"قتلني. ماذا فعلت له؟ ومن يكون هذا الذي قتلني"؟ كانت هذه آخر كلمات نطق بها كمال الحساني قبل أن يسلم روحه بعد تلقيه طعنتين غادرتين. "أنا التيجاني. تعالوا لحل هذه المشكلة وإلا سأبيد بني بوعياش عن آخرها". وكانت هذه آخر كلمات أوصلها القاتل عبر الهاتف لشخص ما على الطرف الآخر من الخط، قبل أن يسلم سلاحه. وما بين القولين ينتصب سؤال محير ومستفز في آن واحد: من قتل الناشط الشبابي كمال الحساني؟ وبأي ذنب قُتل؟ إذاعة هولندا العالمية زارت البلدة واستمعت لشهود عيان. أيدٍ خفية بينما كان الناشطون الشباب يتناقشون في ما بينهم قرب "كشك المعطلين" استعدادا للتظاهر الذي يُنظم كل يوم أحد في إطار الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير، انقض مندس من بين الصفوف ليطعن كمال الحساني طعنتين غادرتين قاتلتين. "هناك أيد خفية وراء هذا المجرم"، يقول عبد الحليم البقالي متزعم الحراك الشعبي في بلدة بني بوعياش القريبة من المدينة السياحية الحسيمة (شمال). تلك "اليد الخفية" هي نفسها التي خطت رسائل قصيرة مهددة تلقاها البقالي. تقول رسالة وصلت صاحبها مباشرة بعد تنفيذ جريمة اغتيال كمال الحساني: ""أنا قلت لك أن تغادر الشارع. أتظن أنني كنت أمازحك؟ نجوت الآن وعلى سلامتك، إلا أن دورك آت وفي القريب (...)". تلقى البقالي، 29 سنة وحاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في شعبة الدراسات الاقتصادية، رسائل أخرى قبل مقتل كمال وكلها صيغت في لهجة مهددة ومتوعدة. "إذا تماديت سأقطع لسانك"، تقول إحداها. "أقسم بالله أن أقطعك أوصالا"، تقول أخرى. وهذا ما يدفع رفاق كمال الحساني وكافة النشطاء الشباب ومعهم شريحة كبيرة من الشعب المغربي إلى الاعتقاد في أن مقتل كمال حساني عملية "مخطط لها" و "مدبرة" بهدف ترهيب نشطاء الحراك الشبابي. حسابات شخصية الرواية الرسمية ترسم إطارا آخر مغايرا تماما. فعلى لسان وكيل الملك (النيابة العامة) في الحسيمة، فإن "حسابات شخصية" تقف وراء ارتكاب الجاني، ويدعى التيجاني، لعملية القتل. ذلك أن الجاني، وبحسب الرواية الرسمية المضطربة، سبق وأن انخرط في "الفرع المحلي لجمعية المعطلين منذ شهرين"، وأنه تلقى وعودا بالتشغيل. أضف إلى ذلك أن ناشطين شبابا قاموا بنشر صور القاتل الشخصية عبر الشبكة العنكبوتية "بهدف تشويه سمعته وسمعة أسرته ففكر في الانتقام". غير أن شباب حركة 20 فبراير في بلدة بني بوعياش ينفون جملة وتفصيلا أية علاقة لهم بالقاتل الذي يعمل مياوما ولا يتوفر على تأهيل علمي وبالتالي لا ينتمي لجمعية المعطلين من حاملي الشهادات الجامعية. وفسر البقالي رئيس فرع جمعية المعطلين والناشط في حركة 20 فبراير سرعة نشر وكيل الملك لبلاغ يوضح فيه حيثيات الجريمة، بأن السلطات تحاول بسرعة "طي ملف" كمال الحساني: "هناك محاولة لتسريع طي هذا الملف بتقديم الجاني للمحاكمة وإنزال عقوبة معينة به. ولكننا نتساءل عن أسباب محاولة الإسراع في طي هذا الملف؟ ومن له مصلحة في ذلك. إلا أننا جميعا: عائلة الشهيد، جمعية المعطلين، حركة 20 فبراير، ساكنة بني بوعياش وكل المغاربة، نطالب بالتدقيق في كل المعلومات لأننا نعتقد أن هناك أيد خفية وراء هذا المجرم". شهود عيان عشرات الشهود كانوا حاضرين ورأوا كيف قتل كمال، منهم من حاول إسعافه ومنهم من تعقب الجاني الذي ظل ممسكا بأداة الجريمة يهدد به متعقبيه حتى حاصروه قرب مبنى البلدية. وعندئذ أخرج القاتل هاتفه النقال ليهاتف به شخصا بالدارجة المغربية، بدل الريفية المستعملة في البلدة، قائلا له: "أنا التجاني .. أجيوا تحلوا هاذ الحريرة ولا نقتل بوعياش كاملة" (أنا التيجاني. تعالوا لحل هذه المشكلة وإلا سأبيد بني بوعياش عن آخرها). ومما أثار الاستغراب، يقول بعض شهود العيان لإذاعة هولندا العالمية أنه لما وصل ضابط الدرك الملكي لعين المكان بعد مرور حوالي 45 دقيقة من الحادث، سلم له القاتل سلاحه ورافقه في سيارته دون أن يقيد الضابط يدي الجاني رغم أنه شخص خطر ارتكب للتو جريمة قتل! أما كمال، فقد انهار تماما إثر الضربة الثانية. يقول مراد الطاهري، أحد شهود العيان الذي بقي بجانب كمال ورافقه بعد ذلك للمستشفى الإقليمي في الحسيمة: "كنت بجانب رفيقنا كمال الحساني حينما تلقى طعنتين واحدة على مستوى العنق والأخرى على مستوى الإبط. بقيت مع الشهيد كمال الحساني مع اثنين من المناضلين، بينما تعقب الآخرون الجاني. على إثر تلك الطعنات بدأ الشهيد ينزف ففكرت أن أقربه للمستوصف الطبي في بني بوعياش لتلقي الإسعافات الأولية. كنا ثلاثة حملنا الشهيد للمستوصف المحلي أملا في إنقاذه وألفينا الباب موصدا. اتصلنا بالوقاية المدنية أكثر من خمس مرات قبل أن تصل سيارة الإسعاف التابعة للوقاية المدنية وننقله على متنها إلى الحسيمة. وفي الطريق لفظ الشهيد أنفاسه الأخيرة". الحقيقة؟ يضاف كمال الحساني لضحايا آخرين في مختلف الأقاليم المغربية سقطوا منذ اندلاع المظاهرات الشبابية في 20 فبراير من العام الجاري. وكانت بلدة بني بوعياش الواقعة في قلب الريف (شمال) المعروف تاريخيا بعلاقة الشك المتبادل بينه وبين الدولة المركزية، من المناطق التي بادرت منذ البداية إلى الانضمام للحركة الشبابية. وتعرضت في سبيل ذلك لمناوشات متكررة مع السلطات المحلية وقوات الأمن وصلت في بعض الأحيان إلى درجة الصدام. ويعتقد ناشطون وسكان البلدة أن مقتل كمال الحساني هو الثمن الذي أدته البلدة نتيجة تعنتها. تجدر الإشارة إلى أن القاتل سيعرض أمام المحكمة في مدينة الحسيمة أيام 28، 29 و30 من الشهر الجاري.