الترحال السياسي (La transhumance ou le nomadisme politique)ليس هو الانشقاق الحزبي أو الاستقالة أو الإقالة، بل هو تعبير صريح عن مغادرة طوعية و إرادية لحزب سياسي، من طرف شخص عضوا فيه، سبق أن ترشح باسمه في استحقاقات انتخابية، و أعلن لاحقا الانتقال إلى حزب آخر، أو من فريق إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى، مما تتحقق معه واقعة التخلي الإرادي عن الانتماء السياسي للحزب الذي ترشح باسمه. الترحال السياسي، ممارسة سياسية، وتعبير عن سلوك ينم على تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، و إخلال بالمبادئ و بالأطروحة السياسية للحزب و بضوابطه التنظيمية، الذي كان ينتمي إليه الشخص الرحالة le transhumant ou le nomade ، قبل أن يقرر الانتقال إلى حزب سياسي آخر. فالترحال السياسي، هو سلوك سياسي، ينتج إما بسبب غياب الديمقراطية الداخلية في الأحزاب، و إما بسبب انحراف قياداتها أو عدم استقلاليتها، و إما بسبب طبيعة الشخص أو الأشخاص الذين مارسوا الترحال، أو أن السلطة أو الأغلبية ترتضي وتحبذ هذا السلوك، مما تترتب عنه مشاكل أخلاقية، و معنوية و قانونية، و سياسية، تتعارض مع المبادئ و القواعد التي يجب أن تستند إليها الديمقراطية التمثيلي التي يجب أن تحكم الحياة السياسية للاحزاب، و التي من ركائزها الدفاع عن مصالح الكتلة الناخبة، و عن المصلحة العامة. إن ظاهرة الترحال السياسي، و إن كانت خاصية و سمت العديد من النظم السياسية و بصيغ و أشكال مختلفة، إلا انه بالنسبة للحياة السياسية في المغرب، فالظاهرة عرفها منذ أول انتخابات تشريعية التي كانت في سنة 1963. و استمرت الظاهرة وبشكل ممنهج، لتمتد إلى سائر الاستحقاقات الانتخابية التي نظمها المغرب، لتشمل الانتخابات التشريعية والجماعية و الجهوية و المهنية، و هو ما دفع بعض الأحزاب السياسية إلى التنديد بالظاهرة، لما لها من انعكاسات سلبية على الحياة السياسية، و على مستقبل بناء الديمقراطية في المغرب. الأمر الذي أحرج السلطة السياسية، و دفعها إلى محاولة محاصرة الظاهرة، و ذلك عبر تدابير و إجراءات قانونية، تم تقريرها في قانون الأحزاب لأول مرة، قبل أن تتم دسترة المبدأ في دستور 2011[1] ، و التنصيص عليه في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية رقم 11.29، و كذا في النظامين الداخليين، والقانونين التنظيميين لمجلسي البرلمان، و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية . لقد أقر المشرع المغربي (الدستور و القانون) بأن الترحال السياسي خلال فترة الانتداب الانتخابي لا يترتب عنه عقوبات مالية فقط كما كان الحال مع قانون الأحزاب السياسية[2] لسنة 2006، بل أصبح حاليا ينتج عنه التجريد من العضوية في مجلسي البرلمان، و في مجالس الجماعات الترابية، و في الغرف المهنية. و هو الوضع الذي عاينه القضاء الدستوري و أدلى بموقفه منه، و كذلك القضاء الإداري، الذي مارس رقابته عليه بشكل متواتر، و كلاهما اعتبرا أن الترحال السياسي هو عمل لا يتوافق و المبادئ الدستورية و القانونية المؤطرة للانتخابات و الحياة الحزبية و السياسية. علما أن اختصاص القضاء الدستوري في المادة الانتخابية، ينحصر في رقابة انتخابات أعضاء مجلسي البرلمان، في حين أن القضاء الإداري يبسط سلطة رقابته على المنازعات الانتخابية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية[3]. وبصفة استثنائية تبقى المحاكم الابتدائية مختصة بالنظر في المنازعات المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية والترشيحات بصفة عامة[4] . و بناء عليه سنتناول الموضوع من خلال المحاور التالية: الترحال السياسي في الدساتير المغربية ( المطلب الأول). الترحال السياسي في القوانين التنظيمية ( المطلب الثاني). الترحال السياسي في العمل القضائي ( المطلب الثالث). المطلب الأول: الترحال السياسي في الدساتير المغربية: لقد أقر المشرع الدستوري مبدأ التعددية السياسية منذ دستور 1962، و هو ما يعني بأنه لم يسمح العمل بنظام الحزب الوحيد، مما فتح الباب للنخب السياسية، تأسيس العديد من الأحزاب السياسية، ابتداء من سنة 1959، منها من اعتمد المرجعية الاشتراكية، و منها من تبني المذهب الليبرالي، دون تقييد لحرية الانتماء، و دون ترتيب جزاءات على الانتقال من حزب سياسي إلى آخر، أو من فريق إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى. و هو الاختيار الذي وسم الدساتير المغربية منذ دستور 1962 إلى غاية دستور 1996، ( الفقرة الأولى)، خلافا للاتجاه الذي سيطبع دستور 2011، الذي دستر و لأول مرة عدم جواز الترحال السياسي في حدود معينة، وبشكل لا يبعث على أن الدولة ماضية إلى القطع مع سياسة التحكم في الحياة الحزبية والسياسية ( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى: الترحال السياسي في دساتير 1962 و 1970و 1972 و 1992و 1996: إن الدساتير المذكورة أقرت جميعها مبدأي حرية الانخراط في الأحزاب السياسية و حرية الاختيار السياسي و الإيديولوجي، دون تقييد لحرية الانتقال من حزب سياسي إلى آخر، و دون ترتيب لآثار أو جزاءات على ذلك، سواء كانت زجرية أو سياسية (انتدابية). و يؤخذ من مقتضيات الدساتير أعلاه، أنها لم تتضمن ضمن فصولها أية مقتضيات سواء كانت ضمنية أو صريحة، تقضي بعدم جواز الترحال السياسي و منعه، مما ترك الباب مفتوحا أمام منخرطي الأحزاب السياسية الانتقال من حزب إلى آخر، لأن الفصل 9 من دستور 1996 نص صراحة على ضمان الحرية لجميع المواطنات و المواطنين، وعلى حرية تأسيس الجمعيات، و على حرية الانخراط في أية منظمة سياسية أو نقابية، و شدد الفصل المذكور، على أنه لا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون. و سعيا لترشيد الحياة السياسية وتأهيلها، عمد مجلس المستشارين في سنة 1998، إلى إقرار نظامه الداخلي، الذي تضمن مبدأ ينص صراحة على منع ترحال المستشارين خلال مدة الانتداب الانتخابي. لكن و بالنظر إلى كون النظام الداخلي لمجلس المستشارين يعرض وجوبا على المجلس الدستوري لممارسة الرقابة الدستورية عليه، أي معاينة مدى مطابقة أحكام النظام الداخلي لمجلس المستشارين مع مقتضيات الدستور من عدمه، و بناء عليه، صرح المجلس الدستوري بعدم دستورية المقتضى المذكور، لكونه يقيد حرية الانتماء السياسي الذي يتعارض و أحكام الفصل 9 من الدستور، وجاء في القرار بأنه '' حيث إن ما تضمنته المادة 42 في فقرتها الأولى ، من أن لأعضاء مجلس المستشارين أن يكونوا فرقا حسب انتماءاتهم السياسية أو النقابية هو في جوهره عَينُ ما كانت نصت عليه المادة 44 من النظام الداخلي لمجلس النواب الموافق عليه في 18 جمادى الثانية 1415 (22 نوفمبر 1994) من أن للنواب أن يكونوا فرقا انطلاقا من الأحزاب الممثلة فيه وسبق للمجلس الدستوري أن صرح بمقتضى قراره رقم 95/52 الصادر في فاتح شعبان 1415 (3 يناير 1995) بأنه غير مطابق للدستور بعلة أن النواب بصفة كونهم يستمدون نيابتهم من الأمة كما ينص على ذلك الفصل 36 من الدستور يتمتعون بكامل الاستقلال وحرية الاختيار ، ويشمل ذلك حق تكوين فرق فيما بينهم ، سواء كانوا منتمين إلى أحزاب أو غير منتمين إليها ؛ وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 42 تنطوي ، والحالة ما ذكر ، على إهدار للحجية التي تكتسيها قرارات المجلس الدستوري بمقتضى الفصل 81 من الدستور وتعتبر لذلك غير مطابق لأحكامه.[5]'' و يستخلص من دساتير 1962 و 1970 1972 و 1992 و 1996، أنها لم تتضمن أي مقتضى قد يفهم منه، أنه يحظر الترحال السياسي، بل أنها (أي الدساتير) أجازت ذلك، و اعتبرته بأنه يندرج ضمن حرية الانخراط في الأحزاب السياسية وفي النقابات والانتماء إليها، و التي هي من مقومات حرية الرأي، لا يمكن تقييدها إلا بمقتضى قانون، و شريطة عدم تعارضه مع مقتضيات الدستور. الفقرة الثانية: الترحال السياسي في دستور 2011. تبعا للجدل القانوني و السياسي الذي ميز مناقشة النظام الداخلي لمجلس المستشارين في سنة 1998، و كذا قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، ذات الصلة بالترحال السياسي، و مدى جوازه من عدمه، خلال فترة الانتداب الانتخابي. و بناء على ما عرفه المغرب من نضالات سياسية واجتماعية تتوخى إصلاحات سياسية و دستورية، وتبعا للربيع المغربي في سنة 2011، ستعمد الملكية في المغرب، إلى المبادرة و الإعلان عن حزمة من الإصلاحات السياسية، تم تتويجها بإصدار دستور 2011، الذي يعتبر و عن حق، بمثابة برنامج سياسي للملك و دستورا للدولة. و في هذا الإطار نص الدستور الجديد، في فصله 61، على أنه يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. و يستخلص من الفصل 61 المذكور، أنه يجرد من صفة عضو في أحد مجلسي البرلمان بسبب التخلي عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. إن المقتضى الدستوري حصر التجريد من العضوية على أعضاء مجلسي البرلمان الذين تثبت في حقهم واقعة التخلي عن انتماءهم السياسي للحزب الذي ترشحوا باسمه، دون أن يشمل أو يتطرق إلى المنتخبين في الجماعات الترابية و الغرف المهنية، ما يعني بأن هذه الأخيرة غير مشمولة بترتيب نفس الجزاء المتعلق بأعضاء مجلسي البرلمان الرحل، و هو ما يمكننا وصفه بأنه إغفال دستوري، ما كان على المشرع الدستوري أن يهمل دسترته ليشمل سائر الحالات و المؤسسات السياسية و الدستورية، دون أفضلية مؤسسة على أخرى. المطلب الثاني: الترحال السياسي في القوانين التنظيمية و النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان: تعتبر القوانين التنظيمية أو العضوية ( Lois organiques) والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان Règlement intérieur من طائفة القوانين التي تخضع للرقابة الإجبارية أو الإلزامية للمجلس الدستوري (المحكمة الدستورية)، خلافا للقوانين العادية التي تمارس بشأنها الرقابة الاختيارية من طرف أصحاب الصفة. إضافة إلى مبدأ الرقابة الدستورية الوجوبية التي تخضع لها القوانين التنظيمية من طرف المجلس الدستوري بإحالة من رئيس الحكومة، فإن القوانين التنظيمية تعتبر جزء من الكتلة الدستورية أو امتدادا للدستور، فهي أدنى مرتبة من الدستور، و أعلى مرتبة من القوانين العادية. في حين أن الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان تمتاز بخاصية الخضوع للرقابة الدستورية الإلزامية أيضا و بإحالة من رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين على المجلس الدستوري، والتي من وظائفها الأساسية تنظيم السير الداخلي لمجالس البرلمان، والمساطر أو الطرق المتبعة في مداولاتها وانضباط أعضائها[6]. قبل إقرار مبدأ عدم جواز الترحال السياسي بمقتضى القانون التنظيمي للأحزاب السياسية (الفقرة الأولى) و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية (الفقرة الثانية) سبق و أن تضمن قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، منع الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، إبان فترة الانتداب التشريعي، دون أن يشمل المنتخبين في الجماعات الترابية و الغرف المهنية، و رتب جزاءات تتمثل في غرامة مالية فقط، تتراوح ما بين 20.000,00 درهم و 100.00,00 درهم، دون التجريد من صفة العضوية في أحد مجلسي البرلمان . الفقرة الأولى: الترحال السياسي في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية: إن قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، رتب جزاء ماليا عند ثبوت واقعة الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، دون منتخبي الجماعات الترابية و الغرف المهنية الذين أجاز لهم حق ممارسة الترحال السياسي، وفقا لما يستخلص من فصول القانون المذكور[7] . انه و لما كان قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، نص على مبدأ منع الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، خلال فترة الانتداب التشريعي، فإنه رتب على ذلك جزاءات مالية فقط، دون التجريد من العضوية، الأمر الذي جعل من القانون المذكور محدودا في آثاره، و لا يبعث على أفق ترشيد الحياة السياسية، خاصة و أن المادة 27 من قانون الأحزاب لسنة 2006، كانت تقضي صراحة بأنه يحق لكل فرد أن ينسحب من أي حزب سياسي في أي وقت شريطة احترام المسطرة المنصوص عليها في النظام الداخلي لهذا الحزب [8] . انه بالنظر إلى محدودية قانون الأحزاب لسنة 2006 [9]، عمد المشرع المغربي إلى إصدار القانون التنظيمي 11/29 الصادر في سنة 2011، و الذي تم تغييره و تتميمه بالقانون التنظيمي رقم 15/33، و ذلك من أجل التوسع في ضبط الممارسة السياسية الحزبية و جعلها تتوافق و مقاصد الدستور. و خلافا لما ورد في قانون الأحزاب لسنة 2006، فإن القانون التنظيمي رقم 11/29 الصادر في 22 أكتوبر 2011 المتعلق بالأحزاب السياسية [10]، تضمن مقتضيات صريحة في المواد 20 و 21 و 22، تقضي جميعها بعدم جواز الترحال السياسي، و في هذا الإطار نصت المادة 20 من القانون المذكور بأنه " لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية، التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة". و أضافت المادة 22 منه " لا يجوز لأي شخص أن ينخرط في أكثر من حزب سياسي في آن واحد" و مقابل منع الترحال السياسي على أعضاء مجلسي البرلمان و أعضاء مجالس الجماعات الترابية و الغرف المهنية خلال الانتداب الانتخابي، فإن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية أجاز في فصله 22 لكل عضو في حزب سياسي، أن ينسحب منه، في أي وقت شاء، شريطة الالتزام والتقيد بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي للحزب في هذا الشأن لترتيب الآثار القانونية مع مراعاة أحكام المادة 20 أعلاه. و تبعا للتعديل الذي طال القانون التنظيمي للأحزاب السياسية بمقتضى القانون التنظيمي رقم 15/33، فإنه تم تنظيم مسطرة التجريد من العضوية بسبب الترحال السياسي بالنسبة لمجالس الجماعات الترابية و الغرف المهنية، بحيث أسند الاختصاص للبت في طلب التجريد إلى القضاء الإداري، الذي يتعين أن يقدم من طرف الحزب السياسي المعني أو المتضرر من الترحال السياسي، و تبت المحكمة الإدارية المختصة في هذا الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيله لدى كتابة الضبط بها. إن القانون التنظيمي للأحزاب السياسة رقم 11. 29 ، في الوقت الذي أقر فيه مبدأ حرية الانتماء إلى الأحزاب السياسية والانسحاب منها، فانه بالمقابل شدد على وجوب مراعاة الضوابط والقواعد التي تحكم سير الأحزاب السياسية وكيفية إنهاء الانخراط فيها، حتى لا يتم تبخيس دور الأحزاب السياسية من طرف الدولة أو الأفراد أو الجماعات. ومن أهم المظاهر السلبية التي وسمت الحياة الحزبية والسياسية في المغرب هي ظاهرة الترحال السياسي قبل التقرير بمنعها وعدم جوازها بمقتضى الدستور والقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان. ورغم تقرير منع ظاهرة الترحال السياسي، إلا أن الممارسة السياسية لا زالت حبلى بالعديد من المظاهر السلبية التي لا تبعث على تأهيل ونضج بعض الأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي تأسست في ظروف غير عادية، وبمشاركة ومساهمة شخصيات سياسية مقربة من القصر، كما هو حال المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وعالي الهمة بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة. إن ظروف النشأة والتأسيس المشابهة التي حكمت حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، هي التي تكمن وراء دواعي الصراع المحتدم بينهما، واقل ما يقال عنه، أنه لا يخرج عن دائرة تبادل الأدوار وتكاملها خدمة للمصالح الإستراتيجية لدولة المخزن وتأبيدها. الفقرة الثانية: الترحال السياسي في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية: في إطار العمل على مناهضة الترحال السياسي و مظاهره السلبية، و تعزيز مكانة الالتزام الحزبي، لضمان أداء المؤسسات المنتخبة لأدوارها بشكل يبعث على الرشد السياسي، عمل المشرع المغربي إلى إصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بناء على تفويض من الدستور، هذه القوانين التنظيمية تتعلق بالجماعات [11] والعمالات و الأقاليم [12] ، و الجهات [13] . و يستفاد من المادة 51 من القانون التنظيمي للجماعات و المادة 52 من القانون التنظيمي للعمالات و الأقاليم و المادة 54 من القانون التنظيمي للجهات، نصت جميعها بأنه " طبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11/29 المتعلق بالأحزاب السياسية يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس. يقدم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية من قبل رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالأمر باسمه، و تبت المحكمة الإدارية في الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيل طلب التجريد لدى كتابة الضبط". يستخلص من المقتضيات القانونية المذكورة أعلاه جميعها، تأكيدها على عدم جواز تغيير الانتماء الحزبي خلال فترة الانتداب الانتخابي، وكل إخلال بتلك المبادئ يترتب عنه تجريد الشخص الذي تخلى عن انتمائه الحزبي من عضويته في احد مجالس الجماعات الترابية. وتمارس مسطرة التجريد من العضوية، في مجلس من مجالس الجماعات الترابية، بواسطة طلب يقدم إلى المحكمة الإدارية المختصة من طرف رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح باسمه الشخص المطلوب تجريده من العضوية ، مشفوعا بالوثائق التي تثبت إسناد واقعة الترحال السياسي إليه. الفقرة الثالثة: الترحال السياسي في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان في سنة 1998 بادر مجلس المستشارين بمناسبة وضع نظامه الداخلي، الذي ورد فيه بند ينص على منع انتقال المستشارين خلال مدة الانتداب الانتخابي للمجلس. لكن و بالنظر إلى كون النظام الداخلي لمجلس المستشارين يخضع للرقابة الإجبارية للمجلس الدستوري، باشر هذا الأخير الرقابة الدستورية عليه، و قضى بعدم مطابقة البند المذكور مع مقتضيات الفصل 9 من دستور 1996، لخلو هذا الأخير من أي مقتضى يستفاد منه حظره للترحال السياسي. وعلى عكس موقف مجلس المستشارين الذي حاول منع الترحال السياسي، إلا أن قرار المجلس الدستوري أجاز حرية الانتقال من حزب سياسي إلى آخر، أو من فريق إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى. إن تبرير أو تعليل المجلس الدستوري للقول بعد دستورية البند المتعلق بمنع ترحال أعضاء مجلس المستشارين خلال فترة الانتداب الانتخابي يبدو بأنه لم يكن موفقا فيما دهب اليه. لكن و خلافا للدساتير السابقة على دستور 2011، التي خلت جميعها من أي مقتضى قانوني يمنع التخلي عن الانتماء الحزبي خلال فترة الانتداب الانتخابي، فإن دستور 2011، نص في فصله 61 على عدم مشروعية الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، في حين أغفل منتخبي الجماعات الترابية و الغرف المهنية. و في إطار عملية عقلنة العمل البرلماني و البناء الديمقراطي في المغرب، تم اعتماد آلية لاشتغال البرلمان على المستوى الداخلي، عرفت بالنظام الداخلي للبرلمان، أي استقلال كل من مجلس النواب و مجلس المستشارين بنظامه الداخلي، لكن دون إخلال بقواعد التكامل والتناسق بين النظامين الداخليين للمجلسين عملا بمقتضيات الفصل 69 الفقرة 2 من الدستور. و تأسيسا على أحكام الدستورانية، و منذ دستور 1962، تم ابتكار تقنية النظام الداخلي للبرلمان، الذي بموجبه يتم تنظيم السير الداخلي للمؤسسة البرلمانية و تحديد طرق التداول داخلها [14] . و في ظل العمل بأحكام دستور 2011، اعتمد مجلس المستشارين نظامه الداخلي بعد التصويت عليه و تصريح المجلس الدستوري بمطابقته لأحكام الدستور على إثر إحالة وجوبية من رئيس المجلس[15] . و جاء في المادة 46/ الفقرة 2 منه أنه " لا يحق لأي عضو أن ينتمي لأكثر من فريق أو مجموعة برلمانية واحدة، أو أن يجمع بين العضوية في فريق و مجموعة برلمانية". و جاء في المادة 98 منه بأنه " يجرد من صفة عضو بمجلس المستشارين، كل عضو تخلى عن انتمائه السياسي أو النقابي، الذي اكتسب باسمه عضوية الهيئة الناخبة، التي ترشح باسمها لانتخابات أعضاء مجلس المستشارين، أو عن الفريق أو المجموعة التي ينتمي إليها بالمجلس". كما أكد النظام الداخلي لمجلس النواب بدوره في فصله 10 بأنه يجرد من عضوية مجلس النواب، كل عضو تخلى عن انتمائه السياسي. و من المعلوم أن التجريد من صفة نائب أو مستشار في أحد مجلسي البرلمان لسبب من الأسباب التي قررها القانون، و الذي تعلنه المحكمة الدستورية، يكون بناء على طلب من مكتب أحد مجلسي البرلمان و ليس بمجرد إشعار[16]. يستخلص من النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان تنصيصهما صراحة على عدم جواز الترحال السياسي أو النيابي و رتب عنه التجريد من العضوية، تقرره المحكمة الدستورية بإحالة من مكتب المجلس المعني بذلك، لان حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته وهو المبدأ الذي طبقه المجلس الدستوري في ظل العمل بدستور 2011 [17] . يتبع... مصطفى بن شريف دكتور في الحقوق، محامي بهيئة وجدة المراجع 1 -راجع مقتضيات الفصل 61 من الدستور التي تنصب انه" يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. وتصرح المحكمة الدستورية بشعور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضا آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية. 2- راجع أحكام القانون رقم 04.36 المؤرخ في 14 فبراير 2006 والتي تم نسخها بالقانون التنظيمي رقم 11 . 29 المتعلق بالأحزاب السياسية. 3- راجع المادة 8 من القانون رقم 90 .41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية. . 4- المنازعات الانتخابية في المغرب تتولى ثلاث جهات النظر فيها، وهي المجلس الدستوري و المحاكم الإدارية والمحاكم العادية. .5 -راجع فرار المجلس الدستوري رقم 213 /98، ملف رقم 433/ 98، بتاريخ 28 مايو 1998 5 6 - Jeans GICQUEL, Pierre AVRIL, Droit parlementaire, Montchrestien, Paris, 1990, p.7 et 8. 7 - راجع المواد 5 و 26 و 27 و 55 من قانون الأحزاب لسنة 2006. - 8--- المادة 27 من قانون الأحزاب لسنة 2006 تتعارض مع المادة 5 من نفس القانون 9 - راجع أ حكام القانون رقم 36.04 المؤرخ في 14 فبراير 2006 10- راجع القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 166/11/1 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 الموافق 22 أكتوبر 2011. 11 -راجع القانون التنظيمي رقم14 . 113 المتعلق بالجماعات - 12 -راجع القانون التنظيمي رقم 14 . 112 المتعلق بالعمالات والأقاليم - 13- راجع القانون التنظيمي رقم 14 . 111 المتعلق بالجهات- 14- راجع قرار المجلس الدستوري رقم 2000.405 صادر في 25 من ربيع الأول 1421 ( 28 يونيو 2000)، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 4813 بتاريخ: 17 يوليو 2000، ص: 2038. 15 - طبقا للفصل 132 من الدستور الفقرة الثانية، تحال الأنظمة الداخلية للبرلمان إلى المحكمة الدستورية قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور، و الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور نصت بأنه " يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي و يقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور". 16 - راجع قرار المجلس الدستوري رقم 829-2012 صادر في 11 ربيع الأول 1433 (4 فبراير 2012)، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 6021 بتاريخ: 13 فبراير 2012، ص: 655. 17- قرار المجلس الدستوري رقم 818 بتاريخ 20 أكتوبر 2011