نظمت قرية كاتلانية 45 كلم على الساحل الشمالي للعاصمة برشلونة، استشارة لمواطنيها حول مسألة انفصال كاتلونيا عن إسبانيا أو بقائها، مبادرة كانت قد تم المصادقة عليها بمجلس القرية وكانت ستتم بالمقر الرسمي لهذا المجلس ذي الأغلبية القومية، مبادرة خلقت ضجة إعلامية غير مسبوقة وردود فعل سياسية لا مثيل لها في ربوع الدولة الإسبانية، حيث تحركت كل القوى السياسية والجهات الرسمية كل من موقعه، على المستوى المحلي كل المكونات السياسية من مؤيد ومدافع عن المبادرة، إلا الحزبين ذات التوجه اللإسباني القومي، ممثلي الحزب الإشتراكي العمالي الحاكم بإسبانيا وكاتلونيا والحزب الشعبي اليميني، وتنظيم من اليمين المتطرف المسمى "الكتائب" الذي شدد أكثر من لهجته ووصل إلى حد وصف المبادرة بمحاولة تقسيم لإسبانيا ودعوة أنصاره للتظاهر بنفس المكان الذي ستنظم فيه هذه الإستشارة الشعبية. فعلى المستوى الرسمي فأول ردود الفعل كانت من الحكومة والحزب الشعبي طبعا، فالحكومة الوطنية بمدريد وصفتها باللادستورية، تصريح ساباتيرو هذا رد عليه جوان ريداو السكرتير العام اليسار الجمهوري الكاتلاني، متزعم لائحته بالكورتيس وشريك الحزب الإشتراكي في الحكومة الإسبانية والكاتلانية وأغلب المجالس البلدية والقروية والإقليمية والجهوية بكاتلونيا على تصريحات ساباتيرو بالحرف، "السيد رئيس الحكومة بمدريد أراد أن يستعمل الدستور كأنه مسطرة جنائية، وهذا غير مقبول. أما الحزب الشعبي المسكين في كاتلونيا، أقول المسكين لأنه لن يفلح ولو بمشاركة في حكومة قرية كاتلانية واحدة وبالأحرى حكومة، اكتفى بوصف المبادرة باللاقانونية واتهم ساباتيرو بالتقصير. تمت عملية الإقتراع بأحد ساحات القرية يومه الأحد 13 سبتمبر، بحضور شخصيات وازنة في ميادين السياسة والفن والأدب وغيرهم، إلى جانب 030 مراسل صحفي، منها عدة وكالات الأنباء العالمية وتلفيزيونات إيطاليا وألمانيا وانجلترا والولايات المتحدة ومواطنين آخرين جاءوا لمعاينة الحدث عن قرب. نسبة المشاركة فاقت الإنتخابات الأوروبية الماضية بست نقاط، كانت النتيجة لصالح نعم ب96.33 بالمائة مقابل 2.28 بلا، 1.08 ورقة بيضاء و0.4 ملغاة. محكمة محلية تطعن في قرار مجلس القرية، بعد أن صادق المجلس القروي لهذه المدينة على تنظيم الإستشارة الشعبية تحت شعار أرينس ذا مون لأجل الإستقلال، أصدرت محكمة قرارا بمنع استعمال مقر المجلس دون أن تصدر شيء لا في حق المبادرة ولا في حق تظاهرة المناوئين لها من الفلانخيست، وتم كذلك تطويق البلدة من فرق الشرطة الكاتلانية موسوس ديسكوارا لتفادي أية مواجهة مباشرة بين عناصر اليمين المتطرف والمواطنين والحركات المناوئة للفاشية. "الكتائب" الإسبانية La Falange española، تنظيم ذي التوجه اليميني المتطرف الفاشي، له بعض الأنصار ببعض المدن الإسبانية التي ينظم بها تجمهراته كمدريد وفلنسيا، دعا أنصاره للتظاهر بالقرية شن حملة واسعة النطاق ضد الإستشارة وكاتلونيا، خرج بعض زعمائه بوسائل الإعلام وكانت تصريحاتهم على أن المظاهرة التي دعوا إليها ستحضى بحضور مكثف من أنصارهم الذين تمت دعوتهم من كل ربوع التراب الإسباني وحددوها بست مائة شخص، إلا أنها لن تتعدى الخمسين، رغم أنهم خصصوا حافلات لهذا الشأن، هؤلاء قاموا بتوجيه انذارات وتهديدات بالقتل لساكنة البلدة خاصة أرباب المحلات التجارية والمقاهي، عبر وسائل الإعلام والكتابة على الجدران، منذ اليوم الأول من اعلان المبادرة، فهذا التنظيم يشتغل بشكل قانوني ويشارك في الإنتخابات، إلا أنه في البلدة المنظمة للإستشارة حصل على صوت واحد فقط في الإنتخابات المحلية الأخيرة. فإن كانت ردود فعل القلق هذه أتت على لسان الحكومة الكاتلانية في خطاب رسمي وفي مناسبة رسمية، فلقد سبقتها بأيام قليلة تصريح مستشار الحكومة الكاتلانية في الإقتصاد والضرائب أنطوني كاستيلس من الحزب الإشتراكي وكان من المرشحين الأقوياء لخلافة باسكوال ماراغال على رأس الحزب والحكومة الكاتلانية، لولا تدخل صقور الحزب الإشتراكي والحكومة الإسبانية لفرض الرئيس الحالي للحزب والحكومة، هذا وجه انتقادا شديد اللهجة لإدارة الدولة الإسبانية وحكومة سابتيرو للأزمة الإقتصادية التي تضررت كاتلونيا بها أكثر من غيرها. كل هذه التصريحات والأحداث التي وردت في هذا التحليل، فتمة أحداث أخرى وتصريحات أكثر تحديا لسابتيرو وحكومته بل للكيان الإسباني نفسه. هذه تنضاف للإستشارة الشعبية حول انفصال كاتلونيا عن إسبانيا وردود الفعل القوية التي خلفته، نورد أن الإحتفال باليوم الوطني الكاتلاني لهذه السنة يختلف عن سابقيه، حيت إلى جانب التصريحات وبوادر القلق الرسمية الكاتلانية، ففي اليوم نفسه احتضنت العاصمة برشلونة وحدها ثلات مظاهرات مختلفة، الأكتر كثافة كانت للهيئات الأهلية والمدنية وفي مقدمتها شخصيات وازنة ولها تأثير معروف على الرأي العام الكاتلاني وحتى الدولي، نذكر على سبيل المثال جوان لابورتا رئيس نادي كرة القدم لبرشلونة "البارسا" وشخصيات أخرى، لابورتا يومه الإثنين 12 سبتمبر، ذهب بعيدا وصرح لأحد الإذاعات بأنه يشعر بإحساس تجاه التجمع من أجل الإستقلال Reagrupament.cat، تنظيم انشق في الصيف الماضي عن حزب اليسار الجمهوري وعبر عن تفتحه عن التنظيمات الجماهيرية والسياسية اليسارية ذات التوجه الإنفصالي العلني، هذا التنظيم يتزعمه جوان كاريتيرو الذي سبق له أن شغل منصب نائب رئيس الحكومة الكاتلانية في الولاية السابقة، ومن بين المرشحين لقيادة حزب اليسار الجمهوري في مؤتمره الأخير، كاريتيرو معروف بجرئته، فتصريحاته تسبب ردود فعل واسعة، حيث وصفه المراقبون بأشهر الشخصيات التي مرت على الحكومة الكاتلانية، حيث من المسؤولين القلائل إن لم يكن الوحيد الذي تجرأ على مهاجمة الحكومة المركزية ورئيسها ساباتيرو شخصيا. المظاهرة الثانية كانت قد نظمها الحزب الجمهوري الكاتلاني أمام قوس النصر، أحد المآثر التاريخية الرمزية بالمدينة، فيها عبر زعماءه عن مساندتهم للإستشارة الشعبية من أجل الإستقلال، لكن بلهجة مسالمة ومن طبيعة حزب مشارك في الحكومتين الكاتلانية والإسبانية وله مصالحه. المظاهرة الثالثة هي الكثر تشددا تجاه كل ما تمت الإشارة إليه، هذه كانت من تنظيم الجناح الثوري الراديكالي، شعاراته أكثر هجومية وشديدة اللهجة، ضد إسبانيا وفرنسا معا، هذا الجناح غالبا ما تنتهي تحركاته الإحتجاجية إلى العنف والتدخل الأمني، حيث في هذه المظاهرة أقدم على حرق العلمين الإسباني والفرنسي، ورفعت شعارات ضد الدولتين باعتبارهما محتلتين لما يسمونه للأراضي الكاتلانية، الأراضي الكاتلانية هنا، تتجاوز المنطقة الترابية الحالية لكاتلونيا إلى كل المناطق الناطقة باللغة الكاتلانية، ليشمل ما يسمى بكاتلونيا الشمالية تحت النفوذ الفرنسي، وكذلك منطقتين أخريين تتمتع بحكم ذاتي وهي فلنسيا وجزر الباليار، بالإضافة لأجزاء ترابية من أراغون ومورسيا بل حتى جزء من جزيرة سردينيا تحت النفوذ الإيطالي. هذه المبادرة إلى حدود مساء يوم الأحد أحفزت رسميا ستين أخرى من بلدات كاتلونيا وعبرت عن رغبتها في تنظيم استشارات مماثلة لمواطنيها في الأيام القادمة، خاصة تلك المحسوبة على القوى الكاتلانية القومية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بل هناك من يطرح تنظيمها في المدن الكاتلانية الكبرى. الحزب الإشتراكي نفسه سبب له شروخ وتناقضات بين صفوفه، من مؤيد ومحايد ولايعرف لايجيب، فالأيام القادمة ستضع هذا الحزب الكاتلاني التابع ليس دائما لحزب ساباتيرو على المحك، فوثيقة الإستشارة ليوم الأحد وقع عليها زعيمه السابق ورئيس الحكومة الكاتلانية السابق وعمدة برشلونة قبلها باسكوال ماراغال إلى جانب ما يناهز مائتي شخصية وازنة. للتذكير، فكاتلونيا يوم الجمعة 11 سبتمبر، احتفلت بعيدها الوطني الأكثر رمزية، احتفال هذا العام وشمه ملفين اثنين أساسيين، الأزمة الإقتصادية والمحكمة الدستورية، كلاهما من مسؤولية الدولة الإسبانية وحكومتها ومؤسساتها وسياستها وعبئ على كاتلونيا، الأزمة، كاتلونيا غنية بمواردها الإنتاجية وهي رئة الإقتصاد الإسباني، لولا أسبانيا لكانت أقل تضررا من الأزمة. المحكمة الدستورية ستصدر قريبا حكمها ضد الدستور الكاتلاني المعدل سنة 2006، بمصادقة عليه بالإجماع من قبل القوى السياسية الكاتلانية، إلى أن تم اقتطاعه من طرف برلمان مدريد، إلا أن الحزب الشعبي ذهب بعيدا وأقد م على إحالته على المحكمة الدستورية للنظر فيه، فهذه المحكمة يهيمن عليها الحزبين الرئيسيين بالدولة الإسبانية، لقد سبق لها أن طعنت في مبادرات عديدة مماثلة ومشابهة، أحداها كان قد أعلن عنها رئيس حكومة أوسكادي السابق لكن هذه كانت على مستوى تراب بلاد الباسك، فالحكم الذي ستصدره هذه المحكمة، سيسبب لسباتيرو وحكومته متاعبا أخرى يضيفها لمتاعب الأزمة الإقتصادية والبطالة التي ستتعدى العشرون بالمائة قبل نهاية هذا العام والمعارضة الشرسة من الحزب الشعبي والمشكل الباسكي المعقد، والآن كاتلونيا التي كانت إلى حد ما هادئة، لكن بفعل الأحداث المسجلة فالمستقبل القريب يبدو أنه سيأتي بمفاجئات، هذه المفاجئات سبق أن تطرقت إليها أحد الصحف الأيطالية الأكثر انتشارا مباشرة بعد الإعتراف باستقلال إقليم كوسوفو منذ عام عن صربيا، حيث اعتبرت كاتلونيا وبلاد الباسك بإسبانيا من النقط الحساسة جدا لحذو حذو كوسوفو، وللتذكير فإن الحكومة الإسبانية لم تعترف بهذا الإنفصال وأياما قليلة من بعدها أعلنت سحب كتيبتها العسكرية العاملة لحفظ الأمن بالمنطقة تحت راية الحلف الأطلسي.