تقديم: قد يثير عنوان هذا المقال الكثير من الردود السلبية ( الشتم، التكفير..) لدى شرائح واسعة من الإسلاميين وأنصار النقل والجمود، الذين لا يقبلون - اجمالا - الرأي المخالف لهم ، لسبب بسيط هو أن أغلبيتهم ألفوا اجترار مختلف الصور الايجابية عن الإسلام دون غيرها من الصور التي تعكس الوجه الآخر للإسلام كدين من جهة، وكنظام دولة (الخلافة الإسلامية) من جهة ثانية، لهذا، يجب أن نعترف أن الدين في الوعي الإسلامي هو الأصل المطلق. ومهما يكن من أمر، فنحن ماضون في نقدنا لتجار الدين الذين يمارسون أبشع صور العنف والنفاق باسم تطبيق شرع الله، وهو الأمر الذي يجعلوهم يقومون بالقتل، التكقير، السرقة، الارتشاء، الكذب، التزوير..الخ، وضمائرهم مرتاحة جدا. واعتبارا لما تقدم ، نقول - وبكل تواضع - أنه لا مفر من طرح الموضوع قصد البحث والمناقشة. نعرف جيدا حجم الموضوع وأهميته، حيث لا يمكن إعطاؤه حقه في مقال صغير مثل هذا، أو حتى في كتاب خاص، ومع ذلك لا مندوحة من بداية ما، وهذا ما نفعله في هذه المقالة التي نتوخى منها المساهمة في نشر ثقافة الحوار والنقد. تعتبر الجرائم التي تقترفها " الدولة الإسلامية في العراق والشام " المعروفة اختصارا ب " داعش" من أبشع الجرائم التي ترتكبها الحركات الإسلامية المتطرفة في الوقت الراهن، حيث لا يتسع المجال لحصرها وتعدادها، كما لا يتسع أيضا للحديث عن تاريخ هذا التنظيم (داعش) ودواعي ظهوره الآن على الساحة العراقية والسورية، ولا عن الاستعدادات الدولية لضربه واجتثاثه، ولا عن موضوع من يقف وراءه ويدعمه ماليا وعسكريا، ولا عن تأثيراته المحتملة على الوضع العام في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى الثورة السنية في المنطقة( في سورية والعراق تحديدا) بشكل خاص، وبالتالي فتلك مواضيع غير مهمة في هذا المعرض- رغم أهميتها القصوى، ذلك لان ما يحدث من الجرائم تتم أولا باسم الإسلام، وثانيا من أجله، وبالتالي فهو (الإسلام) معنى بشكل مباشر - معنويا - فيما يحدث من جرائم الذبح والاغتصاب والتهجير..الخ، سواء باعتباره كمرجعية فكرية، سياسية، قانونية، أخلاقية وتربوية لهذا التنظيم(داعش)، أو باعتباره الهدف الاستراتيجي أيضا، حيث أنه يسعى إلى سيادة الإسلام وإعادة تأسيس دولة الخلافة، وهو الهدف المشترك بين جميع التنظيمات الإسلامية دون استثناء غير أنها تختلف فقط في آليات تحقيقه. عادة ما يتم اختزال الأسباب والدواعي الموضوعية لتنامي العنف الإسلامي خلال العقدين الأخريين في سببين رئيسيين: الأول خارجي، ومنها الحروب التي تشنها أمريكا ضد دول عربية إسلامية يحكمها البدو والمجانين( في نظركم هل كان القدافي يصلح للحكم؟)، و كذلك الاستعمار الصهيوني لفلسطين . والسبب الثاني له طابع داخلي محض، حيث يتعلق الأمر هنا بطبيعة الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية التي هي أنظمة دكتاتورية استبدادية بامتياز، وهذا المعطى له انعكاسات خطيرة على مجمل المجالات والميادين التي تهم الإنسان المسلم في حياته اليومية ( الفقر، الأمية، الأمراض، البطالة، الهجرة، الدعارة، المخدرات القوية ..الخ). هذه الأسباب هي بالفعل أسباب موضوعية ولها تأثيرات قوية على تنامي التطرف والطائفية في الخطاب الديني بشكل عام، والخطاب السلفي الجهادي بشكل خاص، لكن هذه الأسباب ليست هي وحدها التي تقف وراء تنامي التطرف والعنف في أوساط المسلمين( ظاهرة العنف الديني تشمل جميع الديانات وليس الإسلام فقط)، وبقدر ما هناك أسباب أخرى أكثر خطورة من الأسباب التي ذكرناها سابقا، ومنها سبب ديني، وهو السبب الذي لا يريد معظم المسلمين، خاصة النخبة المثقفة، ذكره وطرحه للنقاش والبحث. مرة عقود، ونحن – المسلمين- نبحث هنا وهناك عن أسباب تنامي العنف والتطرف الإسلامي، وعندما لا نستطيع البوح بالحقيقة المؤلمة؛ وهي أن العنف جزء من ثقافتنا وسلوكنا قبل أن يكون مجرد رد فعل على الجرائم التي ترتكبها أمريكا وإسرائيل، نتسارع إلى تقديم الأعذار والمبررات الزائفة للآخر ( الغرب وباقي العالم)، بينما أن العنف والكراهية جزء من كياننا الديني والثقافي، حيث أن للنص الديني مكانة متميزة في حياتنا اليومية ( الاجتماعية والثقافية والتربوية والنفسية..الخ) باعتباره يشكل المرجع الأعلى للمسلمين. وبالتالي فثقافة العنف والكراهية متجذرة في ثقافتنا الإسلامية شئنا أم أبينا، ويكفي العودة إلى الجرائم التي ترتكبها داعش الآن في حق المسيحيين مثلا. هذه المقدمة ضرورية لفهم أهمية اختيارنا لهذا الموضوع الشائك والعويص، وبالتالي فهم حدود العلاقة بين الفعل الإجرامي الذي ترتكبه داعش وأمثالها من التنظيمات الإرهابية مع النص الذي يستمدون منه قناعاتهم وأفكارهم، ومنها النص الديني ( القرآن والحديث) والنص التاريخي أيضا ( التاريخ الإسلامي)، ومن هنا يمكن القول أن الأفعال الدموية التي ترتكبها داعش، وبشكل مقصود ومنظم، تستمد شرعيتها - أساسا - من الإسلام. الخلافة الإسلامية تاريخ من الجرائم والمآسي: عندما نثير هذا الموضوع فأننا نعلم أمرين جوهريين في هذا السياق: الأول هو أن الإسلام يشكل - كما أسلفنا - الأساس المرجعي في الثقافة الإسلامية ، سواء بالنسبة للمسلمين عامة أو بالنسبة لداعش وأمثاله من التنظيمات المتطرفة والطائفية ( جبهة النصرة والقاعدة مثلا)، وعلى هذه الخلفية نجد أن الدين يشكل في خطاب الجماعات الإسلامية الإطار الفكري والسياسي والأخلاقي والقانوني والحربي ..الخ، كما يظل الهدف الأعلى بالنسبة لها، وبالتالي من الطبيعي جدا أن يكون النموذج التنظيمي لداعش وأمثاله من الحركات الإسلامية المتطرفة مستوحى من تجربة الخلافة الإسلامية. فالتركيز الشديد على إعادة نظام الخلافة يعطي الانطباع على أنها أفضل تجربة بشرية في الحكم، خاصة لدى الجاهلين بالتاريخ السياسي والحربي للدولة الإسلامية إبان ازدهارها وتفوقها العسكري. ومن ثم فلا غرابة إذا قلنا أن الإسلام هو من يؤطر ويحدد مواقف وتوجهات التنظيم على كافة المستويات، بما فيه كيفية ارتكابه للجرائم ( الذبح على الطريقة الإسلامية مثلا!!). أما الأمر الثاني فهو أن عامة المسلمين يدينون جرائم داعش التي تسئ لهم ولدينهم، الذي عادة ما يوصف بالعدل والرحمة. هذا الاعتقاد الزائف لدى معظم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ناتج – أساسا – عن جهلهم بالنص الديني في شموليته( القرآن وما يسمى بالحديث النبوي)، وبجهلهم أيضا لتاريخ الحقيقي للخلافة الإسلامية، الذي هو تاريخ طويل وعريض يضج بالظلم والعنف والقسوة المفرطة وغير المبررة، قد يتبرأ بعضنا من هذا التاريخ ويدينه آخرون، ولكنه سائد ، وبالتالي فإنه يفرض نفسه في تراثنا وثقافتنا الإسلامية المليئة بنماذج العنف والصراعات الدموية. وهو الأمر الذي أدى – دون شك- بالعديد من المراقبين والمهتمين بالأوضاع القائمة بالعراق ما بعد ظهور داعش، لطرح السؤال التالي: ما علاقة الجرائم التي يرتكبها الدعشيون بالإسلام ؟ أو بصيغة آخر، هل يقر الإسلام بالجرائم التي ترتكبها داعش أم لا ؟ لكن، قبل البدء في الإجابة عن هذا السؤال، تجدر بنا الإشارة إلى أن تنظيم داعش هو تنظيم ديني تاريخي وليس سياسي اجتماعي، حيث لم يعلن لحد الآن عن مشروعه السياسي والاجتماعي، وبالتالي لا يمكن لنا الحديث عن تنظيم سياسي ذات مرجعية دينية/ إسلامية، فكل ما فعله لحد الساعة هو الإعلان عن رغبته في أعادة إحياء الخلافة الإسلامية من جهة، وذبح الناس، وسبي النساء، وتهجير الناس من بيوتهم بعد تكفيرهم من جهة أخرى. وعليه، نقول، وبدون أية مجازفة، أو هرطقة ، أن التاريخ يعيد نفسه في هذا الجانب السوداوي من تاريخ الإسلام. الم يكن - على سبيل المثال - قمع المعارضة الدينية والسياسية نهجا ثابتا ومستمرا في تاريخ الخلافة الإسلامية؟ الم يكن الهدف الأساسي للجهاد العربي الإسلامي أيام الخلافة جزء من البرنامج السياسي للدولة قصد التوسع والهيمنة في سبيل الحصول على الغنائم والأسلاب؟ الم يقول معاوية أن ما حدث بينه وبين علي ابن أبي طالب كان " بقضاء الله وقدره" ؟ ( الجابري: نحن والتراث- ص 96) إن الباحث المطلع على تاريخ الخلافة الإسلامية مند نشأتها إلى غاية سقوطها سنة 1924، لا يعجب كثيرا مما يراه في العراق من الذبح، السبي، الرق، الغزو، رفض الديانات الأخرى والحكم عليها بالكفر على يد داعش وأمثالها من الإرهابيين، حيث تعتبر هذه الأفعال من أبرز السمات التي ميزت تاريخ الخلاقة الإسلامية التي يريد الداعشيون أعادة إحيائها وتثبيتها على أرص العراق كمنطلق للانتشار والامتداد عالميا. نظرة خاطفة في التاريخ الإجرامي لدولة الخلافة: لا يساورني أدنى شك في أن العديد من المتتبعين والمهتمين بالأوضاع والتطورات التي يشهدها العراق الآن يطرحون السؤال السالف. ومن جانب آخر نستطيع الجزم أيضا أن أغلبية الذين يطرحون هذا السؤال لا يعرفون التاريخ الإسلامي جيدا، ومن ثم فأنهم لا يعرفون الجرائم التي ارتكبت في حق الإنسانية باسم نشر الإسلام وتثبيته بالقوة والقهر، أما الذين اطلعوا على التاريخ الإسلامي فينقسمون في هذا الأمر إلى ثلاث فئات: • الفئة الأول : هي فئة تقر بالجرائم التي يرتكبوها الداعشيون وغيرهم من المتطرفين والإرهابيين، حيث تسعى إلى نقدها ودحضها، وبالتالي فإنها تعتبر أن ما يحدث الآن من الجرائم في العراق يعتبر أمرا عاديا في التاريخ والثقافة الإسلاميين، لكونه شيء مألوف في التاريخ الإسلامي المقرون بالدم، والغزو، والاغتصاب والتهجير الجماعي للمخالفين والمعارضين لتوجهات الدينية والسياسية لدولة الإسلامية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور الحسن الإدريسي رحمه الله " لان هؤلاء شركاء في الإجرام الديني( يفصد هنا ما يسميه هو بزعماء التهريب الديني) وهو ما سنوضحه، بدون أن ننسى أن كثيرا من التراث الإسلامي في الفقه وفي العقائد وفي التفسير وفي الحديث يحمل كثيرا من بذور الإرهاب والدعوة إلى القتل واستباحة أموال الناس وأرواحهم ونسائهم وذبح أطفالهم، ويجب بكل شجاعة نقده ونفضه وإخراجه من الدين، إذا كنا موضوعيين قي قولنا أن الدين بريء من الإرهاب والإجرام، على رأس أولئك الذين أنتجوا نظريات في فقه الإجرام الديني (اللاديني) ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية.." (انظر الإسلام المغربي، ص 75 ) • الفئة الثانية: تفضل عدم الخوض في الموضوع نظرا لحساسيته، وبالتالي فإنها تفضل السكوت والتغاضي عن الموضوع لعدم قدرتها على مجابهة الحقائق والاعتراف بها؛ • الفئة الثالثة: تحاول الحديث في الموضوع لكن بأسلوب ملتوي ومخادع، وذلك من أجل تبرير جرائم داعش وليس من أجل الإقرار بها، حيث تحاول اختلاق مواضيع جانبية وهامشية كما هو الأمر مع الدكتور رشيد نافع أمام مسجد السنة بلاهاي على سبيل المثال فقط، حيث يحاول هذا الإمام الوهابي التكوين نقل الموضوع من حجمه ومستواه الرئيسي إلى مستوى ثانوي وهامشي نظرا لحجم الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام. فلا ندري مثلا ما جدوى حديثه الآن عن الضوابط الشرعية للخلافة، أو البيعة، أو إقحام المستوى اللغوي لهؤلاء الناش( داعش) في الموضوع، علما أن قائد التنظيم (أبي بكر البغدادي) حاصل على دكتوراه في العلوم الإسلامية، وغيرها من المواضيع التي لا تنفد إلى صلب الموضوع كما هو مطلوب، وبالتالي فالإمام لا يملك الجرأة الموضوعية للإجابة على السؤال التالي: ما علاقة الإسلام بالجرائم التي ترتكبها داعش وأمثالها ؟ بعيدا عن كل هذه المواضيع الجانبية في الموضوع نتساءل: أليس الرسول (ص) هو من قال " أمرت أن اقتل الناس حتى تؤمن بالله .." ؟ الم يتناول القرآن الكريم موضوع الجهاد في أزيد من 100 آية قرآنية؟ ( الإسلاميون وأمريكا تحالف ضد أوربا- ص97) عادة ما نسمع أن الإسلام هو دين: العدل ، المساواة، التسامح والتعايش الديني ( حرية المعتقد) ..الخ، مما يجعل المرء يعتقد بأن الإسلام خالي بتاتا من العنف ( هذا ما كنا نعتقده ونحن صغار)، بينما أن الحقيقة التي لا تقبل الطعن أبدا، هي أن الإسلام يحوى في سجله أبشع صور اهانة الإنسان في كرامته واستقلاليته، حيث أن القتل( الذبح)، التعذيب، الاغتصاب، النهب والسرقة تعتبر من ابرز الحقائق التي يتغاضي عنها معظم علماء وفقهاء المسلمين على ذكرها و تناولها بالنقد ، وبالتالي التبرئة منها. ولكي نجعل القارئ يفكر معنا في الحدود التي نفكر فيها، نرى من الضروري تقديم بعض الصور الإجرامية التي ارتكبت باسم الإسلام، دون التفصيل فيها، وإنما نقدمها على شكل أسئلة وملاحظات لمن يسعى إلى معرفة الحقيقة، وهي صور مأخوذة من التاريخ الإسلامي الذي يعتز به عامة المسلمين دون الاطلاع على حقائقه بشكل كامل، ومن يريد البحث أكثر في الموضوع فعليه أن يبحث مثلا في الأسئلة التالية: - الم يقطع (مثلا) مروان عبد الملك رؤؤس معارضيه؟ - الم تقطع رأس ابن الأشعث والحسين وغيرهم من المعارضين ؟ - الم يحاصر الحجاج بن يوسف الثقفي مكةالمكرمة وضربها بالمناجق والحجارة، حيث هدمها وقتل ابن الزبير ومثل بجثته وصلبها؟ - الم يقتل الحجاج وحده فقط أزيد من 120 ألف مسلم من أجل تثبيت الدولة الأموية ؟ - الم يستبح كذلك الأمويين نساء المدينة أياما ثلاثا حبلت فيها ألف غدراء من نساء المسلمين؟ - الم يكن ولاة الدولة الأموية في شمال أفريقيا يرسون العبيد والسبايا إلى خلفائهم في المشرق؟ - الم يكفر (مثلا) ابن حنبل كل من قال بخلق القرآن؟ - الم يقوم عمر بن الخطاب بتهجير اليهود حيث تم أخراجهم من شبه جزيرة العرب؟ - الم يجبر الأمويين الأمازيغ( البربر) على دفع الجزية على الرغم من اعتناقهم للإسلام؟ - الم يأمر أبو بكر بإعدام حرقا كل من أياس بن الفجاءة وشجاع بن ورقاء؟ - الم يقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وأحرقه بالنار ثم تزوج امرأته في نفس اليوم ؟ وفي الأخير نقول: إذا كان كل ما ذكرناه ( وهو قليل جدا) من الجرائم التي ارتكبت باسم الإسلام، وفي أطار الدفاع عنه، ومن طرف شخصيات دينية وازنة( لا تقارن نهائيا مع الداعشيون)، فكيف نتعجب للجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش؟ بل ولماذا يحاول البعض تبرئة الإسلام مما يحدث الآن من الجرائم باسمه ومن اجله؟ بينما هو(= الإسلام) المرجع والمصدر الأساسي في كل ما يحدث وسيحدث مستقبلا باسم الإسلام والدفاع عنه.