يظل الحل الوحيد لمواجهة تنامي عمليات تهريب القنب الهندي «الكيف» إلى فرنسا، مطالبة الرباط بالقضاء على زراعة هذه النبتة في مناطق الريف، موازاة مع تقديم دعم إلى 800 ألف فلاح، لغاية مساعدتهم على التحول من هذه الزراعة إلى أخرى، حسب بيار فيرميرن، الباحث الجامعي الفرنسي المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر، الذي اعتبر أن المملكة الدولة الأكثر قوة وتنظيما وشبها بالدولة الفرنسية في إفريقيا، تمتلك القدرات الكفيلة بتصفية أنشطة زراعة الكيف، على غرار الحملة التي أطلقتها السلطات خلال الفترة بين 2003 و2004، وأدت إلى تقليص المساحات المزروعة إلى النصف. أمام ارتفاع منسوب الجريمة المنظمة في مارسيليا وضغط شخصياتها النافذة، من أجل شرعنة بيع واستهلاك الكيف في فرنسا، حصرت السلطات الفرنسية مجال معالجتها لهذا المشكل في المستوى الوطني، بعد حذفها لخطر الحدود من مفكرتها، ما يمثل خطأ في التفاعل مع هذا الملف، الذي أظهر المسلسل التلفزيوني، المنجز من قبل لوسي بورليتو تحت اسم «القنب الهندي»، الذي بث على شاشة محطة «أ إر تي أو» (arte) أخيرا، أبعاده الكارثية. يتساءل بيار فيرميرن، الباحث الجامعي الفرنسي المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر، عن الحل لمواجهة مشكل تدفق القنب الهندي إلى فرنسا، التي اعتبر أنها في حال شرعنتها للحشيش، باعتبارها الدولة الوحيدة في أوربا التي قامت بهذه الخطوة، ستتحول إلى دولة- مخدرة داخل القارة، والمنصة الأولى لعمليات تهريب المخدرات إلى شمالها وغربها، موضحا أن لبلاده تاريخا منسيا مع أصناف المخدرات، حين نظمت السلطات الفرنسية إنتاج وبيع الأفيون في الهند الصينية خلال القرن 19، لغاية تمويل خزينة الحاكم العام بهذه المنطقة حينها. هذا الاحتكار في تنظيم تجارة الأفيون استمر إلى 1954، من خلال التنسيق بين ثلاث محطات رئيسية لمرور هذا المخدر، يتعلق الأمر بسايغون وهايفونغ ومارسيليا. وخلال هذه الفترة أيضا، فإن 75 % من الفرنسيين الموجودين في الهند الصينية، تاجروا بشكل غير شرعي في الأفيون، قبل تحويله إلى هيروين من قبل مختبرات غير مهيكلة في مارسيليا، ثم تركيزه بشكل أكبر في صيغة استهلاكية أخرى في 1898. “مافيا” متوسطية هذه الأرضية التاريخية لتجارة الأفيون، أسست ل»مافيا» متوسطية، تنشط في تهريب وتجارة المخدرات، سرعان ما وجدت صلات الربط مع مجموعات إجرامية في لبنان، لينتقل هذا «البيزنس» إلى السرعة القصوى، بتموين الجنود الفرنسيين في الهند الصينية، وبعدهم الأمريكيين في فييتنام، قبل إحداث سوق ضخمة للهرويين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو الأمر الذي دفع مكتب الأبحاث الفدرالي «إف بي آي»، إلى تفكيك الصلات الفرنسية في التنظيم الإجرامي الكبير مع بداية السبعينات، لتفسح المجال أمام تنظيم آخر «المافيا الإيطالية» أو «كوزا نوسترا»، للسيطرة على تجارة المسحوق الأبيض في البلاد. التطورات المتسارعة هربت تجارة الهيروين من محيط البحر بالأبيض المتوسط، إلى الضفة الأخرى من الأطلسي، ما فرض على «المافيا» المتوسطية، التحول إلى منتوجات جديدة، تتمثل في الحشيش، وهو عبارة عن بذور القنب الهندي، وتحويل «الكيف» المغربي، من خلال مزج أوراق القنب بالتبغ، وهي المنتوجات المجهزة بطبيعتها للنقل والتصدير، فيما تمكنت فرنسا إلى منع «الكيف» في مناطق نفوذها الكولنيالي بالمغرب بنهاية الستينات، إلا أن المناطق الشمالية، فضاء زراعة المخدر المذكور، ظلت ضمن نفوذ الإسبان. عاصمة “الكيف” في المناطق الشمالية، تحديدا منطقة كتامة، التي اعتبرت عاصمة «الكيف»، ما زال الفلاحون يدبرون 150 هكتارا من المساحات المزروعة بهذا المخدر، وذلك تحت غطاء سياسي، ذلك أن الملك الراحل محمد الخامس، كان يسعى إلى استمالة الريفيين بعد الاستقلال. وخلال فترة السبعينات، استقطبت مناطق الريف عددا مهما من الوجوديين الفرنسيين «الهيبيين»، من عشاق النبتة المخدرة، فيما انطلق إنتاج «الكيف» من مجموعة مبررات، همت الانتكاسة الفلاحية والاقتصادية في جبال الريف، التي شهدت تنامي موجهة الهجرة بسبب الفقر والبؤس إلى أوربا الغربية، وتفشي البطالة في صفوف القاصرين. هذه العوامل ساهمت في اتساع المساحة المزروعة ب»الكيف»، التي قفزت من 10 آلاف هكتار في 1970 إلى 140 ألفا بعد ذلك بسنوات، بالاستفادة من خبرة أفراد «المافيا» الفرنسيين، الذين تركوا أنشطة التجارة، وتفرغوا لمساعدة الفلاحين الريفيين، الذين تحولوا بسرعة إلى خبراء ومنتجين للحشيش، وأسسوا سوقا خاصا بهم في أوربا. وخلال أربعين سنة، أصبح الحشيش المنتوج الأكثر تصديرا في المغرب، خصوصا مع تراخي الحكومة المغربية، ومعها الحكومتان الفرنسية والإسبانية، لتمتد المساحة المزروعة من الكيف إلى بعض مناطق الأطلس المتوسط. دعم أوربي لتدمير المساحات المزروعة حرك المغرب جيشه ضد زراعة «الكيف» في مناطق الريف، ليدمر حوالي 70 ألف هكتار، مستفيدا من دعم الاتحاد الأوربي الذي حول إليه 20 مليون أورو، لغاية تمويل التحول إلى زراعات أخرى، في الوقت الذي تشير معطيات، إلى رواج ثلاثة آلاف طن من هذا النوع من المخدرات سنويا منذ 1990، أي ما يعادل حمولة 79 شاحنة نصف ثقيلة، ما در في جيوب عناصر «المافيا» المنخرطة في هذه التجارة غير الشرعية، بين ثمانية ملايير دولار و12 مليارا، وفق أسعار البيع في السوقين الفرنسي والإسباني، علما أن 90 % من المنتوجات الرائجية في هذين السوقين مصدرها المملكة. ترجمة: بدر الدين عتيقي بتصرف عن “لوفيغارو”