"اكتساح قسنطينة" يفرح البركانيين    قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تارجيست" أميرة الريف المنسية...
نشر في شبكة دليل الريف يوم 30 - 04 - 2012

في حديثنا عن هذه المدينة المنسية لسنا نتحدث عن هيروشيما ولا عن الفلوجة ولا حتى عن منطقة منكوبة ضربها الزلزال أو اجتاحتها كارثة طبيعية أخرى؛ بل إننا نتحدث عن مدينة تقبع وسط جبال الريف ضربها النسيان ونال منها الفساد وأنهكتها سنوات التهميش وعمت السيبة مختلف مؤسساتها واستشرى الهوان في جسدها.
قد يُخيل للمار بمحاذاة "تارجيست" أنه عريس؛ فهي بنهودها العالية و ثوبها الأبيض تبدو كعروس جمالها يغنيك عن مغالبة إملاءات النفس و ينسيك أحيانا التحري في ماضي و حاضر هذه الأنثى القابعة بقلب جبال الريف وحاضرة قبيلة صنهاجة السراير التي تعد أهم قبيلة بإقليم الحسيمة من حيث المساحة وتعداد السكان -أكثر من 15000 نسمة- إلى جانب قبيلة آيت ورياغل.
تتراءى لك ترجيست من بعيد كأميرة يعلو رأسها تاج من الجبال الشامخة التي تتوسطها خضرة غابات الأرز تارة وبياض الثلج تارة أخرى، و تزيدها زرقة سد الجمعة الذي يخترق خصرها الأيسر جمالية وسحرا، و تحلق بك تجليات الهدوء التي يوحي بها المكان الى سماء الارتياح النفسي، و تداعب جمالية اللوحة مقلتيك ويقبل نسيمها البارد وجنتيك ويرسم فوقهما حمرة ملفتة؛ فتغوص مخيلتك في عمق الرسم الإلهي الجميل، وما أن يدغدغ الهدوء دواخلك ويرخي الفضول بظلاله عليك حتى توقظك أول حفرة بالمدينة من وردي أحلامك فيتوالى السقوط المتكرر للحافلة بالحفر التي وزعت على مختلف وكافة الطرقات بما فيه وسط المدينة، وما تفتأ تستيقظ من حلمك وتخطو الخطوات الأولى بداخل لوحتك التي رسمتها سلفا في مخيلتك بأقلام إحساسك وفرشاة بصرك لتتكسر تلك الصورة المزيفة على صخرة عدسة الواقع، وسرعان ما يتبدد سحر الطبيعة وينجلي جمال الصورة الكاذب أمام صور قصف آليات الحفر وجرافات سياسات التهميش ومشاهد نيران السيبة والنهب والسلب و الجمود؛ حيث اللون الأسود يطغى على مشهد المدينة والاحتجاج الصامت يكسر الهدوء الزائف وبراكين الغضب تشتعل بداخل من لا يزال يملك قلبا وإحساسا صادقا تجاه أميرة الريف.
ما إن تحط قدميك بقلب عروس الريف حتى ينتابك إحساس غريب؛ فالمدينة التي كانت تتراءى لك من بعيد ليست كما خيل لك؛ شيء ما غير طبيعي بهذه المدينة، تحاول أن تتحسس وجوه أناسها من المارين أمامك لعلك تجد على محياهم إجابة لكن لا تبصر عيناك سوى عقولا شاردة ووجوها سمحة وأخرى بريئة تعكس طيبة سكان هذه المدينة الذين يستقبلونك بابتسامتهم المعهودة، وبعد أن تقوم بجولة تفقدية يتبين لك وبالملموس بأن بلدتنا هذه أشبه بالقرية منها بالمدينة حيث طاعون الحفر المترامية أتى على مجمل الطرقات، ومركز المدينة عبارة عن تجزئة سكنية خاوية على عروشها؛ كما أن عدد المقاهي والفنادق يفوق بكثير حجم هذه المدينة مما يطرح علامات استفهام كثيرة؟ ومع بعض التحري يتضح لنا بأن المقاهي ومقاهي الأنترنت هي أغلب الأماكن التي يقضي فيها شباب المنطقة العاطل وقته؛ يحتسي كأس القوة والشاي أو يداعب سجائر المخدرات أويلهي نفسه بأفلام أو مبارايات كرة القدم، وهكذا يمضون وقتهم ....؛ فأزيد من 15 ألف نسمة من الساكنة لا تتوفر سوى على ملعب يتيم كما أن المدينة تفتقر لأبسط مقومات الحياة الثقافية من دور الثقافة وملاعب القرب ومركبات رياضية ومراكز للتكوين المهني.
المدينة أنعم الله عليها بنسيم عليل وهواء صحي وماء عذب ومناظر تسحر الوجدان بالإضافة الى إرث تاريخي غني ومؤهلات طبيعية هامة كغابة –تيزي فري- التي لو تم إيلاؤها بعض الاهتمام والعناية لأضحت وجهة سياحية لسكان إقليم الحسيمة وباقي المدن لما تزخر به من مناظر وثروات طبيعية تأسر قلب زائرها الذي يمني نفسه بمعاودة الزيارة.
فالحديث عن تارجيست هو حديث عن مدينة خاصة يقول الأستاذ عبد الكريم القلالي ويضيف: تفاصيل حكايتها لا تنتهي، ومأساتها لا يدركها إلا من ترعرع فيها وشب بين أزقتها وشوارعها، وسبر حياة أهلها ومسيريها، فليس الصحفي البارع في البيان أو الكاتب صاحب الأسلوب البديع قادر على أن يشخص حالها مهما أوتي من قوة البيان، ولن ينبئك بحالها مثل خبير مجرب ولو كان أميا جاهلا لا يعرف ما القراءة ولا الكتابة.
كثر الهدم في هذه المدينة وتعددت وسائله، وقاومت المدينة الأبية وصمدت طويلا، لكنها في نهاية المطاف قوضت أركانها واقتلعت جذورها فلم يكن للمدينة اليتيمة إلا أن تستسلم لأمرها المحتوم الذي قضي عليها وقدر، وآلامها تتضخم يوما بعد يوم، وجراحها غويرة، رسمت العقليات المتولية أمر المدينة خدوشا عصية على الاستيعاب،نهب ... رشوة... ظلم ... حصار ... فقر مدقع ... جرائم ... سرقة ... خمور ... مخدرات ... دعارة ... ، واقع خاص من طراز آخر جعل المدينة تفقد كل شيء من أبسط أولويات ومقومات الحياة، لم تعد مدينة –وهي في الأصل مدينة أشبه بقرية-بل هي سجن معنوي ومقبرة لمن بقي من أهلها على قيد الحياة، ومن أهلها من اختار الهجرة من أجل حياة كريمة، ومنهم من آثرها سجنا ومقبرة له، مقبرة للجميع للصغير والكبير والشيخ والشاب والرجل والمرأة، والأمي والجاهل والعالم والمبدع ، فمن رأى منكم مدينة صارت مقبرة للأحياء تولى عملية الدفن ناهبوها؟
فالمدينة أحسن الله عزاءها :ستُنفذ مخزونها ... شُرد أهلها ... هُجر شبابها ... فسدت أرضها ... مُر المقام بها ... تحملت وصبرت...صرخت ... نادت ... ولا مجيب، بله ولا سامع، لا حياة لمن تنادي.
ففي غياب مجتمع مدني يؤمل منه تفعيل دور المساءلة و المحاسبة والمراقبة وجد المسؤولون والساهرون على تدبير الشأن المحلي فرصتهم للاغتناء على حساب معاناة السكان وراكموا ثرواتهم على حساب التنمية و انشغلوا بتصفية حسابات سياسية ضيقة عوض الالتفات لانتظارات وتطلعات الساكنة التي شد كثير منها الرحال نحو كل من طنجة وتطوان وفاس بحثا عن آفاق أفضل لأبنائهم و هاربين من طاعون الركود الاقتصادي الذي أصاب تجارتهم بالكساد في السنتين الأخيرتين؛ وفارين من المستنقع الذي بدأت تغرق فيه المنطقة حيث تفشت البطالة بشكل مهول في صفوف الشباب لغياب مشاريع أو استثمارات بإمكانها خلق فرص شغل حقيقية لهم ليصبحوا عالة على المجتمع وأسرهم، ناهيك عن افتقار المدينة لمركز التكوين المهني ومؤسسات و مركبات ثقافية ورياضية لكسر الجمود الثقافي والتربوي الذي باتت تترنح على إيقاعه المدينة؛ وتدهور البنيات التحتية والصراع السياسي لأعضاء المجلس البلدي وتداعياته على جميع المجالات.
زد على ذلك تدني الخدمات الصحية ونقص الأطر الطبية وشبه الطبية بالمستشفى المحلي بترجيست و تفشي الرشوة والمحسوبية والزبونية والبيروقراطية بين أروقة هذا المرفق العمومي، ورغم تدشينه يوم 27 يوليوز 2008 من طرف جلالة الملك شخصيا إلا أن هذا المستشفى خيب آمال وانتظارات سكان مدينة تارجيست وباقي الجماعات المجاورة لها البالغ عددها 13 جماعة قروية نتيجة الوضعية الكارثية التي يعيشها، كما أن اغلب الحالات يتم توجيهها إلى مستشفى محمد الخامس بالحسيمة. وفي تصريح للفاعل الجمعوي و الإطار الصحي محمد أرقراق لدليل الريف أكد بأنه على الرغم من المجهودات المبذولة من طرف وزارة الصحة بالمنطقة في مجال تطوير البنية التحتية وتحسين الولوج للخدمات الصحية؛ إلا أنه يمكن تسجيل نقص وخصاص سواء فيما يتعلق بالمصالح الاستشفائية أو المؤسسات الصحية الأساسية فالمستشفى المحلي بتارجيست رغم الآمال المعلقة عليه في تقديم خدمات صحية استشفائية في مستوى تطلعات الساكنة إلا أن مجموعة من المعيقات تحول دون تحقيق ذالك حيث:
- الغياب المتكرر للأطر الطبية المختصة مما يؤثر بشكل سلبي على تقديم الخدمات الصحية و قلة الأطر الطبية والتمريضية الكافية لضمان السير العادي بالمؤسسة و قلة المولدات والأطر الإدارية، ناهيك عن المزاجية في التسيير الإداري وطغيان المحسوبية، ووجود بعض السلوكيات غير الأخلاقية. أما بالنسبة للمؤسسات الصحية الأساسية فيمكن تسجيل : قلة الأطر الطبية والتمريضية بالمراكز الصحية و قلة الأدوية وغياب عيادة جراحة الأسنان بالمنطقة ككل، زد على ذلك غياب مركز لتصفية الدم بالمنطقة.
كما أن المدينة تفتقر لعدة مؤسسات بإماكنها توفير الوقت والمال والجهد على سكان دائرة ترجيست كمصلحة الضرائب ومركز تسجيل السيارات؛ حيث يتحمل المواطن البسيط عناء السفر إلى مدينة الحسيمة وربما المبيت فيها من أجل قضاء غرض إداري بسيط، فأين نحن من تقريب الإدارة بالمواطن؟ يتساءل أحد المواطنين الذين التقت بهم دليل الريف؟، وفيما تفتقر المنطقة لمؤسسات تعليمية خاصة سواء ما قبل التعليم الأساسي أو ما بعده فإن نظيرتها العمومية تعيش على صخب اكتظاظ مهول مما يؤثر سلبا على التحصيل الدراسي لأبناء ترجيست، كما أن المكتبة الوحيدة التي كانت تتوفرعليها المدينة وكانت قبلة للتلاميذ والفاعلين الجمعويين للمراجعة وتنظيم أنشطتهم تم تسويتها بالأرض لتستبدل لوحة مكتبة بلدية ترجيست بلوحة القطعة رقم 68 بتجزئة الأمل.
وأمام هذا الوضع المزري لم يجد الغيورون من شباب المنطقة سوى التكتل في حركة أطلقوا عليها اسم حركة شباب ترجيست من أجل التغيير خرجت في مسيرات ونظمت بضع وقفات نددت فيها بالحيف والتهميش الذي تعرفه المنطقة و بتدنى الخدمات الصحية و تدهور البنيات التحتية وبحالة الشلل التي يعرفها المجلس البلدي، ونادت بتفعيل و إخراج المشاريع الملكية المعلقة التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك سنة 2007 والتي رصد لها غلاف مالي يقدر ب 115 مليون درهم، وكان البرنامج يمتد على مدى ثلاث سنوات (2007 /2009)، وينفذ في إطار شراكة بين وكالة تنمية أقاليم الشمال ( 10 ملايين درهم) والمديرية العامة للجماعات المحلية (67 مليون درهم) ووزارة الإسكان والتعمير (20 مليون درهم)، وصندوق التجهيز الجماعي 10ملايين درهم)، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (8 ملايين درهم(، ويتعلق الأمر ببناء محطة طرقية؛ وقاعة مغطاة؛ وإعادة هيكلة الأحياء ناقصة التجهيز؛ وبناء سوق يومي؛ وتهييء منطقة ذات أنشطة اقتصادية؛ وترميم المآثر التاريخية؛ وتهييء ساحتين عموميتين؛ وكورنيش سد الجمعة؛ وفضاءات للأطفال ومساحات خضراء ومركز للتكوين المهني.
وها هي ذي خمس سنوات مضت وانقضت ولا من يشفي غليل السائل ولا من يكسر علامة الاستفهام الكبيرة التي تعلو فوق رأسه، ولا من يخرج هذه المشاريع التي من شأنها أن توقف نزيف الهجرة الذي تشهده المدينة مؤخرا وترسم إبتسامة على محيا السكان وتشكل دفعة معنوية للمنطقة وترفع نسبيا بعض الحيف والتهميش الذي عاشته المدينة ردحا من الزمن.
فجميع من التقتهم دليل الريف أجمعوا على أن واقع اليوم لا يسر أبدا وعبروا عن سخطهم تجاهه وحملوا المجلس البلدي مكتبا مسيرا و معارضة مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع بالمدينة.فحتى لجان وزارة االداخلية ولجان المجلس الجهوي الأعلى للحسابات التي عول عليها السكان وعلى تقاريرها لفضح التجاوزات و كشف ملفات الفساد التي أزكمت رائتحها الأنوف؛ لم يخرج عن الشكل الصوري و الشكلي المعتاد المتمثل في رفع التقارير وأرشفتها حتى باتت الساكنة تتساءل عن دورهم الفعلي و عن مناسبة الزيارة وما إن كان هنالك تواطؤ و تستر على فضائح وخروقات ومشاهد نهب المال العام التي صارت تعاين بالعين المجردة ولا حاجة لتدقيق الخبراء ولا لزيارة هكذا لجان لإثباتها. فإلى متى سيظل طاووس الفساد ينفخ ريشه بالمدينة وإلى متى سيظل المسؤولون يغضون الطرف عن التجاوزات و التهميش الذي تعرفه منطقة ترجيست؟ أإلى أن تتأجج الأوضاع بالمنطقة كما حصل ببني بوعياش و تازة؟
ويضيف الفاعل الجمعوي خالد الوالي:" دائما نفتخر بالإنتماء لتارجيست مدينتنا الجميلة بتضاريسها و مناخها و المتميزة بتموقعها الجغرافي و المجيدة بتاريخها و تراثها...هي مهد مقاومة الإستعمار...
لكن عند ذكر التنمية و التقدم و التحضر نتألم لأن تارجيست غطتها الكآبة في كل مناحي الحياة : الإجتماعية,الإقتصادية,الثقافية,التربوية,...
تكابلت عليها منذ الإستقلال أمواج الفساد حتى أوصلتها لهاته الحالة التي يحزن لها العدو قبل الصديق
لو شئت أن تعرف مشاكل تارجيست ما عليك إلأ ن تلج أول مؤسسة تلفتها أعينك رغم أنها تعد على أصابع اليد...لو شئت الغوص في بحر فساد تارجيست ما عليك إلا أن تبحث في أرشيف تنمية المدينة في المشاريع التي دشنت دون أن يظهر لها وجود و في المشاريع التي اختفت قبل أن تكتمل خطة التدشين و لو شئت أن تنفجر باكيا ما عليك ألا أن تتحقق من المشاريع التي بنيت..و ما عليك إلا أن تمر في أي شارع من الشوارع أو رصيف من الأرصفة التي تشق المدينة..و لو شئت أن تعرف معنى الإشمئزاز ما عليك إلا أن تسأل عن عدد المشاريع التي قدمت طلبات من أجلها.. . و لو شئت أنة تعرف مكمن الداء فما عليك إلا أن تبحث في المجالس التي تعاقبت على بلدية تارجيست,كائنات سياسية ثنائية القطب مولاة و معارضة, أسلوبها الفساد تشبعت بالضحالة السياسية و الثقافية..
تارجيست تصيح آلا بعداً للفاسدين لكنها تحتاج أن نجمع أيادينا في مواجهة أولئك المتسلطين."
لكن في تصريح لمصدر مسؤول من داخل المكتب المسير للمجلس البلدي أكد بأن البلدية ستعمل في الأسابيع القليلة القادمة على اقتناء الأراضي اللازمة لإحداث كل من مشروع المحطة الطرقية ومركز التكوين المهني ومنطقة للأنشطة الحرفية، كما أكد بأن مكتب الدراسات قد أعد دراسة تهم مشروع تأهيل المجال الحضري للمدينة ككل و تم إحالته على عمالة الإقليم، وأضاف المصدر ذاته بأن المجلس أعد برنامجا يمتد على مدى سنتي 2012 و 2013 يخص تجديد شبكة الماء الصالح للشرب بأربعة أحياء، وربط ترجيست بمركز بني حذيفة بالشبكة الكهربائية للجهد المنخفض،وتأهيل و تقوية الشبكة الكهربائية داخل المدينة، كما يخص البرنامج إعادة تأهيل 14 كيلومترا من شبكة الصرف الصحي وإحداث ملاعب القرب والتهيئة الخارجية للقاعة المغطاة.ويضيف المصدر: نحن لا نتوفر على وثائق تثبت الشراكات مع الجهات الممولة بالنسبة للمشاريع الملكية كما أن المعارضة التي تتوفر على الأغلبية تقف حجر عثرة أمام تنمية المدينة فقد رفضت عدة مشاريع نذكر من بينها ملتمس إحداث دار الثقافة و ملاعب القرب.
و من جهة أخرى أكد فريق المعارضة في تقرير حول الوضع العام بترجيست توصلنا بنسخة منه أن أملهم كان كبيرا في أن يستمر تنفيذ مسلسل التنمية الذي أشرف على انطلاقه جلالة الملك محمد السادس والذي اشتغلوا على بلورة أهدافه خلال السنتين التي تقلدوا فيها مهام التسيير الجماعي و وفقوا في إخراج العديد من المشاريع التي وصل عددها الى 20 مشروعا رغم قصر المدة التي سيروا فيها المجلس وقرب الاستحقاقات الإنتخابية، كما أكد ذات التقرير بأن عرقلة فريق الأصالة والمعاصرة للمشاريع التنموية مجرد افتراء ومجانب للحقيقة والصواب وأكد بأن المشاريع التي لم تنجز بعد لم يوليها المجلس أي اهتمام ولم يتعامل معها بالمسؤولية المطلوبة، وحسب نص التقرير دائما فلم يقم المجلس الحالي منذ تقلده مهام تدبير شؤون المدينة بأي مجهود لإخراجها الى حيز الوجود ولم يتقدم بأي مشروع جديد رغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات على انتخابه ومحاضر الدورات شاهدة على ذلك، وبدل الاستجابة لإنتظارات السكان عمد الرئيس الحالي الى اتهام المعارضة بعرقلة التنمية دون أدنى حجة ليخفي عجزه وفشله في التسيير، و يضيف التقرير بأن اعتمادات مالية تصرف دون أن يظهر لها أثر على أرض الواقع ودون أن يكون لها أثر على السكان، بل تذهب لترضية زبناء انتخابيين وممولين ساهموا في الحملة الانتخابية للرئيس.
الإرث التاريخي
لعبت قبيلة صنهاجة اسراير بالريف دورا مهما في المقاومة التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي، فحسب جرمان عياش فإن محمد أخمليش المنحدر من صنهاجة (ترجيست)كان الذراع اليمنى للأمير الخطابي خلال حرب الريف حيث أمده بأول دفعة من السلاح و أرسل 1000 صنهاجي(ترجيستي) للمشاركة في القوات الريفية؛ كما أن أسد الريف استسلم بتارگيست عاصمة صنهاجة خوفا من أن يسلمه إخوانه الورياغليين(الحسيمة) للإسبان مقابل فدية و ذلك حسب جرمان عياش دائما، ويضيف شريف أدرداك الباحث في الثقافة الأمازيغية أنه و بالرغم من استسلام مولاي موحند، استمر الجهاد ضد المستعمر لتكون آخر المعارك بقبيلة صنهاجة اسراير تحت قيادة المجاهد موح أزذاذ الذي ووري الثرى بجبل فوق ضريح سيدي مسكين، وذلك بعد أن جند الإسبان كتيبة من الورياغليين ليقتلوا رفاق الأمس مرغمين و هم يذرفون الدموع كما تقول الرواية.
فتارگيست التي تعني بالأمازيغية الرجولة و الشهامة لعبت دورا محوريا في حرب الريف نظرا لموقعها الاستراتيجي، فهي كانت ثاني مركز بعد أجدير حيث أسس فيها الخطابي مكتبا إداريا بالتشايف و أعطى بها انطلاقة أول خط هاتفي بالريف، لتصبح بعد اشتداد الخناق على المجاهدين في الشرق مقرا للقيادة العليا للقوات الريفية.
فالإرث العمراني التاريخي الذي كان يشهد على حقبة تاريخية مهمة من تاريخ المدينة تشاركته يوما مع الإسبان عرف ويعرف تدميرا ممنهجا؛ حيث أتى سيل الساهرين على الشأن المحلي على كل من الكنيسة وإقامة الضباط –التي برمجت من بين المآثر التاريخية التي وجب ترميمها- وإقامات وثكنات العسكرالإسبان تحت شعار تخليص المدينة من مخلفات الاستعمار والأسوار الآيلة للسقوط، وأن هذه البنايات ليست سوى دور للصفيح وجب هدمها وطمس معالمها, وتناسوا بأن السكن الإقتصادي الذي أنجزوه على أطلال هذا الإرث العمراني قد تحول الى نقطة سوداء يشوه جمالية المدينة بعد أن علت أسواره "طباسل ديال بارابول" و"أسلاك النشير" وأزبال الساكنة المترامية بوسط التجزئة السكنية.
ولم يسلم لحد الآن من هذا السيل الجارف لمضربي العقار ومن ولاهم من أعضاء المجلس غير دار المقيم العام الإسباني المعلمة التاريخية الوحيدة المتبقية والتي ألقى من شرفتها جلالة الملك محمد الخامس خطابه التاريخي والتي ربما تلقى مصير أخواتها من المعالم التاريخية التي كان بإمكانها أن تجعل من مدينة ترجيست قبلة سياحية بإمتياز بحكم أن العديد من الاسبان كانوا يقيمون بها ولا يزال أحفادهم ووأبناؤهم يزورنها الى يومنا هذا، فهل يا ترى ستتتدخل السلطات المعنية والجهات المسؤولة لوقف جحافل الآليات والعقليات التي لا تقيم للإرث التاريخي قيمة و وزنا ولا تعرف سوى الهدم والحفر أم أنها ستغض الطرف كما فعلت في المناسبات السابقة؟
ففي تصريحه لشريف الدرداك الباحث في الثقافة الأمازيغية قال بأنه بعد الاستقلال همشت تارگيست و قبيلة صنهاجة بإقليم الحسيمة و فقدت بريقها الذي شع مع مولاي موحند لينسى الناس تاريخها العريق و لا يتذكروها إلا عند الحديث عن القنب الهندي، كما تم طمس معالمها الأثرية كقصر العدالة و الثكنة العسكرية التي هدمت في إطار مشروع عقاري، إضافة إلى ثكنة زاركات بآيت بونصر التي لم يبقى منها سوى اسمها.
وعلى لسان الدرداك دائما :لقد أعاد قناص تارگيست المنطقة إلى الواجهة لكن سرعان ما طالها النسيان من جديد لأن مسؤوليها لا يهمهم شيء سوى ملئ جيوبهم و زيادة ثرواتهم لأن المنطقة هي منبع البترول الأخضر، فلن تنمى منطقة صنهاجة إلا إذا أحس الصنهاجيون بنعرة انتمائهم إلى قبيلة صنهاجة لأنهم فقدوا حس الانتماء إلى أصلهم.
واقع المرأة بتارجيست
إن المتأمل للصورة المجسدة للواقع التارجيستي لا يمكن بحال أن يغفل عن ملاحظة الزاوية الشاحبة التي يعكسها جانب من الصورة؛ و التي تمثل واقع الفتاة التارجيستية بشكل خاص كعنصر حيوي لكن غائب بشكل مبهم، و بقليل تمحيص و تدقيق نظر ينكشف الغموض و تتجلى ملابسات الإنعكاس الباهت لأثر الفتاة في مدينتنا.
فمن جهة أولى، يشكل غياب المرافق الثقافية بمفهومها التربوي التوعوي لبنة أساسية في بناء الجدار العازل بين الفتاة و محيطها مما ينعكس سلبا على عطائها و بصمتها بل و على كينونتها كفرد مفترض منه العطاء و التأثير، و غياب مثل قنوات التواصل و التأثير الإيجابي هذه يفتح الباب على مصراعيه لثقافة و معتقدات فكرية ينحصر استمدادها و يقتصر على وسائل الإعلام و الإتصال المرئية بغثها و غثيثها.تقول الفاعلة الجمعوية هدى الخمليشي وتضيف:
و الحديث عن المرافق التي تستوعب الفتاة التارجيستية يجرنا إلى الحديث عن بعض المرافق المعدودة على رؤوس الأصابع والتي جعلت من تأهيل الفتاة في بعض الحرف هدفها، و رغم الرؤية المحددة غير أن هذه أيضا لا تسلم من الضبابية التي تحول دون تجلي نتاجاتها في شكلها المرسوم سلفا، فمن التردد الكيفي لنفس مجالات الإهتمام إلى غياب و ندرة العتاد الكافي الكفيل بإنعاش هذا الجانب الذي له أهميته و مريديه.
و من جهة ثانية، إذا سلمنا بتأثير بعض جمعيات المجتمع المدني رغم التراجع الملحوظ لهذا التأثير بفعل عوامل شتى تتمحور أساسا حول غياب جميع أشكال الدعم في المقام الأول، فإن المؤثر التقليدي الأوحد يبقى الشاب التارجيستي دونا عن أخته الشابة و إن حضرت هذه الأخيرة فإن حضورها يظل جدا شاحب مما يعني انعدام التواصل الإيجابي مع بنات جنسها و هذا يعزى إلى غياب التأهيل، و غياب التأهيل يعني غياب المؤهل و هذا سيعود بنا إلى ما قيل في البداية لنجد أن: دخول الجانب الثقافي في غيبوبة من شأنه أن يؤثر سلبا على بواعث الفرد و أفكاره و سلوكياته في علاقته بنفسه و بمجتمعه، و الحديث هنا عن الفتاة بشكل خاص و مستهدف
و تُحصى السلبيات لتُنسى عددا!
دليل الريف : تحقيق / منير أكزناي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.