إن نظرية العفو في مجال القانون الدستوري بصفة عامة، والقوانين المكملة له بصفة خاصة. لها أصولها وأسبابها قامت إما لاعتبارات إنسانية محضة أو لاعتبارات سياسية محضة. وهو إجراء أو تدبير يهدف إلى إعفاء المدان من العقوبات التي أصدرتها في حقه السلطة القضائية، بسبب ارتكابه أفعالا يحرمها القانون. وقد يكون عفوا عاما، كما قد يكون عفوا خاصا. ويجب التذكير، بأن العفو من بين الأسباب التي تؤدي إلى سقوط العقوبة ( إلى جانب الصلح والتقادم )، وأركانه أربعة حسب الفقه، وهي: - الصيغة: وهي الوسيلة المعبرة عن الرغبة في إسقاط العقوبة بالعفو. - العافي: وهو ما ثبت له حق في استيفاء عقوبة فأسقطه. - المعفو عنه: وهو من ثبتت عليه عقوبة فأسقطت عنه. - محل العفو: المراد به، العقوبة التي لولا العفو لكانت لازمة على من ثبتت عليه. وبهذا، فإن العفو من وجهة نظر الفقه الدستوري ينقسم إلى نوعين، خاص وعام (الشامل). وقد ورد في الفصل 34 من دستور المملكة لسنة 1996 على ما يلي: " يمارس الملك حق العفو". هذا، دون أن يكلف المشرع الدستوري المغربي نفسه عناء الفصل بين العفو العام و العفو الخاص من داخل الوثيقة الدستورية، عكس ما ذهب إليه الدستور الإسباني مثلا، الذي يبين بجلاء على أنه يعود للملك ممارسة حق العفو الخاص بالاتساق مع القانون الذي لا يمكن أن يسمح بالإعفاء الجماعي. ولما كان العفو ينقسم إلى نوعين، فما هو المفهوم القانوني لكل منهما وما هو نطاقهما؟ العفو الخاص، هو ذلك العفو الذي يشمل عدة جرائم دون تحديد، ويولي الاهتمام للشخص المحكوم عليه من حيث الجريمة والسلوك، ويمكن أن يصدر في جميع مراحل المسطرة، أي سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو أثناء ممارستها وذلك دون أن يترتب عنه محو صفة الجريمة عن النشاط الإجرامي المقترف. ويبقى أن نشير في هذا الإطار، إلى أن الظهير المنظم للعفو الخاص الصادر في 6 فبراير 1958 كان ينص في مادته الثانية على أنه: " لا يجوز إصدار العفو إلا إذا أصبح الحكم بالعقوبة المطلوبة العفو من أجله لا مرد له وقابلا للتنفيذ". ولكن بمقتضى تعديل 1977 أصبح العفو الخاص يصدر قبل المتابعة وأثناءها وبعد إصدار الحكم، حيث نص الفصل الأول المعدل على أن العفو يمكن إصداره سواء قبل تحريك الدعوى العمومية، أو خلال ممارستها أو على إثر حكم بعقوبة أصبح نهائيا". وهنا قد تطرح بعض الإشكالات القانونية، فالعفو الصادر قبل الشروع في المتابعات أو خلال إجرائها قد يحول دون ممارسة الدعوى العمومية أو يوقف نشرها حسب الحالة، ففي جميع مراحل المسطرة ولو أمام محكمة النقض. ولقد كان ظهير 6 فبراير 1958 في صيغته الأولى، أي قبل خضوعه لتعديل 8 أكتوبر 1977 يتطلب للتمتع بالعفو أن يصبح الحكم بالعقوبة قطعيا وقابلا للتنفيذ، فكان يشكل بذلك آخر وسيلة يمكن اللجوء إليها من طرف المحكوم عليه. وكانت هذه الصيغة تعتبر أكثر تقدما وانسجاما مع الصيغ الواردة في القوانين المقارنة، غير أن التراجعات الحقوقية والقانونية التي عرفها المغرب خلال فترة السبعينات أدت إلى شمول هذا الفصل بالتعديل دون أن ينتبه المشرع في أي لحظة من اللحظات إلى إعادة النظر في مقتضيات هذا القانون، رغم ما كان يوجه له بين الحين والآخر من انتقادات. غير أن الأستاذ "أحمد الخمليشي" يستبعد ذلك بالقول: " يبدو من المستبعد استعمال العفو الخاص قبل صدور الحكم النهائي في غير الجرائم السياسية لأسباب غير سياسية وهو المجال الذي يستعمل فيه عادة العفو الشامل". أما العفو الشامل، عند رجال الفقه هو ذلك " العفو الذي يرفع صفة الجريمة عن الفعل الإجرامي الذي يعاقب عليه القانون، بحيث يعتبر مقترف النشاط الإجرامي وكأنه لم يرتكب جريمة أصلا. وهو عفو لا يخص فردا أو أفرادا معينين، بل عادة ما يشمل نوعا من الجرائم حدثت في ظروف ومناسبة خاصة. فهو لا يقف عند حد رفع العقوبة فقط أو تخفيفها، بل هو محو وإسقاط للجريمة ذاتها وما يكون قد صدر فيها من أحكام. ذلك أن العفو الشامل يستهدف إسدال ستار النسيان على جرائم ارتكبت في ظروف معينة، يغلب عليها أن تكون ظروف سياسية". مثال ذلك، العفو الذي شمل المحالين على المحاكم بتهمة ما يعرف بقضية " الزيوت المسمومة" أو بتهمة "التهريب"، حيث انصرف العفو إلى تمتيع هؤلاء بالعفو الشامل دون التقيد بالإجراءات التي يقتضيها العفو الخاص، فهو إذن ينصرف إلى الجريمة لا المجرم بذاته ولذلك يسمى شاملا. وهذا النوع من العفو لا يقف عند حد رفع العقوبة فقط أو تخفيفها، بل يقوم بمحو وإسقاط الجريمة ذاتها وما يكون قد صدر فيها من أحكام. ومن بين أبرز الإشكالات التي ميزت موضوع العفو الشامل، نجد هناك إشكالية مهمة وقد أثارت العديد من النقاشات القانونية بين الباحثين المغاربة، والتي تمحور موضوعها: حول من في حقه ممارسة العفو الشامل في المغرب، هل يدخل ذلك في اختصاص الملك أم في اختصاص البرلمان؟ آخذين بعين الاعتبار الفصل 34 من دستور المملكة لسنة 1996، الذي لم يكن يفصل بين العفو الخاص والعفو الشامل كما فعلت العديد من الدساتير في التجارب المقارنة. بهذا الصدد، فالعديد من الأساتذة المغاربة كانوا يرون بأن العفو الشامل من اختصاص البرلمان وذلك انسجاما مع الفصل 51 من القانون الجنائي المغربي الذي كان يقرر ما يلي: " لا يكون العفو الشامل إلا بنص تشريعي صريح، ويحدد هذا النص ما يترتب عن العفو من آثار دون المساس بحقوق الغير". في حين انفرد الأستاذ "مصطفى قلوش" باجتهاد خاص فيما يتعلق بهذا الموضوع، إذ يؤكد بأن الدستور المغربي هو دستور جامد، مقتضياته تعلو وتسمو على سائر المقتضيات التشريعية الأخرى، والدستور كما هو معلوم هو الذي يبين ما تمارسه كل مؤسسة دستورية من اختصاصات وصلاحيات ولا يمكن لأي تشريع يحتل مرتبة دنيا أن يخالف المقتضيات التي تحتويها الوثيقة الدستورية (...) ولما كان الدستور المغربي (دستور 1996) نص في الفصل 34 على التالي " يمارس الملك حق العفو" دون تحديد لنمط العفو، حيث إن هذا الأخير وارد بإطلاق، ولما كان الفصل 46 قد بين المجالات التي يختص بها القانون الذي يصدر عن البرلمان، وليس من بينها صلاحية إصدار العفو العام، فأن هذا يفيد أن جلالة الملك بمقتضى الفصل 34 من الدستور يستطيع أن يمارس حق العفو الخاص والعام على حد سواء...ولهذا لا يمكن لنص تشريعي يحتل مرتبة دنيا أن يقرر أمرا أو اختصاصا على خلاف الوضع المقرر في نص يحتل مرتبة عليا، الأمر الذي يجعل الفصل 51 من القانون الجنائي غير متسق مع الفصل 34 من الدستور ومن الناحية العملية والواقعية والفعلية فإن جلالته هو الذي يمارس حق العفو بنوعيه ". والمشرع الدستوري المغربي، عند صياغته لمقتضيات دستور المملكة لسنة 2011 قد تفطن إلى هذه الهفوة، فعلى الرغم من الإبقاء على نفس الصيغة التي وردت في الفصل 34 من دستور 1996 _ يمارس الملك حق العفو _ ( الفصل 58 من دستور 2011 ) دون تحديده، إلا أنه قد نص في الفصل 71 من الدستور الحالي على ما يلي: " يختص القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، - نظام الأسرة والحالة المدنية؛ - مبادئ وقواعد المنظومة الصحية؛ - نظام الوسائط السمعية البصرية والصحافة بمختلف أشكالها؛ - العفو العام؛ _ (... ) وبهذا يكون المشرع الدستوري المغربي قد حسم الجدل الفكري والنقاش الفقهي الذي أثير حول من يملك صلاحية ممارسة حق العفو العام الملك أم البرلمان، عبر منح البرلمان بشكل صريح هذا الاختصاص المتعلق بممارسة حق العفو العام عبر إصدار نص تشريعي. يوسف أشحشاح باحث في سلك الدكتوراه