بتاريخ 06 يونيو 2024 أثار موقع جريدة دليل الريف الإلكترونية مشكورا، ضمن منشوراته خبرا من الأهمية بمكان، يتعلق الأمر بقصاصة إعلامية صدرت تحت عنوان أخيرا .. ميزانية مهمة لتهيئة متحف الريف بالحسيمة ، ومن أجل تسليط مزيد من الأضواء على الحدث، لا بد من وضع مشروع متحف الريف بالحسيمة، في إطاره التاريخي والحقوقي الملائم، كمحاولة شخصية مني في الموضوع، وهي على كل حال تنم ليس فقط عن مجرد الاهتمام، وإنما بالأساس عن الحيثيات والترابطات الموضوعية لملف من هذا القبيل، له حجمه الذي لا يستهان به؛ لذلك كان لابد ونحن نثير هذا الموضوع من جديد، أن نقاربه من زاويتين، ورؤيتين فارقتين، ومتقاطعتين في الآن ذاته . المقاربة الأولى ترجع إلى 19 فبراير 2006 عندما نظمت مجلة نوافذ الثقافية بقاعة علال الفاسي بالرباط؛ أشغال ندوتها الوطنية تحت عنوان : العدالة الانتقالية في المغرب- قراءة في تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة ، والتي كان من بين فقراتها؛ مناقشة موقع الريف في التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة على ضوء أحداث نهاية 1958 وبداية 1959 ، وللعلم فإن أشغال الندوة الحقوقية التي نشرت في عددها الخاص 32-33، قد تدخل فيها حقوقية وحقوقيون مغاربة؛ وكذلك أكاديميون من مختلف التخصصات، ونذكر من هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر: لطيفة الجبابدي، أحمد الحارثي، عبد الرحيم المعداني، محمد الصبار، عبد الحكيم بن شماش، عبد الحي المودن .. ونظرا لحدة النقاش وتعدد المقاربات الحقوقية على ضوء تقرير الهيأة، وهي تلكم المقاربات التي قررت عدم الخوض في السياقات التاريخية والسياسية للانتهاكات الجسيمة التي وقعت في هذه المنطقة، حجتها في ذلك ضعف أو غياب الأرشيف الرسمي بالأساس، وأحيانا تضارب الشهادات التي تم الإدلاء بها وضعفها، مما جعل الهيأة تقترح توصية تهم إحداث المعهد الوطني للتاريخ، يكون من بين أهدافه جعل هذه الحقبة من تاريخ الريف المغربي، ضمن أولوياته وانشغالاته الأساسية مستقبلا، وفي نفس الوقت الإجابة عن كل الأسئلة المؤرقة والحارقة التي تشمل العديد من نقط الظل، هروبا من طابوهات التاريخ على حد تعبير المؤرخ الفرنسي الراحل )مارك فيرو(، ومن متاهاته المعلنة وغير المعلنة . وفي هذا الصدد يقول عبد الحي المودن أستاذ جامعي وعضو هيأة الإنصاف والمصالحة، الذي كان من بين المتدخلين في ندوة مجلة نوافذ الفصلية، يقول على سبيل المثال عن أحداث انتفاضة الريف ) 1958 /1959 ( : وبالتالي، فإننا لم نتهرب من السؤال أومن الجواب عنه، ولكن لا يمكن الجواب عن هذا السؤال إلا عن طريق البحث المحترف، الذي لا ينحصر فقط في المؤرخين، بل يشمل كل من في وسعه أن يقدم وثائق مضبوطة حول هذه العملية وهذه الأحداث ، ولكون الحقيقة التاريخية في اعتقادي أهم بكثير من الحقيقة السياسية، وأيضا من الحقيقتين الجنائية والقضائية، لكونها تعتبر المدخل الأنسب نحو المصالحة المأمولة، التي تؤدي إلى مداواة تداعيات جراح الانتهاكات، وتحقيق السلم والإخاء والعيش المشترك، في ظل التنمية والبناء الوطني المكتمل الأركان . المقاربة الثانية من هذا الطرح، يتم التوقف فيها مليا وبشكل مركز، عند موضوع أهمية الكشف عن الحقيقة؛ في علاقتها الجدلية بحفظ الذاكرة الوطنية وعدم تكرار مآسي الماضي، والتربية على حقوق الانسان، التي كانت من بين توصيات المناظرة الوطنية المنعقدة بالرباط سنة 2001 بمبادرة من المنظمة المغربية لحقوق الانسان والجمعية المغربية لحقوق الانسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتاريخ القريب والمعاصر، الذي يتخوف المثقفون والمؤرخون من دخول غماره لارتباطه بحرية التعبير والرأي، كما أن تاريخ الزمن الراهن لم يكسب بعد شرعيته الأكاديمية، إضافة الى الصعوبات التي يجدها في الجامعة المغربية، لذلك جاءت توصيات هيأة الإنصاف في هذا الإطار، التي تمثلت في إحداث ماستر تاريخ الزمن الراهن منذ سنة 2010 ، وبموازاة ذلك تأسيس مركز تاريخ الزمن الراهن بالرباط سنة 2013 . في ذات السياق، وضمن هذه المستجدات والوقائع الحقوقية، فقد انعقدت بمدينة الحسيمة خلال شهر يوليوز 2011 ندوة دولية من تنظيم المجلس الوطني لحقوق الانسان، حول التراث الثقافي في الريف، أية تحافة ؟ ، تدخل فيها أزيد من أربعين مشاركة ومشاركا من داخل المغرب وخارجه، وكان عاهل البلاد الملك محمد السادس، قد وجه رسالة إلى المشاركين، عبرت عن تطلعها في أن يكون هذا المتحف في مستوى العطاء التاريخي لنساء ورجال الريف الأباة وأن يشكل هذا المتحف فضاء يساهم من خلال برامجه وأنشطته في تجميع المعطيات العلمية، المتعلقة بالتراث المادي وغير المادي لمنطقة الريف، وتحسيس مختلف الفاعلين المعنيين بأهمية الموارد الثقافية المحلية، ودورها في النهوض بالتنمية . ومباشرة، بعد هذا الحدث الحقوقي البارز والرسالة الملكية في الموضوع، فقد تم التوقيع على اتفاقية إحداث المتحف في يوليوز 2011 ، بين كل من المجلس الوطني لحقوق الانسان باعتباره صاحب المشروع وحاملا له، وبين مجلس الجالية المغربية بالخارج، والمجلس المنتخب للحسيمة، وجهة تازةالحسيمةتاونات، ولاحقا وزارة الثقافة والتواصل والشباب .. ولكن مشروع إحداث متحف الريف بالحسيمة، ظل يراوح مكانه حتى حدود اليوم، رغم وجود عدة إمكانيات ومؤهلات تساعد على الانطلاق، وإنجاز هذا المشروع الوطني والحقوقي الواعد في أقرب الآجال، وللأسف كان أيضا فرصة لدى البعض، من أجل المزايدات، وحتى التشكيك، وتوجيه الاتهامات بدون وجه حق . الآن، وقد لاحت في الأفق هذه المبادرة الجديدة التي يقودها قطاع حكومي مهم، يتمثل في وزارة التجهيز والماء، وقد رصد غلافا ماليا محترما لإتمام الأشطر الرئيسية المتبقية من مشروع المتحف، وبناء على قاعدة المسطرة القانونية الجاري العمل بها في هذا الصدد، ولنا كبير الأمل في أن تتم الأشغال بطريقة أكثر وضوحا وشفافية، وهي الرؤية التي يتقاسمها معي العديد من الفاعلين المدنيين والباحثين الأكاديميين من أبناء المنطقة الذين لهم غيرة حقيقية وصادقة، وبعيدا عن كل الحسابات الضيقة كيفما كانت دوافعها ومنطلقاتها، ذلك أن القرارات الحقوقية الكبرى التي عرفتها بلادنا مؤخرا، لم تكن بقرار أحادي من الدولة، بل إنها جاءت نتيجة دينامية مجتمعية فاعلة ومتعددة، توافقت مع إرادة عليا للإصلاح والتحديث والبناء، وخاصة منذ 1999 .