اثار اختفاء ناشط حقوقي في مدينة الحسيمة شمال المغرب تخوفات من عودة سياسة الاختطاف التي كانت تعرفها البلاد في العقود السابقة، وخرجت تظاهرات بالمدينة التي تعيش توترا اجتماعيا منذ عدة أشهر للمطالبة بالكشف عن مصيره قبل إصدار وزارة العددل بلاغا تتحدث فيه عن اعتقاله. واستنكرت الجمعية المغربية لحقوق الانسان (مستقلة) 'الاعتقال التعسفي' للناشط الجمعوي حليم البقالي، وخرق حقوق دفاعه أثناء فترة التحقيق معه لدى الضابطة القضائية بعد اعتقاله مساء يوم السبت الماضي 'بطريقة أثارت سخط المواطنين الذين عاينوا فصول غريبة لتدخل عنيف وصل إلى حد تشهير لسلاح ناري في وجه الساكنة'. ويعتبر حليم البقالي من ابرز ناشطي في حركة 20 فبراير في شمال المغرب وهو عضو جمعية الخريجين المعطلين بالمنطقة، وعضو لجنة متابعة الحوار مع السلطات لإيجاد حلول لمشاكل المدينة التي تعاني من التهميش وتعيش حالة احتقان منذ عدة شهور. وسبق لقوات الدرك بالمدينة أن اعتقلته حيث تعرض للضرب والاستنطاق قبل أن يطلق سراحه. وقال شهود عيان ان أربعة أشخاص مجهولين بلباس مدني، لم يقدموا أنفسهم قاموا بمهاجمة البقالي الذي تشابك معهم بالأيدي، وعندما تدخل رفاقه لمساعدته أشهر أحد الأشخاص المجهولين مسدسا كان بحوزته لتخويف الشباب الآخرين. وحسب نفس المصادر فقد تم الزج بالبقالي بالقوة داخل السيارة التي انطلقت به بسرعة نحو وجهة مجهولة وهو مادفع نشطاء حركة 20 فبراير بالمدينة إلى وصف العملية ب 'الاختطاف'، كما كتب أحدهم على صفحات الموقع الاجتماعي فيسبوك. ومنذ وقوع الحادث والمدينة التي تعيش على وتيرة الاحتجاجات منذ أسابيع، وهي في حالة احتقان كبيرة. وقال بلاغ لوزارة العدل والحريات استنادا إلى الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة أن عناصر الدرك الملكي ألقت القبض يوم السبت 12 ايار (مايو) الجاري على الناشط عبد الحليم البقالي تنفيذا لمذكرة بحث صادرة في حقه لاشتباه تورطه في أفعال إجرامية. وأضاف البلاغ أن البقالي وُضع تحت الحراسة النظرية، بالمركز القضائي بالحسيمة، ابتداء من الساعة 23 و45 دقيقة من يوم السبت بعد إشعار عائلته في شخص أخيه نجاح البقالي، وأن عبد الحليم البقالي سيحال على العدالة فور انتهاء البحث معه. وقال بيان للجمعية المغربية لحقوق الانسان ارسل ل'القدس العربي' أن البقالي 'كان متابعا في حالة سراح ولم يتخلف عن الجلسات التي دعي إليها باستثناء الجلسة الأخيرة التي ناب عنه المحامون المكلفون بالدفاع عنه باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة باعتباره منخرطا فيها'. وهو ما يتناقض مع بيان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة الذي قال إن إلقاء القبض على البقالي جاء 'تنفيذا لمذكرة بحث صادرة في حقه لاشتباه تورطه في أفعال إجرامية'. واستنكرت الجمعية ما وصفتها ب 'التجاوزات الخطيرة التي ارتكبتها الضابطة القضائية بالحسيمة والتي تتمثل في خرق حقوق الدفاع'. بما أن دفاع البقالي لم يتم إشعاره بالاعتقال إلا 'بعد إقفال المحضر مما حرم المعتقل من حقه في الاستفادة من المساعدة القانونية'. واعرب البيان عن خشيته من وجود 'نية لطبخ تهم للمعتقل في سياق خرق واضح للضمانات القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية'. ودعا المركز المغربي لحقوق الإنسان بإطلاق سراح الناشط عبد الحليم بقالي واكد المركز ان ما تعرض له بقالي اختطافا واعتقالا تعسفيا يجرمه الدستور المغربي في فصله ال23. وطالب المركز بفتح تحقيق في ملابسات اعتقال الناشط البقالي والذي رأى فيه المركز أنه تم دون سند قضائي، مؤكدا استنادا إلى شهود عيان أن عناصر أمنية بزي مدني كانت قد تعقبت بقالي قبل أن يتم صعقه بعصا كهربائية، شلت حركته ليتم اقتياده بشكل عنيف، شابه تهديد من خلال إشهار العناصر الأمنية لمسدساتهم في وجه عدد من المواطنين الذين حاولوا تخليص الناشط من الاعتقال. ورفض الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني وصف عملية اعتقال حليم البقالي ب'الاختطاف' واكد القطع مع اية ممارسة تتعلق بهذا السلوك والممارسة التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص والمواجهات الساخنة بين النظام المغربي والمعارضة. وقال الشوباني في لقاء حزبي أنه في اجتماع على أعلى مستوى أمني في الدولة، تم فيه التأكيد الحكومي على القطع النهائي مع أي ممارسة تتعلق بالاختطاف، ورفض ما وصفه البعض باختطاف الشاب عبد الحليم البقالي واوضح أنه اتصل بمصطفى الرميد وزير العدل والحريّات، وعلم أن الشاب المذكور يوجد لدى الضابطة القضائيّة ويمكن لمحاميه أن يلتقيه من الآن، كما يمكن لكل من له صلة بالموضوع أن يقصد وزير العدل والحريات كي يباشر شخصيا الإشراف على الملف والنظر فيما يمكن أن يعتبر خرقا لحقوقه المكفولة قانونيا'. من جهة اخرى دعا الحبيب الشّوباني إلى 'عصيان مدنيّ ضدّ الفساد' وقال أنّ الوقت قد حان حتّى يمتنع المواطنون عن المشاركة ضمن جميع الممارسات الفاسدة. وأشاد الوزير المكلّف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بالدور الذي سبق وأن لعبه 'قنّاص تارغِيستْ' في فضح ارتشاء بعض العناصر الدركيّة داعيا كلّ مطّلع على ممارسة فاسدة إلى 'توثيقها قبل التوجّه صوب العدالة لفتح التحقيقات باسم القانون'. واكد الشوباني ان 'التشريع يحمي المبلّغين عن حالات الفساد، وهذا يجب أن يتمّ الوعي به واستثماره للمساهمة في تقدّم البلاد وتطهيرها من الممارسات غير المقبولة'. واعتبر الشوباني بأنّ المغرب يعرف 'تحكّماً' وليس استبدادا وان الوضع ليس بذات الحدّة التي تعرفها مجموعة من الأنظمة بشمال إفريقيا والشرق الأوسط وقال 'لا نرى عيبا في مخالفتنا التقدير بشأن سرعة تقدّم البلاد وإن كان ذلك يتمّ بالوتيرة الاّزمة للوصول إلى مجتمع الحرية والكرامة والعدالة، إلاّ أنّنا نسير فعلا في الاتجاه الصحيح'. واوضح الحبيب الشوباني ان قرار الحكومة بمنع التوظيف المباشر وبدون مباراة بالنسبة للمعطلين ياتي في سياق محاربة الفساد والرشوة وقال ان 'زمن التوظيفات المباشرة قد انتهى والحرب الحقيقيّة ينبغي أن تُسلّط على الفساد والمفسدين الناهبين لثروات البلاد والمعرقلين لتوزيعها العادل، فالإدارات لا يمكنها استقبال كل خرّيجي الجامعات، والتشغيل لا يتأتّى إلاّ بتنمية الاقتصاد وخلق فرص العمل بعيدا عن المناخات الفاسدة'.