حاولت حكومة راخوي، من أجل الخروج من المأزق، وبعد أن استعصى حله داخليا، البحثَ عن دعم الاتحاد الأوربي، وقامت بحملة نشيطة ضد القوميين الكتالان، وقال الاتحاد الأوربي كلمته: «لا مكان لكتالونيا مستقلة داخل الاتحاد الأوربي». لكن هذا النوع من التصريحات لا يأخذه القوميون الكتالان مأخذ الجد، فهم يعرفون أن «المتغير» في السياسية هو «الثابت»، وبالتالي فمكانهم مضمون داخل الاتحاد الأوربي ككيان مستقل، وهو ما ذكر به رئيس حكومة كتالونيا عندما قال إن كتالونيا أقوى من أكثر من اثني عشر بلدا من بلدان الاتحاد. وهذا صحيح، فمساحة كتالونيا تُقارن بمساحة كيانات محورية داخل الاتحاد مثل بلجيكا وهولندا، وعدد سكانها هو 7.5 ملايين نسمة، أي أكثر من عدد سكان 12 بلدا من بلدان الاتحاد، ومعدل دخلها الفردي يحتل المرتبة السابعة إذا تمت مقارنته ببقية بلدان الاتحاد. وفي مسعاهم إلى الاستقلال، يستند القوميون الكتالان إلى الثقافة، فالكتالانية هي اللغة الرسمية الأولى في الإقليم، وهي لغة التدريس من الابتدائي إلى الجامعة، ونقرأ في الكتاب المدرسي المتداول بالإقليم، بخصوص مادة اللغة: «الكتالانية هي الجواز الوحيد الذي يحقق الرفاهية لكتالونيا»، ونقرأ في نفس الكتاب بخصوص مادة الجغرافية: «الإيبرو نهر كتلاني ينبع من أراضي غريبة وبعيدة» (يقصد الأراضي الإسبانية). كما يستند القوميون الكتالان إلى الرياضة، ويذكرون باستمرار أن الرياضيين الكتالان هم الذين يساهمون في الرفع من عدد الميداليات والألقاب التي تحصل عليها المنتخبات الإسبانية، لذا يسعون إلى إنشاء منتخبات خاصة بكتالونيا، تشارك في ملتقيات دولية يُرفع فيها العلم الكتالاني بدل الإسباني. كتالونيا ترفض كذلك تبني رياضة مصارعة الثيران، أحد رموز الثقافة الإسبانية، وتعتبرها رياضة دخيلة، لذا قرر البرلمان الكتالاني إلغاءها. واستعملت حكومة راخوي ورقة الاتحاد الأوربي ضد كتالونيا، وقد تستعمل ورقة المغرب إذا تطورت الأمور، وأظن أن كلا من كتالونيا وإسبانيا تعيان أنها ورقة مهمة، على اعتبار أن الأمر يتعلق بالجار الجنوبي وبالجسر الذي يربطهما بقارة بكاملها، وعلى اعتبار تشعب المصالح التي لكل من إسبانيا وكتالونيا في المغرب، وبكل تأكيد ستحاول كل منهما دعم علاقاتها بالمغرب، على ضوء ما سيحدث من مستجدات في العلاقة بينهما. التعاون الاقتصادي بين المغرب وإسبانيا يمر بالضرورة عبر كتالونيا، ويكفي العودة إلى تصريحات رئيس حكومة كتالونيا أثناء زيارته للمغرب خلال الربيع الماضي للتأكد من ذلك، وقد جاء على رأس وفد مهم من رجال الأعمال الكتالان، وناقش مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الوضع السياسي الداخلي في كتالونيا وخصوصيات الحكم الذاتي بها. ووقع على عدة اتفاقيات مع الحكومة المغربية في مجال التعاون الاقتصادي. ويكفي التذكير كذلك بأن 40 في المائة من الشركات و55 في المائة من الاستثمارات الإسبانية في المغرب مصدرها كتالونيا. وما كانت إسبانيا لتتحول إلى الشريك الأول للمغرب وتنتزع هذه المرتبة من فرنسا، التي حافظت عليها لأكثر من نصف قرن، لولا الشركات الكتالانية. وكتالونيا كذلك هي الإقليم الإسباني الوحيد الذي له غرفة تجارية خاصة في المغرب. ويعتبر ملف الصحراء المغربية من الملفات التي قد تجد حكومة راخوي نفسها مطالبة بتحديد موقف أوضح منها، على ضوء المستجدات التي ستنجم عن المطالب الانفصالية لكتالونيا. وقد عبر راخوي، أثناء القمة العاشرة رفيعة المستوى المنعقدة بالرباط في شهر أكتوبر الماضي، عن موقف أكثر اعتدالا من مطالب المغرب في الصحراء، مقارنة بموقف الحزب الشعبي، سواء وهو في الحكومة أثناء ولاية خوسي ماريا أثنار أو وهو في المعارضة حيث طالما دعم أطروحة البوليساريو. وقد دعا راخوي في الرباط، وقبل ذلك في الدورة السنوية للأمم المتحدة بنيويورك، الأطراف المعنية مباشرة بالنزاع إلى التفاوض وفق القوانين والاتفاقيات الدولية. ومع هذا التغيير، لم يرق موقف إسبانيا إلى موقف شركاء المغرب الآخرين، خصوصا فرنسا، المنافس الرئيسي لإسبانيا في الأسواق المغربية، والتي تتبنى أطروحة المغرب بشأن منح حكم ذاتي موسع للأقاليم الصحراوية، وهو موقف لا يتغير بتغير الحكومات كما هو الحال في إسبانيا. ويشار إلى أن حكومة راخوي، واليمين الإسباني بشكل عام، ليست على موقف واحد بخصوص قضية الصحراء، فهناك على الأقل توجهان: - الأول: يرى أن الصحراء ستؤول إلى المغرب على المدى المتوسط أو البعيد، لأن القوى العظمى معه، ولأن انفصال الصحراء عن المغرب يعني تكوين كيان صغير، سيكون مرتعا للتنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لإسبانيا وغيرها من البلدان الغربية التي تشن حربا على الإرهاب. لذا يفضل أصحاب هذا التوجه أن تكون إسبانيا طرفا مؤيدا للمغرب. غير أن المحسوبين على حكومة راخوي، الذين هم مع هذا التوجه، يصعب عليهم في الوقت الحاضر الإفصاح عن رأيهم بشكل علني، لأنه قد يدخلهم في مواجهة مع الناخب الإسباني، المتعاطف مع أطروحة البوليساريو؛ - الثاني: يرفض خيار الحكم الذاتي الذي يريده المغرب، لأنه يعتبر أن استكمال المغرب لوحدته الترابية وحل مشكل الصحراء لن يكون إلا بداية لمرحلة أخرى من مطالب المغرب الترابية، أي استعادة سبتة ومليلية وبقية الثغور التي تحتلها إسبانيا. ولا زال أصحاب هذا التوجه يتحدثون إلى اليوم عما يسمونه ب«حق تقرير المصير في الصحراء»، بعض هؤلاء هم وزراء في حكومة راخوي. الموقفان، في تقديرنا، قد يطرأ عليهما تحول جوهري في ظل مطالب كتالونيا بالاستقلال، فلا يمكن لليمين الإسباني، ولكل الأحزاب السياسية التي ترفض استقلال كتالونيا، أن ترفض إجراء الاستفتاء في هذا الإقليم وتعتبر الخيار الوحيد الممكن هو الحكم الذاتي الموسع الموجود اليوم، وترفض ذلك وتنكره على المغرب، لأن هذه الأحزاب ستتناقض مع ذاتها، لذا من غير المستبعد أن تغير حكومة راخوي موقفها من ملف الصحراء لفائدة المغرب، وهنا يبدأ دور الدبلوماسية المغربية.