مع حلول فصل الصيف يعود النقاش حول الشواطئ و الاطياف، و يحلو الاستجمام بشواطئ المتوسط، و لعل منطقة صنهاجة بإقليم الحسيمة كانت محظوظة بتوفرها على عدة واجهات متوسطية خلابة مثل طوريس و كلايريس و بادس، غير أن من سوء حظها أنها تقع بالجانب الغربي لإقليم الحسيمة، إذ كانت لتكون منطقة خيالية و ساحرة لو توفرت لها ظروف أخرى، لكن كما يقال تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، و هنا جرى المسؤولون بما لا تشتهي الساكنة و بما لا تشتهي صنهاجة و شواطئها. شواطئ صنهاجة المحسوبة ترابيا على صنهاجة الساحل و على الجماعات الترابية: بني بوفراح و الرواضي و اسنادة على وجه الخصوص، يمكن القول أنها تصلح لكل شيء غير الاصطياف و الاستجمام، بسبب التهميش و الإهمال و اللامبالاة. على الطريق المؤدية إلى شواطئ صنهاجة تتربص جميع العوائق بالراغبين في الوصول إليها فيما يشبه طريق الموت -أو الدخول في لعبة محفوفة بالمخاطر غير أنها لا تتوج بجائزة عند نهايتها مع الأسف-، على طريق جبلية لا تتسع لأكثر من سيارة -تمتد حوالي 30 كلم إذا قدمنا إليها من ترجسيت- لعلها السبب الأبرز في عزوف الساكنة و مختلف السياح الأجانب و الداخليين عن التوجه نحو شواطئ صنهاجة، على طريق يلزمك الخروج منها إذا تقابلت مع سيارة أخرى أو أردت التجاوز، مخاطرا بسلامتك و سلامة سيارتك و الارتماء في حضن جروف خطيرة و عميقة أحيانا كانت السبب في الكثير من الأحيان في وقوع مصائب على هذه الطريق إلى جانب المنعرجات الحلزونية التي تتعرج بزاوية 180 درجة في بعض المقاطع. على طريق يعود أصلها و قناطرها لعهد الاستعمار طالبت الساكنة بإصلاحها لسنوات لكن يبدو أن آذان اللامسؤولين كانت صماء مع الأسف، طالب بها حراك ترجيست و نواحيها سنة 2013 و ما تلاها و أعيدت المطالبة بها في إطار حراك الريف و قبله في صيف 2016 نظم النشطاء مسيرة بالسيارت للمطالبة بإصلاحها انطلقت من ترجيست إلى طوريس و تخللتها عدة وقفات احتجاجية. لتتم برمجتها في إطار برنامج الحسيمة منارة المتوسط سنة 2015 و لحدود كتابة هذه الأسطر لم يشرع فيها، اللهم بعض القناطر التي تم و يتم إصلاحها خارج هذا البرنامج مثل قنطرة "اذغيرن" التي كلفت المسؤولين سنة من الزمن و هي التي لا تتعدى بضعة أمتار طولا وعرضا و يا ليت جودتها كانت في مستوى ما تمت خسارته فيها من وقت و مال. على نفس الطريق و بالضبط في ملتقى الطرق الذي تلتقي فيه مع الطريق الساحلية تتمركز فرقة من الدرك الملكي على الدوام ليل نهار، لضبط الأمن على هذه الطريق نعم، و ربما لغرض آخر خصوصا مع المسيرات التي كانت تنظم نحو مدينة الحسيمة مؤخرا في إطار الحراك الشعبي، و أيضا للتربص بالمصطافين المخالفين لقوانين السير و بالسيارات التي تنقل السكان إلى الشاطئ بطريقة غير قانونية نتيجة للغياب التام أو شبه التام لوسائل النقل العمومية، و لربما لصد الراغبين في الاصطياف الممنوعين منه لكونهم موضوع بحث أو مشروع بحث لدى مصالح الأمن بسبب زراعة القنب الهندي أو بسبب شكاية كيدية مما يسهم في إضعاف الإقبال على هذه الشواطئ خصوصا إذا استحضرنا المعطيات السوسيواقتصادية للمنطقة. هذا حال الطريق إلى طوريس و كلايريس، أما إذا أردنا التوجه نحو بادس فالمصيبة أعظم، حيث يلزم قطع ما يقارب 13 كلم من ال(بيست) للوصول إلى هذا الشاطئ و ما يعنيه ذلك من معاناة. و إذا ما وصلنا إلى هذه الشواطئ فلا شيء يدل على أنها شواطئ تنتمي لضفاف المتوسط، في مدخل طوريس و كلايريس تجابهنا لافتات مشروع هب مع الرياح منذ سنوات و بقيت صوره فقط، مع ما يطرحه ذلك من تساؤلات مشروعة حول رغبة المسؤولين في تنمية هذه الشواطئ و جعلها ذات استقطاب و إشعاع محلي، وطني و لم لا دولي؟ طوريس و كلايريس يكاد يجمع المصطافون على أنهما ليسا ذلكما الشاطئين الذين كانوا يعرفونهما زمان الثمانينات و التسعينات و مطلع الألفية الثالثة، في الوقت الذي تشهد فيه معظم الشواطئ تقدما فإن هذين الشاطئين شهدا تراجعا و تأخرا ملحوظين، خصوصا بعد منع التخييم بهما و إفراغ المخيمات بالقوة، و هدم مخيم كلايريس، تكالبت عليهما قوى الطبيعة و البشر، فالطبيعة قد بخلت بخيراتها البحرية التي كانت تعرفها منذ سنوات، و باتت هذه الشواطئ شبه خالية من الأسماك مما يجعلنا نتساءل جميعا حول أسباب ذلك و ما بذل من أجل علاجه؟ في منطقة كان السمك فيها ذا وفرة و شبه مجاني بات اليوم مفقودا و ذا ثمن باهض. بل حتى نباتات البحر التي كان طوريس معروفا بها هي بدورها قررت الرحيل، شأنها شأن رمال كلايريس الذهبية التي افتقدناها هذا الموسم. أما البشر فربما كان عدوانهم أفدح، طوريس و كلايريس و بادس .. ليست مجرد أسماء شواطئ عادية، إنها شواطئ كان لها صيت و صوت و لها تاريخ عميق، لكنها فقدت بريقها تماما مع الأسف، بادس التي كانت ميناء شمال المغرب و افريقيا لم ينج منها سوى مدشر صغير يعيش على الفلاحة و الماشية و فتات الصيد و بالكاد يوفرون قوت عيشهم اليومي، إلى جانب الشاطئ غير المتوفر على مقومات الشواطئ الحديثة التي توفر الأمن و الرفاهية للمواطنين من سباحة منقذين و مسؤولي نظافة و حمامات عمومية ... إلى جانب شبه الجزيرة المحسوب على الجارة الإسبانية و الذي يعيش أهله حالة مناقضة تماما لجيرانهم بهذا الطرف، و إلى جانب جبال بادس و كهوفها و منتزهها. بادس الذي كان من الممكن أن يكون وجهة طبيعية سياحية يأتيها القريب و البعيد و أيضا وجهة سينمائية بما تزخر به مناظر خلابة تشد أذهان و انظار المخرجين و المنتجين إليها، غير أنها لا تحضى سوى بعشرات قليلة من المصطافين، و لم تحظ سوى بتجربة سينمائية يتيمة للمخرج المغربي عبد الرحمن التازي في فيلم "بادس". أما طوريس و كلايريس فليسا أفضل حالا من بادس، كلايريس الذي تم الإجهاز على جماليته و أناقته بعد تهديم مكان التخييم الذي كان متنفسا جميلا و رئة للشاطئ، أما اليوم فبات وجهه شاحبا لا جمال و لا أمان، شاطئ مهمل تماما لا نظافة ولا مراحيض و رشاشات، لا مخيم و لا أماكن للجلوس، لا لافتات حضر للسباحة في الأماكن الخطيرة و لا منقذين بكفاءة عالية (حسب بعض المتتبعين)، كورنيش مهترئ و غبار متصاعد، و موقف سيارات غير منظم و مهيئ، مطاعم محتشمة بخدمات رديئة و أثمنة باهضة بالنظر لما يتم تقديمه، كلايريس المحاذي للميناء كان يفترض فيه أن يكون غنيا بأنواع السمك، لكن العكس هو الحاصل، كلايريس الذي كان يحظى برمال ذهبية "رغم أنها في الغالب غير نظيفة بسبب أيدي البشر و إهمال اللامسؤولين" هذه الرمال بدورها قررت الرحيل هذا الموسم لربما احتجاجا على الأوضاع أو أن لها أجندة خاصة، تاركة فراغا في هذا الشاطئ الذي على شكل "قلب" و ما لذلك من رموز و دلالات جمالية لم تنعكس على أرض الواقع للأسف، و مريحة المصطافين في نفس الوقت من إزعاج من يمارسون الرياضات الشاطئية من كرة قدم و غيرها في المساحة الصغيرة التي كانت من قبل، رحيل الرمال ليس بهذه البساطة و إنما شكل بدوره خطرا على الأطفال الصغار بسبب الوادي المتكون على أطراف الشاطئ. أما جزيرة كلايريس التي لم يتم استغلالها بتاتا أو ينظر إليها فربما كانت محظوظة لأنها لم تصلها أيدي العبث و الفساد. أما طوريس فتلك مأساة أخرى.. طوريس ذاك المركز الحضاري زمان استضافته لليهود و المستعمر الإسباني، تحول اليوم إلى مركز بئيس، طوريس الذي كان قلعة للمقاومة بات اليوم قلعة أشباح و عبث، طوريس الذي كتبت حوله الروايات و كتب التاريخ ليس هو طوريس اليوم بالاتفاق. لنبدأ من الأعلى.. من قلعة طوريس التي عانت من الإهمال لسنين و عقود، حظيت هذه السنة بالإصلاح و الترميم، لم يتسن لنا معاينة ما إذا كانت بالفعل إصلاحات حقيقية أم مجرد تشويه؟ هل تمت المحافظة على قيمتها التاريخية و الأثرية أم لا؟ كلها أسئلة لم نجب عليها لأن القلعة ليست مهيئة للدخول إليها و الطريق إليها غير معبدة ليتسنى للسياح الوصول إليها و الاستمتاع بها و بمناظرها. و في أسفل الوادي يقع المركز و الشاطئ، لندخل إلى المركز أولا، هذا المركز الذي فقد الكثير أصبح اليوم مجرد حي سكني عادي جدا بشبه طريق و شبه مراكز، لا ندري حالته الاجتماعية كيف هي بالضبط، لكن منظره على العموم لا يوحي و لا يبشر بالخير، لسنوات قريبة كان لا يزال غير متوفر على شبكة صرف صحي، و صراحة لا أجد ما أكتبه عنه لأنه فقد كل شيء، من كان يتصور أن مركزا قرويا كان متقدما في القرن العشرين و يتوفر منذ زمان على قاعة للسينما و مقاهي و بارات أصبح اليوم في القرن الواحد و العشرين متخلفا و لا يعرف سوى بمقر الدرك الملكي المتواجد بترابه، إنه حقا تقهقر و رجوع للوراء بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أما شاطئ طوريس الجميل عفوا البئيس فقد أصبح لاشاطئ بعد أن منعت السلطات التخييم فيه بمبررات واهية من قبيل أنه غير صالح للتخييم لافتقاده للأمن و مختلف الخدمات .. مما يجعلنا نتساءل: كيف كانت تستطيع أن تخيم فيه الأجيال السابقة في السبعينات و الثمانينات و التسعينات و لا يمكن التخييم فيه في العقد الثاني من ق 21؟ هذه الأجيال التي تحدثنا بحنين و شوق كبيرين لتلك الأيام الخوالي أيام الزمن الجميل. و نتساءل أيضا عن : من المسؤول؟ أليست الدولة بهيآتها المنتخبة و غير المنتخبة هي التي كان واجبا عليها إيلاء العناية بهذا الشاطئ و جعله صالحا للتخييم بتوفير الأمن و الصحة و الماء و الكهرباء و مختلف الخدمات ...؟ طوريس اليوم أصبح لاشاطئ لعدم توفره على مخيم، و عدم توفره على مقاهي و مطاعم محترمة، و على موقف سيارات عمومي منظم و مقنن و مهيئ، و على مراحيض و رشاشات عمومية بخدمات جيدة، و على سباحة منقذين و بكفاءة عالية، و على كورنيش أنيق و جميل يرقى لمستوى طوريس. كثيرة هي الأمور التي تعاني منها جل شواطئ صنهاجة، حاولنا الوقوف على بعضها أو أهمها على الأقل، من طريق و مرافق صحية و كهرباء و ماء و تخييم و أمن و صحة مواقف سيارات و غيرها. و من بين الأمور التي تعاني منها هذه الشواطئ بالإضافة لما ذكر، و التي يعاني منها المصطافون كثيرا و باتت تنفر الناس من الذهاب إلى هذه الشواطئ لما يزيد عن عشر سنوات، دون أدنى التفاتة أو محاولة لحل مشكلها من طرف السلطات أو هيآت المجتمع المدني مشكل هجوم قناديل البحر الحارقة على جل شواطئ صنهاجة كنمودج واضح و صريح للامبالاة التي ينهجها المسؤولون بالمنطقة تجاه سلامة و أمن المواطنين. هذه القناديل التي و إن لم تسجل منها حالة وفاة لحد الساعة بالمنطقة، إلا أنها أفقدت المصطافين الراحة و الطمأنينة، بل و ألحقت أضرارا صحية بالعديد من الناس بحروق متفاوتة الخطورة لاسيما لدى من يعانون من حساسية على مستوى الجلد. و أصبحت كابوسا منفرا للعديد من مرتادي هذه الشواطئ، صارفة إياهم نحو وجهات شاطئية أخرى لاسيما تجاه شواطئ الجزء الشرقي من مدينة الحسيمة و غيرها من الوجهات المتوسطية شرقا و غربا في تكالب للطبيعة مع المسؤولين و لوبيات الفساد على تهميش هذه المنطقة لصالح أقطاب أخرى تهريبا للسياح و لرؤوس الأموال و المستثمرين و المشاريع التنموية. طوريس و كلايريس و بادس و غيرها يمكن القول بكل حزم و جزم و عزم أنها شواطئ غير صالحة للاصطياف بكل المقاييس لافتقادها لأبسط مقومات الشواطئ العادية و أحرى شواطئ المتوسط الساحرة. و هنا نتكلم عن الحد الأدنى من المقومات المتجلية في المرافق و الأمن و التخييم و الصحة –فكيف يعقل أن كل هذه الشواطئ لا تحظى حتى بمستوصف طبي أو حتى بصيدلية-، و لا نتكلم عن جعلها منشأة سياحية عالمية و بناء وحدات فندقية من خمس نجوم أو إنشاء طريق سيار نحوها، لأن أحلامنا معقولة و واقعية على الأقل و لا نحلم أكثر من جهدنا حتى لا تفقد أحلامنا معناها و تتبخر كما تبخرت رمال كلايريس.