تقديم عام: إذا كانت الحركة الأمازيغية في المغرب اتخذت في مسارها العمل من أجل تحقيق الهدف التحرري للشعب الأمازيغي، بخطابها الموضوعي مواجهة كل صنوف الإستلاب، والذي من خلاله راكمت إرثا نضاليا مهما سواء في عملها الفكري السياسي أو التنظيمي الإحتجاجي، أصبح لزاما عليها اليوم أن يكون لها وزنا متميزا داخل مجريات الأحداث السياسية القائمة ومن ثم تفاعلها مع التحولات والوقائع على جميع الأصعدة ومختلف المجالات. بإمتلاك وتبني القراءات العلمية والموضوعية في طرح البدائل والأجوبة الممكنة لأي مرحلة على حدة ضمانا وإشرافا لصيرورتها التاريخية في المستقبل القريب والبعيد كحركة مجتمعية تحررية تسعى إلى إذكاء الوعي الشعبي الأمازيغي بمختلف صنوف تاريخه وهويته وحضارته...الخ. وفي هذا السياق، قد يبدو النقاش الأمازيغي الذي يبرز عبر لحظات المخاض إن لم أقل الركود التي يطغا على المعمل الأمازيغي في بعض جوانبه المتعددة، رغم العديد من الإيجابيات التي حملها على مستوى تبيان آفاق النضال الأمازيغي وإعادة بناء الذات وتغيير ميكانيزمات العمل وطرح إجابات متعددة تخص كيفية تطوير الممارسة النضالية الأمازيغية من جهة. فمن جهة أخرى لا يجب أن ننكر كذلك بأن بعض المبادرات والنقاش في السؤال اللينيني "ما العمل؟" كان محكوما بنوع من الإنفعال الذاتي وردود الآني وبلحظة الظرفية القائمة أنذاك وفقط، دون تجاوز والقفز على بعض الأفكار التي ظلت تتجاوز لحظة الإنفعال الظرفي في اتجاه تحديد معالم أليات العمل الأمازيغي المشترك أكثر نضجا وفعالية ومن ثم بناء تجربة تنظيمية واعدة ورسم خطوطها وأهدافها العريضة، كمعبر سياسي أمازيغي تجد كل التصورات السياسية الأمازيغية نفسها من داخلها وفي إطار تدبير الإختلاف الإيجابي والإنسجام المواقفي والأهداف المشتركة والتقييم والأجرأة والإقتراح والتوجيه والتنفيذ. والواضح أن طرح نقاش البدائل والمخارج والأجوبة هي اللحظة المناسبة لإعادة تشكيل اجابات مختلفة حول بعض الأسئلة المحورية في العمل الأمازيفي قد تكون أفقا للعمل في هذه الظرفية بالذات، خصوصا وأن بعض المقاربات التي تولدت عن لحظة الإنفعال الظرفي اتضحت نواياها وتأكدت حقيقة استراتيجيتها والياتها واكتشفت أقنعتها وأهدافها بالنحو للعب أدوار وظيفية في إطار مقاربة تروم إلى الإرتماء في أحضان المخزن، في مقابل ذلك، بروز وعي شبابي أمازيغي ياقظ تجاه ضرورة تقدير المرحلة والتأسيس لخيار سياسي وبديل نضالي أمازيغي أكثر فعالية ووضوح ونضجا ومسؤولية. في هذا الإطار بالذلت إذن، تندرج هذه الأفكار المتواضعة التي سنقدمها بهذه المقالة في نقاش أفكار وإشكالات ننتظر منه إعطاء دينامية وتحول جديد للنضال الأمازيغي عند البحث والتدقيق في الإجابات والمقاربات وذلك عبر رصد وطرح مجموعة من الأسئلة المحورية التي يمكن أن يؤسس الإجابة عنها مدخلا ومنطلقا لهذه الدينامية بإستراتيجبة وأليات أكثر انسجاما مع الواقع وبقناعات مشرفة وواضحة بين كل الفاعلين الأمازيغيين. 1- العمل الأمازيغي وهم الأسئلة المطروحة *سؤال كيفية تجاوز لحظة المنعطف التاريخي يعتبر سؤال المنعطف أو الإنعطاف التاريخي من الأسئلة التي تطبع جميع الحركات المجتمعية التحررية في تاريخ صيرورتها العلمية والعملية بكل ما يفرض عليها من تحولات داخل المجتمع وطنيا أو تأثرها في الآن بما هو إقليمي ودولي. والحركة الأمازيغية لا هي من الحركات في التاريخ عرفت وعاشت عدة محطات من يوم بروزها كحركة تحررية تصحيحية لمسار الإستلاب الذي كرسته الدولة ويعيشه المجتمع ساعية إلى نباء الدولة الديمقراطية الحداثية، هذه اللحظات يمكن أن نسميها بلحظات "الإنعطاف التاريخي" لأن من خلاله عرفت الحركة قفزات نوعية في ممارستها سواء من ناحية الخطاب أو من ناحية بروز أرضيات عمل مشتركة بين الفاعلين الأمازيغيين أو من ناحية التنسيق التنظيمي أو الإحتجاج الميداني، ولنا أن نشير إلى لحظة "الربيع الأمازيغي" في الثمانينات في الجزائر والذي كان له صدى على مستوى المغرب وشمال افريقيا بأكملها، من ناحية بروز الوعي السياسي الأمازيغي أكثر نضجا، وبعده جاء حدث إغتيال المفكر الأمازيغي بوجمعة الهباز ثم تلاه إعتقال المفكر والمؤرخ علي صدقي أزايكو وصولا إلى ميثاق أكادير في 1991 وبعد إعتقال مناضلي "جمعية تيليلي" في 1994 ثم بروز التنسيق الوطني الأمازيفي في 1996 ثم كونفدرالية جمعيات الشمال 1998 وصولا إلى بيان محمد شفيق في 2000 الذي سمي ب"البيان الأمازيغي" بعدما إجتمع حوله امازيغن...إلخ، هي مبادرات كثيرة لا يسع لنا الوقت لذكرها كلها، إلا أننا ما نسجله من خلالها هو، أنه كلما برز التنسيق والعمل الجماعي بين إمازيغن كلمها كانت الحركة الأمازيغية قوة فاعلة أكثر، سواء من ناحية صياغة المطالب والأرضيات العمل أو من ناحية تطوير الخطاب والمواقف السياسية أو من جهة المجابهة والضغط الميداني الإحتجاجي. مما يتضح أنه من مظاهر "الإنعطاف التاريخي" الذي عاشته الحركة الأمازيغية -والذي يحدد أي تجربة نضالية معينة- هي الاقتراح والتوجيه ومن ثم التحول والتغير والمواكبة والأفاق، هذا ما يمكن أن يميز أي تجربة على مستوى السلوك التنظيمي وطبيعة الخطاب والاسس المرجعية والأرضية الفكرية التي تنهل منها، بعيدا عن أي بناء لتجارب "برغماتية وإنتهازية" وسعيا نحو بناء تجربة أمازيغية تتجاوز أعطاب تجارب الماضي التي إتسمت بعقلية أحادية في الإقتراح والتوجيه والأجرأة دون أي نقاش فكري سياسي تنظيمي جماعي مما كان دائما مصيرها هو الفشل التام إن لم أقل الإفشال في كثير من اللحظات. *سؤال النقد والنقد الذاتي البناء يطرح سؤال النقد والنقد الذاتي على الحركة الأمازيغية لما تحتمه عليها لحظة "المخاض" أو "الركود" التي تمر منها، وهذا السؤال يجب أن يكون في الحقيقة خطا ناظما يأطر الحركة في كل خطابها العلمي وممارستها العملية، فتغييب سؤال النقد والنقد الذاتي من داخل العمل الأمازيغي كقانون توجيهي علمي عملي نتج عنه مجموعة من الظواهر والمظاهر السلبية كرست من حدة السلوك النضالي الأمازيغي الأكثر فعالية. لذلك أصبح من واجبنا اليوم تفعيل هذا السؤال بما يسمح لنا من تصحيح المسار، عن طريق تقييم التجربة السابقة وقراءتها وفحص حصيلتها النضالية بكل إيجابياتها وسلبياتها وإخفقاتها حتى نصل إلى رصد نقاط الضعف ومكامن الخلل والثغرات التي شابت هذا المسار، ومن ثم إعادة ترتيب الأولويات ووضع منهجيات عمل تنسجم والتحديات المفروضة على الحركة الأمازيغية اليوم، وبما يؤسس كذلك لفعل نضالي يتجاوز السمات التنظيمية والفكرية السلبية. وهذا لن يتأتى طبعا إلا عن طريق تفعيل أليات الحوار الداخلي وخلق ضمير جماعي يشكل النطاق العام للممارسة والنضال الأمازيغي الهادف والمشترك. والمعلوم أنه أي تجربة مهما كانت، يفترض انها تخضع لصيرورة محكومة بقانون النقد والنقد الذاتي بكل ما يحمله من دلالات نظرية وسياسية، وكضابط تنظيمي فعال من شأنه أن يكون العنصر الثابت لإستمرار أي حركة وتنظيم. (يتبع...)