تعيش اسبانيا هذه الأيام على إيقاع هاجس الانفصال الذي يلوح به إقليم كتالونيا الذي يقع في الشمال الشرقي من المملكة الإسبانية.
قبل هذا، من المنتظر أن تجري انتخابات للبرلمان وحكومة الحكم الذاتي في الإقليم المذكور يوم 25 نونبر الجاري، وفي حالة نجاح هذه العملية يتم الشروع، حسب المسؤولين في برشلونة، عاصمة إقليم كتالونيا، في مباحثات مع الحكومة المركزية بمدريد من أجل الاتفاق على إجراء استفتاء تقرير المصير، على غرار ما تم بين بريطانيا واسكتلندا...
ويذهب البعض إلى القول أن نجاح هذا الاستفتاء من شأنه أن يؤدي إلى حدوث انقلاب (عسكري) في اسبانيا، بينما أعلنت المؤسسة العسكرية أنها على قدر كبير من الوعي والمسؤولية في التعامل مع الأحداث ... علما أن مدريد لم تتردد في التلويح بالاستعانة بالجيش للتدخل ...
اسبانيا بدأت تعي جيدا خطورة المناورات التي حبكتها ضد المغرب طوال أربعين سنة، وتشجيعها لبعض الانفصاليين القابعين على أراضيها من أجل استفتاء في الصحراء المغربية، فالإسبان كانوا يظنون أن مجرد سياستهم تجاه المغرب المعتمدة على الصيد في المياه العكرة سوف تجعلهم اسياد المنطقة، لكن الكاطالونيين كانوا أذكى من الحكام الإسبان عندما تلقفوا الفكرة وشرعوا في الإستقلال عن الحكومة الإسباني.
لا بد من التأكيد هنا على انعدام المقارنة بين القضية الكاطالونية والصحراوية، بمعنى أن الأقاليم الجنوبية المغربية ليست هي إقليم كتالونيا، وأن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه. هذه هي المعادلة السهلة الممتنعة التي عجز البعض عن إدراكها.
رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، أعلن أنه سيستنفد جميع سبل الحوار مع رئيس إقليم كتالونيا، أرتور ماس، بخصوص مطالبه السيادية. لكن راخوي يؤكد في نفس الوقت أنه يرفض أي "إملاءات أو أطروحات تسير ضد التاريخ والزمن." وقبله أكد الملك خوان كارلوس نفسه على ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد. والكلام موجه لرئيس إقليم كتالونيا الذي بحّ صوته من كثرة المناداة بالانفصال عن اسبانيا.
في توضيح أكثر، يقول رئيس الحكومة الإسبانية (راخوي) بأن "العالم الآن لا يسعى لإقامة المزيد من الحدود والجدران، لأن الرهان الحالي على التكامل والمساحات المفتوحة." لهذا، يطالب المسؤول الإسباني حكام إقليم كتالونيا "التحلي بالمسؤولية والعقلانية .."
كلام جميل لا شك في ذلك، لكنه لا ينطبق مثلا على الثغور التي مازالت تحتلها بلاده في بلد جار وصديق مثل المغرب، ولا حتى بالنسبة لقضية الصحراء المغربية التي يعرف الإسبان، أكثر من غيرهم، حقيقة الوضع فيها، كما يفهمون أبعاد رفع شعار الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية بالمغرب، ومن يحركه ويدعمه بالغالي والنفيس من احتياطي البترودولار من أجل إيجاد موطئ قدم على الساحل الأطلسي، ثم إن الإسبان يدركون جيدا أن المطالبة بإجراء استفتاء في الصحراء حق يراد به باطل.
الآن، تعيش اسبانيا على أعصابها بسبب الضغط الذي يمارسه عليها حكام كتالونيا المطالبين بالاستفتاء ولا شيء غير الاستفتاء. ومن سخرية الأقدار أن تجد مدريد نفسها اليوم ترفض لنفسها ما كانت، بالأمس القريب تطالب به غيرها.
من الصعب التكهن بما يمكن أن يجري غداة إجراء الانتخابات البرلمانية وإقامة حكومة الحكم الذاتي في كتالونيا. فمدريد تؤكد عدم دستورية الاستفتاء، على اعتبار أن الدعوة لإجراء استفتاء يعود للحكومة المركزية في مدريد وحدها، وأنها ستلجأ في هذه الحالة، إلى القضاء الإسباني ضد الانفصال، وبرشلونة تقول أنها ستتحول إلى القضاء الأوربي، أو حتى الدولي، للحصول على ما تعتبره حقها في الانفصال وتأسيس دولة جديدة في خصر اسبانيا الأم .
هل ستبقى كتالونيا جزءا من اسبانيا، واسبانيا ملك للكتالونيين كما قال راخوي ؟