سبق أن طرحت مثل هكذا الأسئلة من قبل الفاعلين والباحثين الأمازيغيين وتم الاجابة عنها بكل موضوعية وعلمية, ومن بينهم الأستاذ الباحث محمد بودهان في إحدى مقالاته المنشورة عبر جريدة ثاويزا تحت عنوان "ترسيم الأمازيغية هل هو تقدم إلى الأمام أم تراجع إلى الخلف" حيث أجاب في حينه عن الموضوع من خلال مقاربته من زاوية ما نص عليه خطاب أجدير 17 أكتوبر 2001 بشأن الأمازيغية وبالخصوص فصله الثاني والخامس, بعدما مضى على هذا الخطاب عشر سنوات. ومن خلال تحليله أقر بأنه لم يتحقق أي شيء للأمازيغية من ما نص عليه خطاب أجدير في فصوله, وتساءل كيف لخطاب ملكي لم يتم تنفيذه -مع العلم الفصل 19 من الدستور القديم يقر بأن قرارات الملك تنفذ ولا تناقش- ونريد اليوم من قوانين تنظيمية ستكون صادرة عن البرلمان أن تنفذ؟ وفي الأخير توصل إلى أن ترسيم الأمازيغية في دستور 2011 ما هو إلا العودة الى نقطة الصفر التي بدأها خطاب أجدير في 2001, وبالتالي حصر دوران الأمازيغية في حلقة مفرغة بدون أي تقدم إلى الأمام كنوع من السيزيفية, هذا ناهينا عن الظرفية السياسية التي جاء فيها ذلك الخطاب والهدف الذي كان وراء اقراره في حينه. لكن حديثنا عن هذا الموضوع في هذه المقالة سيكون تناوله من زاوية أخرى وذلك بالوقوف إلى المشروع التحرري الديمقراطي الحداثي الأمازيغي من حيث تصوره المطروح على مستوى السياسي لطبيعة الدولة التي يسعى إليها إمازيغن, ثم التركيز على السقف النضالي الذي بلوره إمازيغن منذ بروزهم كحركة تصحيحية لمسار الذي إتخذه النظام المخزني بعد ما سمي ب "الاستقلال", من خلال الفهم الأمازيغي المقدم للقضية في شموليتها سواء من ناحية تصوره للإشكالية التاريخية الذي نهجته الدولة المخزنية من خلال الكتابة والقراءة المأدلجة البعيدة عن الحقيقة والموضوعية, أو من الناحية الهوياتية التي طرحها المشروع الديمقراطي الحداثي الأمازيغي بكل علمية وموضوعية, ثم أنذاك سنقارب هذا المشروع المجتمي الأمازيغي المطروح من كل جوانبه سواء من الناحية السياسية والحقوقية والقانونية أو من الناحية التاريخية واللغوية والثقافية والهوياتية بالاستجابات المخزنية التي يدعي أنه أقرها في دستور 2011. فمن خلال هذه القراءة العلمية وحدها يمكن أن نقدم إجابة للإشكالية التي يطرحها عنوان هذه المقالة, ونقول بكل جرأة هل فعلاً هناك إعتراف مخزني بالأمازيغية كقضية شاملة, أم أن طبيعة الإستجابات المخزنية ما هي إلا تعاملات برغماتية يريد من خلالها من جهة نهج سياسة الهروب إلى الأمام دون ان يتحقق شيء على مستوى العملي, ثم حصر القضية الامازيغية من خلال اعتراف رمزي وتقييد هذا الإعتراف إن حين أخر من جهة أخرى؟ وذلك حتى يحاول المخزن تقديم نفسه على أنه ملتزم بمجوعة من الإتفاقيات الحقوقية الدولية وبأخص في جوانبها المتعلقة بالحقوق اللغوية والثقافية والسياسية والمدينة, وبالتالي يضرب عصفورين بحجر واحد كما يقال, يسكت الصوت الأمازيغي أولا ثم إقحامه من داخل مخططاته السياسي ثانيا, ومن جهة يتفادى الإنتقادات المنظمات الحقوقية الدولية التي تشرط عليه الإلتزام بالعهود الدولية التي وقع عليها المخزن وقطع وعده للالتزام بتفعيل مضامينها. وأمام هذا قد لا يستغرب المناضل-الفاعل- الأمازيغي الحر الحامل لمشروع خطاب أمازيغي تحرري ديمقراطي من السياسة البرغماتية التي إعتمدها النظام المخزني المغربي في تعامله مع الأمازيغية ومن المقاربة التي انتهجها واتخذها هذا الاخير -المخزن- مع الصوت الأمازيغي الحر من يوم بروزه إلى يومنا هذا, ومع ومطالبه وحقوقه الديمقراطية المشروعة التي لا يمكن أن تنكرها أو تتاجهلها اي دولة تعترف بالحقوق والحريات وتمارس سياساتها وفق تعاقد سياسي ديمقراطي, وبالخصوص إذا علمنا أن القضية الامازيغية هي قضية جوهرية للإنسان الأمازيغي وهي الثابت الرئيسي في دول شمال افريقيا, قضية مبنية على قوة حجة ومكتسبة لمشروعيتها وشرعيتها من قوة الحقائق التاريخية والهوياتية والثقافية والقيمية les valeurs التي لا يمكن أن تنكرها إلا الدولة المتسلطة الاستبدادية التي تستنبط ايديولوجيتها من مركزية الذات والفكر الأحادي والخطاب الإطلاقي المقدس. ومع هذا الوضع قد يتساءل -ونساءل حتى نحن- بكل جرأة, هل بالفعل هناك إرادة سياسية حقيقية لدا النظام المخزني للإعتراف بحقوق إمازيغن وبقضيتهم الشاملة بدون تجزيء, ثم الأخذ بمشروعهم السياسي التحريري الديمقراطي, المشروع الذي لا يمكن أن تنصف الأمازيغية والأمازيغ إلا في إطاره لكونه الخطاب السياسي-الفكري الوحيد الذي يقارب القضية الامازيغية من حيث شموليتها؟ وهل يمكن اعتبار خطاب أجدير 2001 قد تم إنصاف الأمازيغية بالفعل؟ إذا كان الجواب بنعم, ماذا تحقق للأمازيغية من هذا الخطاب الملكي؟ وهل تقزيم النضال الأمازيغي من مستوى الدستور الديمقراطي إلى مستوى القانون التنظيمي -كما ذهب إلى ذلك دستور 2011- هو بالفعل تحقيق للمطالب الأمازيغية وحقوقها كما أرادها إمازيغن؟ هل ترسيم الأمازيغية بتلك الصياغة ومن داخل هكذا دستور حامل لكل مقومات استفزاز الشعب الامازيغي, يعتبر تشريفا لتضحيات الشهداء والمعتقلين والمناضلين الأمازيغيين؟ أعتقد, من خلال تتبعنا لمسار الذي اتخذه الخطاب الأمازيغي منذ بروزه نجد أنه عرف قفزة نوعية من حيث رؤيته للدولة الديمقراطية وبالأخص من الناحية السياسية والاشكالية الدستورية حيث انتقل الخطاب الامازيغي من المقاربة الثقافية التي ترتكز على اللغة والثقافة والهوية الأمازيغية منذ ميثاق أكادير, إلى توسيع رؤيته إلى مقاربة شمولية تأخذ بعين الإعتبار جميع الأبعاد السياسية الاجتماعية الاقتصادية فضلا عن الثقافية والهوياتية والتاريخية... هكذا نجد الخطاب الأمازيغي رفع من سقف نظرته للاشكالية الدستورية لتكتسي صبغة سياسية ديمقراطية متعلقة بطبيعة الدولة الديمقراطية الحداثية, وذلك من خلال تشبث إمازيغن من خلال مشروعهم السياسي بدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يقر بالهوية الأمازيغية للمغرب, كدولة فدرالية علمانية, وترسم فيه -دستور ديمقراطي- الأمازيغية لغة رسمية ووطنية في جميع التراب الوطني ولجميع المواطنين المغاربة. ومن خلال المشروع الفكري والسياسي الأمازيغي نفسه ألح إمازيغن على دسترة مؤسسة وطنية مستقلة في عملها وقراراتها تعنى بالأمازيغية لغة وثقافة وتاريخ وهوية وحضارة, وتوفر لها كل الإمكانيات والوسائل للعمل وحق التدخل في تسطير السياسية اللغوية الثقافية والتاريخية وتنفيذ مقراراتها. ثم طالب إمازيغن باعتبار الأعراف الأمازيغية الإيجابية التي لا تناقض القيم الانسانية الكونية مصدرا من مصادر التشريع, ثم اعتماد مبدأ سمو التشريعات الدولية على القوانين الوطنية. الآن لنقف إلى ما نص عليه دستور 2011 المعدل في هذه الجوانب, لنعرف هل هذا الدستور استجاب لحقوق امازيغن والى نظرتهم للدولة الديمقراطية من حيث تصورهم للاشكالية الدستورية؟ أولا اقرار هذا الدستور فرض بمنطق فوقي كما الدساتير الممنوحة المغربية التي سبقته اعتمد فيه منطق المنحة بعد الاستشارات الشكلية للأحزاب السياسية التي تضطر للتصويت بنعم عند الاستفتاءات الشكلية, وثانيا هذا الدستور جاء بعد ما سمي بالربيع الديمقراطي الذي زعزع مجموعة من الأنظمة في شمال افريقيا والشرق الاوسط, أي جاء للالتفاف حول مطالب الشارع المغلي ولم يأتي عن طريق ارادة سياسية حقيقية من النظام للتغير والقطع مع ميراث الاستبداد والتسلط والتحكم الذي ما زال الى يومنا هذا يأطر الممارسة السياسية المخزنية, دستور فرض بآلية استشارية جديدة مظهرها وغلافها تشاركي أما مضمونها تحكمي وتسلطي, من خلال لجنة الاستشارية المعينة وليست المنتخبة من الشعب ثم من خلال ضم ممثلي الأحزاب السياسية برئاسة موظفين من الدوان الملكي, لتكون النتيجة كما العادة فرض دستور آخر ممنوح للمغاربة. هذا من الناحية شكلية في صياغة دستور 2011 الذي لا يتوافق ولا يتقاطع لا من قريب ولا من بعيد مع المشروع الديمقراطي الحداثي الأمازيغي ولا مع تصوره للدولة الديمقراطية ولا لحل الاشكالية الدستورية بمعايير الإنتقال الديمقراطي الحقيقي. لنأتي الآن للمضمون -رغم أنه اذا بطل الشكل لا جدوى للحديث عن المضمون- نبدأ بمطلب دسترة اللغة الأمازيغية التي يؤرخ لها امازيغن ب "ميثاق أكادير" 1991 ثم "بيان ضرورة اعتراف بأمازيغية المغرب" و "اللجنة الوطنية لدسترة وترسيم الأمازيغية" و "بيان الريف من أجل دسترة الأمازيغية", استجابة دستور 2011 قزم النضال الأمازيغي من المستوى الدستوري الديمقراطي إلى مستوى القانون التنظيمي, أضف إلى ذلك التراتبية الموجودة بين هاذين المستويين من حيث الصياغة التي ورد فيها ترسيم الأمازيغية بعبارة "الأمازيغية لغة رسمية أيضا" هذا بمعزل عن الاعتراف باللغة العربية وبعدها بصيغة "اللغة العربية هي اللغة الرسمية" مما يبين الاختلاف الكبير بين ترسيم اللغتين من خلال عبارة "أيضا" للأمازيغية وعبارة "هي" للغة العربية, أضف هذا الى التراتبية العربية في مرتبة الأولى والأمازيغية في المرتبة الثانية, ثم تقييد الأمازيغية بالقانون التنظيمي الذي من الممكن أن لا يصدر أبدا, هذا يبين بشكل واضحا حقيقة ترسيم الأمازيغية في مثل هكذا دستور ممنوح والغرض من هذا الترسيم المقيد, فلو كانت لدا الدولة المخزنية ارادة سياسية حقيقية في اعتراف بالأمازيغية ورد الاعتبار لها من خلال الترسيم لكانت بهذه الصياغة "تعتبر اللغتين الأمازيغية والعربية هي الرسميتان للدولة". أما حول السمو التشريعات الدولية على القوانين الوطنية وملائمتها معها الذي يقره تصور إمازيغن للدولة الحقوق والحريات من خلال مشروعهم الديمقراطي الحداثي الأمازيغي, المطلب الذي تؤرخ له الحركة الأمازيغية من خلال التقارير الموازية للمنظمات الحقوقية غير الحكومية وبالأخص تقارير الكونغرس العالمي الأمازيغي في التي يلقيها في المحافل الدولية حول السمو التشريعات الدولية والملائمة في إطار العهود الدولية للحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية, والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ثم في اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب والميز العنصري, أما عندما نقف الى الاستجابة الدستورية نجدها جاءت على الشكل التالي "جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب, وفي نطاق أحكام الدستور, وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة, تسمو فور نشرها, على التشريعات الوطنية والعمل على ملائكة هذه التشريعات مع ما تتطلبها تلك المصادقة" يتبين من خلال التنصيص الدستوري بوضوح طبيعة الغموض والتناقض الذي يقره دستور 2011 من حيث سمو القوانين الدولية, فبقدر ما تقر الدباجة بسمو القوانين الدولية وجعل الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية, بقدر ما تجعلها مقيدة بشروط قابلة لتأويلات عدة, هذا ما يجعل هذا الاعتراف بعيد عن الدقة والموضوعية, ليحصل المغاربة عن دستور ممنوح بين مشروعين متناقضين, مشروع حداثي يقر بالقوانين والحقوق الدولية كما هي متعارف عنها في إطارها الكوني, ثم أمام مشروع محافظ مقيد ومكبد لكل مشروع ديمقراطي حداثي وهذا ما تعبر عند بوضوح الجملة التالية "العمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبها تلك المصادقة" هذا ما يفسر بنفي المشروع بأكمله وبالخصوص إذا علمنا أن هوية الدولة حددت سلفا بثوابتها. إذن أين نحن اليوم كإمازيغن من حيث ما حمله خطابنا ومشروعنا الديمقراطي الحداثي من ما أقره الدستور الممنوح والاستجابات الغامضة والمقيدة التي نص عليها؟ لنضف إلى هذا عدم تبنى هذا الدستور أي من المطالب السياسية الآخرى للمشروع السياسي الأمازيغي, مثل الاقرار بالتنظيم الفدرالي الذي يشترط إعادة النظر في التقسيم الترابي وحق العادل في توزيع الثروة الوطنية بين المناطق ثم الحق في تقسيم السلطة السياسية بدل سياسة تمركزها في جهة ويد واحدة, ثم اقرار بالعلمانية التي تقر بالمواطنة الكاملة وفصل الدين عن السياسة, أضف الى ذلك تغييب مطلب الاعراف الأمازيغية الايجابية من الاعتماد, كما غيب سمو المواثيق الدولية لحقوق الانسان على ما هو وطني... أما حديثنا عن ما هو تاريخي وثقافي وهوياتي فلم يقف هذا الدستور إليها أو وقف إلى ذلك بخلط رهيب وتناقض متعمد بعيدا كل البعد عن العلمية والموضوعية مثل ما نص عليه دستور في اشكالية الهوية التي تشعبت بين الثوابت والروافد والأعراق والأجناس والدين, وبالتالي عن أي مكتسبات يتحدث بعض إخواننا الأمازيغ ويهللون ويطبلون لها! بالله عليكم لغة المكتسبات هي لغة من؟ ولغة القبول بأنصاف الحلول هي لغة من؟ أليست هي لغة المنبطحين بدل لغة المبدئيين الأحرار؟ لنخلص في الأخير إلى أننا أمام دستور ممنوح غير متعاقد عليه من طرف الشعب والقوى السياسية في الوطن وغير تشاركي وبالتالي غير ديمقراطي لا من حيث شكله ولا من حيث مضمونه, وهو في نفس الآن دستور لم يستجيب لأي حق ومطلب لإمازيغن التي حملها مشروعهم السياسي الديمقراطي الحداثي في مختلف جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية فضلا عن الثقافية والتاريخية واللغوية والهوياتية.