قال حازم اليوسفي، سفير العراق بالمغرب، إنه بمجرد دخول تنظيم "داعش" إلى العراق بدأ في حرق الأخضر واليابس (كرتوش) بقتل الأبرياء وتهجير المواطنين وتدمير حضارة العراق بما فيها مراقد الأنبياء، وأضرحة أولياء الله الصالحين والعلماء والشعراء، حتى وصلت جرأته إلى تدمير بعض المساجد والكنائس ومزارات الطوائف الأخرى وأشار إلى أنه حاليا في محافظاتإقليم كردستان يوجد حوالي مليوني نازح قدموا إليها من مختلف مناطق العراق الأخرى، التي استولى عليها تنظيم "داعش". وأكد أن هؤلاء اللاجئين يعيشون أوضاعا مزرية قد تؤدي إلى كارثة إنسانية لأنه ليس في استطاعة الحكومة العراقية أو حكومة كردستان تقديم ما يحتاجونه من سكن وتغذية وباقي مستلزمات الحياة المعتادة. وتحدث السفير العراقي في حوار خص به "المغربية" عن الدعم الدولي الذي مكن من استعادة الكثير من المناطق التي سيطر عليها سابقا تنظيم "داعش"، وتم طرده منها، كما تحدث عن بلورة موقف عربي متضامن مع العراق، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المغرب أعلن تضامنه مع العراق والجهود الدولية في دحر هذا التنظيم، فضلا عن مواقف داعمة للعراق من السعودية والإمارات العربية المتحدةوالكويت ودول أخرى. كما تحدث عن تشكيل الحكومة الحالية في العراق ومواضيع أخرى، وفي ما يلي نص الحوار. معالي السفير، نود أن تحدثونا في البداية عن تطورات الأوضاع في العراق في ظل سيطرة تنظيم "داعش" المعروف بالدولة الإسلامية في العراق والشام على بعض المناطق في هذا البلد العربي. بداية أود الترحيب بصحيفة "المغربية"، التي نطلع عليها يوميا. أما في ما يتعلق بسؤالكم، فإنه ليس خافيا أن العراق يمر حاليا بحالة استثنائية، خطيرة ومعقدة، خاصة بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أو ما سمي إعلاميا ب"داعش" على أجزاء من العراق منذ ثلاثة أشهر تحديدا، لكن هذه الحالة الاستثنائية لم تبدأ منذ سيطرة تنظيم "داعش" على هذه الأجزاء، بل إنها تمتد إلى ما قبل ذلك بفترة طويلة. كان العراق يعاني منذ ثلاثة عقود نظاما ديكتاتوريا مستبدا، أدخل البلاد في حروب مع جيرانها، ومنها الحرب العراقية- الإيرانية، واحتلال دولة الكويت الشقيقة، ثم حرب الخليج الأولى والثانية، والحصار الدولي الذي فرض على العراق لسنين طويلة، كل ذلك تسبب في معاناة الشعب العراقي أشد المحن والمعاناة جراء هذه السياسات "الحمقاء". وبعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003 بدأ العراق يعاني نوعا آخر من الحالة الاستثنائية الخطيرة، ألا وهي تعرض الشعب العراقي لعمليات إرهابية كبيرة، منها سيارات مفخخة وقتل بالشوارع واغتيالات من قبل تنظيم القاعدة ومن قبل عناصر من حزب البعث المحظور، وكذا من قبل تنظيمات إرهابية أخرى. وامتدت هذه الحالة الاستثنائية لمدة 10 سنوات إلى أن جاءنا الخطر الأكبر المتمثل في تنظيم "داعش"، وهذا الأخير يختلف عن كل التنظيمات الإرهابية وعن كل الحركات والحالات الاستثنائية الأخرى. تشكّل "داعش" في سوريا ثم دخل العراق وبدأ في حرق الأخضر واليابس، بقتل الأبرياء وتهجير المواطنين وتدمير حضارة العراق بما فيها مراقد الأنبياء، فمثلا في الموصل تم تدمير مرقد النبي الكريم يونس عليه السلام، وأضرحة أولياء الله الصالحين والعلماء والشعراء، حتى وصلت جرأته إلى تدمير بعض المساجد والكنائس، ومزارات الطوائف الأخرى، وارتكبت كل هذه الأعمال بشكل ممنهج في الموصل ثم تكريت. وأصبحت هذه الأعمال التخريبية ظاهرة من قبل تنظيم "داعش". كما قام هذا التنظيم بإجراءات أشبه ما تكون بعهد الجاهلية وحتى قبل مجيء الإسلام ضد المواطنين، وضد المرأة والشباب... وحتى داخل الموصل، فمثلا كانت تحصل حالات سبي للنساء وصلت حد الاغتصاب واختطاف الفتيات واستخدامهن في ظاهرة ما يسمونها في التنظيم ب" جهاد النكاح". وكانت هناك إجراءات أخرى في حق المواطنين بالموصل لمن لا يبايع ما سمي ب"دولة الخلافة الإسلامية في الموصل"، وذهب ضحية ذلك العديد من المواطنين. ثم كان توسعهم بسهل "نينوى" وذلك في القصبات والمدن والقرى المحيطة بالموصل إلى أن وصلت إلى مدينة سنجار، وهذه المنطقة تعد خليطا ما بين العرب والأكراد واليزيديين والمسيحيين وغيرهم، لأن هناك العديد من الطوائف والمذاهب والعرقيات الموجودة بهذه المنطقة، إذ تمثل تنوعا ثقافيا واجتماعيا، ودينيا وعرقيا كبيرا. وبالتالي كانت هذه المنطقة هدفا لتنظيم "داعش" الذي عمد إلى تهجير أبناء المنطقة، خاصة في منطقتي جنار وسنجار، التي كانت تسكنها منذ آلاف السنين قبائل كردية ويزيدية، جرى تهجيرها بعد اختطاف ما لا يقل عن 2000 من الفتيات وقتل وذبح 1000 من الشباب، فضلا عن الذين تشردوا ولجأوا إلى محافظة "دهوك" في إقليم كردستان، وبالتالي فحوالي نصف مليون من البشر يعيشون في حالة مزرية جدا، رغم الوعود الدولية التي تلقاها العراق وحكومة إقليم كردستان بتقديم مساعدات لهؤلاء النازحين الذين قد تتسبب أوضاعهم هذه في كارثة إنسانية بالمنطقة، إذ أُعلنت محافظة "دهوك" منطقة منكوبة، نظرا للزخم الكبير لعدد اللاجئين إليها من سنجار وضواحيها ومن الموصل، وعدم قدرة الإدارة المحلية بالإقليم على توفير السكن والتغذية لهم، لأن العدد يفوق إمكانياتها المادية وطاقاتها البشرية. يوجد حاليا في محافظاتإقليم كردستان حوالي مليوني نازح قدموا من مختلف مناطق العراق الأخرى التي استولى عليها تنظيم "داعش" ابتداء من الأنبار والفلوجة وحتى جنوببغداد وإلى محافظة نينوى وصلاح الدين وديالا. وبالتالي فإن هذا العدد الكبير من النازحين إلى إقليم كردستان سيصعب تلبية حاجياته الضرورية، خاصة أن فصل الشتاء مقبل، وليس في استطاعة الحكومة العراقية أو حكومة كردستان تقديم ما يحتاجونه من السكن والتغذية وباقي مستلزمات الحياة المعتادة. في اعتقادكم لماذا لم ينجح "داعش" في سوريا ونجح في العراق؟. بالعكس، فتنظيم داعش نجح في سوريا، أيضا، حيث استولى في سوريا على محافظتين كبيرتين، وهما الرقة ودير الزور وشَكّل ولاية في الرقة وولاية في دير الزور. لكن في العراق توسع تنظيم "داعش" في ما يقارب 6 محافظات؟ هذا، ليس صحيحا، لكن يمكن القول إنها أرض واسعة، فهم استطاعوا الاستيلاء، فقط، على مركز محافظة نينوى ومركز محافظة صلاح الدين التي هي مدينة تكريت، أما في الأنبار فقد استولوا على جزء من الفلوجة وبعض المناطق والقصبات المحيطة بالموصل وهي مركز محافظة نينوى ومناطق باتجاه بغداد وديالا، وبخصوص مراكز المحافظات لم يتمكن التنظيم من الاستيلاء إلاّ على مركزين. تختلف الأمور في العراق عنها في سوريا، حيث الوضع في الوقت الراهن لا يمكن مقارنته بما يجري في العراق. كما أن أحد أسباب ما حصل في العراق وسرعة سيطرة تنظيم "داعش" على محافظتي نينوى وصلاح الدين وأجزاء من محافظة الأنبار الحالة الاستثنائية التي كانت تسود المنطقة ويعني بعض محافظاتالعراق خلال فترة سابقة نتيجة بعض الأحداث المتمثلة في بعض المظاهرات والمطالبات للحكومة آنذاك، واستغل تنظيم "داعش" تذمر سكان هذه المدن، واستفاد من ذلك وحقق دخولا سهلا إليها، لكن الآن، وبدعم دولي استطاعت القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية في إقليم كردستان استعادة الكثير من المناطق التي سيطر عليها التنظيم سابقا. فعلى سبيل المثال من بين المناطق المهمة التي سيطر عليها "داعش" سابقا وجرت استعادتها سد الموصل وهو أكبر السدود في العراق والشرق الأوسط وكذلك مدن وقصبات محيطة بالموصل، إذ تراجع التنظيم القهقرى إلى داخل الموصل، كما جرى طرده من مناطق أخرى في جنوبكركوك مثل سليمان بيك وآمرلي ومناطق تابعة لمحافظتي كركوك وصلاح الدين. انطلاقا مما ذكرتم، هل ستتمكن السلطة العراقية من دحر"داعش" واستعادة السيطرة على الوضع؟ كما، قلت سابقا، فبدعم دولي، وتحديدا دعم أمريكي وأوروبي، أصبحت المبادرة بيد القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية، ويلاحظ بعد انطلاق مرحلة الهجوم على "داعش" أن هذا الأخير بدأ في التقهقر. ولا بد من الإشارة إلى أنه بتاريخ 8 و9 من شهر شتنبر الجاري، شهدت العراق حدثا تاريخيا يتمثل في إعلان تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي، الذي قدم حكومة إلى مجلس النواب العراقي وحصل على ثقته، وبالتالي نعتبرها خطوة إيجابية ومهمة جدا في طريق دحر الإرهاب أولا، وتصحيح الأوضاع في العراق. وقد لاقت الحكومة العراقية ورئيس الوزراء دعما دوليا كبيرا وهناك وعود كثيرة في إطار تعاون وتنسيق دولي لدحر تنظيم "داعش" . على المستوى العربي، هل هناك دعم بهذا الشأن، خصوصا أنه تم تناول الموضوع في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد أخيرا بجامعة الدول العربية بالقاهرة؟ سبق أن قلت قبل حوالي شهرين تقريبا، إن الموقف العربي والإسلامي كان للأسف خجولا بهذا الخصوص، ولكن، الحمد لله، الآن تبلور موقف جديد في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة عربيا، فمثلا المملكة المغربية، عبر وزارة الخارجية، أصدرت بيانا استنكاريا للأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيم "داعش" وأعلنت تضامنها مع العراق والجهود الدولية في دحر هذا التنظيم، وهناك أيضا مواقف داعمة للعراق من المملكة العربية السعودية ومن الإمارات العربية المتحدةوالكويت ودول أخرى، كما أنه كان هناك اجتماع مجلس وزاري لجامعة الدول العربية تمخض عنه موقف عربي جديد وجامع ومتضامن مع العراق في دحر الإرهاب، ونحن نعتبر أنفسنا اليوم نحارب الإرهاب نيابة عن العالم بأسره، نحاربه لأنه إرهاب أسود وإرهاب مختلف، ويمكن القول إنه أخطر من كل التنظيمات المتطرفة التي سبق أن ارتكبت أعمالا إرهابية في أنحاء العالم. اقترح العراق على جامعة الدول العربية في الاجتماع الوزاري نفسه مسودة قرار لمساندة جهوده في التصدي لمقاتلي "داعش" ماذا عن هذا القرار؟ جاء موقف جامعة الدول العربية بعد مطالبة العراق بموقف عربي وبمذكرة موجهة للجامعة تطالبها بموقف عربي مساند، وفعلا كان هناك بيان صدر عن الاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة الذي أعلن تضامنه مع العراق واستعداد الدول العربية مجتمعة أو منفردة لتقديم الدعم للعراق. هناك قلق دولي اتجاه الأوضاع في شمال العراق فما هي آخر التطورات؟ إنهم يقصدون بشمال العراق الموصل، وقد كان فعلا هناك خطر كبير على أربيل في بداية شهر غشت إلى أن تبين أن تنظيم "داعش" يمتلك أسلحة حديثة وثقيلة وإمكانيات كبيرة، وبالتالي كان هناك فرق كبير بين إمكانيات "داعش" وإمكانيات قوات البشمركة الكردية، رغم أن هذه الأخيرة كانت في موقف دفاعي ومقاوم شديد وصامد أمام هجمات "داعش"، ولكن كما قلت فالتجهيزات العسكرية لدى "داعش" تفوق ما كانت تمتلكه قوات البشمركة، إلى أن تدخلت أمريكا بدعم جوي ووصلت مساعدات أوروبية وتجهيزات عسكرية وأسلحة، والآن جرى دفع الخطر عن أربيل ومدن الإقليم كافة وكذلك دهوك وكركوك. وأصبح "داعش" يتقهقر داخل الموصل، وكذلك في محافظة كركوك إلى تكريت. وهناك خطط أكيدة لاستعادة هذه المدن في القريب العاجل بإذن الله. لكن المشكلة الأساسية التي يعانيها العراق حاليا، هو موضوع النازحين، الذين يعدون بالملايين، كما ذكرت، يعيشون ظروفا سيئة، وأغلبهم يعيشون في العراء، لأنه حتى المساعدات التي تلقاها العراق تظل غير كافية لهذا العدد الكبير من النازحين خاصة ما يتعلق بالسكن. انطلقت السنة الدراسية الجديدة، في محافظاتالعراق وأجلت لمدة شهر في إقليم كردستان ودهوك لأن حوالي 700 بناية مدرسية بمحافظة دهوك يشغلها النازحون، وبالتالي لا يمكن استقبال التلاميذ في هذه الظروف، وهذا الوضع يعتبر مشكلة كبيرة في الوقت الحالي إلى جانب خطر "داعش". لكن هناك تحالف دولي، أمريكي أوروبي عربي، يتشكل لمحاربة "داعش"، وهذا يشجع بأن يكون العراق في مستوى المسؤولية لدحر هذا التنظيم . عودة إلى موضوع تشكيل الحكومة العراقية، هناك من يرى أن الوضع بالعراق يتطلب حكومة مُشكَّلة من كل الطوائف لأن ذلك سيساهم في توفير الأمن والاستقرار داخل العراق وقد يمكن من مواجهة "داعش"، ما هو تعليقكم؟ بالفعل، تشكلت الحكومة الحالية من جميع الأطياف، فهناك التحالف الوطني الذي يمثل تحالف الأحزاب الشيعية، ومنه رئيس الحكومة الذي ينتمي للتحالف الشيعي، وهناك نائب رئيس وزراء كردي ونائب رئيس وزراء سني وكذلك نواب رئيس الجمهورية من كل الأطياف. الحكومة تشكلت بتوافق وشراكة بين كل الأطياف والمكونات العراقية، وحازت تأييد جميع الأطياف الشيعية والسنية الكردية والتركمانية وهي حكومة أمل بالنسبة للعراق في هذا الظرف الخطير جدا، لأن لها دعما دوليا وبرنامجا ومنهجا وزاريا كاملا ومتكاملا أعلنه رئيس الوزراء أمام مجلس النواب لعمل الحكومة خلال الأربع سنوات المقبلة. وأملنا فيها كبير، من أجل دحر الإرهاب وتحديدا "داعش" وثانيا إعادة اللُحمة ما بين الشعب العراقي، وثالثا استعادة العراق مكانته في المجتمع الدولي والعربي بشكل خاص، وأيضا نأمل في أن تستطيع الحكومة إعادة الأوضاع الطبيعية إلى بلدنا وتقديم الخدمات للمواطنين. وأعتقد أن الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان مجتمعين يعملون جاهدين من أجل تحقيق هذه الأهداف للعراق.