الحديث وبعض الإشارات التي تناولت بعض المجموعات البشرية بسواحل الصحراء الأطلسية، فإن البدايات الأولى للكتابة عن منطقة الصحراء كانت مع تزايد أطماع الإمبريالية الغربية في الأراضي الشمالية من إفريقيا عامة والمغرب خاصة، فسخرت من أجل هيمنتها على هذا الجزء من العالم متاحها من أدوات علمية لرصد المجتمع ومعرفة كنهه، فالاستعمار الأجنبي تسلح بالمعارف قبل البنادق وأرسل الباحثين والرحالة والمستكشفين والتجار قبل الجنود والضباط العسكريين، فتكونت بذلك معرفة كولونيالية مؤطرة في الغالب بأهدافها الاستعمارية وحبيسة ثقافتها السائدة الطاغية وتفسيراتها النظرية، إلا أنها في الآن تشكل لجمهور الباحثين في مختلف ميادين البحث مادة دسمة يمكن الرجوع إليها من أجل فك شفرات الكثير من الظواهر، وإعادة صياغة الكثير من الاستنتاجات، وذلك من أجل التأسيس لدراسات تتجاوز البعد الكولونيالي إلى البعد المعرفي. ولابد من الإشارة هنا إلى أن المعرفة الكولنيالية الإسبانية لم تلقى حظها من الدراسة والتفكيك وإعادة الإنتاج مقارنة بنظيرتها الفرنسية وهو ما نعتبره فراغا لابد من ملئه، رغم بعض المحاولات التي من بينها الكتاب الذي بين أيدينا. وبين أيدينا كتاب الصحراء بعيون إسبانية رحلات واستكشافات 1864-1914 الصادر سنة 2017 عن دار النشر مطابع الرباط نت، لكاتبه محمد سبى وهو متخصص في التاريخ المعاصر حول الصحراء، وهو الكتاب الذي يغني المكتبة الوطنية وينضاف بحسب علمنا إلى مجهود آخر في سياق الغور في ما خلفته الحقبة الاستعمارية من كتابات حول الصحراء ونعني بذلك كتاب: الساقية الحمراء وواد الذهب في الكتابات الإسبانية 1885-1933 الصادر سنة 2014، وكتاب سيدي ايفني الساقية الحمراء ووادي الذهب في الكتابات الإسبانية 1950 -1934 الصادر سنة 2015 لكاتبهما محمد دحمان. والكتاب الذي نحن بصدد وضع قراءة فيه، هو من الحجم المتوسط، وقد كتب في 198 صفحة، فبالإضافة إلى التقديم وخلاصة عامة وملحق لمجموعة من الصور والخرائط والفهرس، يضم الكتاب أربعة فصول، يتطرق الفصل الأول لرحلة خواكين غاتيل 1864-1865، ويتناول الفصل الثاني بعثات الجمعية الإسبانية للجغرافية التجارية سنة 1886 التي تمثلت في بعثة خوصي ألباريث بيرث وبعثة خوليو ثيريرا، اما الفصل الثالث فيتناول رحلتي الضابط الإسباني فرنسيسكو بينس سنتي 1907 و1911، في حين يتناول الفصل الرابع دراسة للباحث الإسباني إنيركي دالمونتي سنة 1913. وقد قدم الكتاب نبذة مستفيضة عن كل رحالة ومستكشف تجعل القارئ يفهم اهتماماتهم وطبيعة خلاصاتهم واستنتاجاتهم، وهي الخلاصات والاستنتاجات التي رتبها النص بحسب المواضيع التي تناولها. ونحن نقرأ الكتاب منذ البداية بقينا مسكونين بسؤال: كيف شاهدت العيون الإسبانية خلال نهاية القرن التاسع عشر المجتمع المحلي بالصحراء؟. وسنعتمد في قراءتنا للكتاب على المحاور التالية:. المحورالأول: الثاني نبذة عن حياة الرحالة والمستكشفين. * خواكين كاتيل. * خوصي الباريث بيرت. * خوليو ثيريرا. * فرنسيسكو كيروغا رودريغيت. * فرنسيسكو بينس. * انيركي دالمونتي. المحور الثاني:الصحراء من خلال نظرة الرحالة والمستكشفين. 1. الجغرافية والمؤهلات الطبيعية. 2. السواحل الصحراوية. 3. المؤهلات الاقتصادية والتجارية. 4. البنيات الاجتماعية والبشرية. 5. النخبة والزعمات الدنية والسياسية. 6. نتائج سياسية للرحلات والاستكشافات. المحور الأول: نبذة عن حياة الرحالة والمستكشفين. خواكين غاتيل – القائد اسماعيل-. ولد خواكين غاتيل في 03 نونبر 1826 ببلدة الطوفيا باقليم طاراغونا الكتلاني، وهو ينحدر من عائلة ميسورة مارست التجارة والفلاحة، عمل في البداية كصحفي في اسبوعية طارغونا، تخلى عن العمل الصحفي وانتقل الى برشلونة لدراسة الحقوق حيث حصل على الاجازة في الحقوق سنة 1850، مارس بعدها مهنة المحاماة لمدة قصيرة، ثم تركها ليتفرغ لدراسة الثقافة العربية الاسلامية. لقد تتلمذ خواكين غاتيل على يد المستشرق الاسباني المعروف باسكوال كايانكوس Pascual Gayangos وقد تنقل بمجموعة من العواصم الاروبية لتعميق معارفه حول الثقافة العربية الاسلامية، حتى تخصص بهذه المعارف، وهو ما أهله ليترجم القرآن للغة الاسبانية. اصبح غاتيل من اهم المستعربين الاسبان خلال اواسط القرن التاسع عشر، وهو مادفعه للاتصال بالدوائر الرسمية الاروبية التي تسعى للتعرف على العالم العربي والاسلامي، ولهذا اتصل بالجمعية الجغرافية بباريس، ىكما ربط علاقات بشخصيات سياسية وعسكرية نافذة ساعدته على تطوير مشروعه الاستكشافي، ومن بين هذه الشخصيات، الجنرال خوان برؤي قائد القوات الكتلانية المشاركة في الحرب على تطوان، القنصل الاسباني فرنسيسكو ميري ايكولم المكلف بادارة المفاوضات الاسبانية مع المغرب بخصوص الالتزامات التي فرضتها هدنة تطوان على المغرب. لذا فقد انيطت بغاتيل مهمات سرية في الجزائر وتونس والمغرب والسواحل الجنوبية لهذا الاخير، فقد كلفته الحكومة الاسبانية باستطلاع السواحل الواقعة ما بين وادنون والطرفايا سنتي 1864-1865. باصدارها لمرسوم ملكي في 29 يناير 1864. وقد دامت رحلته لهذه المنطقة ثمانية اشهر منها ثلاثة قضاها مقيما في اكلميم بوادنون ومتنقلا على السواحل. القنصل خوصي الباريث بيرث. خوصي الباريث بيرث من مواليد الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وهو قنصل ورحالة اسباني، له شهدات جامعية في تخصص التجارة، وهو ما خول له الاغنخراط في العمل القنصلي، تم تعيينه سنة 1861 نائب القنصل الاسباني بالدار البيضاء بالمغرب، وقد تولى كذلك مهمة نائب القنصل الاسباني بتونس سنة 1865 وتولى المنصب ذاته بالبرتغال سنة 1865 قبل ان تتم ترقيته بها الى درجة قنصل سنة 1868، ليتم تعينه بعد ذلك قنصلا من الدرجة الثانية بالصويرة سنة 1873 وهو المنصب الذي تولاه الى حدود سنة 1879، وقد اكسب العمل القنصلي بالمغرب البيرث بيرث خبرة كبيرة حول المغرب وذاع صيته كافريقاني شهير فتمكن من العمل الى جانب العديد من الجمعيات الجغرافية، واحتل منصبا مهما بالجمعية الاسبانية للافريقانيين والاستعماريين منذ تشكيلها في 26 دجنبر 1883، خولته وحينما حصلت هذه الجمعية على منحة حكومية للقيام برحلة استكشافية للسواحل الصحراوية كان البيرث بيرث اول المدعوين لاجراء هذه الرحلة التي انطلقت سنة 1886 والتي الف بشانه مقال مقتضب عنونه ب “في الساقية الحمراء”. خوليو ثيربيرا بابييرا ولد ثيربيرا ببلدة سيغوربي الواقعة بمنطقة كاستيون في 26 يناير 1854 حيث درس العلوم الفيزيائية والطبيعية بجامعة بلينسيا قبل ان يضطر سنة 1874 لمغادرتها والالتحاق باكاديمية الخيالة ببلد الوليد التي تخرج منها برتبة فارس، كلف بمهمة بالمغرب سنة 1877 زار خلالها مجموعة من المدن المغربية ودون ملاحظاته التي كونها في هذه الزيارة في كتاب عنونه ب “الجغرافية العسكرية للمغرب” والذي نشر سنة 1884، وقد عاد الى المغرب مجددا سنة 1884 متنكرا في زي مغربي بعد ان تخرج من كلية الهندسة العسكرية سنة 1878 برتبة ملازم، وهي الرحلة التي جمع فيها معطيات عسكرية عن المغرب نشرت تفاصيلها في كتاب بعنوان ” رحلة داخلة المغرب” سنة 1886. وقد تفرغ سنة 1886 للعمل في مجال الطباعة في برشلونة قبل أن يتم استدعاؤه من طرف جمعية الجغرافيا التجارية للقيام برحلة استكشافية بمنطقتي واد الذهب وآدرار التمر في السنة نفسها، وبعد ذلك تنقل بين عدة مهام مدنية وعسكرية رسمية وغير رسمية قبل ان يتخصص في الدراسات التقنية ويفتح لذلك مدرسة خاصة، ويعتقد انه توفي سنة 1929. فرنسيسكو كيروغا رودريغت. عالم اسبانبي ولد سنة 1853 بمدريد، عمل والده طبيب بيطري ومدرس بكلية البيطرة بمدريد، وقد زاوج فرنسيسكو بين دراسة الصيدلة والعلوم الطبيعية تخصص البتروغرافيا أي علم الصخور، وحصل على الدكتوراه في هذا التخصص سنة 1879، وقد عمل سنة 1879 كمساعد متخصص في علم المعادن بمتحف العلوم الطبيعية بمدريد وتمكن من انجاز دراسة تصنيفية لأنواع المعادن التي قدمتها البعثة الإسبانية لمنطقة المحيط الهادي سنة 1862. شارك الى جانب بعثة ثيربيرا سنة 1886 الى واد الذهب وادرار التمر وتمكن من جمع العديد من المعطيات العلمية عن المجال الطبيعي الصحراوي.
فرنسيسكو بينس. فرنسيسكو بينس آركاندونيا هو كوبي اسباني ولد بهفانا في 28 يونيو 1867 من اب اسباني وام كوبية، وكان ابوه يعمل ضمن فرقة الموسيقى العسكرية التابعة للجيس الاسباني، وقد التحق بينس لاسباب اجتماعية في سن مبكرة بالاكاديمية العسكرية بهفانا وعمره لا يتجاوز 15 سنة وتخرج منها بعد ثلاث سنوات برتبة فارس، لينتقل في شتنبر سنة 1885 للعمل بمدريد، وقد شارك بينس في عدة حروب خاضتها اسبانيا بمستعمراتها سواءا بالريف المغربي او ابان الحرب الكوبية التي ادت الى فقدان اسبانية لكوبا نهائيا سنة 1898، سنة 1900 سيصل بينس الى جزر الكناري ضمن كتيبة المشاة التي قضى فيها ثلاث سنوات قبل ان يتم اختياره من طرف السلطات العسكرية بكناريا لتولي منصب الحاكم العسكري والسياسي لواد الذهب التي وصلها في 17 يناير 1904. وقد اسس لسياسة ودية تروم استقطاب السكان المحليين ومهادنتهم. وقد عمل بينس خلال مدة 22 سنة التي قضاها بالصحراء الى ترسيخ التواجد الاسباني بالمنطقة، واعتمد في ذلك على توسيع مداركه واستكشافه للدواخل الصحراء فقام برحلتي للدواخل سنتي 1907 و 19011. وقد توفي سنة 1949 لتحمل مدينة الطرفاية اسمه بيلا بينس تكريما له الى حدود 1958 بعد استرجاعها. اينريكي دالمونتي. ولد اينريكي دالمونتي أي موريل سنة 1858 بمدينة قادس من ام اسبانية واب اطالي، دخل سنة 1876 مدرسة هندسة الطرق وقد تركها بسبب وفاة ابيه والتحق بالعمل في مجال ادارة المناجم وهو ما اهله للاشتغال في اللجنة المشرفة على رسم الخريطة الجيولوجية لاسبانية التي اشتغل فيها الى غاية مارس 1880، وقد اشتغل بالفلبين بالمفتشية العامة للمناجم، وقد قام بعدة رحلات بالفلبين والجزر الاندونوسية مدعومة من الحكومة الاسبانية، وقد زار كذلك غنيا الجديدة والهند الصينية والارجنتين وملانيزيا ، ويعد دالمونتي من اهم الجغرافيين الاسبانيين الذين اشتغلوا بالفلبين. وقد قدر عدد الخرائط التي انجزها عن الفلبين ب 22 خريطة تم نشر معضمها. وقد اشتغل الى جانب الجمعية الجغرافية لانجاز مهام تتعلق بالمشروع الاستعماري في افريقيا وخاصة في الصحراء الاسبانية وخليج غنيا، حيث كلفته بمهمة بالمنطقة سنة 1913 . ليتوفى سنة 1917 بعد غرق السفينة ايزاغري بسبب اصطدامها بلغم بحري بالسواحل الفلبينية ابان الحرب العالمية الأولى.
المحور الثاني: الصحراء من خلال نظرة الرحالة والمستكشفين. الجغرافية والمؤهلات الطبيعية. من نتائج رحلة خواكين غاتيل التي قادته لمنطقة وادنون وتكنة رسوم انجزها عن مصبي واد درعة وواد الشبيكة ورسم للمناطق المحيطة بأكلميم. ويظهر أن غاتيل كان دقيقا في وصفه حيث أنه ومن خلال الملاحظات التي أوردها حاول تقريب صورة لجغرافية المنطقة بشكل دقيق جدا، فتحدث عن الحدود الجغرافية لمنطقة وادنون وعن أهم الأودية بالمنطقة وطولها والتي حددها في 24 وادي ونهر، عشرة منها تصب في المحيط، وعن أهم الممرات التي يسلكها السكان المحليون –معبر لبريجة، بوكدية، شمر…- وعن الغطاء النباتي السائد بها وطبيعة المناخ، فمثلا يورد أن درجة الحرارة قد بلغت يومي 24 و 25 دجنبر من عام 1864 بأكلميم حوالي 16 درجة على الساعة السابعة صباحا وارتفعت خلال منتصف النهار إلى درجة لا تطاق كما أن الأمطار موسمية وقد ينقطع المطر لفترات طويلة. أما ثيريرا فقد أورد في محاضرته التي ألقاها في 02 نونبر 1886 عن تجربته الشخصية في الرحلة التي قادته إلى الصحراء مابين واد الذهب وأدرار التمر مجموعة معطيات عن المجال الصحراوي، وهو مجال ذو طبيعة مناخية قاسية يميزها الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ويذكر أن مجال الصحراء ينقسم إلى مناطق عديدة يتم تمييزها عن بعضها البعض بحسب مميزات التربة أو الشكل الطبوغرافي، كما تعرف هذه المناطق باسم قبيلة أو زعيم مشهور، ويصف ثيريرا منطقة تيرس بالقول: هي هضبة منبسطة تنتشر فوقها تلال متفرقة ومتباعدة تبرز في كثير من الأحيان على شكل جزر صخرية بداخل بحر من الرمال المتحركة، وقد ميز ثيريرا المنطقة التي زارها بضعف الشبكة الهيدروغرافية بحيث تصبح الآبار هي المصدر الوحيد للمياه، وقد أورد في هذا الإطار لائحة بأسماء الآبار والاماكن التي توجد فيها. وقد أنجزت بعثة ثيريرا تصمصم لشبه جزيرة الداخلة كما حددت ثمانية نقاط بواسطة الإحداثيات الفلكية. وقد إسطحبت بعثت ثيريرا معها الخبير في العلوم الطبيعية كيروغا، الذي قدم دراسات طبيعية أكثر دقة شملت المجال الجيولوجي والمناخي والنباتي الصحراوي، رغم أنه أورد مجموعة صعوبات واجهته في عملية البحث من بينها كما قال تعصب سكان المنطقة والانتقال السريع من منطقة إلى أخرى، إلا ان إستقرار كيروغا وبقية البعثة لاكثر من شهر بشبه جزيرة الداخلة ساهم في تسجيل العديد من المعطيات الجغرافية والطبيعية. وقد لفتت دراسة كيروغا الطبيعية الإنتباه إلى ان منطقة تيرس قد تكون منطقة تضم معدن الحديد او هي قريبة من مناطق تضم هذا المعدن، حيث رجح أن يكون اللون الأسود القاتم لصخورها يعود للتكوينات المعدنية الحديدية، الى جانب المعطيات الجغرافية والمناخية والنباتية التي أشار اليها الباحث كوريغا فقد أشار كذلك إلى الوحيش السائد بالمنطقة والذي يقول أنه يتكون أساسا من الضباع وابن آوى والفهود والذئاب والثعالب والضباع والأرانب البرية وفئران الحقل والعقارب والثعابين والغزلان. أما حديث الضابط بينس عن المجال الطبيعي الصحراوي فقد غلبت عليه اللغة الإنشائية البعيدة عن التخصص، فيصف المجال الذي تنقل فيه بالقول أنه مجال عقيم غير صالح للزراعة وهو عبارة عن سهول ممتدة تتخللها في بعض الاحيان هضاب قليلة الارتفاع، كما يقول إنه مجال حزين وخاصة لمن يشاهده أول مرة، حيث تتميز المنطقة بضعف الغطاء النباتي والذي يتشكل في الغالب من بعض النباتات الشوكية بالاضافة الى بعض الاعشاب. وحيث يغيب الغطاء النباتي فإن المنطقة تغطيها الرمال البيضاء والصفراء وتبقى الآبار هي المصدر الوحيد للمياه في هذا المجال القاحل تتناثر لعض الآبار هنا وهناك. أما دالمونتي، فقدم الحدود السياسية والجغرافية للمنطقة المعروفة بحسبه لدى الرأي العام بالصحراء الإسبانية، والتي حددها شمالا بواد درعة وخط الطول 11 غرب باريس وخط العرض 27.40 من الجنوب، وجنوبا وشرقا الحدود البرية التي اتفق عليها في معاهدة باريس 27 يونيو 1900، وتنطلق هذه الحدود من نقطة تقع على الساحل الغربي من شبه جزيرة الرأس الأبيض، وبعد تحديده للحدود أفرد دالمونتي في دراسته خمسة فصول تتناول معطيات عن الشبكة المائية والتيارات البحرية والتشكيلات السطحية والطبوغرافية والمناخ والغطاء النباتي ووحيش المنطاطق المتاخمة للبحر. ويحيل دلمونتي في دراسته وفي سياق حديثه عن البنية الطبيعية على نتائج بعثة 1886 السالفة الذكر، مذكرا ان كتابه جاء كملحق وصفي للعمل التقني الذي تقدمه الخريطة الجغرافية المرفقة والتي كلف بانجازها من طرف الجمعية الملكية بمدريد، حيث يعتبر أن انجاز خريطة الصحراء الإسبانية مهمته الرئيسية وهدفه الأساسي. السواحل الصحراوية. كانت السواحل الصحراوية من بين أهم اهتمامات الرحالة والمستكشفين اللذين تناولهم الكتاب، فحاولت دراساتهم اعطاء وصفا وتحديدا لمختلف الرؤوس الوخلجان البحرية، واهم المناطق التي تصلح لرسو البواخر والسفن، والتي من الممكن بناء فيها موانئ بحرية، واهم نقاط الماء بالسواحل. وهذا راجع الى أن الاطماع الاستعمارية الاسبانية كانت متعطشة للسيطرة على السواحل الصحراوية واستغلال الثروة السمكية. فغاتيل أعطى وصفا للساحل الممتد من واد أساكا بأكلميم حتى رأس جوبي بالطرفايا، ساردا أهم الآبار بهذا الساحل. ويبقى خوصي البيرت بيرت هو من أعطى الوصف الدقيق للسواحل الصحراوية بإعتباره أفريقاني مدافع عن ضرورة دراسة هذه السواحل وأهميتها، وله معارف حول السواحل المغربية لعمله كقنصل اسباني بالصويرة، ولمشاركته في بعثة بلاسكو دي غراي 1878، فرحلته توجهت بالأساس الى دراسة الساحل الصحراوي، من خلال الابحار في بعثة بمحاذاة هذه السواحل على متن ثلاث مراكب رفقة العميد المتقاعد خوصي كامبوس موليس، وقد حطت رحلة البريت بداية في ساحل منطقة لعوينة وهي المنطقة التي تسميها الخرائط الاسبانية ب Méano لتنزل بعد ذلك بمنطقة النعيلة التي يذكر ان اسمها الاسباني هو Boca del rio. بعد منطقة النعيلة يذهب الباريث لوصف رأس جوبي. وقد خصص دالمونتي حيزا مهما في دراسته للساحل الصحراوي الممتد من مصب واد درعة شمالا الى شبه جزيرة الرأس الأبيض جنوبا رغم انه لم يتنقل ميدانيا على طول هذه السواحل لدواعي امنية بفعا اشتداد المقاومة المحلية، فركزت دراسته الميدانية على مركز الداخلة. وهو ما انعكس على نتائجه واستنتاجاته التي كانت فضفاضة حول بقية المناطق ودقيقة حول منطقة واد الذهب. لذا فقد اعتمد في دراسته على معطيات ونتائج الكتابات السابقة حول السواحل الصحراوية. وتجدر الإشارة أن دالمونتي اعتمد الطوبونوميا الاسبانية في تحديده لمناطق السواحل الاسبانية ليقدمها كمناطق اسبانية محاولا تغييب الأسماء المحلية والتي هي في الغالب أسماء عربية وامازيغية، وقد اوردت دراسة دالمونتي خرائط جغرافية لثلاث مواقع ساحلية أساسية وهي منطقة النعيلة ومرسى الطرفاية ووادي الذهب. ويشير دالمونتي إلى ان الشواطئ الصحراوية تتشابه كثيرا من حيث الخصائص الطبوغرافية وهو ما شكل مشكلة للصيادين الكناريين الذين كانو يترددون على الساحل الصحراوي. المؤهلات الاقتصادية والتجارية. يبقى الهاجس الأساسي وراء الرحلات والاستكشافات التي استهدفت الصحراء خلال فترة نهاية القرن التاسع عشر، هو الهاجس الاستعماري، وهاجس الاستعمار هو الهاجس الاقتصادي والبحث عن موارد وأسواق جديدة. لذا فإن الرحلات والكتابات التي تناولت الصحراء حاولت تحديد المؤهلات الاقتصادية للمنطقة واهم نقاط قوتها وضعفها. فقد تعرض الرحالة خواكين غاتيل في نص رحلته لموضوع الموارد الطبيعية والأنشطة الاقتصادية الموجودة بالمنطقة. وقد شكل هذا محور رئيسيا في مهمته. فيذكر ان مطقة وادنون هي منطقة فقيرة عموما، ومن أهم مواردها الطبيعية شجر أركان وعسل الغموس، لهذا فان تربية النحل هي نشاط اقتصادي أساسي لدى مجموعة من القبائل كأولاد بوعيطة وبطن أولاد ساعد المنتمي لقبيلة ايت لحسن. كما يرى غاتيل ان تربية الماشية تمثل أهم مورد، حيث تتشكل القطعان من الإبل والماعز والأغنام، كما تتعاطى بعض القبائل كقبيلة أزوافيط لتربية الأبقار، وقد قدم غاتيل بعض الإحصائيات التقريبية لأعداد القطعان من الإبل والأغنام. ولاحظ كذلك أهمية النشاط الزراعي بالجزء الشمالي الذي يوفر أراضي صالحة للزراعة وخاصة زراعة الحبوب. كما لاحظ ضعف نشاط الصناعة وتحدث عن وجود صائغ يهودي وثلاثة نجارين وخمسة حدادين وستة صانعي أحدية يهود وبعض البنائين ونساء يهوديات ينسجن الاحيكة. وذكر غاتيل أن العملة المتداولة في منطقة وادنون هي العملة المتداولة بالمغرب بنفس القيمة، كما تحدث عن الثروة المعدنية بالمنطقة معتبرا انها ليست مهمة كما هو الحال في منطقة سوس. وقد كان الهدف الرئيسي لرحلة خوصي الباريث سنة 1886 هو دراسة المؤهلات التجارية للمنطفة والتعرف على على امكانيو اقامة مشروع تجاري بسواحل منطقة تكنة والساقية الحمراء بعد تراجع محطة ماكينزي بالطرفاية، وهو ما حذا به لتحديد اهم المواقع الساحلية الصالحة لاقامة مواقع تجارية ومراسي للبواخر والسفن كما سبق ذكر ذلك. وقد نقلت تقارير بعثة ثيربيرا معلومات عن وجود مؤشرات تدل على توفر معدن الحديد بدواخل المنطقة الى جانب الملح الذي يستخرج بكميات كبيرة من سبخة ايجل اذ يصل امتداد هذه المملحة البيضاوية الشكل الى حوالي ثلاثين كلم. ويذكر الضابط بينس ان الاهالي قد اخبروه بوجود مناطق صالحة للزراعة الحبوب وخاصة الشعير بالصحراء كمنطقة تنيغير، ويورد انه شاهد امتدادات كبرى لمناطق مزروعة بالحبوب خاصة بادرار سطف والتي يمكن ان تكون فيها الزراعة افضل من ادرار الفرنسي. وقد تحدث بينس كذلك عن تربية المواشي كاهم نشاط اقتصادي بالمنطقة، وعن الثروة السمكية التي تزخر بها سواحل المنطقة، ويتوقع ان تختزن باطن الصحراء ثروة معدنية مهمة حيث يحتمل وجود معادن الفضة والذهب والحديد بالعديد من المناطق الداخلية. ورغم ضعف الموارد الطبيعية والفقر الكبير الذي يعاني منه المجال بحسب بين سالا انه يمكن الاستفادة من هذا المجال باستغلال الثروة السمكية وتنمية النشاط التجاري حيث تتميز المنطقة بموقعها الاستراتيجي. لقد اعتبر دالمونتي الصيد البحري من بين أهم الأنشطة الاقتصادية، لذا فقد تحدث بإسهاب عن هذا النشاط، موضحا الكيفية التي يتم بها ممارسة هذا النشاط محليا والمجموعات البشرية المحلية التي تمتهن هذا النشاط خاصة ايمراكن التي اقبلت عليه باساليب تقليدية وادوات بسيطة بسبب انعدام القوارب، ويتميز الساحل الصحراوي بحسب دالمونتي بتنوع بيولوجي مهم، ويميز في هذا المقام بين انواع مستقرة واخرى متنقلة، وقد قدم لائحة بالاسماء الاسبانية والعلمية لمختلف الكائنات البحرية السائدة بالمنطقة. وقد تاسست عدة شركات لاستغلال الثروة السمكية الموجودة بالسواحل الصحراوية ومن اهمها الشركة المعروفة بإسم Pesquerias Canario Africanas التي تاسست سنة 1882 على جزيرة Garciosa ، كما مارست الصيد بالسواحل الصحراوية شركة Transatlantica de Barcelona التي كان لها فرع بجزيرة الداخلة في تلك الفترة، وقد اقامت هذه الشركة جسر بحريا عائما بمنطقة الركيبة لتسهيه عملية التبادل التجاري. لقد شغلت التجارة حيزا كبيرا من تطلعات واهتمام الشركات الإسبانية التي كانت تدفع بمزيد من الهيمن الاستعمارية للمنطقة من اجل تأمين تجارتها واستغلالها الاقتصادي. البنيات الاجتماعية والبشرية. حاولت كتابات الرحالة والمستكشفين إعطاء صورة عن البنيات الاجتماعية السائدة بالصحراء وطبيعة المجموعات البشرية بها، وكذا عاداتهم وقيمهم وتمثلاتهم ومعتقداتهم الدنية، وكذا مختلف المراتب الاجتماعية وتحديد القبائل النافذة والمؤثرة، وطرق عيشهم وانتجاعهم، بل ان بعض الرحلات نقلت تفاصيل دقيقة تناولت الماكل والمشرب بل وحتى طرق الجلوس والغناء…الخ. وهي ما يبين دائما ان عيون الرحالة والمستكشفين ظلت مفتوحة لجمع كل ما تراه مهما كان غير مهم وذلك لتكوين بنك معلومات تستند عليه السياسة الاستعمارية. لقد رجع دالمونتي بتاريخ التواجد البشري بالصحراء الى فترات ما قبل التاريخ حيث يرى ان أقدم من استوطن المنطقة الجنوبية من المغرب هو العنصر الاثيوبي ذو البشرة السوداء وينقل دالمونتي بعض الإشارات التاريخية التي أوردها رحالة ومؤرخون رومان وإغريق وقرطاجيين عبروا ساحل المنطقة واتصلوا بسكانها. كما ورد في الكوزموغرافيا ما نصه ان هؤلاء الاثيوبيين استوطنوا منطقة تسمى موريتانيا تاوجد بها صحاري كبرى وبعض الجبال وبساحلها توجد ثلاث جزر ممتدة داخل المحيط، وقد اختلط هذا العنصر بمجموعات اثنية اخرى خاصة بعد هجرات القبائل العربية ودخول الإسلام. وقد قدم دالمونتي تأطيرا تاريخيا للعنصر البشيري بمنطقة الصحراء، كما قسم المجتمع المحلي الذي ساد الصحراء في فترته لأربع فئات، وهي، فئة أولى تضم القبائل المحاربة، وقد اعتبرها فئة سامية، ثم فئة ثانية تضم القبائل الدينية وهي قبائل متعلمة وأمازيغية في الغالب. ثم الفئة الثالثة والتي تضم الزنوج و”ازناكة” ورغم انهم ليسوا عبيدا بالمفهوم الدقيق للكلمة ولكنهم ليسوا نبلاء كالفئة الأولى والثانية، والفئة الرابعة وهي فئة تسمى باللحمة وتضم في الغالب العبيد الذين يشير دالمونتي انهم تعلموا القراءة بفضل عيشهم مع القبائل الزاويا وقد اصبح مستواهم افضل من الفئات المحاربة. كما تحدث دالمونتي عن عادات اللباس بالصحراء والنظافة والغذاء، وعن التدافع القبلي من حرابة وغزو، وتطرق كذلك لعلاقة الساكنة بالدين فيورد أنهم عموما من المسلمين غير أنهم لا يمارسون الشعائر الدينية بنفس الحماس. حاول غاتيل التطرق للعديد من التفاصيل عن الحياة الاجتماعية بمنطقة وادنون وتكنة، فتحدث عن القبائل التي تستقر وتنتجع بها، وقد أعطى في مرات عديدة فروع كل قبيلة وقدر عدد خيامها كما كان يقدر عدد الرجال القادرين على حمل السلاح، فقد قبائل وادنون وتكنة بثلاثين قبيلة مشكلة من حوالي 7700 خيمة بالإضافة إلى المنازل الموجودة باكلميم حيث تستطيع هذه القبائل تقديم 8800 رجل مسلح. كما تطرق غاتيل لظاهرة الحرابة القبلية فأورد معطيات عن قبيلة مشظوف وشرها مع أولاد دليم. كما أورد معطيات عن طريقة عيش قبائل تكنة وسكان وادنون وعن العمران بالمنطقة. يذكر ثيريرا أن المنطقة الساحلية من صحراء واد الذهب تستوطنها بعض العائلات الفقيرة التي تنحدر من مجموعات قبلية اعتادت العيش على الشواطئ ولا تجرؤ على اختراق دواخل الصحراء تعيش على السمك وتسكن ما بين الصخور والكهوف وقدر ثيؤيؤا عددها ب 60 فردا ويسمونهم الإسبان باهل البحر، في حين تحدث عن القبائل التي تستوطن دواخل الصحراء بكثير من التفصيل من مثل قبائل أولاد دليم وأولاد ابي السباع وبارك الله ومشظوف وقبيلة يحي بن عثمان. كما تحدث عن مكانة المرأة الصحراوية بالمجتمع واختلاف هذه المكانة باختلاف المستوى الاجتماعي للأسرة. وقد تحدث بينس عن الكثير من تفاصيل البنية الاجتماعية السائدة بمنطقة واد الذهب، كما اورد العديد من العادات الاجتماعية لهذه القبائل بحكم قربه من الاهالي وسياسته القائمة على استمالتهم، و بهذا الصدد يذكر ان سكان واد الذهب ينقسمون إلى قبائل عديدة من أهمها أولاد دليم وأولاد أبي السباع وأولاد تيدرارين وأزركيين واهل بارك الله والكرع، وقد تحدث بتفصيل عن الخيمة منزل البدوي وعن عادات المجتمع في الطعام وسلوكاته الاستهلاكية، وغالبا ما يتحدث عن ذلك بوضع مقارنة بالحياة الاروبية التي عاشها هو كضابط اسباني. وقد لاحظ بينس تشبت سكان الصحراء بالدين الاسلامي واورد طريقة قيامهم بالصلوات. النخبة والزعمات الدنية والسياسية. توقف غاتيل في نص رحلته عند موضوع الزعامات المحلية، فتحدث بتفصيل عن عائلة آل بيروك ونفوذها السياسي بمنطقة وادنون محاولا ترسيخ الفرضية الاستعمارية الرامية لتقزيم سيادة المغرب وتقسيم ترابه، وعن اسرة بيروك يقول غاتيل، يوجد في وادنون زعيم اسمه بيروك ترك بعد موته احدى عشر ولدا لازالو احياء، كما تحدث عن ابناء وبنات محمد ابن دحمان، وتحدث عن لحبيب ابن بيروك الذي سيخلف محمد ابن بيروك بعد وفاته واورد صفاته وملامحه وعدد واسماء ابنائه بالتفصيل. ويذكر غاتيل زعيما آخر من قبيلة أزوافيط ينافس عائلة بيروك على الزعامة السياسية والتجارية وهو عالي اوحماد اوسالم. في سياق حديث دالمونتي عن الزعامات القبلية والدينية وسلطتها داخل المجتمع المحلي، يرى ان سلطة هذه الزعمات هي جد محدودة وتبقى محل نقاش، ف “الجماعة” التي تتزعم القبيلة هي حرة في إصدار رأيها حيث أن المحاربين دائما يقولون أن ” لاسيد لهم إلا الله ونبيه محمد” كما اورد ثيربيرا في سياق حديثه عن القبائل الزاوية شخصية الشيخ ماء العينين الذي يذكر انه يمتلك قداسة كبيرة ويتمتع بتأثير كبير في المنطقة ويخضع له عدد كبير من المردين حيث كون الشيخ مدرسة متنقلة. وقد وصفه دالمونتي انه اراد تقليد عبد الله بن ياسين فرحل عن منطقة ادرار التمر واستقر بداية بهضبة النكجير واسس مركزه الصوفي فيها والتحق بمحله هذا العديد من الطلبة والمريدين لاخذ العلم والسماع منه فتشكلت انذاك قبيلة مهمة من الاولياء والصلحاء، وقد دفع الطموح الديني والسياسي بحسب دالمونتي الشيخ ماء العينين الى مواصلة طريقه شمالا واستقر بالساقية الحمراء واسس زاويته بالسمارة ونسج علاقات مع حكم العلويين بالمغرب، وقد كان له تاثير سياسي على قبائل اولاد دليم واهل يحي بن عثمان واولاد ابي السباع والركيبات وتجكانت ولعروصيين وازركيين وكل القبائل القوية بالصحراء التي تنتقل ما بين وادنون والرأس الابيض، كما ان الشيخ ماء العينين ربطته علاقات قوية بزعيم وادنون دحمان ولد بيروك والسلطان المغربي مولاي الحسن الأول وتم استدعاؤه سنة 1900 لمراكش لتنصيب الصدر الاعضم، وقد دعى لمواجهة التغلغل الاستعماري، حيث استعرت المقاومة بمنطقة ادرار التمر خلال سنة 1907 قبل ان تسيطر عليها القوات الفرنسية بشكل كامل بقيادة الكولونيل كورو في سنة 1909 مما اضطر الشيخ ماء العينين الى النزوح شمالا والاستقرار بمدينة تزنيت التي توفي بها في السنة الموالية ليتزعم ابناؤه المقاومة وعلى راسهم الشيخ احمد الهيبة. نتائج سياسية للرحلات والاستكشافات. لقد كانت جمعية الجغرافيا التجارية تهدف من وراء تنظيم رحلتي الباريث بيرث وثيربيرا سنة 1886 الى الصحراء تحقيق نتائج سياسية، وعلى رأسها عقد اتفاقيات مع الزعماء المحليين للمنطقة من اجل تسريع استكمال عملية الإحتلال، فيورد خوصي الباريث بيرث أنه تمكن من عقد اتفاقيات تجارية مع بعض زعماء القبائل المحلية وهما امبارك بن محمد من ايت موسى واعلي ومحمد بن بلال من ازركيين، فيورد الباريث أن المعنيين اعربوا له عن رغبتهم في تمثين العلاقات التجارية مع الكناري التي تعود لقرون، وقد كلف محمد بن اعلي من قبيلة ازركيين بالانتقال معي على مثن أحد المراكب الثلاثة المسمى El Arico الى جزيرة لانثاروطي وتمت المصادقة على معاهدة تجارية وحماية أمام الموثق العام بلانثاروطي. والغاية السياسية هي التي تعكسها التقارير التي رفعها ثيربيرا وكيروغا، حيث تذكر هذه التقارير اكثر من مرة بالدوافع التي جعلت اسبانيا تسرع باستيلائها على منطقة واد الذهب بسبب التخوف من ان ينشئ ماكينزي محطة تجارية جديدة على ساحل واد الذهب، خاصة بعد ظهور شركة تجارية بمدريد تدعم مشروعه الجديد، وتزايد الطموحات الاستعمارية الفرنسية، وهو ما دفع بإسبانية الى بناء المركز التجاري بيا ثيسنيروس بشبه جزيرة الداخلة الذي اطلق احياءا لذكرة الكاردينال الفرانسيسكاني الشهير “فرنسيسكو خمينيت دي ثيسنيروس. لقد كان الهدف الرئيسي من بعثة ثيربيرا هو توقيع معاهدة تجارية وحمائية مع زعماء منطقة ادرار التمر ، حيث تمكنت العثة الاسبانية من الاجتماع بالزعمات القبلية بمنطقة على بعد خمس كيلومترات جنوب شرق سبخة ايجل قرب بئر العيوج في 12 يوليوز 1886 وتم تحرير محضرين ينص الأول على ان أحمد بن محمد بن عيدة شيخ قبيلة اهل يحي بن عثمان قد اعترف وبحضور رجال من حاشيته بالسيادة الاسبانية على كامل منطقة ادرار التمر، حيث يخضع ولد عيدة وقبيلته لحماية الحكومة الاسبانية. واعترف المحضر الثاني بالحماية الاسبانية على المنطقة الموجودة ما بين راس بوجدور والراس الابيض غربا والحدود الغربية لادرار التمر، حيث صادق على هذه الاتفاقية مجموعة من شيوخ القبائل، وتجدر الاشارة الى ان هناك من يشكك في هذه الاتفاقيات وانها فقط من وضع اعضاء البعثة لا اكثر. ولكن اسبانية اصطنعت لنفسها حقوق ترابية من خلال الاتفاقيات التي عقدتها بعثتي بيرت وثيربيرا كما اثمرت سياسة الاستقطاب التي نهجها الضابط بينس الى استقدام بعض البدو لجزر الكناري كمحمد يحضيه السباعي الذي زار جزر الكناري لاستقبال ملك اسبانيا الفونسو الثالث عشر.
على سبيل الختم جمع الكتاب مادة علمية تاريخية مهمة ليقدمها للناطقين باللغة العربية، وهو الكتاب الذي يمكن الاعتماد على معلوماته ومعطياته في الدراسات الإجتماعية التي تروم البحث في منطقة الصحراء ومجتمعها المحلي، فالكتاب حاول لملمة كثير من المعطيات التاريخية التي تناولتها الأقلام الأجنبية الإسبانية إبان الإرهاصات الأولى للتغلغل الاستعماري، ورغم الدوافع السياسية التي تحكمت في كتابة هذه الأقلام، فانه يمكن استثمار معطياتها في رصد الثابت والمتحول بالمجتمع المحلي بالصحراء .