مما لا شك فيه ان التئام اللجنة الاقليمية بالحسيمة لإطلاق سراح المعتقلين يعتبر بحق انتصارا للإرادة الجماعية بالريف في اتجاه تقويم سيرها الجماعي ، اللجنة التي شكلت فرصة لنخبة الريف بكل اطيافها السياسية والايديولوجية لتأكيد وجودها وتجاوز استقالتها في معانقتها للهم الجماعي، كما ان هذه الخطوة تفترض ان تلقى تفاعلا ايجابيا من جانب الدولة وملاقاتها في منتصف المسار لقطع الطريق على الغوغاء ومروجي العدمية السياسية من جهة وعلى العقلية المخزنية المزهوة بالمقاربة السلطوية والامنية المتعارضة مع منطق الدولة في فلسفتها السياسية للعهد الجديد التي يمثلها الملك محمد السادس بأفقه الاصلاحي. واذا كان حدث تشكيل وتأسيس اللجنة يعد في حد ذاته انتصارا للعقل السياسي والاجتماعي الجمعي الريفي، على الأقل في مستوى النخبة واجتماعه على أرضية وتصور محدد بغرض إحداث اختراق معين في جدار الازمة، فان ثمة عمل كبير ومجهود مضني ينتظر عمل هاته اللجنة، واكبر التحديات الملقاة على عاتقها تكمن بالأساس في توحيد الجهود وتذليل الصعاب على مستوى علاقتها بالمعتقلين وعائلاتهم والرأي العام بالمنطقة الذي يحمل صورة فيها كثير من السلبية والتشويش في كل ما هو مؤسساتي في شقيه المدني والسياسي بسبب المناخ الذي إشاعته بعض خطابات الحراك حول دور الفاعل الحزبي والمدني والنقابي حيث اعتبرته شرا مستطيرا ودكانا للارتزاق لم تستثني منه أحدا بالهجوم والتخوين، دون أن تقدم تلك الخطابات البديل عن الأحزاب والجمعيات والنقابات في تدبير النظام الاجتماعي والسياسي للبلد وبالتالي تكون تلك الخطابات قد سقطت في العدمية السياسية المولدة للفوضى والمشرعة لقانون الغاب السياسي والتنظيمي. ان احد شروط ومقومات نجاح اللجنة في عملها هو تعاون و تفاعل المعتقلين وعائلاتهم مع مجهوداتها وهنا التمس من السيد احمد الزفزافي رئيس جمعية تافرا للوفاء والتضامن لعائلات المعتقلين كما ادعو المعتقلين السياسيين انفسهم بمنتهى الجد والخضوع ان ينخرطوا في هذه المبادرة بغرض التأسيس لميثاق مجتمعي لتوحيد الصف الريفي بهدف تحقيق الهدف الاسمى الذي هو اطلاق سراح المعتقلين وتحقيق الملف المطلبي .هذا الميثاق المجتمعي المنشود يستدعي ايضا ان تكون الدولة طرفا فيه بل ويجب ان تسعى إلى إنجاحه من اجل التسريع في انجاز الحل وطوي ملف الازمة والتأسيس لمرحلة انتقالية في الريف وتصحيح اعطاب المصالحة وثغراتها التي افضت الى مدخلات من الازمة ادت الى انتكاسة كل المجهودات والديناميات الإصلاحية والتنموية بالمنطقة منذ الزيارة التاريخية للملك محمد السادس الى الريف سنة 1999 غداة اعتلائه الحكم الى عشية انفجار الانتفاضة الشعبية بعد الحادثة المأساوية التي اودت بحياة بائع السمك محسن فكري. المطلوب ايضا من اللجنة وكل الاطياف الريفية المنخرطة في دينامية الحل خاصة المعتقلين السياسيين وعائلاتهم ان يعلنوا موقفا صريحا و يقفوا على مسافة واضحة من الاطاريح الانفصالية التي انتجها الحراك الاوروبي خطابا وسلوكا، كما ظهر ذلك في مسيرتي "روتردام" و"دنهاخ" الأخيرتين لان تلك السلوكيات المتهورة التي اقدم عليها بعض المغامرين والمقامرين بمستقبل المنطقة والوطن من الدوس على صور الملك واخراج الريف من خارطة المغرب ورفع شعارات انفصالية هي سلوكيات لا حراكية ولا ريفية ولا وطنية يجب ادانتها بأشد العبارات والتبرؤ منها ومن أصحابها. لان هكذا افعال وتصرفات تسيء إلى الريف و أهله وتاريخه الوطني، وهي لا تمت بصلة لأخلاقيات وادبيات النضال المسؤول والملتزم. نقول هذا الكلام لأننا على قناعة ووعي تام ان تهمة الانفصال اساءت كثيرا للحراك الشعبي بالريف وملفه المطلبي وقمته كحراك طائفي عنصري انفصالي ليس في علاقته بالدولة والسلطة فقط ولكن عند الراي العام الوطني والدولي وحتى اعطت المشروعية لكل المقاربات الامنية والقضائية . للأسف أن هناك من لا يزال يخلق مناخا سلبيا بالريف فبعض الأصدقاء الجهلة عندنا لا هم لهم سوى تسفيه ونسف اي مبادرة تحاول ايجاد اي حل للخروج من الازمة التي توجد عليها المنطقة منذ شهادة محسن فكري وانطلاق الحراك الشعبي وما تبعه من اعتقالات ومحاكمات افضت الى اصدار احكام قاسية على المعتقلين. واذا تجاوزنا في الوقت الراهن بعض التداعيات السلبية الناتجة عن تجاوز وتجاهل كثير من القواعد والمسلكيات التي كان يجب على الحراك ونشطائه الاخذ بها لتنظيم الحراك وهيكلته تحصينا له من اي اختراق او توظيف في اتجاه يخدم اجندات تتعارض مع ملفه المطلبي الاجتماعي والحقوقي، وهو ما سقط فيه الحراك للأسف الشديد. فان اصرار البعض الى يومنا هذا على اشاعة خطاب العدمية في المنطقة في اطار المزايدات الفارغة لهو شيء غير مستساغ وغير مفهوم تماما بالشكل الذي يجعلنا نطرح سؤال وجيه وموضوعي ما ذا يريد هؤلاء من هذا التهور والعبث واي اجوبة وبدائل يملكون لحل الازمة؟ ولمصلحة من تقويض المجهودات التي تقوم بها بعض الفعاليات المدنية والسياسية لأطلاق سراح المعتقلين؟ ما معنى ان نسفه بعض اطارات الحل ونسوق للبعض الاخر كيف يمكن ان نرفض او نشكك او نضرب تحت الحزام في اللجنة الاقليمية لإطلاق سراح المعتقلين باعتبارها جاءت من "الدكاكين" وفي الوقت نفسه نسكت أو نتفهم انتقال احمد السيد الزفزاي إلى الرباط لإجراء حوار مع المجلس الوطني لحقوق الانسان اليس هذا المجلس مؤسسة مخزنية كما تقولون؟ مع اننا نتمنى كل التوفيق للسيد احمد الزفزافي في مساعيه سواء مع المجلس الوطني او مع الهيئات السياسية والمدنية الاخرى وفي أي مبادرة تساعد على إطلاق سراح المعتقلين ولكن كيف يمكن أن نفهم هذه الازدواجية في المواقف والكيل بمكيالين ؟ حراك الريف دينامية مجتمعية لا يحق لأي جهة او طرف سواء هيئة سياسية او مدنية او شخص طبيعي ان يحتكرها او يخصصها ويحفظها لنفسه لتحقيق مآرب سياسية او مادية شخصية رخيصة..! تشكيل لجنة اطلاق سراح المعتقلين بالحسيمة يمثل فرصة سانحة ومنعطف مهم في اتجاه حل الأزمة وإطلاق سراح المعتقلين، بشرط توفر الإرادة الحقيقية و الانخراط البناء و الجدي لكل الاطراف في هذا المسعى خاصة المعتقلين وعائلاتهم، وهي فرصة أيضا لتصحيح العلاقة بين الحراك والنخب الريفية في الاتجاهين ، فالنخب خاصة السياسية منها شكل لها حدث الحراك اختبارا حقيقيا على مستوى كشف الاعطاب والاختلالات في علاقتها في بواقعها ومحيطها الاجتماعي وبالتالي فهي مطالبة بالنقد الذاتي، وبالقدر نفسه شكل الحراك اختبارا حقيقيا لنشطائه وكشف على حقيقة جلية وهو انه لا يمكن هدم وإلغاء كل المؤسسات والنخب ووضع الكل في سلة واحدة، لان ذلك يسقطنا في دائرة العدمية والفوضى.الدولة ايضا مطالبة بخلق الظروف والشروط المواتية لإنجاح هذه الدينامية عبر تفعيل الوسائط الحقوقية والمدنية . والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.