مرة أخرى يكشر المخزن عن أنيابه المسمومة ويبين بأنه ماض في طريق التصفيات بهذه الطريقة أو تلك ، ليفتح من جديد جراح الماضي والحاضر لمنطقة لعبت دورا رياديا في حركة التحرير الوطني لتجد نفسها بين مخالب الوحش المخزني يتلذذ بتمزيق أعضائها عضوا عضوا وسط صمت الجبناء.فقد تم اغتيال الناشط في صفوف حركة 20 فبراير الشبابية بآيث بوعياش ، والعضو في الفرع المحلي للجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب، بذات المنطقة، المناضل "كمال الحساني" بطريقة أعادت إلى الأذهان جرائم نهاية الخمسينات التي ارتكبتها المؤسسة الملكية وحزب الإستقلال، والتي تركت جراحا غائرة لا ولن تندمل ما دام المخزن "العنصري" يقوم بإحيائها في كل لحظة وحين. وهكذا تنضاف جريمة اغتيال المناضل الصامد، ابن آيث بوعياش الصامدة، إلى قائمة جرائم الدولة المغربية في حق الريف والريفيين في محطات 1958/59 و 1984 التي تحولت فيها قرى الريف ومداشره وشوارعه المبتلة برصاص الحقد المخزني إلى ثكنات عسكرية نزف فيها الدم بسخاء المقابر الجماعية التي لا زالت تدور حولها آلاف الأسئلة... ولنا أن نتساءل مع المتسائلين، حتى لا نتهم بالآراء المسبقة والقطعية من لدن هذا أو ذاك، وفي جميع الأحوال تقتضي الموضوعية تأطير الأشياء داخل سياقاتها... فهل يمكن القول بأن جريمة قتل المناضل كمال الحساني كانت مجرد صدفة؟ أو أن عملية الإغتيال أتت بناءا على علاقة عدائية بين القاتل والمقتول كما جاء في محاضر الدرك؟ وإذا كانت الجريمة بدافع شخصي انتقامي فلماذا حدثت في هذا الوقت بالضبط؟ أي بعد أيام معدودة من رفع المناضلين لعلم جمهورية الريف في آيث بوعياش؟ وهل يمكن أن نسلم باعترافات القاتل المتمحورة حول البعد العلائقي الشخصي بين الطرفين، أي أن القتل جاء نتيجة أعمال استفزازية صدرت من طرف الهالك في حق القاتل؟ وإذا سلمنا بهذا المعطى ، فإننا سنسلم بمعطى آخر وهو أن الأعمال الإستفزازية ينتج عنها القتل العمد، وبالتالي تسجيل معدلات جريمة تفوق كل المقاييس المتوقعة ، وهو ما تكذبه معطيات الواقع، وبالتالي فهل حادث اغتيال كمال الحساني مدبر؟ وإذا كان كذلك فمن دبره؟ من يعادي المناضلين الفبرايريين والمعطلين؟ أليس هو المخزن نفسه ؟ وإلا كيف يمكن تفسير إحراق خمسة أشخاص في وكالة بنكية بالحسيمة يوم 20 فبراير وما تلاها من اعتقالات بالجملة وتهديدات بالتصفية الجسدية لمجموعة من المناضلين في مختلف مناطق المغرب، وكذا اغتيال آخرين بآسفي وصفرو؟ ثم أليست هذه الجريمة شبيهة إلى درجة كبيرة بجرائم أخرى على مر التاريخ في منطقة الريف كانت في حق أشرف المناضلين ( الطود، أقشيش، قاضي قدور، محمد أناس.. والائحة طويلة)؟ فهل يعيد التاريخ نفسه؟مما لا شك فيه أننا أمام جريمة بشعة بكل المقاييس، وتحمل أكثر من دلالة على اعتبار أن عملية اغتيال كمال حساني جاءت بعد أيام معدودة من تصدر الإطار الذي ينتمي إليه الشهيد واجهة الأحداث برفع علم جمهورية الريف في سماء آيث بوعياش، الشيء الذي يرجح فرضية أن الجريمة هي "منبه" لكل الفبرايريين لكبح تحركاتهم أو على الأقل عدم تجاوز السقف الذي تريده السلطة ، حيث تحديد السقف لطرفي المعادلة (المجتمع والسلطة) من طرف واحد ومن أجل مصلحة الجميع (الدستور الممنوح كنموذج) يعطي الإنطباع بأن المخزن لا يريد أن يخرج عن القاعدة التقليدانية المتجدرة في بنية النظام السياسي المغربي، أي أنه يرفض من يقول له "أجي أمي نوريك دار خوالي" كيف؟المخزن صنع شكل الدولة والمجتمع الذان يناسبانه ، وحدد لهما سقفا خاصا وبمعاييره الخاصة، وبالتالي أي تجاوز لهذا السقف هو غدر وخيانة وانفصال.... وما إلى ذلك من التهم المعروفة التي تقذف بها بيادق المخزن كل المناضلين المتشبثين بالخط النضالي الصامد الذي رسمه مولاي موحند وصار على نهجه جيش التحرير...ولا يخفى على أحد أن العلاقة بين السلطة وحركة 20 فبراير مطبوعة بالريبة والخوف مما يجعلنا أمام وضعية خطيرة ، ذلك أن رفض الحركة للدستور الممنوح ونداءها لمقاطعة الإنتخابات المقبلة جعلها في خط مواجهة غير متوازي مع السلطة ، بسبب أن هذه الأخيرة تظن أنها استجابت لمطالب الجماهير عبر دستورها الممنوح والمعدل مؤخرا رغم بقائه وفيا في الجوهر لروح دستور 1962 (أنظر مقالي السابق : "دستور 2011 ...ويستمر الحكم الفردي المطلق"-1-) وهو الإصلاح الشكلي/ السطحي الذي بررت، وتبرر به السلطة القمع المتواصل ضد حركة 20 فبراير، وهو ما أثار حماسا أكبر لمواصلة الإحتجاج ، بل والرفع من سقف المطالب ، وفي هذا السياق فأن يكون النظام قد شرع في قمع متزايد لهو أمر يثير القلق، فكما أنه لا يجب فقط أن الإصلاح الدستوري يساوي في حد ذاته سلطة دمقرطة، بل يظن الوعود التي يطلقها كافية لوحدها . والحال أن التنكيل بالمناضلين والمناضلات وإشباعهم ضربا لإخلاء الطريق ، وإطلاق رجال الشرطة فوق دراجات نارية في سباقات محمومة لترويع الناس ، لن تؤدي سوى إلى التنكر للنظام السياسي ومنع أي دعم له. لكن أن يصل الأمر إلى قتل المناضلين هنا وهناك من طرف جهات كيفما كانت طبيعتها ونوعيتها دون أن يجد النظام بكافة أجهزته أية تخريجة لحماية أرواح وممتلكات جميع المناضلين ، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من التذمر والإستياء والسخط على النظام الفاشل والعاجز عن القيام بالمهام المنوطة به ، وبالتالي المطالبة بإسقاطه. فكري الأزراق [email protected]