في ظرف عام واحد حاول النظام المخزني اِحراق الحسيمة في ثلاث مرات, الاولى في بوكيدارن, الثانية في مركز الحسيمة واستشهاد خمسة شبان لم يتم الكشف بعد عن الحقيقة ومعاقبة المتورطين في هاته الجريمة الشنيعة, والمرة الثالثة في ايت بوعياش مدرسة النضال والصمود والتحدي, ففي كل مرة أجد نفسي مرغما على الكتابة بغية تحديد وتحميل المسؤولية, ومحاولة الوقوف على حقيقة الواقع وتفسير الأحداث في شموليتها, والإحاطة من كل الجوانب بعيد عن أي تسرع في التحليل والحكم, متجنبا البساطة الساذجة بالاكتفاء بالظاهر, متعاليا على أي أطراف أو أجندة تحاول أن توظفني في خدمتها, أو أسعى إلى تملقها, وإنما أحاول دائما إحترام دماء الشهداء ونضال الأحرار وتضحياتهم بما يمليه علي ضميري. إن إشارتي إلى هاته النقط لم تكن مسألة "الأنا" وإنما إشارة تمكنني من استحضار بعض قراءات "النخبة" والفعاليات السياسية والتعامل بعض المنابر الاعلامية مع الحدث. أريد أن أحيي بحرارة بعض المنابر الاعلامية الالكترونية بمنطقة الريف التي واكبت الحدث رغم الحصار المفروض على المنطقة من قبل الجهاز القمعي, وفي نفس الوقت أدين وبشدة التعامل اللامهني لبعض المنابر الاعلامية التي تدّعي الحياد والشفافية والموضوعية لتعتمها الممنهج على تقديم الخبر للرأي العام الوطني والدولي منتظرة الرضى من النظام على هاته الخدمة. عندما نتحدث عن أحداث بوعياش فإننا نتحدث عن إرادة شعبية في التغيير وعن احتجاجات تقوم بها حركة 20 فبراير والمعطلين والأحرار والشرفاء من عموم المواطنين, وأي قراءة لهذا الحدث يجب أن نعطي له البعد الذي يستحقه, دون الوقوع في قراءات حبيسة للبعد المحلي للمشكل وحبيسة للتقوقع الايديولوجي الذي تُعتبر عائقا ايبستمولوجيا للوصول إلى الحقيقة ولو نسبيا. إن معالجة القضية من زاوية ضيقة جيدا خدمة لأطراف سياسية تسعى بكل الوسائل -وقد أعلنت ذلك أكثر من مرة الحكم- في إطار التقسيم الجهوي الريف الكبير, وهذا ما تأكد لنا فعلا ففي خضم المواجهات والاعتقالات ... نجد بعض الأقلام المتسرعة تكتب "مقالا" إن صح تسميته بذلك ربما كان من الأحسن أن يسميه صاحبه "سعيد العمراني" بيان منتدى شمال المغرب لحقوق الانسان إذ لم يفرق بين تحليل وقراءة شخصية للحدث وبين البيان, إذ خصص "مقال" بكامله لجعل وإعطاء أحداث بوعياش بعد محلي / جهوي, ومشروع الريف الكبير والجهوية ... الخ من المفاهيم التي تأصل للتقسيم الجهوي على مقاس المنتدى, ليس العيب أن تدافع وأن ندافع على قناعتنا السياسية والانتمائية ... لكن العيب هو استغلال نضالات حركة 20 فبراير وأحداث بوعياش لتمرير خطابات سياسية ضيقة. إن ما أثار استغرابي ودهشتي واستفز ضميري عندما حدد صاحب المقال مجموعة من المطالب المستعجلة المرتبة فجعل من "التراجع الفوري على مشروع التقسيم الجهوي لعمر عزيمان" المطلب الأول في حين أن "رفع العسكرة والحصار فوراً على بني بوعياش والمناطق المجاورة" هو المطلب الاستعجالي الثاني! أي استهتار هذا بدماء الشهداء ونضالات الأحرار والشرفاء, أليس هذا اهانة لأم الشهيد والمعتقل في يوم له قدسيته الكونية الذي يصادف 8 مارس؟ لماذا هاته المحاولة في تقزيم احتجاجات ايت بوعياش واعطاء لها بعد محلي وجهوي؟ إن من يتواجد في الميدان للاحتجاج لكسب مطالب الشعب المغربي هي حركة 20 فبراير, والحركة بايت بوعياش جزء لا يتجزأ من الحركة على المستوى الوطني واحتجاجاتها تأتي ضمن الحراك الذي يعرفه المغرب, فمشاكل بوعياش هي نفسها في بوكدارن وامزورن وتازة وطنجة ويعقوب المنصور بالرباط ... فساد مجلس بوعياش هو فساد كل المجالس الجماعية في أنحاء المغرب, ما حدث في بوعياش سبق وحدث في سيدي افني وتازة ... و1958 -1959 بالريف وسيحدث في أي لحظة في مكان اخر فهو نتيجة للسياسات المتعاقبة ... والحديث عن حل مشاكل بوعياش من منظور ضيق هي متاجرة في دماء الشهداء. الناشط في التجمع العالمي الأمازيغي تحدث الى أحد المنابر الاعلامية أن "لا بد من ايجاد حل وفتح حوار جدي لحل مشكلة ايت بوعياش", المسألة ليست بهاته البساطة الساذجة بل لا بد من أن تكون هناك اصلاحات حقيقية عميقة للقضاء على الفساد والاستبداد والحكرة... فالشهيد كمال الحساني هو شهيد الحركة الذي ناضل من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة. إن محاولة المخزن بأجهزته البوليسية في تشويه سمعة الحركة وعزلها وخلق هوة سحيقة بينها وبين المجتمع عبر تلفيق مجموعة من التهم, الالحاد الفتنة وقطاع الطرق... باءت بالفشل فما كان من النظام إلا أن يجيش عصاباته الاجرامية من القوات القمعية بمختلف تلاوينها لمواجهة الشعب, سيناريو طبقا للأصل لما قام به بالريف في 1958-1959. إن كل ما تتعرض له المدينة من اقتحامات واختطافات والمتابعات البوليسية وترويع النساء والأطفال يؤكد بأن هناك نية مبية خبيثة تريد تصفية معاقل المقاومة التاريخية وبالأخص عندما تم رفع علم الجمهورية على قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي باعتبارها النقطة التي أفاضت الكأس لما لها من بعد ودلالة كبيرة في تراثنا ورمزية تاريخنا. أدعو كل الهيئات الحقوقية والفعاليات السياسية الداعمة لحركة 20 فبراير لمساندة المناضلين في ايت بوعياش لرفع العسكرة عن المنطقة وترك المواطنين للتعبير عن مطالبهم في مسيرات سلمية وتقديم كل المتورطين في هذه الجريمة الى العدالة مهما كانت مرتبته, ودعوة إلى حركة 20 فبراير إلى توحيد الصف خارج وداخل الوطن لتحقيق مطالبنا والعمل على سد الطريق على كل الانتهازيين والمتخاذلين الذين يكتفون بمراقبة الوضع من بعيد والحديث في ركن المقاهي, فالتغيير قادم لا محال فمزيدا من الصمود والنضال. ناشط في حركة 20 فبراير فلاندرن - بلجيكا*