في ثامن مارس من سنة 1857 خرجت نساء أمريكيات للمطالبة بحقوقهن العمالية وتحسين ظروف عيشهن، فتم التصدي لهن من طرف قوات الأمن التي استخدمت ضدهن عنفا مفرطا، مع إطلاق وابل من الرصاص، أدى إلى سقوط وموت 129 امرأة من عاملات النسيج الأمريكية، وفي شهر فبراير 1909 قررت اللجنة الوطنية النسائية التابعة للحزب الاشتراكي الأمريكي المطالبة بحقهن في التصويت والمشاركة في الانتخابات الذي لم يتم إقراره رسميا من قبل الدولة لصالح المرأة الأمريكية إلا في 1919 ، وجعل 8 مارس يوما عالميا للمرأة، وفي سنة 1910 خلال انعقاد المؤتمر الدولي الثاني للنساء الاشتراكيات في" كوبنهاكن" قررت النساء الأروبيات الاحتفال به بشكل دائم، ثم انتقل إلى اليابان وباقي دول العالم، وأصبح هذا اليوم فرصة مناسبة لتطارح المشاكل النسائية وكل أشكال الاضطهاد والإكراهات التي تعيشها المرأة في المناطق التي تقع فيها الحروب والمجاعة، أو التي تخضع فيها المرأة لتجاوزات فضيعة على مستوى التنظيم القانوني، ومختلف أشكال العنف المعنوي واللاإنساني. لقد نصت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان عبر كل من الإعلان العالمي لسنة 1948 والعهدين الدوليين بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقيتي الحقوق السياسية للمرأة سنة 1952 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979 ، على حق المرأة في إقامة حياتها الزوجية وإنهائها بكامل حريتها ورضاها، وأيضا على حقها في الترشيح والتصويت وتحديد مدة العمل في ثماني ساعات والمساواة في الأجر، وأن تلتزم الدول الأطراف في المعاهدات بمنح المرأة كامل حقوقها السياسية وتقلد الوظائف السياسية العامة بنفس الشروط التي تتوفر في الرجل، وقد أكد الدستور المغربي الأول في 1962 على نفس هذه الحقوق، فالفصل الخامس أكد على مساواة المغاربة أمام القانون، والفصل الثامن على الحقوق السياسية للمرأة، والفصل الثاني عشر على حق المرأة المغربية في تقلد المناصب العامة، وتضمنت ظهائر الحريات العامة في 15 فبراير1958 نفس الحقوق السياسية والمكتسبات .وإذا انتقلنا مثلا، إلى تناول الحديث عن حقوق المرأة بالعربية السعودية، فإننا ننتقل إلى مستوى آخر حيث حق المرأة مصادر بشكل نهائي على مستوى النظرية القانونية، وفرض التعيين بدل الانتخاب هو سيد الأمر على جميع المستويات بالنسبة للمرأة والرجل معا، وفي دولة الكويت يسمح سن الرشد القانوني المحدد في الواحد وعشرين سنة بالمشاركة في الانتخابات للرجل فقط دون المرأة، ويصبح الأمر أكثر قتامة وسوداوية في جمهورية إيران الإسلامية، فقد دشنت إيران ثورتها بحجاب المرأة بعد الانتفاضة الشعبية التي عصفت بنظام الشاه، ومباشرة بعد تتويج الإمام الخميني على سدة الحكم، تم طرد النساء من جميع أسلاك القضاء وشرعن الزواج ابتداء من سن الثالثة عشرة بدل الثامنة عشر سنة، وأصبح بإمكان الرجل أن يتزوج أكثر من واحدة ويطلق زوجته حتى بدون موافقة المحكمة، وفي سنة 1980 وقبل اقتراب موعد 8 مارس، ألقى الإمام الخميني خطبة تهجم فيها شتما على الرشوة والمحسوبية والبذخ والترف والعري النسائي والحضارة الغربية، وبعدها خرجت النساء الإيرانيات في مظاهرات حاشدة لاستنكار فرض الحجاب بالقوة وتأكيدهن على أن الهدف من الثورة هو التقدم إلى الأمام لا الرجوع إلى الوراء، واستقبل الخميني هذا الشكل النضالي للنساء بكونه مؤامرة مدبرة من الخارج لإجهاض الثورة الإيرانية، وبلغ عدد النساء المعتقلات في خضم هذه الأحداث 165 امرأة غير مرتديات للحجاب، وحكم عليهن ما بين الضرب بالسوط وسنتين سجنا نافذا، ورغم العقاب الذي لحق النساء غير المحجبات أو اللواتي يرتدينه بطرقهن الخاصة، فإن الاستجابة كانت ضعيفة، مما جعل حزب الله يخرج في مظاهرات للمطالبة بفرض الحجاب واحترامه، وأفتح قوسا هنا لأشير إلى أننا بصدد الدفاع عن نموذج الحجاب المغربي العادي البعيد عن الحجاب الأفغاني والشرقي الغريب والمتشدد، والإقطاعي الذي يجعل من المرأة مصدرا للغواية والإغراء والوقوع في الخطيئة، أو التصور البورجوازي المفاهيمي الضيق الذي يجعل من المرأة مجرد صورة للترويج والاستهلاك وتحقيق الأرباح ووسيلة للمتعة واللذة. وعودة لنا إلى هذا الموضوع في المغرب، بحيث تجدر الإشارة إلى أنه قبل التسعينات من القرن الماضي، كان ينظر في بلدنا إلى قضية المرأة من زاوية اجتماعية، وبعدها أخذت بعدا حقوقيا صرفا، خاصة وأن المغرب في هذه المرحلة أكد من خلال ديباجة دستورين 1992 و1996 تعامله مع حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، بيد أن المفارقة اللافتة للانتباه في الملف، هو تعدد الخطابات القانونية المؤطرة لقضية المرأة في المغرب، فبين مدونة الأسرة الجديدة، تقوم مجموعة من القوانين ترتبط بحقوق المرأة، كالقانون التجاري والمسطرة المدنية وقانون العقود والالتزامات ومدونة الشغل، فقد تم إلغاء المادة ( 726 ) من قانون العقود والالتزامات التي كانت تمنع على المرأة العاملة أن تشتغل ما لم يوافق زوجها على ذلك، وألغيت كذلك المادة (6) من القانون التجاري التي كانت تمنع المرأة أيضا من ممارسة التجارة بعد زواجها، وهذا يتناقض حتى مع المادة (35) من مدونة الأسرة التي تنص على أنه لا ولاية للزوج على مال زوجته، فهي تتصرف فيه بحرية كاملة ووفق مشيئتها دون أية رقابة. بعد مصادقة المغرب في سنة 1993 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أدخلت على المدونة تعديلات مست أربع مجالات أساسية، تتعلق بإلغاء الإجبار على الزواج، وإقرار ضمانات جديدة لفرض رضى المرأة عند الزواج، وجعل تعدد الزوجات رهن إذن القاضي، وإخضاع الطلاق لمسطرة القيود والتعويض عن الطلاق التعسفي، وتجدر الإشارة هنا أن المواجهة في مجال الأحوال الشخصية خلال هذه الفترة الزمنية لم تعد بين الدولة والقوى الاجتماعية الحداثية، بل انتقل الصراع إلى قوى اجتماعية مختلفة الرؤى والتصورات، وفي سنة 1999 أعدت كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي قدمها الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي إلى الرأي العام المغربي في التاسع من مارس من نفس السنة في حفل رسمي حضره نائب البنك الدولي باعتباره يمثل المؤسسة المالية الممولة للمشروع، بالإضافة إلى بعض الوزراء من الحكومة. إن فشل الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تضمنت حوالي 215 إجراء لفائدة المرأة المغربية- إذ نصت على حق المرأة في التعليم والصحة الإنجابية والتنمية الاقتصادية والسياسية للمرأة- يرجع بالدرجة الأولى إلى أن هدف الخطة الوطنية كان يرمي نحو تغيير الأدوار التقليدية للمرأة، وتعزيز مكانتها في الفضاء العام والحياة الاجتماعية والسياسية لتتقوى بعد ذلك مكانتها داخل البيت وفي وسط الأسرة، ولكن قوة الاختلاف والمواجهة أدت إلى نتيجة عكسية، فتحولت الإشكالية من قضية استراتيجية تهم المجتمع ككل إلى قضية فقهية ترتبط بالأحوال الشخصية التي عرفت بعد ذلك طريقها في اتجاه ميلاد "مدونة الأسرة"، ولعل هذا الإخفاق هو الذي يفسر ظهور "الكوطا" النسائية في الانتخابات المحلية والتشريعية بعد ذلك، وبالدرجة الثانية إلى مطلب التمكين الذاتي والقانوني المتمثل أساسا في مقاربة النوع الاجتماعي الذي يؤكد على ضرورة مشاركة المرأة في صنع القرار وحضورها بشكل وازن في مؤسسات الدولة وأجهزة القرار السياسية للأحزاب والعمل على مأسسة الحصة الانتخابية كمرحلة انتقالية، فهي فقط تخدم الديمقراطية وليست من جوهرها، في انتظار المراهنة على التحول الاجتماعي وتطور العقليات والثقافة السائدة، وكذلك استئصال العلاقة العمودية مع الرجل في أفق التأسيس للعلاقة الأفقية المبنية على الديمقراطية التشاركية، ذلك أن الحركات النسائية المغربية على الرغم من حركيتها والوعي الجديد الجديد الذي تمثله، فإنه نظرا لنخبويتها وحداثة وجودها، لم تكن قوتها لترقى إلى منافسة النزعة المحافظة التي كشفت عنها مسيرة الدارالبيضاء الضخمة عشية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة خلال سنة 2000 مقارنة مع مسيرة الرباط المدافعة عن خطة إدماج المرأة في التنمية، مما يؤذن بشرخ اجتماعي عميق شبه البعض خطره آنذاك بحرب أهلية رمزية. ومن أجل تفادي خطأ التسرع والإقصاء الذي وقع فيه معدو الخطة الوطنية، رغم ادعائهم تبني النهج التشاركي التوافقي، فقد تجاوزوا ستشارة علماء المؤسسة الدينية ضاربين بعرض الحائط مكانتها في المجتمع ورمزيتها الدينية وارتباطها التاريخي والسياسي بقضية المرأة، على الرغم من إمعانهم في التمسك بالرؤية الدينية التقليدية التي تتعارض مع الرؤية الإصلاحية القانونية في موضوع تعديل قانون الأسرة، إذ لا يمكن أن ينهض ذلك كمبرر يسمح بعملية تهميشهم، فإن اللجنة الملكية الاستشارية لتعديل المدونة بتاريخ 27 أبريل 2001 عملت على تصحيح هذا الوضع، وذلك بانفتاحها على كافة المكونات الممثلة للمؤسسة الدينية وأخذ آراء ومقترحات جمعيات نسائية كثيرة تجاوزت الثمانين وعدة هيئات سياسية وحقوقية أخرى، وأثناء اشتغالهم انحصرت القضايا الخلافية في ثمانية نقط رئيسية، اتبعت بشأنها منهجية موفقة في العلاج، وتركز الإصلاح الجديد على العناصر الإحدى عشر المعروفة، مرفوقة بالتأصيل الشرعي لها من مصادر الشريعة الإسلامية، فجل الدول تحترم دينها وتضع أحكاما للأسرة انطلاقا من عقيدتها، كما أن معظم الحركات النسائية المغربية في خطابها ومطالبها حرصت على المناداة بإصلاح وضعية المرأة انطلاقا من المرجعية الإسلامية وداخلها في إطار عملية تحديث الإسلام، وعملا في الوقت ذاته على تكسير الاحتكار الديني التقليدي على التشريع المرتبط بمدونة الأسرة(= الأحوال الشخصية سابقا). إذا كان الدين يعتبر المصدر الرئيسي الذي يغذي مختلف الثقافات الإنسانية، من شعر وآداب وعادات وأعراف، فإنه يوظف أحيانا بطريقة سلبية تكرس دونية المرأة، فالحديث النبوي الشريف: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ينبغي أن يوضع في سياقه التاريخي والديني الصحيح، ولا يمكن اتخاذه حجة على عدم تولي المرأة للمناصب السياسية، لأنه يشير إلى الولاية العامة، وهي الرئاسة العامة للدولة الإسلامية الواحدة التي تضم العالم الإسلامي كله، وهي دولة غير موجودة الآن، ولا يتوقع وجودها في المستقبل البشري المرتقب، وفي هذا الصدد يقول "الطبري" إن المرأة من حقها أن تتولى القضاء والإمارة وهي رواية عن الإمام مالك أيضا، إذا توفرت فيها شروط الأهلية والكفاءة، كما لا يمكن الاتفاق أبدا مع ذلك الانطباع الغريب لأبي الأعلى المودودي من كون أن: " المرأة جبلت على الضعف والتناقض والرياء" لأن خطاب الشارع من القرآن والسنة موجه إلى المرأة والرجل معا سواء بسواء في احترام الكرامة والمسؤولية الإنسانية وتأكيد الشخصية، ولا مع الكاتب المصري عباس محمود العقاد الذي يذهب إلى أن المرأة خلقت للطاعة والرجل خلق للأمر، وأيضا مع أصحاب الرأي الفقهي التقليدي الذين يرفضون المسؤولية السياسية للمرأة استنادا إلى الحديث غير الصحيح المنسوب إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : "شاوروهن وخالفوهن" والذي تدحضه وقائع وأحداث تاريخ الإسلام المتعلقة بسيرة الرسول الكريم في علاقته بزوجاته. لقد تدعمت مشروعية الحركة النسائية المغربية في مسارها النضالي والتاريخي الطويل بروافد جديدة غاية في الأهمية، تمثلت في" الحركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة في أفق المناصفة" والتي اندرج ضمنها ما يزيد عن 1000 جمعية، وحركة "المساواة بدون تحفظ" التي ضمت عدة جمعيات نسائية وحقوقية، وتحدد عملها في المطالبة برفع التحفظات بشأن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب وملاءمة التشريع الوطني مع هذه المعاهدات، ورفع المرأة المغربية سقف مطالبها بخصوص تمثيليتها في أجهزة القرار النقابية والحزبية، فهذه الأخيرة غالبا ما كانت تسند إليها مهام الكتابة والحملات الانتخابية، وصولا إلى نجاحها في إدماج "مقاربة النوع" في ميزانية الدولة لسنة 2005 ، وفي هذا السياق أود لفت الانتباه إلى الخلاف الذي وقع بين المؤيدين والمعارضين لإصلاح المدونة التي تم وضعها أول مرة سنة 1958 ، وخضعت لإصلاحين، كان أهمهما إصلاح 2003 ، وصادق البرلمان المغربي لأول مرة على مدونة الأسرة في 2004 ، بحيث يمكن حصر هذه التوجهات المتعارضة في تقييم الإصلاح الفقهي والقانوني الذي شمل المدونة في ثلاث تصورات، يمتح كل واحد منها من وجهة نظر ورؤية خاصة في الموضوع:1 – يشير أصحاب هذا التوجه إلى الترحيب والإجماع السياسي الواسع الذي حظيت به مدونة الأسرة الجديدة لدى جل المنظمات النسائية والهيئات المدنية والحقوقية، والأحزاب السياسية، والحركات الإسلامية، بما فيها جماعة العدل والإحسان، إذ أكد الجميع تقريبا بأن مقترحاته ومطالبه تم أخذها بعين الاعتبار في هذا الإصلاح الذي عد في نظرهم "ثورة اجتماعية" ومدخلا أساسيا لتحقيق الحداثة، إضافة إلى الترحيب الدولي الواسع بهذا القانون الجديد.2 – ويذهب التوجه الثاني إلى أن التعديلات التي شملت مدونة الأحوال الشخصية لم تستجب لانتظارات الحقوقيين والنساء الديمقراطيات، وأنها في معظمها شكلية، اللهم إذا استثنينا من ذلك رفع طابع القداسة عنها واعتبارها كباقي القوانين التشريعية الأخرى، وبالتالي فمعظم تعديلات مدونة الأسرة كانت موجودة في مدونة الأحوال الشخصية، مع بعض التعديلات والإضافات العادية والتافهة على حد تعبير أصحاب هذا التوجه.3 – والتوجه الأخير يذكر أن مدونة الأسرة عندما وضعت تحت ضغط بعض فعاليات المجتمع المدني، لم تراع شساعة المغرب وتعدد خصوصياته، وكان على المشرع أن يعمل على بناء نص تشريعي مغربي يراعي فيه هذه الخصوصيات بعد دراسة أنتربولوجية عميقة، ومراعاة التحول الاجتماعي الذي عرفته كثير من مناطق المغرب، إضافة إلى أن أغلب سكان المغرب من البادية، والمدونة تستهدف بالخصوص سكان الحاضرة، وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى أن مدونة الأحوال الشخصية لم تعرف إصلاحا، بل ألغيت كلية، لتؤسس مكانها مدونة الأسرة بهيكلة جديدة وفكر غريب عن الثقافة الاجتماعية المغربية. وأخيرا وليس آخرا، فالمدونة استطاعت أن تحدث بالفعل رجة عميقة في مختلف الأوساط الاجتماعية، والإصلاحات الواردة فيها كانت حصيلة عوامل عديدة داخلية وخارجية، ومن بين إيجابياتها اشتمالها على المادة رقم ( 400 ) التي تسمح بالاجتهاد وفق الحالات المستعصية والطارئة، وتبقى مسألة التطبيق العنصر الحاسم الذي يضفي على المدونة مدى جديتها ومصداقيتها، بعيدا عن كل تحايل يمس بمقتضياتها، وخاصة في مسألة تزويج القاصرات وتعدد الزوجات والتطليق والطلاق الخلعي.