لم يكن أكبر المتفائلين من المتتبعين للشأن الكروي ومن الجماهير الرياضية بمونديال قطر 2022 أن يضع المغرب في ربع نهائي بطولة الكأس العالمية، بل كان حلم الكثيرين بأن يحقق انتصارا واحدا أو أن يتأهل إلى الدور الثاني كأكبر إنجاز، وكان ذلك سيكفي المغاربة ويعيدهم إلى الديار قبل إسكات محركات الطائرات كما يقال. لكن الأمور كانت غير ذلك، وهبت الرياح المغربة بما لا تشتهيه سفن الكثيرين، فتأهل إلى الدور الثاني على رأس أكثر المجموعات صعوبة، بل وكانت حقا مجموعة الموت، في ظل تواجد فرق قوية يحسب لها ألف حساب، بعلامات كاملة وبهدف وحيد في مرماه ومن نيران صديقة. من هنا بدأت تكبر الأحلام، وبدأت تتطلع الجماهير إلى المزيد، والذهاب بعيدا في البطولة العالمية التي لا تعترف بالضعفاء، الذين تقذفهم الناعورة إلى الديار، وتقطع حبالهم التي تمسكوا بها في الدور الأول وحتى وإن كانوا من أهل الدار. إلا أن الحسابات والمعطيات الكروية كانت تمنح للمغرب فرصة المشاركة في البطولة ضمن فرق الثمن وتوديع المونديال، بشرف المشاركة، وكان ذلك إنجازا في حد ذاته، بعد أن وضعت ريادته في المجموعة في مواجهة الجار العتيد، إسبانيا. هذا الجار الذي يحمل في جعبته بطولة كأس العالم وأوروبا، بعناصر ترتعد لها الأرجل عند ذكر الأسماء والبطولات والأرقام. إلا أن المغاربة بقيادة الركراكي، هذا الإطار الوطني الذي أنقذ المغاربة ومسؤوليها من عقدة الأجنبي، هذه العقدة التي استمرت لأجيال، وفوتت على الكثير من الكفاءات الوطنية أفراحا، وأذاقتنا أحزانا وانكسارات، مع الكثير من الأموال التي تذهب سدى، بلا نجاحات ولا لا أفراح، بل راكمنا انكسارات "وفقسات"، جعلتنا نفقد الثقة في أنفسنا، ونطيل أمد العبودية وتحقير الذات، وتمجيد الآخر حتى وإن أقل من كفاءاتنا الوطنية بكثير. إلا أن الركراكي، منح لنا جميعا فرصة وحقا في الحلم، بعد أن تأكد القائمين على شؤوننا بأن الأمم يبنيها أهل الدار، كما أنها تُهدم وتقبر أحلامها من طرف أهل الدار أيضا. طال أمد الإقامة في المونديال، وطال معه حبل الحلم، وقال الركراكي في إحدى تصريحاته بأن المغاربة أصبحوا يحلمون بالظفر بكأس العالم، ما يجعل الكثير منا، يخفي أسنانه بكفه بعد ابتسامة ماكرة مستهزئة، وهذا يبدو أمرا عاديا، في ظل تواجد الكبار في دور الربع وبين الثمانية الكبار. فبات المنتخب المغربي الضيف المزعج وغير المرغوب فيه، والمتسلل إلى البيت بلا دعوة ولا استئذان. دخل المنتخب المغربي دور الربع عن جدارة واستحقاق، أعاد منتخب "لاروخا" إلى الديار، حتى قبل أن يستفيقوا من الصدمة، التي استمرت برحيل لويس إنريكي عن قيادة السفينة الكروية في البلاد الإيبيرية، وتركت الإسبان الذين استصغر الكثيرون منهم منتخب "المورو" القادم من أفريقيا الأدغال كما قال بعضهم، حتى وإن كنا جيرانهم وعلى بعد أمتار، والأدغال هنا كروية بحكم الفرق الواسع بين الفريقين وفي الإنجازات الكروية ليس إلا، تركتهم في حيرة من أمرهم ولم يصدقوا بعد ما فعل بهم الجيران الصغار في عالم كرة القدم. كبر الحلم، ومن حقنا أن نحلم، لكن الذي يحلم أكبر من طاقاته، "يجيبها في رأسه"، وقال المثل المغربي المأثور، "على قد فراشك مد رجليك"، وهذا لا يعني أبدا أن لا نذهب بالحلم إلى أبعد مدى، علينا أن نحلم ونعمل على تحقيق الحلم، وإن فشلنا فلا جناح علينا إن لم نصل، ولكننا لن نلوم أنفسنا بأننا لم نحلم ولم نجعل أحلامنا أبعد من طاقاتنا. ولولا الأحلام لمات الفقراء هما وتعاسة كما يقال، لكن علينا أولا أن نزيح الجيران "البورطقيس" أيضا من الطريق، ثم بعد ذلك لكل حلم حديث.