أمن فاس يُطيح بمحامي مزور    مجلس النواب يعقد جلسته العمومية    بايتاس ينفي تأثر "الانسجام الحكومي" ب"تراشقات" قيادات أحزاب التحالف ويرفض فرض الوصاية على الفضاء السياسي    إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب.. وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين وتحفيز الموارد البشرية    فيلم "إميليا بيريز" يتصدر السباق نحو الأوسكار ب13 ترشيحا    بايتاس: معلومات مضللة ضد التلقيح وراء انتشار "بوحمرون" بالمغرب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    سبع سنوات سجنا لطالب جامعي حرض على "ذبح" أحمد عصيد    مجلس الحكومة يصادق على تعيين عميد جديد لكلية العلوم بتطوان    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    الجديدة…زوج يق.تل زوجته بعد رفضها الموافقة على التعدّد    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    لحجمري: عطاء الراحل عباس الجراري واضح في العلم والتأصيل الثقافي    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    حموشي يؤشر على تعيين مسؤولين جدد بشفشاون    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    أغلبها بالشمال.. السلطات تنشر حصيلة إحباط عمليات الهجرة نحو أوروبا    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    المغرب يلغي الساعة الإضافية في هذا التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المغرب الفاسي يعين أكرم الروماني مدرباً للفريق خلفا للإيطالي أرينا    برقاد: آفاق "مونديال 2030" واعدة    الذهب يهبط بعد اقترابه من أعلى مستوى في 3 أشهر    المغرب وموريتانيا يعززان التعاون الطاقي في ظل التوتر الإقليمي مع الجزائر: مشروع الربط الكهربائي ينفتح على آفاق جديدة    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    ريال مدريد يجني 1,5 ملايير يورو    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أبطال أوروبا.. فوز مثير ل"PSG" واستعراض الريال وانهيار البايرن وعبور الإنتر    دوري لبنان لكرة القدم يحاول التخلص من مخلفات الحرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    الدار البيضاء ضمن أكثر المدن أمانا في إفريقيا لعام 2025    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    هذا ما تتميز به غرينلاند التي يرغب ترامب في شرائها    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    إحالة قضية الرئيس يول إلى النيابة العامة بكوريا الجنوبية    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل إلى قراءة ثقافية في شخصية الأمير الخطابي
نشر في شبكة دليل الريف يوم 12 - 11 - 2010

إن المقصد الأول من محاولة قراءة شخصية الأمير الخطابي من زاوية ثقافية أي من خلال البنيات الفكرية و السلوكية المؤطرة له و المتحكمة في إنتاج موقف أو تشكيل سيرورة أو بناء مسار أو صياغة مشروع أو من خلال كرونولوجيا الأحداث التي عاشها أو تفاعل معها أو ساهم في بنائها أو تأسيسها ؛ لهو استجلاء لمميزات و سمات وأبعاد الأنموذج الثقافي الحاضر و الغائب في جغرافيا الريف و حضارته ؛ إنه الأنموذج الحق للمثقف العضوي أو الملتزم بتعبير غرامشي المرتبط بإشكالات المجتمع البنيوية و قضاياه المحورية ، و هو القادر أي هذا الأنموذج على إحداث تحولات سوسيو ثقافية تعقبها طردا تحولات أخرى على أصعدة مختلفة.
أما المقصد الثاني من اختيار هذا الموضوع فهو المساهمة في رد الاعتبار لرمز سامق من رموز الثقافة الريفية الذي خط صفحات التاريخ المعاصر بعبارات المجد والكرامة دفاعا عن عدالة شعب أريد له أن ينكسر .
و سأتناول هذا الموضوع من خلال التركيز على أبعاد خمسة في شخصية الأمير :
*/ البعد التكويني المعرفي / المهني .
*/ البعد الوحدوي / اللفي .
*/ البعد اممي / الدولي .
*/ البعد السلمي .
*/ البعد الوطني .
1: البعد التكويني المعرفي / المهني :
اشتغل محمد بن عبد الكريم الخطابي ( الذي ولد عام 1301ه / 1882م بأجدير الحسيمة) بطلب العلم منذ نعومة أظافره ، حيث التحق بالكتاب / المسيد و هو ابن الخامسة من عمره لحفظ القرآن الكريم على يد والده (عبد الكريم القاضي) بأجدير. و بعد استكمال تعلماته الأولية ، التحق بداية من 1902م إلى غاية 1904م بجامعة القرويين بفاس رفقة عمه عبد السلام لتعميق تكوينه الشرعي ، حيث أخذ العلم على أيدي مجموعة من الشيوخ ، أمثال :
الشيخ عبد الصمد التهامي كنون .
الشيخ محمد بن التهامي كنون .
الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد .
و كان لهؤلاء الشيوخ الأثر البالغ في تكوينه الديني و مسيرته العلمية(1) .إلا أن وجود محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى جانب عمه عبد السلام بمدينة فاس لم يكن يعني كسبه لثقافة دينية فحسب بل تجاوزها إلى كسب ثقافة سياسية عندما انفتح على مجريات الأحداث السياسية و الاجتماعية..التي تهم المغاربة عموما ، بفضل ما نسجه من علاقات هامة مع شخصيات نافذة و ذات مسؤوليات وازنة في الدولة المغربية ، و ستستثمر هذه العلاقات من لدن آل الخطابي و القصد هنا عبد الكريم القاضي لاتخاذ موقف مفعم بالوطنية هو ذاك المتمثل في كشف زيغ المدعو الجيلالي بن ادريس الزرهوني الملقب ببوحمارة و دحر حركته . و هذه الحقيقة التاريخية أكدها " محمد محمد عمر بلقاضي " في مذكراته عن حرب الريف التي عنونها ب " أسد الريف : محمد بن عبد الكريم الخطابي "، عندما قال :« .. بقيا هناك في جامعة القرويين بفاس أربع سنوات قاما خلالها بالاتصال مع شخصيات بارزة و مسؤولة في محافل الدولة ، للاطلاع على مجرى الأحداث التي تهم المغاربة على العموم ، و ذوي الضمائر الحية على الخصوص ، و استفادا من ذلك الشيء الكثير ، فنجحا في ربط الاتصال بين والد الأول محمد بن عبد الكريم الخطابي و أخ الثاني عبد السلام الخطابي و هو الفقيه السيد عبد الكريم الخطابي .. و بين المسؤولين في حكومة ذلك الوقت ، فأنارت السبل للفقيه الخطابي للقيام ضد الثائر (بو حمارة) و القضاء عليه .» (2)
ثم ألحقه والده عبد الكريم القاضي بمدينة مليلة المحتلة في سياق مسعاه إلى تأخير مشروع الإنزال الإسباني بالمنطقة و تشكيل جبهة للمقاومة ليشتغل بها مدرسا لأبناء المغاربة . و قد أكسبته هذه المهنة التي ظل يمارسها من سنة 1907م إلى 1913م ، علاقات وفق ما استنتجه الأستاذ علي الإدريسي مع شخصيات إسبانية لها تأثير مباشر بمراكز التخطيط لمستقبل المغرب، ذلك المستقبل الذي تقررت كثير من فصوله الاستعمارية في مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906م . (3) و يتعزز هذا الاستنتاج عند معرفتنا بتعيين محمد بن عبد الكريم الخطابي من قبل الإدارة الإسبانية بمليلة كاتبا مترجما في مفوضية شؤون الأهالي عام 1908م ، لما لهذه الأخيرة من أهمية بالغة بالنسبة للمستعمر.
و في الوقت نفسه ( 1907م 1915م) ظل محمد بن عبد الكريم الخطابي يزاول الصحافة بجريدة " تلغراما دي الريف " التي كان يديرها " كانديدو لوبيرا "، إذ اقترح على هذا الأخير حسب الكاتبة الإسبانية ماريا روسا دي مادارياغا أن يخصص له عمودا يوميا بالعربية ، رغم أن مقالاته لم تكن موقعة إلا أنها كانت تنشر دائما في الصفحة الأولى من مارس 1907م إلى أبريل 1915م .(4) ** فكان من مزايا عمله الصحفي أن عمق وعيه بقضايا وطنه و فهم الاستراتيجيات الاستعمارية المستهدفة لبلده ، و كسب ثقافة عميقة بالسياسة الدولية و مؤسساتها .
كما عين عبد الكريم قاضيا على المسلمين بمليلة و هي وظيفة علمته يقول الأستاذ علي الإدريسي التعمق في معاني العدل و أثره العظيم في حياة الأفراد و الجماعات و الأمم ، و أن الظلم قيمة سالبة للجدارة الإنسانية . (5)
لذلك كله ، يمكن القول ، إن شخصية الأمير الخطابي ذات الطبع الريفي الأمازيغي لم تكتف فقط بالنهل من معين الفقه الإسلامي و مبادئه الأصيلة ؛ كما لا يتحدد اطلاعها في الثقافة المغربية بمختلف روافدها فحسب ؛ إنما تعدت ذلك إلى الانفتاح على الثقافة الأوربية الإسبانية و بعدها الثقافة الفرنسية، ليمكن القول : إن شخصية محمد بن عبد الكريم قد استفادت في بنائها و تكوينها من ثقافات متوسطية هامة ، سيكون لها جانب من الفضل في تحقيق التفوق و التميز على العدو في فترة المقاومة المسلحة . و ستمتد هذه الثقافة إلى بعدها الدولي و الأممي سواء من خلال منفاه الأول ( جزيرة لاريونيون بالمحيط الهندي) أو من خلال منفاه الثاني ( مصر ).
2: البعد الوحدوي / اللفي :
يعتبر محمد بن عبد الكريم الخطابي رائد الفكر الوحدوي / التحالفي بالريف الأوسط عموما و بقبيلة آيث ورياغر خصوصا ، حيث استطاع بحكمته و ببعد نظره توحيد الأفخاذ/الاقسام و القبائل التي كانت تشكو من ظاهرة الفرقة و الانقسام القائمة على العداوة و الثأر ؛ تلك الظاهرة التي جعلت الكولونيل الإسباني "إيميليو بلانكو إساكا" و الأنثروبولوجي الأمريكي "دايفيد مونتكمري هارت" يتبنيان النظرية الانقسامية للسلالة وبنية المجتمع لكن هذا الأخير سيعدل عن هذه النظرية و يقر بخطإ تحليله السابق للبنية الاجتماعية الريفية كنتيجة للنقاش الذي دار بينه و بين الأنثروبولوجي الأمريكي "هنري مونسون" خلال سنة 1989م (6) و من مظاهر هذا العدول إقرار "هارت" بدور محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي اعتبره مصلحا في إلغاء هذه الظاهرة ، يقول: « .. عدد حالات الانتقام بين أعضاء نفس السلالة .. يكاد يضاعف عدد النزاعات الدموية الخارجية في المرحلة السابقة لأواخر 1921م و بداية 1922م ، التي عرفت إلغاء الظاهرتين معا ، و إلغاء عناصر أخرى من " القاعدة" أو القانون العرفي الريفي من طرف المصلح محمد بن عبد الكريم الخطابي .»(7) و كتمثل لهذه الثقافة الجديدة التي أبدعها عبد الكريم في محيطه العام ، اعترف به قائدا للمقاومة من قبل المجاهدين في مركز " القامث " و أدائهم القسم للجهاد وراءه ضد المحتل الإسباني ، في نهاية أبريل 1921م . و كان من تجليات الثقافة اللفية / التحالفية توقيع و جهاء القبائل في فاتح فبراير سنة 1922م على رسالة يقرون فيها ب عبد الكريم أميرا عليهم .(8) و ممن اعترف بدور الأمير في توحيد الأفخاذ و القبائل لمواجهة المحتل الكاتبة الاسبانية " ماريا روسا دي مادارياغا "عندما قالت : « كانت تلك المناسبة الوحيدة في التاريخ الحديث لبني ورياغل ، حيث تركت الأفخاذ النزاع لتتحد داخل صف واحد من أجل إخراج المستعمر الذي كانت إسبانيا تطبق فيها مقولة " فرق تسد " ، و يرجع الفضل في ذلك ل عبد الكريم في جمعها لمواجهة التدخل الأجنبي ، ليس في بني ورياغل فقط ، بل في كل القبائل .»(9)
يتأكد جليا أن أمر توحيد الأفخاذ القبائل و تشكيل اللفوف و الانتقال من مجتمع الثأر و العداوة إلى مجتمع الأخوة و الاتحاد كان من أهم التدابير التي عمل محمد بن عبد الكريم الخطابي على إرسائها في المجتمع الريفي لإعلان انطلاقة قوية لحركته الجهادية التي بات يتزعمها بعد وفاة والده يرجح بعض المؤرخين أن موته كان مبيتا له في غشت من عام 1920م/ الموافق ل 1339ه ، حيث كان شغله الشاغل كما قال ثقته محمد محمد عمر بلقاضي هو المصالحة و التوفيق بين الناس المتعادية ليتحدوا و يتصالحوا و ينسوا الأحقاد و العداوة التي كانت عمت و ترعرعت بين الأفراد و الجماعات في جميع المداشر و القرى ...(10)
3: البعد الأممي / الدولي :
لاجرم أن تجربته الصحافية بمليلة و ما نسجه من علاقات وازنة مع شخصيات نافذة سواء في الداخل أو الخارج إضافة إلى اطلاعه الواسع على مجريات العالم قد أكسبته أهمية البعد الدولي أو الأممي في الترافع من أجل قضية الريف ، لذلك عرفت الأخيرة امتدادا دوليا بفعل المراسلات التي كان يوجهها إلى هيئة عصبة الأمم بجنيف ، باعتبارها مؤسسة دولية تسعى إلى إقرار و ضمان السلم العالميين و منح الشعوب حقها في تقرير مصيرها ؛ فسعى الأمير إلى انضمام حركته إلى هذه الهيئة من أجل الحصول على الاعتراف الرسمي بوجودها بغية تدويل النزاع في منطقة الريف .(11)
و كانعكاس ايجابي لهذا المنحى الذي خطه الأمير للدفاع عن الريف و أهله برز كثير من الأفراد و المؤسسات لتدافع عن قضية الريف دون أن نغفل الخلفيات الاقتصادية التي تؤطر بعضهم منهم الإنجليزي " جون أرنال " الذي و جه خطابا في 05 شتنبر من سنة 1921م دافع فيه عن حق الريفيين في إنشاء الهلال أو الصليب الأحمر ، والاعتراف بهم بأنهم جماعة من المحاربين و ليسوا بإرهابيين( أرشيف عصبة الأمم بجنيف : الوثيقة رقم 15652، ملف رقم 12861.)(12)
و ما لبث أن تحول الفرنسي " دانييل بورمانسي ساي "إلى مدافع حقيقي بتعبير ماريا روسا دي مادارياغا عن القضية الريفية ، محاولا إقناع الفرنسيين بتغيير موقفهم تجاه عبد الكريم للحصول مستقبلا على امتيازات اقتصادية في المنطقة ؛ و استمر على علاقة طيبة مع عبد الكريم و قدم له خدمات هامة ، و كان هو من غطى مصاريف تنقل الوفد الريفي الذي توجه إلى باريس في يناير من سنة 1922م بهدف دعم القضية الريفية . (13)
كما عمل الإنجليزي " غردون كانينغ " على تأسيس لجنة الريف لمساندة القضية الريفية في 04 يوليوز من سنة 1925م ، و كان من أهدافها الاعتراف بالحركة الريفية و السماح للقوافل الطبية بالدخول إلى تراب الريف للتخفيف من معاناة الذين يتعرضون للقصف الجوي المكثف بالغازات السامة المحضورة دوليا .(14)
و نفس الدور الدفاعي عن الريف قام به الحزب الشيوعي الفرنسي في سنة 1925م ، حيث تدخل أعضاؤه أمام البرلمان ضد حرب الريف ، منهم : " مارسيل كاشين " و جاك دوريوت .(15) و قد وصل التضامن إلى غاية الهند كما تؤكد ذلك المراسلات التي بعث بها مسلمو دلهي إلى عصبة الأمم .( أرشيف عصبة الأمم ، الوثيقة رقم : 41612 / الملف رقم : 12861 ).(16)
هذا الأسلوب ذو الطابع الدولي كما بين ذلك الدكتور زكي مبارك الذي سماه بالأسلوب الذكي وظفه الأمير و هو في منفاه الثاني بالقاهرة ، حيث خاطب العالم بأفكاره من خلال ندواته و بلاغاته الصحفية و مراسلاته حول قضايا التحرر في العالم و على رأسها تحرير شمال إفريقيا . (17) إنها حقا دبلوماسية دولية جريئة نهجها الأمير للدفاع عن قضية من قضايا المغرب العادلة ، و هي تقف دليلا قاطعا على ترجيحه لكفة السلم بدل كفة الحرب.
4: البعد السلمي :
أ: دعوته للمفاوضات من أجل السلم :
رغم كل الآلام التي ألحقها الإسبان بآل الخطابي سواء المباشرة منها او غير المباشرة فقد ظل خيار السلم هو القناعة التي أطرت شخصية الأمير ، فعندما أوصاه والده إلى جانب أخيه " امحمد " عندما كان على فراش الموت قائلا : « إذا لم تستطيعوا الدفاع عن استقلال الريف و حقوقه فغادروه إلى مكان غيره »(18) لم يفهم منها بالضرورة نهج خيار الحرب و سفك الدماء للدفاع عن استقلال الريف و حقوقه إنما كان هو و شقيقه منحازين إلى نهج دبلوماسية المفاوضات و العمل ما أمكن على تجنب خيار الحرب، و هذه حقيقة أوردها " روجر ماثيو " في " مذكرات الأمير " حيث قال الأخير : « ومع خطورة الموقف فقد اتفقت و شقيقي على أن نعمل المستحيل لاجتناب الحرب ، حتى إننا قررنا بعد وفاة والدي بيومين أن نكتب إلى القيادة الإسبانية نسألها الإقلاع عن سياستها الخرقاء ، و الاتفاق معنا على حكم الريف حكما يساعده على التقدم و يغمره طمأنينة و سلاما . » يعقب " روجر ماثيو " قائلا : « و كنت أنظر إلى عبد الكريم خلال حديثه فأشعر أنه مخلص في حواره و أنه حقيقة كان يرغب في السلام في تلك الفترة .»
ومن الشهادات الأجنبية التي تؤكد خيار السلم و المفاوضات في نهج الأمير ، شهادة " ماريا روسا دي مادارياغا " : « كان عبد الكريم الإبن رغم إصراره على المطالبة باستقلال الريف و مقاومة التدخل العسكري الإسباني ، يترك دائما الباب مفتوحا أمام المفاوضات مع إسبانيا للتوصل لحل سلمي ليس فقط مع الحكومة الليبرالية ل " غارسيا برييتو " ، و لكن مع ديكتاتورية " بريمو دي ريبيرا " إلا أن تصلب كلا الطرفين ، أي الذين يعارضون التفاوض مع إسبانيا من جهة ، و الجنود الذين كانوا يفضلون الخيار العسكري للتوغل في القبائل من جهة أخرى ، أدى إلى اندلاع الحرب بدل السلم . ».(19)
ب: احترامه للمدنيين :
يؤكد الكاتب الإنجليزي " روبرت فورنو " أن بعد انتصار عبد الكريم بمعركة ادهار أبران و إغريبن و أنوال و جبل أعروي و زحفه إلى مليلة أصدر أمره : « لا يدخل المجاهدون مدينة مليلة » . ثم أ وضح أسباب ذلك بقوله : « إن رجالنا مفتقرون حتى الآن إلى الانضباط ، و سوف يقضون على المدنيين . ». ثم أضاف : « مهما يكن من أمر فليست تلك طريقتي في خوض الحرب .» (20) و قد أوجز " دايفيد هارت قيادة الخطابي ، قائلا : « لكنه لم ينس أبدا أنه كان قاضيا .».(21)
ج: حفاظه على كرامة الأسرى :
لم يكن محمد بن عبد الكريم الخطابي يهين كرامة الأسرى ، لأن ذلك يتنافى و القيم الأخلاقية التي آمن بها وتربى عليها منذ صغره عكس الإسبان الذين كانوا يقطعون رؤوس أسرى الحرب و آذانهم و يرفعونها على أعمدة أمام عدسات الكاميرات (22) و بدلا من قتلهم كما ادعت الحكومة الإسبانية كان يطلق سراحهم إما لظروف إنسانية أو مقابل فدية .( أنظر الاتفاق الذي وقع بين محمد بن عبد الكريم الخطابي و الإسباني الغني " شبريطا "بخصوص إطلاق سراح الأسرى مقابل فدية . في مذكرات " محمد محمد عمر بلقاضي " : أسد الرسف ، م.س.ًص: 133 144.)( و انظر أيضا قصة الأسيرة الإسبانية التي أطلق سراحها فعادت بفعل المعاملة الطيبة التي تلقتها من أسرة محمد بن عبد الكريم الخطابي مع زوجها إلى مدينة الحسيمة لتعيش فيها إلى أن توفيت سنة 1950م . في كتاب : عبد الكريم الخطابي التاريخ المحاصر ل علي الإدريسي ، ص : 142.).
5: البعد الوطني :
البعد الوطني في شخصية مولاي محند يمكن تلمسه في كل مرحلة من مراحل حياته ، و في كل حدث من الأحداث التاريخية التي ساهم في بنائها ، لذلك يصعب على الباحث حصر مظاهر هذا البعد لأنه يحضر في جميع مناحي حياته ؛ فأورد من ذلك حصرا ، أن محمد بن عبد الكريم الخطابي قد تربى في أسرة وطنية عرفت بتصديها لكل محاولات النيل من السيادة الوطنية داخليا أو خارجيا ؛ كتصدي والده إلى جانب أبطال قبيلة آيث وارياغر مثل " محمد بن السيد حدو العزوزي "للدعاية المغرضة التي تزعمها الجيلالي بن ادريس الزرهوني الملقب ب " بوحمارة " إضافة إلى مواجهتهم ( أي عبد الكريم الأب و ابنه ) الباسلة للأطماع الاستعمارية بالمنطقة، فرغم كل ما عانوه في فترة المقاومة السلمية من إهانات و اتهامات زائفة وصلت حد إحراق منزل عبد الكريم القاضي لثلاث مرات، ظل الأب يعبر عن وطنيته قائلا : « .. ألم تعلموا أن الوطنية الآن مقبورة في أنحاء الدنيا و لم تبق إلا في داري ، فمن طال عمره منكم فسيرى العالم كله يلتمس الوطنية من داري ، و أنتم أنفسكم ستبحثون عنها في داري .».(23)
و نظرا لضيق المقام سأورد هنا شهادتين أجنبيتين في حق بطل الريف الموشح بأعلى مراتب الوطنية :
*صرح " غردون كانينغ " الصحافي الإنجليزي الذي أسس لجنة الريف لمساندة القضية الريفية سبق الحديث عن دعمه للريف في محور البعد الأممي / الدولي بقوله : « إن الزعيم الريفي مثالا في الوطنية الأكثر تجردا ، و الإخلاص الأكثر نقاء لقضية بلاده و شعبه .».(24)
*جنح " جرمان عياش " في تناقض صارخ إلى الاعتراف بوطنية الأمير بعد أن أساء إليه و إلى والده باتهامهما بالعمالة للإدارة الإسبانية ، فقال : « لقد كان وطنيا ، و لم تكن وطنيته بدائية ؛ بل توشحت بمفاهيم حديثة بشكل يثير الدهشة ، كمفهوم الوطن ، و حرية التفكير ، و الديمقراطية ، تلك المفاهيم التي يمكن أن يغبطه عليها أولئك الذين سموا أنفسهم فيما بعد ب " وطنيين " لقد كان الشعور هو الذي أفرز فيه النظرية . » (25) .
لائحة الهوامش :
*: هذا المقال في أصله مداخلة ساهمت بها ضمن أعمال الندوة الوطنية : " تجليات ثقافية بالريف " التي نظمتها جمعية الوعي من أجل مجتمعنا بتنسيق مع جمعية ذاكرة الريف بمدينة بني بو عياش ، يوم الأحد 31 أكتوبر 2010م.
1 : انظر : عبد الله كموني ، مقال بعنوان : " مفهوم الإصلاح عند الخطابي من خلال رسائله و مقالاته ". ضمن أعمال ندوة : الخطابي : الغائب الحاضر في الذاكرة الوطنية. منشورات مجموعة البحث محمد عبد الكريم الخطابي . ًص: 37 38 . ط : 2009 . دار أبي رقراق للطباعة و النشر الرباط .
2: محمد محمد عمر بلقاضي : أسد الريف : محمد بن عبد الكريم الخطابي . ص: 94 . ط : 02 . 2006 . مطبعة سلمى الرباط .
3: علي الإدريسي : عبد الكريم الخطابي : التاريخ المحاصر ،ص : 110 111. ط : 2007م . مطبعة دار النجاح الجديدة .
4: ماريا روسا دي مادارياغا : في خندق الذئب : معارك المغرب ، ص : 302 . ترجمة : كنزة الغالي .ط : 01 . 2010م . دار أبي رقراق للطباعة و النشر . الرباط .
**: تقول الكاتبة : لم يكتب عبد الكريم وحده كل المقالات التي نشرت بالعربية ؛ بل ساهم فيها أيضا " حبيب أبو سليمان السعدي " سوري في خدمة الإدارة الإسبانية ، و قد حصلت على هذه المعلومة كما ذكرت عن طريق مؤرخ مليلة " فرانسيسكو سارو ".
5: علي الإدريسي ، م.س. ص: 111.
6: أنظر : دايفيد مونتكمري هارت : أيث ورياغر : قبيلة من الريف المغربي ، دراسة إثنوغرافية و تاريخية . الجزء الأول ، مقدمة الترجمة العربية و الطبعة الجديدة للكتاب . ص : 21 . ط : 01 . 2007م . ترجمة : محمد أونيا / عبد المجيد عزوزي / عبد الحميد الرايس .الناشر : جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا .
7: نفسه ، ص : 27 .
8: انظر : ماريا روسا دي مادارياغا ، م.س. ص: 322 .
9: نفسه ، ص : 322 .
10: محمد محمد عمر بلقاضي : م.س. ص : 96 97 .
11: أنظر : محمد أمزيان : محمد بن عبد الكريم : آراء و مواقف . نقلا عن : مصطفى الغديري : الريف موضوعات و قضايا ، الجزء الأول ، ص : 72 . ط : 01 . 2009 . مطبعة الجسور وجدة .
12: نقلا عن : ماريا روسا دي مادارياغا : م.س. ص : 323 .
13: نفسه ، ص : 325 .
14: نفسه ، ص : 330 331 .
15: نفسه ، ص : 331 .
16: نفسه ، ص : 328 329 .
17: زكي مبارك : محمد الخامس و بن عبد الكريم الخطابي و إشكالية استقلال المغرب .ص : 73 . ط : 01 . 2003 . مطبعة فيديبرانت .
18: روجر ماثيو : مذكرات الأمير : محمد بن عبد الكريم الخطابي . ترجمة : عمر أبو النصر . ص : 52 . ط : 01 . 2005 . مطبعة فضالة المحمدية .
19: ماريا روسا : م.س. ص : 317 .
20: روبرت فورنو : عبد الكريم أمير الريف . نقلا عن : علي الإدريسي : م . س . ص : 51 .
21: دايفيد هارت : المؤسسات الاجتماعية السياسية الريفية و إصلاحات عبد الكريم . ضمن أعمال ملتقى باريس ، تحت عنوان : الخطابي و جمهورية الريف . نقلا عن : علي الإدريسي . م. س . ص : 53 54 .
22: أنظر ماريا روسا دي مادارياغا : مغاربة في خدمة فرانكو . ترجمة : كنزة الغالي . ص : 148 . ط . 01 . 2006م . منشورات الزمن . مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء .
23: محمد محمد عمر بلقاضي : م. س . ص : 67 .
24: محمد بن عمر بن علي العزوزي الجزنائي : محمد بن عبد الكريم الخطابي نادرة القرن العشرين في قتال المستعمرين . ص : 167 . ط : 01 . يوليوز . 2007م . الناشر : دار الأمان الرباط .
25: جرمان عياش : أصول حرب الريف ، ص : 346 . ترجمة : الأمين البزاز و عبد العزيز التمسماني خلوق . ط : 1992 . مطبعة النجاح الدار البيضاء .
11 نونبر 2010م .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.