شاءت الأقدار أن اقضي صباح اليوم 09/05/2019 بقسم المستعجلات، بعد أن تلقت زوجتي اتصالا هاتفيا من أختي الكبرى البالغة من العمر 63 عاما، تستغيث، بعد أن أحست بألم فظيع في معدتها مصحوبا بارتخاء شديد في عضلات جسمها مع ارتفاع دقات قلبها، كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف صباحا. وصلت المستشفى بعد ربع ساعة، توقفت عند باب قسم المستعجلات بالحسيمة، كان الباب الحديدي الأزرق موصدا، ولا أحد يحوم بالمكان، دفعت الباب لكنه لم يفتح، بدأت أدق بمفتاح سيارتي مرات ومرات.. لا أحد. فكرت في قرارة نفسي: ربما قد تم تغيير مدخل المستعجلات بعد أن انتهت الأشغال بالمستشفى، ركبت سيارتي من جديد وتوجهت صوب الباب الرئيس للمستشفى، استقبلني حارس أمن، فاتحا الباب، قال لي: نعم أسيدي!!؟ قلت له: إني أبحث عن المكان الجديد لقسم المستعجلات.. أجاب مستغربا: لا يا سيدي، قسم المستعجلات لازال في مكانه!! قلت له: الباب موصد ولا أحد هناك..!! أضاف باستغراب: لا يمكن، هل دفعت الباب؟؟!! أجبته: دفعت وركلت وكسرت أصابع يدي بالدق على الباب الحديدي.... قال لي: توجه صوب قسم المستعجلات في الجهة السفلى، سأجري اتصالا حالا.. عدت من حيث أتيت، وأنا أخاف أن يضيع وقت ثمين في تقديم الاسعافات اللازمة لأختي التي لم تتوقف عن الأنين، ازداد قلقي وأنا أستحضر القاضي الذي وافته المنية قبل سنوات بقسم المسعجلات بعد أن رفض حارس أمن السماح له بالدخول، تذكرت كل تلك النسوة اللواتي يلدن أطفالهن عند باب المستشفى.... عندما وصلت إلى باب القسم، كان المنظر مختلفا، شرطي عند الباب، موظف آخر وراء حاجز زجاجي يطلب مني المعلومات عن المريضة، وحارس أمن!!!! أين كان هؤلاء قبل قليل؟؟ ولماذا كان الباب موصدا، فهذه سابقة في المدينة وفي تاريخ المستشفى بالحسيمة حسب تاريخي الطويل مع هذا القسم اللعين.. سألني حارس الأمن عن حالة أختي، أجبته بأنها تعاني من أزمة قلبية وتحتاج إلى طبيب فورا.. طلب مني أن أجلس في ممر طويل بمثابة قاعة انتظار قرب غرفة الطبيب، استلقت أختي وهي تئن وتتأوه، كنت أنتقل من مكان إلى مكان، كدجاجة تبحث عن مكان تبيض فيه، مرت دقائق ولا أحد قد ظهر!! توجهت صوب حارس الأمن الذي كان يتجاذب أطراف الحديث مع شرطي المناوبة، سألته: أين هو الطبيب؟؟ أجاب بجزع: إنه نائم، وحين سيستيقظ سيأتي.. أجبته: طز، سأنتظر هنا طبيبا نائما سيستيقظ متى يشاء.. أجاب بعد أن أحس بأنني بدأت أغلي بداخلي: لا أستطيع أن أوقضه، فهذه أوامره..يمكن لي أن أوقظ الممرض فقط.. سأفعل أنا إن كنت خائفا، فحياة المريضة في خطر، وستتحمل أنت المسؤولية، وسيكون هذا الشرطي شاهدا على ما جرى.. انطلق إلى الداخل، ثم عاد بعد لحظات، طلب مني أن نرافقه إلى غرفة الفحص، حيث توجد بها ثلاث أسرة وبعض الخزانات الحديدية التي تحوي بعض العلب من الأدوية.. استلقت أختي على سرير، وهي تئن، بعد دقائق التحق الممرض، طرح بعض الأسئلة، وقام بفحص موضعي، قام بقياس ضغطها ودقات قلبها بآلة استقدمها من غرفة أخرى، قال لي: كلشي مليح.. قلت له بأنني أريد أن تعرض على الطبيب إن كان فحصك يثبت بأن "كولشي مليح"، لنعرف مصدر الألم والحالة المرضية التي هي عليها، طلب مني بأن أتريث قليلا في انتظار مفعول الحقنة التي حقن بها أختي.. جلست على كرسي اسمنتي طويل، نظرت في ساعة هاتفي، كانت تشير إلى السادسة والنصف، مرت ساعة إلا ربع، ولا أثر للطبيب بعد وفي قسم المستعجلات!!؟؟ اللهم إني صائم، تمالك أعصابك يا بوفريد.. بدأ الوقت يمر، وبدأت حالات أخرى تلج على المستشفى، ألقيت نظرة على أختى، كانت نائمة في حالة غيبوبة.. التحق بي ممرض آخر، أدخل امرأة على كرسي متحرك تجرها ابنتها يرافقها زوجها... وصلت الساعة السابعة صباحا... توجهت صوب حارس الأمن قائلا: ستذهب حالا لتوقظ الطبيب وإلا سيكون لي تصرف آخر وأنصحك أن تقوم بذلك حالا.. نظر إلي بابتسامة ماكرة وقال: لا أستطيع ولكن سيقوم بذلك شخص آخر.. سمعت دقا على الباب المجاور لغرفة الفحص والعلاج الأولي، لا أحد يجيب، بدأت الأصوات تتعالى في قسم المستعجلات، بعد أن بدأت تفد حالات أخرى، ولاحت وجوه أخرى، تقفز من مكان إلى مكان، داخل بهو قسم المستعجلات، قام ممرض آخر بالاتصال الهاتفي بالطبيب، قال لي: سيأتي حالا، رجاء تمالك أعصابك في هذا اليوم الرمضاني.. قلت له: هل أبدو لك في حالة غضب؟؟!! أنا أنتظر العريس ليستيقظ من النوم لأبارك له ليلة الدخلة... عند الساعة السابعة والنصف تقريبا، خرج العريس من غرفة نومه وتوجه صوب المرحاض، ليغيب من جديد.. قلت لحارس الأمن الذي كان يراقبني، هل هذا هو الطبيب؟ أجاب بالإيجاب.. كان شابا أسمرا لا يتجاوز عمره الثلاثين، أمثل هذه التصرفات واللامبالاة والاستهتار بحياة الناس تصدر من شاب في هذا العمر؟؟!! أبمثل هؤلاء سنبني الوطن، أبمثل هؤلاء سننقذ حياة الناس؟؟!! خرج من المرحاض وتوجه صوب غرفة أخرى، بدأ يدق على بابها، بدأ يلتفت يمينا ويسارا.. رأيت باب غرفة مفتوحا وعلى طاولة بعض اوراق الوصفات الطبية الخاصة بالمستشفى، حملت بضعا منها وتوجهت صوبه وأنا أمد له ورقة قائلا: هناك حالة مستعجلة تنتظرك منذ ساعة ونصف.. نظر إلي وأمسك بالورقة، دون أن يحرك شفتيه، ثم توجه صوب أختي، تبعته، وصفت له حالتها وشرح له الممرض ما قام به، كتب وصفة الدواء، ثم اختفى من جديد.. واختفيت أنا معه وسط ضجيج المرضى الذين يئنون تحت وطأة انتظار أن يستيقظ النوم في قسم المستعجلات..