عرفت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال بداية الألفية الجديدة زوبعة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية وصفت بالربيع العربي مرحليا وعصفت ببعض الدول حد الانهيار مثل ما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا مع ارتدادات اختلفت قوتها وأثارها على باقي الدول حسب صلابة مؤسساتها ووعي شعوبها وقدرتهم على تدبير النزاعات السياسية غير أن القاسم المشترك للمنطقة كاملة ، هو تأخر تحقيق الانتقال الديمقراطي بالسرعة المطلوبة حسب ما تطمحإليه جميع شعوب المنطقة . والمغرب الذي بذل مجهودات شتى في مسار التطور الديمقراطي منذ مرحلة التناوب و خاصة بعد تبني الدستور الجديد لسنة 2011 ، اختار المضي قدما لدعم هذا التوجه الاستراتيجي بوضعه على السكة ، مجموعة من المؤسسات الدستورية التي من شأنها أن تدعم سلامة الاختيارات الديمقراطية والحقوقية . في هذا السياق، يندرج تنزيل خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان 2018/2021 دعما للدينامية الاصلاحية والبناء الديمقراطي، باعتبار أن وثيقة الخطة اعتمدت في مرجعيتها على دستور المملكة والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الانسان وعلى توصيات هيئة الانصاف والمصالحة وتوصيات تقرير الخمسينية، وقد وصودق عليها في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 21 دجنبر2017، وتتمثل الالتزامات الدولية الأساسية التي صادق عليها المغرب في الإعلان العالمي لحقوق الانسان ومعاهدات حقوق الانسان والبروتوكولات الملحقة بها ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية مناهضة التعذيب الخ . وقد اعتمدت الخطة أربعة محاور أساسية وهي الديمقراطية والحكامة ،الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ، وحماية الحقوق الفئوية والنهوض بها، وأخيرا الإطار القانوني و المؤسساتي مع إضافة توصيات بشأن تنفيذ الخطة حيث سيتم إحداث آلية مؤسساتية لتتبعها وتقييم تنفيذها،وفي هذا الإطار تم إعداد مشروع مرسوم يهدف إلى إحداث اللجنة الوطنية للتتبع والتقييم والتنفيذ يترأسها رئيس الحكومة ولجنة للمواكبة والتنسيق يسهر عليها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ويحدد مشروع هذا المرسوم مهام هاتين اللجنتين وتركيبتهما وطرق اشتغالهما وسيتم اعتماد مشروع هذا المرسوم في المستقبل القريب حسب جواب رئيس الحكومة على سؤال بمجلس النواب يوم 2 يوليوز 2018 . وفي علاقة بالمحور المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية فقد خُصّص الفرع الأول منه لموضوع جودة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي حيث أدمج في هذا الفرع 14 إجراء يهم مجال التعليم، وسأقتصر في هذه الدراسة أنأتناول بالتحليل الهدف الرابع الوارد في الأهداف الخاصة وهو كالآتي : • تعزيز التربية على حقوق الإنسان والمواطنة وقيم التسامح والعيش المشترك والمساواةوالإنصاف وقد شمل هذا الهدف ضمن الإجراءات المعلنة إجراء يحمل رقم 87 يدعو الى إدماج المقاربة الحقوقية في جميع الأنشطة التربوية ،من هنا ومن واجبنا أن نتساءل عن ماذا أنجز خلال سنة 2018 التي نودعها على مستوى قطاع التربية الوطنية لتنزيل الخطة في بعدها التربوي، خاصة ما يتعلق بتعزيز التربية على المواطنة وحقوق الإنسان واعتماد المقاربة الحقوقية في الأنشطة التربوية ؟وإلى أي حد استطاعت مصالح القطاعات الحكومية الوصية على التربية والتكوين تسريع تنزيل مضامين الخطة على أرض الواقع ، وماذا أنجز فيها ؟ وهنا أتناول هذا الموضوع الذي يعتبر في غاية الأهمية للاعتباراتالآتية: أولا:إن نجاح رهان الحق في التربية كحق دستوري ومن الحقوق الأساسية لتحقيق كل تنمية ، ثانيا: إن اشكالية الهدر المدرسي التي تستنزف طاقات بشرية ومالية تشكل عائقا خطيرا في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص مما يزيد من مخاطر الفجوة الاجتماعية ونتائجها السلبية على الاستقرار والسلم الاجتماعي . لذلك فإن استحضار واقع الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 من أجل مدرسة الانصاف وواقع الزامية التعليم تضع على المحك الخطاب الحكومي وعوائق التنزيل لمشاريع الأجرأة على أرض الواقع، ليس فحسب من باب تحليل ما هو معلن، لكن كذلك في العودة إلى عبر الماضي القريب التي كشفت عن عدم استيعاب الدروس من التجارب المعطوبة التي مرت منها المنظومة التربوية من خلال تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين و بعده البرنامج الاستعجالي الذي كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات عن مدى الاختلالات التي وقفت حجر عثرة في تحقيق الأهداف المسطرة في المشاريع الطموحة لعدم توفر المناخ التدبيري الملائم بجميع شروطه لتحقيق النتائج المرجوة،فمن ضمن 43,1 مليار درهم المرصودة لمختلف المشاريع فإن الأداءات الفعلية لم تشمل سوى 25,1 مليار درهم ما يعني تنفيذ 58% من البرنامج وممايعني كذلك أن قرابة نصف الاجراءات التي كانت مقررة لم تنفذ، ناهيك عن تقييم الأثر الذي لا نعرف مصيره بالدقة الكاملة إلى حدود اليوم ، وحتى لا نطيل الحديث في تحليل التقرير، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن تدبير الطاقات الاستيعابية والاستقبال للتلاميذ كانت من ضمن المشاكل المرصودة ، فمن 1164 مؤسسة مدرسية كانت مستهدفه في البرنامج لم يتم بناء إلا 286أي %24,6 ، مما لم يمكن من توفير الفضاء الدراسي المطلوب. وإذ أوردنا هنا مثالا من تعثر تنزيل مشاريع تقنية ومادية صرفة، فماذا عسانا أن نقول عن المشاريع التربوية التي تحتاج خبرات دقيقة ومهارات بيداغوجية وتربوية عديدة للتمكن من تكوين التلميذ بالقدرات التي يحتاجها، بل إننا في حاجة كذلك الى البحث عن المناخ العام السائد في المدرسة الذي يبقى التساؤل بشأنه مفتوحا إلى اليوم،إذا ما اعتبرنا نتائج الدراسة التي قام بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين وخاصة تقريره لسنة 2008 حول واقع التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في المدرسة العمومية بعد تطبيق مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي نجد اليوم الأسئلة المطروحة علينا في هذا المجال تحتفظ براهنيتها نظرا للأهمية التي تكتسيها . ولتفصيل هذا الموضوع الذي لازال يحتل الاهتمام في خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان 2018/2021 ، سأعمل على استحضار ملخص بعض نتائج البحث الذي قمت بإنجازه في هذا المجال في إطار دراسات السلك الثالث لكلية الحقوق بطنجة ، شعبة القانون الدولي الإنساني وحقوق الانسان. وقد اندرج السياق العام للدراسة فيإطار البحث و تتبع واقع التربية على حقوق الإنسان في علاقتها ب: 1. تحليل وضعية الحكامة المدرسية في التعليم العمومي وتقييم درجة دمقرطتها في مجال الحياة المدرسية ، 2. تحديد الأسباب التي تعرقل دمقرطة الحياة المدرسية في المدرسة المغربية ، 3. اقتراح أدوات تهم تصور السياسة العامة في هذا المجال و التكوين الأساسي والمستمر للتقرب من المعايير الدولية . وقد شملت عينة البحث 13 مؤسسة ابتدائية و 10 مؤسسات إعدادية تابعين لمديرية الحسيمة وقد توزعت كل هذه المؤسسات على العالم القروي والحضري بشكل متساو .وقد تمحورت أسئلة البحث حول النقط الآتية : إلى أي حد استطاعت المدرسة المغربية الانخراط في المسار الديمقراطي والتربية على المواطنة وحقوق الانسان ؟ في أي مستوى من التقدم تتموقع مؤسساتنا التعليمية في علاقتها بمبادئ التربية على المواطنة وحقوق الانسان من خلال إعمال مبادئ: الحقوق والواجبات ، المشاركة الفعالة واحترام التنوع ؟ ما هي العوامل التي تعرقل تطبيق ممارسة الحكامة الديمقراطية المدرسية ؟ وكيف يمكن تطوير وتحسين الحكامة الديمقراطية في مدارسنا من أجل المساعدة على خلق مناخ دراسي مساعد على تعلم حقوق الإنسان والمواطنة الفاعلة ؟ وكمنهجية للبحث تمت الاستعانة بالنموذج النظري الذي قام بإعداده خبراء مجلس أوروبا والذي يتضمن تصورا متكاملا لصياغة وتنفيذ سياسة تعليمية في مجال حقوق الإنسان وهو يتكون من خمس مراحل: صياغة السياسة التعليمية تعريف التربية على حقوق الانسان والمواطنة وفق المعايير الدولية تنزيل السياسة على أرض الواقع الحكامة الديمقراطية في المدرسة la gouvernance démocratique de l'école التقييم والبحث عن كيفية تطوير السياسات وضمان الاستمرارية مع تحليل الوثائق الرسمية المغربية الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، المرسوم 2.02.376 ،المذكرة الوزارية رقم 155 بتاريخ 7.11.2011 ، اتفاقية الشراكة بين المجلس الوطني لحقوق الانسان وأكاديمية تازةالحسيمةتاونات بالإضافةإلى إجراء مقابلات مع الفاعلين التربويين بالمؤسسات التعليمية التي تمت زيارتها . وقد كشفت النتائج المحصل عليها عن نقائص كثيرة على مستوى الحكامة المدرسية في بعدها الديمقراطي، و إلقاء الأضواء على كثير من مناطق الظل في النظام التعليمي المغربي حيثأظهر البحث أن الحكامة الديمقراطية في المؤسسات التعليمية تشكل الحلقة الضعيفة في المنظومة التعليمية ،وأنها تشكو من فاقات متعددة الدرجات من مدرسة إلى أخرى حسب ما تتميز به كل مؤسسة على حدة من خصائص تدبيرية ومؤهلات بشرية وخصوصيات جغرافية ، لكن بشكل عام يمكن التأكيد أن هناك ثغرات كثيرة يتعين تقويمها نذكر منها ما يلي : 1. افتقار المنهاج الدراسي العام إلى تشريع ملزم لإدماج التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في مشاريع المؤسسة بمفهومها الشامل ومراعاة المقاربة الحقوقية في التدبير المدرسي، 2. نقص حاد في التكوين الأساسي والمستمر للسادة المدراء في مجال التربية على حقوق الإنسان ، 3. خضوع الحكامة المدرسية للسلوك التقليدي السلطوي بشكل متفاوت والذي لا يسمح بإدماج حقيقي لشركاء المدرسة و استمرار نظام مدرسي لا يسمح للتلاميذ بالممارسة الفعلية لتعلم المواطنة الفاعلة بحكم الموقع الهامشي الذي لا زالوا يخضعون له، 4. وتظل مبادئ الحقوق والواجبات ، المشاركة الفعالة وتثمين التنوع مبادئ لا تجد مكانها في أساليب الحياة المدرسية المتبعة ، توصيات : إن تجاوز الوضع الحالي المتأزم الذي يعرقل تحديث المدرسة وتجديدها، يتطلب إرادة سياسية جديدة منسجمة مع روح خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، إن الأمر يتطلب إعادة صياغة السياسات التعليمية بشكل جدي لضمان شروط الحق في التربية أولا والحق في تعليم ذو جودة يستجيب للحاجات الفعلية للمتعلمين ويأهلهم للانخراط في المجتمع وسوق الشغل ، في هذا السياق يستلزم الأمر إعادة صياغة تعريف التربية على حقوق الانسان وفق المعايير الدولية وتحيين تقييم الوضع الحالي على جميع المستويات لتحديد المسافة الفاصلة لنظامنا التعليمي عن المستوى الدولي مثلما نقوم به في تقييمات التعلمات الدولية في الرياضيات والعلوم والقراءة " PISA,PIRLS …" وذلك بهدف إعطاء دلالة محينة للرؤية الاستراتيجية 2015/2030 من خلال ما يلي : 1. إدماج إلزامية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في التشريعات المدرسية ، 2. مراجعة نصوص التنظيمية للتدبير الاداري والتربوي مع تخصيص مجال أوسع لمشاركة الأطراف الفاعلة وشركاء المدرسة ، 3. إبرام اتفاقيات شراكة بين وزارة التربية الوطنية والمجلس الوطني لحقوق الانسان و وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان ، 4. إعادة صياغة أدوار ومهام مجالس التدبير في المؤسسات التعليمية ، 5. ضرورة تنصيص التشريعات المدرسية على واجب إحداث المجالس التلاميذية 6. تقنيين إدماج وتعميم التربية على حقوق الانسان في التكوين الأساسي والتكوين المستمر للمدرسين والأطر الإدارية ، 7. إدماج مقاربة تأمين الجودة للتربية على حقوق الانسان في المؤسسات التعليمية ، ان نجاح تنزيل خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان يمر حتما عبر إعداد الأجيال القادمة لتشبعهم بقيم المواطنة الفاعلة وحقوق الإنسان والديمقراطية ، لذلك تبقى المدرسة العمود الفقري لأي رؤية استراتيجية لتحقيق الحداثة السياسية وبناء مجتمع مغربي متضامنوبناء مدرسة تؤمن النجاح للجميع ، وقادرة على التكيف مع خصوصيات وحاجات التلاميذ والتلميذات لتحقيق مدرسة الإنصاف الحقيقي و الأهداف الفعلية للتعليم الجامع éducation inclusive''" الذي لا يقصي أحدا ، ويستجيب لكل أشكال التنوع ويحقق على المدى البعيد دمج جميع المواطنين في مجتمع متضامن يعطي معنى حقيقيا للعدالة الاجتماعية ، لذلك يبقى تطبيق خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان في بعدها التربوي رهان كبير لمستقبل المغربيكون فيه قابل على الاندماج في محيطه الاقليمي والدولي ورفع تحديات العولمة التي ما فتئت تولد إكراهات جديدة لا يمكن مواجهتها إلا بمدرسة جديدة تجعل من المقاربة الحقوقية المبدأ الأساسي في تربية الأجيال. عبد اللطيف امحمد خطابي [email protected]