السياقات المطروحة و تحديات التطبيق في اسبانيا و المغرب في الوقت الراهن تطرح قضايا شعوب جنوب المتوسط العديد من الملفات المثيرة للجدل و الخلاف ذات جذور تاريخية و سياسية لعدم الفصل بشكل نهائي في النزاعات السياسية و الترابية و غياب إرادة سياسية لمعالجة حقيقية حول كل ما ينازع عليه بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة ، و عدم التخلي عن عقلية التدبير الفردي المليئة بالهواجس الأمنية ، و عن عدم الاستغناء عن ثقافة الوصاية و تغيير كل معالم الحقيقة التاريخية لشعوب المنطقة التي تثبت قوة الوجود و الذات بأحقيتها في العيش باستقلالية تامة و غيرها من الأسباب، فالمطلبين الاستقلال السياسي و الحكم الذاتي الآن لا يتطلب منا تناولهما من وجهة نظر أكاديمية وفقط و عرض نظريات القانون الدستوري و النظم السياسية و نماذج لإدارات الدولة و لا حتى خلق نغمات مفاهيمية و هندسة نصية بهدف تبريري لمبادرة عن أخرى بل يتطلب إرادة سياسية جماعية على أرضية التفاوض و التسوية السياسية للقضايا التاريخية و الجغرافية و السياسية و حتى الأمنية و نبذ كل آليات الوصاية لنخب أو فُرق أو تنظيمات أو هيئات أو حكومات على حقوق الوطن و المواطنين ، و تنزيل فعلي لمضمون المشاركة في بناء المؤسسات الفعلية التي تمثل كل فئات الشعب من أجل ضمان تأسيس دولة التنوع و الدمقرطة، و ملامسة جوهر القضايا التي تدعو الى الاستقلال الكامل أو الجزئي لدى شعوب ضفتي المضيق . و التخلي عن ثقافة الهروب من واقع المطالب و من قوة حجيتها التاريخية و السياسية و الثقافية خصوصا في اسبانيا و المغرب . 1 – مطلب الاستقلال السياسي في اسبانيا بين ضرورة الحسم و سؤال أية نظام مستقبلي بديل: الجسم السياسي في اسبانيا تعاقد على الديمقراطية و بناء المؤسسات على حساب الذاكرة و التاريخ تاركا وراءه ملف له حمولة كبيرة لا من الناحية التاريخية و السياسية مع العِلم أن آثار الحرب الأهلية خلال فترة حكم فرانسيسكو فرانكو لم تعالج بشكل نهائي و لازالت آثارها قائمة الى اليوم رغم اعتماد منهجية المأسسة التدريجية و الهيكلية خلال عملية الانتقال السياسي باسبانيا في نهاية السبعينات من القرن الماضي بتطبيق الجهوية السياسية كمدخل لتسوية قضية الخصوصية و النزاعات في إطار الملكية البرلمانية، بل استمر النزاع السياسي لسنوات في العديد من الأقاليم الاسبانية و بالخصوص في إقليمين الباسك و كاتالونيا اللذان طلبا الى حدود اليوم بالاستقلال الكامل و رُفع سقف الصراع مع العاصمة مدريد بين تبني خيار الكفاح المسلح و اللجوء الى الاستفتاء الشعبي على الاستقلال التام رغم كل التنازلات من أجل إرساء المصالحة مع الماضي ، فالطابع يغلب على التطبع عندما يتعامل مع مطالب على أنها تجاوز للصيرورة التاريخية و إخراج من مسلسل الإجماع و عدم الاعتراف بالحقوق و الخصوصية السياسية و الجغرافية في بلاد اسبانيا أكيد كل هذا سيساهم في تأزيم الواقع الاسباني الى مستويات تتجاوز كل الحدود بين ما هو لغوي و ثقافي و سياسي و أمني حتى فئوي منذ فترة نظام فرانكو الى اليوم لتؤول الى أزمة بنيوية . أ - كاتالونيا و أسباب المطالبة بالانفصال: بالنظر الى أهم المحطات السياسية في تاريخ الكاتالان منذ حصولهم على الحكم الذاتي عام 1931 خلال الجمهورية الثانية الإسبانية الى اليوم و المعروفة بالاضطرابات السياسية قمع نظام فرانكو أي نوع من الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكاتالانية و الأناركية و الاشتراكية و الشيوعية و الديمقراطية، فتم حظر استخدام الكاتالونية في المؤسسات التي تديرها الحكومة، كما تعرض رئيس كاتالونيا أنذاك للتعذيب و أعدم لجريمة "التمرد العسكري"، و قد ساهم اضطهاد الجنرال فرانكو لشعب كاتالونيا بتعميق نزعة الاستقلال الكامل لشعب لهذا الاقليم(1). فاستمرت الأوضاع بالتفاقم الى حدود زمن التعاقد للانتقال السياسي فأعيد العمل بقانون الحكم الذاتي في كاتالونيا في سنة 1979، وبعد الانقلاب العسكري في 1981 أقرت الحكومة الاسبانية بوجود 17 إقليما مع خصوصية لإقليمي الباسك ونافارا في تحصيل ضرائبهما، واستثناء كاتالونيا من هذا الحق ، مما ساهم ذلك في ملحاحية المطالبة بالاستقلال كاتالونيا باعتبارها أمة لديها تاريخ لغة و ثقافة و هوية و موقع إقتصادي ريادي في النسيج الوطني الاسباني ، و مع تغيرات الأوضاع الاقتصادية من جراء الأزمة الحالية يرى الكتالونيين ان اقتصادهم تضرر كثيرا بسبب السياسات المتعاقبة للحكومات الاسبانية حيث ان هذه الاخيرة فرضت ضريبة تقدر ب 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 20 مليار يورو في المقابل ليس هناك استثمارات أو خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة، فتعاظم استياء الكاتالونيين في الآونة الأخيرة مع الخصومات الضريبية المتأرجحة التي كانت حكومة ماريانو راخوي تفرضها عليهم، وهي تعمل على تطبيق إجراءات التقشف التي طالب الاتحاد الأوروبي الحكومات الأوروبية باتخاذها ما أدى الى تعزيز النزعة الانفصالية لدى اليمينيين واليساريين على السواء (2) ، و أمام تصعيد الأوضاع حاولت حكومة راخوي، من أجل الخروج من المأزق وبعد أن استعصى حله داخليا إعتمدت سياسية الإستقواء بدعم الاتحاد الأوربي فقامت بحملة نشيطة ضد القوميين الكتالان، وقال الاتحاد الأوربي كلمته في الموضوع : «لا مكان لكتالونيا مستقلة داخل الاتحاد الأوربي». لكن هذا النوع من التصريحات لا يأخذه الكتالان مأخذ الجد، فهم يعرفون أن المتغير في السياسية هو الثابت، وبالتالي فمكانهم مضمون داخل الاتحاد الأوربي ككيان مستقل، وهو ما ذكر به رئيس حكومة كتالونيا عندما قال إن كتالونيا أقوى من أكثر من اثني عشر بلدا من بلدان الاتحاد. (3) و يعزز الكتالان أكثر أطروحتهم في مسعاهم إلى الاستقلال باستنادهم على التاريخ السياسي و المكون البشري و نمط الثقافي، فالكتالانية هي اللغة الرسمية الأولى في الإقليم وهي لغة التدريس تساهم في تعزيز آليات الدعم من أجل تأسيس جبهة شعبية عريضة للمطالبة بالاستقلال و تهدف نحو الوقوف عن مدى صلاحية النظام السياسي الاسباني هل بالفعل الملكية البرلمانية هي الحد الأدنى لإحتواء أزمة الهوية و حل للنزاعات السياسية و هل هي بداية نهاية الوفاق السياسي أم هي بداية عودة الدولة الأمنية بكل خياراتها حفاظا على النمط السائد. ب – ملكية اسبانيا و جمهورية كاتالونيا بين ضرورة إعادة هيكلة النظام و آثارها على المنطقة : تكتسي اللحظة أهميتها القصوى في الصراع السياسي باسبانيا فرغم سنوات من الانجازات في تحصين الديمقراطية الاسبانية و تصنيفها ضمن خانة النماذج للتدبير السياسي و يؤخذ عنها كتجربة متميزة تأسس للملكية البرلمانية لكن النخبة الاسبانية غالبا ما تتعامل مع الملكية على أنها الراعي للنظام القومي في حين تتجنب نقاش الإصلاح الدستوري و مسايرة المتغيرات الإقليمية و الدولية فتعتمد على ثقافة النوع و مواطنة الواجهة (4) و لا تكلف نفسها حتى عناء المراجعة لسياسة التدبير و إعادة الهيكلة لبنية النظام فقد تجاوزت عتبة التعايش السياسي بين الأطراف في اسبانيا، فكثُرت الأسئلة التي تنصب حول ما مصير سنوات الاستقرار السياسي في البلاد ، و هي الفاصلة مؤخرا في المشهد الراهن فتجاوزت لغة الرؤى المجتمعية التي كان يدعو إليها أحد أهم الفاعلين في المجتمع هما الحزب الشعبي و الاشتراكي العمالي و المقصورة فقط على الخطابات والبرامج الفوقية و هي بعيدة عن ملامسة عمق الإشكال لأنهما مرتبطان باتفاق الانتقال السياسي المتجاوز تاريخيا بفضل المتغيرات، و السؤال الأكثر أهمية في المرحلة هل مطلب الاستقلال نابع من سياق محلي أم مرتبط بخيارات المنطقة من جراء تدعيات الأزمة الاقتصادية ؟ و ما هي حدود العلاقات بين الحكومات الجهوية و الحركات الداعية الى تقرير المصير ؟ و هل بالفعل الصراع حول الخيارات يفرض تغيير الخريطة السياسية و نظامها البنيوي ؟ معظم الخطابات السياسية في اسبانيا تعتمد منهجية شبه متشابهة مليئة باللغط و الهرطقة يستهلكون الكلام في مواضيع خارجة عن ما يطلبه المجتمع الاسباني فهم يتبادلون الاتهامات في شتى القطاعات محاولين إسقاط المسؤولية عن الأوضاع القائمة عن بعضهم البعض، فالأزمة أفاضت الكأس عن حقيقة سياسة اسبانيا في القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و حتى التاريخية و عن موقعها في السياسة الخارجية فلم تستطيع أن تصنع مكانة لها ولو في صفوف المؤسسات الأوربية فسياسية راخوي الخارجية مبنية على البحث عن المدد المالي من الدوائر العالمية و الاقليمية و لو على حساب الوطن مما هي عرضة لكل القوانين التقشفية الصادرة من الهيئات الاقليمية و الدولية و في نفس الوقت تكشف عن مدى هشاشة النظام الاقتصادي الاسباني الذي يهيمن عليه بارونات العقار و طبقة نفوذ المال الذين يتمتعون بالحصانة السياسية فسببوا في أوضاع كارثية على القطاع الاجتماعي الذي تعرض لإنهيار خطير و ينذر بكارثة حقيقة مدام مستوى المعيش اليومي في تراجع كبير (5)، المواطنون في وضعية غير مسبوقة هم وراء أي مبادرة تهدف الى إنقاذهم نحو الأفضل و لا يهم الجهة الداعية لذلك، فالمناخ السائد يسوده غمام و ضبابية و هي فرصة سانحة لدعاة الاستقلال السياسي في السير على خطى تهيئ لثورة باردة و هادئة على الملكية و على إثرها الخيارات مفتوحة من الممكن أن تتوسع دائرة النزاع في المنطقة، فالكل يسعى الى دعم أطروحة الاستقلال طبعا وفق المصالح الاستراتيجية و الأمنية ، فالكاتالان مستعدون للتحالف مع أي طرف يؤيد قضيتهم و إن إقتضت الضرورة التنسيق مع حليف غير استراتيجي و لو على حساب المواقف التاريخية كما هو الشأن في العلاقة مع المغرب وبخصوص في قضيته " نزاع الصحراء الغربية " لدرجة تحولت الى مزاد علني للمقايضة السياسية . الملكية في اسبانيا كنظام تكرس نمطية تقليدية في السلطة تحتمي بالدين و الأمن و هي في تعاقد متين مع الكنيسة كصمام آمان في وجه أي هزة سياسية داخلية أو خارجية . فيلاحظ تنامي تأثير العقيدة الأمنية باعتبارها تمثل المبادئ المنظمة التي تساعد على تعريف المصالح الجيوسياسية وتحديد ما يحظى منها بالأولوية، في مجال التعاون و الأمن بين ضفتي المضيق تتحرك وفق السيناريوهات المطروحة نتيجة تداخل المصالح لم تتجاوز بعد عُقد الماضي و شيوع ثقافة الاتهام و المؤامرة ، 2 - مبادرة الحكم الذاتي و المطالبة بالاستقلال السياسي في المغرب بين رهان المبادرات و أرضية تقرير المصير : رُفع مطلب تصفية الاستعمار منذ بداية القرن الماضي من أجل وطن يتسع للجميع و يراعي الخصوصية و يهدف إلى إحقاق العدالة وبناء مؤسسات مستقلة عن أي إدارة استعمارية كانت، لكن الخريطة السياسية التي فرزتها الإدارة الكولونيالية مخالفة تماما لتطلعات الشعوب بل نهجت مسارات أخرى فرضت القبول بالتجزئة الجغرافية و الإملاءات السياسية حفاظا على إمتيازاتها و حماية نمط الحكم السائد فساهم ذلك في توتر العلاقات داخليا و حتى مع بلدان الجوار ، وعلى إثرها نشبت خلافات جد عميقة يستعصي الحل مادام الجميع يعتمد الهروب من مبدأ الاعتراف بالخطأ و عدم الإقرار بالحقوق التاريخية و السياسية لشعوب المنطقة فتعالت أصوات المطالبة بالاستقلال السياسي و بالخصوص في الصحراء و مطلب التسيير/ الحكم الذاتي في الريف فخلقت تحديات كبيرة على النظام السياسي و مؤسساته أ - قضية الصحراء بين مطلب تقرير المصير و مبادرة الحكم الذاتي و خيارات المنطقة: هي قضية آثارت الشيء الكثير من الجدال سواء بين فرقاء النزاع و حتى داخل المكونات المغربية من حيث المبدأ نؤكد على ان تداول مطلب تقرير المصير ضمن أدبيات الصراع المغربي الصحراوي ومن كل أوجهه التاريخية والسياسية تداول يحمل من الدلالة الكثير من اللغط و من المضاجعة السياسية مع مفهوم ملفوظ. ولكن مشروعية التطرق إليه تكتسب من ضرورة تفكيك الدواعي إلى طرحه والأهداف من ترويجه ونزع القناع السياسي الذي يتخفى وراء مشروع محاولة إقبار الوجود الصحراوي المستقل تحت أوساخ مفاهيمية تعشش في الذهنية التوسعية للمخزن. و من باب الاختيار الغير الناضج كان هناك عامل لاتاريخي والمتمثل في الرؤية التبخيسية للشعب الصحراوي كشعب قليل العدد، تقوده حركة سياسية في سن الفطام ذو وحدات قتالية محدودة التسليح والعدد، ولم يخطر ببال العاهل الراحل أن الشعوب لا تقاس بإعدادها لكن بعد ان أثبتت سنوات الحرب حجم الخسائر على كل الأصعدة، و في مقابل التبني المتصاعد للقضية الصحراوية من طرف العديد من دول وشعوب ومنظمات العالم(6)، بدأت تتغير معالم السياسة المغربية تجاه القضية فشرع الحسن الثاني في البحث عن طرق تحقيق المبتغى الثابت في الإستراتيجية المغربية و استكمال الوحدة المغربية خلال تكتيك الالتفاف على القضية. وفي هذا الإطار وضمن ظروف استهلاك الاجماع السابق لمداه التاريخي والسياسي، فاختمر في مخيلته - كان لا يزال يعيش على ثقافة الأمير الميكيافيلية - مشروع حكم ذاتي سيلتف به على مشروع الاستقلال الكامل للبوليساريو ، وهنا لابد من تأطير هذا الطرح المغربي ضمن ظرفيته التاريخية آنذاك للتأكيد على الحقيقة التي مفادها أن أي تكتيك في السياسة الاحتوائية إنما تمليه استحالة تحقيق الهدف والعجز النهائي، أي فرض الأمر الواقع. وعلى ضوء عملية تحديد الهوية ومنعرجاتها استحالة بلوغ هدفه باحترام الشرعية الدولية واللجوء الى استفتاء تقرير مصير. حينذاك وخلال ازمة التوقف حول تحديد الهوية لوح عاهل المغرب بمشروع الحكم الذاتي، لكن رفض البوليساريو وعجز القوى المتواطئة معه سواءا كحكومات أو موظفي منظمات دولية عن كشف اوراقها وتهدئة الازمة داخل المغرب عن طريق بعض الاصلاحات الشكلية من حكومة ائتلاف وادراج لأوجه تاريخية ضمنها وفتح بعض مجالات الحوار مع القوى السياسية، والتلويح باصلاحات اكثر عمقا للتخفيف من الضغط الدولي وعدم حسم الأممالمتحدة وضغطها على المغرب لاحترام التزاماته، أعطت نفس المماطلة للنظام المغربي وأجلت إخراجه من جديد لورقة الحكم الذاتي في تصور خاطئ للإدارة المغربية اعتمد على: - الدعم المطلق لفرنسا - المراهنة على الاوضاع السيئة آنذاك في الجزائر - المراهنة على إمكانية تشكيل قوة صحراوية موالية للمغرب تتنازع تمثيلية الشعب الصحراوي مع الجبهة الشعبية (البوليساريو) - الاعتماد على تسويق وتلميع وجه النظام الجديد...الخ. وباختصار شديد فان العوامل في إقدام المغرب بالأمس كما اليوم على التلويح بهذه الورقة تظل هي: - انعدام أي أرضية لمشروع إجماع عقلاني يخرج المغرب من أزماته، والبحث عن تشكيل إجماع جديد على قاعدة مشروع آخر مع الاستحضار الدائم والدراماتيكي للخطر الخارجي - العجز المطلق للدولة المغربية عن قهر البوليساريو ، وتضاعف هذا العجز والتخبط مع تصعيد المقاومة الشعبية بالداخل جنوب المغرب، زد على ذلك انكشاف هشاشة المعالجات المخزنية في تسيير الشأن الصحراوي - تضاعف الضغط الدولي ومطالبة المنتظم الدولي المغرب بإيجاد مخرج للصراع الذي دام اكثر من 30 سنة ورهن استقرار المنطقة ومعه مصالح القوى الدولية فيها. مخرج مشروط باحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وهو ما أكدت عليه كل القرارات الدولية ومشروع بيكر.(7) إن البحث عن اغناء مدونة الحكم الذاتي بأمثلة بلدان أخرى كاسبانيا أو المانيا، أو بمنظومات حكم برلمانية كما في بريطانيا، إنما يغالط نفسه ويضلل شعبه ويتجنى على تاريخ الشعوب متناسيا دروس التاريخ. ومن جهة أخرى ألن يشكل أي مشروع مبني على هذا الأساس الى إعادة هيكلة للبنية العصبية داخل التراب المغربي نفسه، وإحياء للمطالب الاستقلالية لمكوناته الاثنية التي شكلت تحالفاتها وتناقضاتها خارطة تغيير السلالات في المغرب، عندما شرع عاهل المغرب وقبله الحسن الثاني، وبعض الفرقاء السياسيين الآخرين في المغرب يسوقون لمشروع الحكم الذاتي، كانوا ولا زالو يعتمدون على إخفاء الإشكال التشريعي لهذا المشروع لان في إثارته إبراز لمدى لا عقلانية هذا المشروع وعدم انسجامه ، الإشكال التشريعي في حالة الإقدام على هذا المقترح يطرح على مستويين: مستوى نظام الحكم بالمغرب، ومستوى مشروعه الحكم الذاتي(8) فعلى مستوى المغرب سيكون بلدا ذا نظامين تشريعيين: نظام تشريعي لا مركزي، في منطقة الحكم الذاتي ، ونظام تشريعي مركزي في المناطق الأخرى رغم الترويج لمبادرة الجهوية الأكثر من ذلك على أي مستوى ستسن هذه التشريعات المؤسسة لهذه النظم: البرلمان؟ الحكومة؟ الهيئات القضائية العليا؟ أم القصر؟ وفي أي القوانين؟ الدستور؟ قانون استثنائي؟.. رغم الإصلاح الدستوري الأخير الذي عكس جوهر الإرادة السياسية أنها لم تتغير من طبيعتها . أما على مستوى رقعة الحكم الذاتي التي سيقترحها المغرب سيطرح إشكالا إضافيا وهو هل سيكون الأمر على شكل حكم محلي أو جماعات محلية، وبين الأمرين فارق جوهري. فإلى أي الحدود سيتسع مجال لا مركزية السلطات؟ هل سيذهب المشروع الى خيار البرلمانات الجهوية أم سيختار المجالس الجهوية؟ والاحزاب هل سيقر بوجود احزاب جهوية، ويتناقض بالتالي مع أسس دستوره الذي يمنع قيام احزاب على قاعدة الجهة أو العرق أو الدين. وإذا أباحها للمنطقة "المسيرة ذاتيا" فبأي حق يمنعها في باق المناطق؟ وإذا لم يقر بوجود هذه الأحزاب فكيف سيكون مصير الحياة السياسية فيما أراد له حكما ذاتيا؟ وهل يمكن التفكير من حيث المبدأ في مثل هذا الوضع في غياب قوى واحزاب سياسية مستقلة في هذه الجهة؟ ومن سيمثل النظام المركزي؟ إن الإشكال الرئيسي الذي ينزع عن هذا المشروع كل مصداقية، ويدخله في مجال المناورات التكتيكية . ومن أي تغيير تشريعي سينتج عنه شلال من التغيرات ومن تقويض البناء التشريعي الشامل للدولة المغربية الراهنة، ليضعها أمام مستقبل مجهول تتربص به الحركات الأصولية، والتيارات المغامرة، والبنى العصبية العرقية المختلفة داخل المغرب بل وحتى بعض التيارات الوطنية التي لم تمنح نفسها فرصة حقيقية للتخلص من الرؤية المغامرة المحدودة للمخزن لتفكر بروية الوطنية وبحكمة العقلانية وبعد نظر حتمية المصير المشترك المبني على احترام إرادة الشعوب في الحرية، والديمقراطية والندية. ب - الريف بين الحقوق التاريخية و رؤية السلطة الجديدة مع مطلب الحكم الذاتي و حتى الاستقلال الريف في تجربته التاريخية و موقعه الجغرافي أسس لفضاء آثار العديد من المداد فتحول إلى وجهة استثنائية تداخل ما هو سياسي ثقافي بما هو تاريخي هوياتي، و الاختيارات المطروحة هي إمتداد لمسار عريق منبعه المدرسة التحررية التي أسسها محمد بن عبد الكريم الخطابي و تناقلت عبر الزمن لتشكل موضوع ذا أهمية عالية على مستوى الدولي ، فكم من شعوب و قبائل ذكروا أمجاد الريفيين في نضالهم ضد الاستعمار مما يجزم القول أنهم فوق ثقافة الاستعباد و بعيدون عن النزاعات الضيقة فهم شعب له حقوق تاريخية و سياسية و مؤسسات عيش عريقة تتجاوز كل الانماط الدخيلة ، الريف هو السبَاق الى تبني موقف بناء الذات عن أي نسق معين و خارج ما يروج له من مفاهيم مثل الحكم الذاتي و الاستقلال السياسي و الجهوية و ...، فالمنطقة اليوم هي في حاجة ماسة إلى مبادرات سياسية قوية ذات رؤية حقيقية تستلهم كل التجارب كأرضية لبناء الريف التاريخي و السياسي بكل دلالاته، ولا يمكن لأحد أن يشكك في أحداث تاريخية متواترة كان لها دوي سياسي دولي وما تزال أثارها قائمة إلى اليوم ونقصد بذلك جمهورية الريف، فلا أحد يمكن أن يجادل في كونها شكل من أشكال التنظيم السياسي الدولتي أو بأقل حدة أنها حكومة جهوية ريفية ، كما أن الانفجار الذي عرفه الريف في أواسط ونهاية الخمسينات كانت ردة فعل سياسية واضحة المعالم لم يكن غائبا عنها امتداد التجربة السابقة وانعكاساتها السياسية. لا نحتاج في تاريخ الريف أو في خصوصياته إلى أدلة شافية لتبرير حقه في التمتع بنظام للحكم الذاتي وهو مفهوم يرتبط بهوية هذه المنطقة كتاريخ مصادق عليه وتتوفر على أسبقية وأحقية في هذا الاختيار قبل الصحراء نفسها (9 )، رد الاعتبار للحقوق التاريخية و السياسية للريف هي المحدد الأساسي في أي إنطلاقة لأي عملية سياسية أو مبادرة تهدف الى تصفية الماضي و تحقيق المصالحة من أجل الاستحقاق التاريخي في إرساء الاستقرار، فإلى اليوم لم تعتمد الدولة المغربية على صيغ مناسبة و مفهومة و لا حتى أرضية حد أدنى للتفاوض الحقيقي و الجريء على ماضي الريف و قضاياه و إنصافه سياسيا و تاريخيا رغم المبادرات التي تعلن وفق مناسبات معينة و في سياقات مضبوطة بالعكس ساهمت ذلك بشكل كبير في تأسيس لعلاقات من نوع آخر رفعت من مستوى التوتر و الاحتقان رغم وابل من الوعود و الأوهام التي كرست واقع الريع بكل تمظهراته ، إن مطلب تقرير المصير وحتى الحكم الذاتي في الريف لهما من المصداقية ما يكفي من التبرير و بالخصوص الطرح الثاني الذي يشكل جوابا استراتيجيا على كل المعضلات التي يتخبط فيها الريف، فنظام الحكم الذاتي سيساهم في نزع الطابع الاستبدادي على الجهاز الحاكم السائد . و قد أضحى مطلب الريفيين في الحكم الذاتي الذي يخول لهم التعاقد الإيجابي على ريف ، ضرورة سياسية هي المدخل الوحيد لتبرهن الدولة المركزية على حسن نيتها في التعامل الإحتضاني نحو الريف ، لكن دون إغفال عنصر مهم في هذا المجال و المتجلي في إلتفاف الريفيين على مصلحة الريف العليا التي تضعه أساسا في أي تصور سياسي هادف للرقي به إلى المكانة المتوخاة مستقبلا التي يفرضها موقعه الإستراتيجي(10)، و أية مبادرة تضع تسيير الريف بنفسه هدفا إستراتيجيا هو الكفيل لتوحيد الصف الريفي حول مطلب الحكم الذاتي العادل ، و الإبتعاد عن ثقافة توزيع التهم و التخوين بين أبناء الريف الواحد ضرورة تستوجبها اللحظة المفصلية التي يعيشها الريف ، و رغم مبادرة الجهوية التي أعلنتها الإدارة الجديدة بالبلاد محاولة منها لإمتصاص أزمة الخصوصية و الهوية و إحتواء الريف في سياسة الإدارة المركزية و تفكيك عمقه و توزيعه الى إدارات و وحدات ترابية ، فالسلطة الجديدة رؤيتها تجاه الريف لم تتجاوز بعد طبيعة العلاقة المكرسة لسنوات و هي مدركة في اللاوعي أن مطلب الاستقلال عند الريفيين عن إدارة السلطنة و البلاطات مسألة وقت و فقط و هذا ما أكدته الأحداث الأخيرة ( منذ 20 فبراير 2011) فظل هذا الهاجس المتحكم الأقوى بين المحيطين و كل المؤشرات تؤكد صحة هذا الطرح و بدون الإحتكام إلى الإطلاقية، قد يلتجأ البعض الى عرض بعض الأطروحات وهي مستنسخة من تجارب أخرى بدون إبداع حقيقي و يراهن عليها كمدخل للتسوية متجاهلا مسار و حيثيات الفضاء العام الريفي بكل تجلياته، الإدارة السياسية بالبلاد كرست آليات تقليدية في التدبير على الخريطة الترابية و حتى هي تدعو الى مبادرة الجهوية في إطار اللامركزية الإدارية لن تتخلص من تركة الماضي هي عقبة حقيقية ، عن أي نظام جهوي يتحدثون في ظل مؤسسات فاسدة و مهزوزة ؟، و عن أي نظام ذاتي يمكن الريفيين التسيير بدون العودة الى سلطة الوصاية ؟
الاستقلال السياسي و الحكم الذاتي هما خياران مرتبطان بمسارات متنوعة و هما نابعان من سياقات لها أسس سياسية و ثقافية و تاريخية و جغرافيا و اقتصادية فكل شعب يمتلك الحق الكامل في المطالبة بحقوقه و تسوية قضاياه و غالبا ما يلازم ذلك صراعات قاسية و تطاحنات غير متوقعة النتائج، فمنطقة ضفتي المضيق هي في سياق الصيرورة التاريخية و حركية التاريخ فيها جد نشيطة بحكم غزارة الملفات و القضايا الساخنة فتفاقمت التحديات في المنطقة، المرحلة مفصلية و حاسمة فاسبانيا هي أمام تحدي كبير من أجل تجاوز الأزمة المركبة بين ما هو اقتصادي و سياسي و تاريخي و بين الحفاظ على بنية النظام القائم ( الملكية الاسبانية ) و بين استعاب قوة الفعل السياسي المناهض للملكية و تقديم حلول عاجلة لمسألة استقلال كاتالونيا كي لا تتكرر سيناريو الحرب الأهلية في الماضي . أما قضية المغرب فهي بين مطرقة الصحراء و سندان الريف فلا يمكن تجاوز النزاع القائم بنظرة أحادية الحلول و تغييب المعنيين الحقيقيين في مسلسل التسوية السياسية، فمدخل المرحلة أساسه ديمقراطي ينطلق من إسقاط الاستبداد و يصل الى إقامة نظام جهوي حقيقي يراعي الخصوصية، و القضاء على فلسفة الريع و الحد من ثقافة الوصاية و التخلي سلوكات الماضي . ناشط سياسي و حقوقي في المهجر الهوامش : 1. ازدهرت كاتالونيا في كل شيء، وأصبحت المنطقة الاقتصادية الرائدة في اسبانيا مع ما يقرب من 20٪ من الناتج القومي الإجمالي لهذه المنطقة التي تشكل 6٪ فقط من مساحة اليابسة في اسبانيا و 15٪ من السكان اشتداد سوء الحالة الاقتصاية في اسبانيا ادى الى تعميق الازمة فسكان كاتالونيا يشعرون بالاحباط فهم يزعمون ان كاتالونيا تقوم بتحويل 20 مليار يورو إلى الحكومة المركزية، وأن هذه التحويلات ادت الى إفلاس المنطقة ما اجبر جكومة كاتالونيا على وضع خطة انقاذ ففرضت سياسة تقشف و هذا ما ادى الى تدني في الرعاية الصحية، والتعليم، وغيرها من الخدمات. 2. فاسيلي كولتاشوف رئيس مركز الدراسات الاقتصادية في معهد الحركات الاجتماعية والعولمة، " أن الانفصال هو جزء من الأزمة العامة في الاتحاد الأوروبي. و أن سياسة كاتالونيا هي سياسة مساوية لألمانيا. ألمانيا لا تريد المشاركة في التعامل مع الصعوبات الاقتصادية. برلين تقول انه من الضروري ايجاد وسيلة لتحقيق الاستقرار المالي، مما اضطر البلدان على تنفيذ سياسات تضر اقتصاداتها الوطنية ، هذا هو ما نراه في اليونان والبرتغال واسبانيا وايطاليا. نتيجة لهذه الأحداث بدأت كاتالونيا في البحث عن الاستقلال. في ايلول الماضي خرجت في برشلونة عاصمة منطقة الحكم الذاتي في كتالونيا، أغنى منطقة في أسبانيا مظاهرة ضخمة تنادي بالاستقلال عدد الذين شاركوا فيها قدر بين 600,000 و 1,5 مليون نسمة من اصل 7,5نسمة اي 8 الى 20 ٪ من السكان . 3. مساحة كتالونيا تُقارن بمساحة كيانات محورية داخل الاتحاد مثل بلجيكا وهولندا، وعدد سكانها هو 7.5 ملايين نسمة، أي أكثر من عدد سكان 12 بلدا من بلدان الاتحاد، ومعدل دخلها الفردي يحتل المرتبة السابعة إذا تمت مقارنته ببقية بلدان الاتحاد 4. المؤسسات الثقافية.. من الصراع إلى تغييب السياسة الثقافية ¨ بعد صراع إيديولوجي مع السلطة استكانت المؤسسات الثقافية إلى الانعزال أو البيروقراطية ¨مصطفى الحسناوي 5. غاليسيا ... كاتالونيا .... الباسك- للخوف والعزلة فيلقٌ في أوربا ذ. جوان خليل عكاش 6. الحكم الذاتي .. مشروع حل قضية الصحراء الغربية أم مغامرة غير محسوبة ستؤدي لتفكيك الدولة المغربية؟ 7. مشاريع التسوية والحلول الممكنة لقضية الصحراء الغربية د . ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية 8. محمد فال ولد المجتبى " مسيرة علاقات متقلبة تحولات المنظور الإستراتيجي متغيرات الوضع الراهن " 9. أنظمة الحكم الذاتي في التجارب الدولية والمغرب ؟.... ممكنات الرهان الجهوي في استحقاقات المرحلة الراهنة ؟ ذ . علي بلمزيان 10. نفس المرجع " الفقرة الثانية من مقال ذ. علي بلمزيان