حظي ملف "الكيف" مؤخرا باهتمام لم يسبق له مثيل من جانب عدة جهات سياسية وإعلامية وجمعوية، حيث اصبح هذا الملف من بين اهم الانشغالات المطروحة على مستوى المغرب بصفة عامة والريف بصفة خاصة في السنوات الأخيرة. فطرح زراعة " الكيف" على المستوى الرسمي اصبح محل تسابق وتنافس بين مجموعة من الاحزاب السياسية في غرفتي البرلمان ومطلبا ملحا لعدة جمعيات مدنية. فبالرجوع الى التعامل الرسمي للمخزن مع هذه النبتة منذ "الاستقلال" يتبين انها ظلت من بين اهم الوسائل (بالإضافة الى التهجير والتهريب) التي استعملها بحدة من اجل الانتقام السياسي من الريف وتهميشه خصوصا بعد الانتفاضة الريفية سنتي 1958-1959، فالهدف منها كان واضحا وهو جعل سكان الريف "معتقلين في حالة سراح مؤقت على مدى الحياة" بتهمة زراعة الكيف أو الاتجار في المخدرات، وكبح مواقفهم البطولية التي عبروا عنها في أكثر من محطة نضالية تاريخية. فعلى مدة خمسة عقود والريفي يعيش حياة الذل وحالات من الركوع امام المقدمين والشيوخ والقواد والدرك ... وتحت" رحمتهم". كما يعتبر هذا الملف من النقط التي استعملها المخزن على مدى عقود من الزمن من اجل طلب الدعم و "التسول" لدى الاتحاد الاوربي. فبفضله جلب المغرب ملايين الدولارات من اوربا بدعوى القضاء على هذه النبتة، وهي المبالغ المالية المهمة التي تم تهريبها إلى المثلث المخزني المحظوظ " فاس- الرباط- الدارالبيضاء، في الوقت الذي بقيت فيها منطقة الريف تكتوي بنار التهميش والإقصاء والعزلة... اما من الناحية الاقتصادية، وان كان الممتهنون لزراعة "الكيف" أو الاتجار فيه جلبوا اموالا طائلة من أنشطتهم التى كانت لها اثر ايجابي على تحسين وضعيتهم المادية والمالية، إلا ان الاشكالية المطروحة في هذا المجال هي مدى استفادة المنطقة من زراعة "الكيف"؟ بصيغة اخرى هل "الكيف" كانت له آثار سلبية ام ايجابية على منطقة الريف؟ فمن المعلوم ان نبتة "الكيف" يستخرج منها عدة مواد تصنف في خانة المخدرات، ويبقى مخدر " الشيرا" اهم هذه المخدرات الذي يتم ترويجها والاتجار فيها داخل وخارج المغرب من طرف شبكات وأباطرة وطنية وعبر- وطنية، حيث يتم جلب من خلالها اموالا طائلة ولكنها تبقى غير مشروعة ومحرمة، باعتبار ان الاتجار في المخدرات يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ومن أجل إضفاء الشرعية عليها غالبا ما يلجئوا تجار المخدرات إلى عملية تسمى غسيل الأموال أو ″ تبييض الأموال″، وذلك بهدف اخفاء او تمويه مصدرها، والتي تعتبر بدورها جريمة بمقتضى المادة(6) من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (2000)، و الفصل 574-2 من قانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسيل الاموال. ان الاموال الموجهة الى عملية الغسيل تكون لها ابعاد جد خطيرة على المجتمعات التي توجد بها خاصة اذا كان مستواها مرتفعا قياسا للناتج الداخلي المحلي كما هو الشأن في منطقة الريف التي تعاني منذ عقود من الزمن من تلك الآثار السلبية التي يمكن اجمالها في ما يلي : * الأثر على المستوى الاقتصاد المهيكل: إن الأنشطة المرتبطة بالمخدرات تدخل في إطار الاقتصاد الغير المهيكل وفي الأنشطة الغير المشروعة، وانتشارها بشكل كبير في المنطقة يساهم في خلق منافسة غير مشروعة مع الاقتصاد المهيكل الذي يتجلى في المشاريع التي تكون رأسمالها أموال مشروعة ويؤدي اصحابها الضرائب ويصرح بالعاملين للضمان الاجتماعي، وهذا ما يفسر هروب المستثمرين من الريف خاصة الاجانب منهم لأنهم لا يستطيعون مواجهة ومنافسة الاقتصاد الغير المهيكل، ولن يغامروا بمشاريعهم في منطقة تعرف انتشارا مكثفا للاقتصاد الغير المهيكل. الشيء الذي ساهم في انتشار البطالة فيها بنسبة مرتفعة مقارنة مع باقي المناطق لان فرص الاستثمار فيها قليلة. - الأثر على المستوى الماكرو- اقتصاديmacro- économie : بحيث يهم مستويات الإنتاج والاستهلاك وإعادة توزيع الدخل والاستثمار، بحيث وجود السيولة النقدية المرتبطة بالمخدرات بكثرة في المنطقة مقارنة مع نسبة الإنتاج يؤدي إلى التضخم الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض قيمة النقد نتيجة تزايد الطلب على السيولة وبالتالي ارتفاع الأسعار، وهذا ما يفسر ارتفاع الاسعار الذي تعرفه المنطقة ( العقار، المواد الاستهلاكية...) مقارنة مع المناطق الاخرى . ومن جهة أخرى فكلما تأثرت الأموال المرتبطة بتلك الأنشطة بحملة من الحملات إلا وتقلصت السيولة في المنطقة ومن ثم مجموعة من الأنشطة المرتبطة بها، مما ينتج عنه ركودا اقتصاديا، والكل يتذكر الحملة( تصفية الحسابات) التي شنتها وزارة الداخلية على أباطرة المخدرات في الريف سنة 1996 والتي أثرت بشكل سلبي على المنطقة خصوصا على التشغيل . كما أن الحملة التي تمت فيما يعرف بقضية ″ابن الويدان″ قد كان لها اثر سيئ على طنجةوتطوان والريف بصفة عامة، وعرفت المنطقة ركودا واضحا. لان المشاريع المرتبطة بالمخدرات لا تشكل اساسا مهما لاقتصاد المحلي. * الأثر على مردودية الأسواق ومردودية العمل كعامل من عوامل الإنتاج: إن أباطرة المخدرات غالبا ما يستثمرون أموالهم في مشاريع لا يكترثون بدرجة أولى بعائد استثماراتهم وأموالها بقدر ما يهمهم إضفاء الشرعية على أموالهم، وهذا الأمر هو الذي جعل كثير منهم يضخون أموالا طائلة في مشاريع يجمع الجميع على أنها غير مربحة، وهذا يتجلى بالخصوص في مجموعة من محطات البنزين الموجودة بالريف وكذا المقاهي من الطراز الرفيع وعدة مخادع هاتفية ومقاهي للانترنيت. فمن خلال الاتجاه إلى هذه المشاريع نكتشف بان مالكيها لا يكون هدفهم هو الربح بقد ما يكون إضفاء الشرعية على أموالهم، وهذا ما يؤثر سلبا على المستثمرين الحقيقيين الذي لا يمكنهم منافسة هؤلاء والمغامرة بمشاريعهم في المنطقة وبالتالي يتجهون إلى الجهات الأخرى. * الأثر على ارتفاع الأسعار: إن تجار المخدرات بالمنطقة غالبا ما يتجهوا إلى مشاريع سريعة الربح كالعقار التي لا تحتاج بالضرورة المرور عبر الفاتورات والشركات المسجلة، بل تكفي فيها العقود العدلية والأداء النقدي، بعيدا عن أعين المراقبين والمتتبعين، وبالتالي نجد اثمنة العقار في الريف جد مرتفعة بنسبة أربعة أضعاف مقارنة مع الجهات الأخرى، الشيء الذي يستحيل معها للطبقة الضعيفة والمتوسطة الحصول على سكن لائق، مما سبب في ارتفاع نسبة الهجرة من الريف إلى المناطق الأخرى، وبالتالي تفقد المنطقة كثيرا من مواردها البشرية التي تعتبر اساس لكل تنمية. والشيء الخطير في هذا المجال هو أن مافيا المخدرات زحفوا إلى اغلب الأراضي الفلاحية والغابوية الموجودة بالريف( سهل النكور مثلا) مما يؤثر سلبا على التنمية المستدامة بالمنطقة . ويمكن أن نقيس على هذا المنوال أثمنه المواد الأخرى حيث أن آليات السوق لا تلعب في مثل هذه الحالات، فكيف أن توجد بمدينة الناظور مثلا سيارات فارهة- يفوق ثمنها المليون درهما- تخرج من توها من معامل ألمانيا، بينما لا تجد عدد مماثلا لها في ألمانيا نفسها الذي يضاعف مستوى العيش فيها ست مرات مثيله بالريف. * الأثر السيئ على قيمة العمل: إن انتشار أموال الغير المشروعة بكثرة بالريف أدى إلى خلق فئة من الريفيين لا تقنع بالأجر القليل، فالذي يشتغل في زراعة الكيف اوفي تجارة المخدرات ويربح الكثير لا يمكنه أن يرجع إلى العمل بأجر 60-90 درهم في اليوم مثلا. ولعل هذه العقلية من بين المؤثرات الحقيقية على ثمور ثقافة العمل في كثير من أوساط الشباب الباحثين عن الربح السريع. وكل هذا ساهم في انسحاب فئة من الطبقة المنتجة إلى الخلف حيث أصبحت طبقة غير منتجة تعيش على الإنتظارية والبحث عن الربح السريع وعلى المساعدات التي تأتي من عائلاتهم التي تشتغل في هذا المجال. كما أن ارتفاع أسعار العقار و المواد الاستهلاكية ساهم في الخلل وعدم التوازن بين الطبقات الاجتماعية بالريف، ونجد أن الطبقة المتوسطة التي تلعب دور محوري في دورة الاقتصاد وفي التوازن بين الطبقات الغنية والفقيرة قد تقلصت بشكل كبير في اتجاه الطبقات الضعيفة. * الأثر على تفشي الظواهر المرضية في المنطقة كارتفاع الرشوة والزبونية....فتجار المخدرات لا يتراجعون أمام أي عوائق ومصاعب، فالمال بالنسبة إليهم هي السبيل إلى كل شيء سواء كان قانونيا أو محرما. فحسب إحصائيات تفشي ظاهرة الرشوة في المدن المغربية تأتي مدينة الناظور في المرتبة الأولى ثم طنجة، تطوان، الحسيمة،...وبالتالي ليس هناك سبيل لبناء اقتصاد واستثمار حقيقي في المنطقة في ظل انتشار هذه الآفات الخطيرة. * الأثر على تشويه العمل السياسي في المنطقة: منذ "الاستقلال" ولوبيات المخدرات هي التي تتحكم في القرار السياسي في الريف وهي التي تكون جميع المجالس المنتخبة والتمثيلية، وهي التي تمول احزاب سياسية وحملاتها الانتخابية. فأكثر من 90 في المائة من الاصوات الانتخابية التي يحصل عليها هؤلاء الأباطرة تأتي عن طريق شراء الاصوات او عن طريق تخويف او تهديد المزارعين، وغالبا ما يكون هدفهم الحقيقي هو الحصانة البرلمانية ونسج علاقات مع المسؤلين في الرباط عوض التفكير في تنمية المنطقة. خلاصة القول، ان تشجيع زراعة الكيف في شكلها الحالي ما هو إلا وسيلة استخدمها النظام المخزني للتحكم الامني في الريف وجعل ابنائه تحت الحراسة الامنية، وان كانت هذه الوسيلة قد أغنت بعض أبناء المنطقة، إلا أنها ساهمت في تهميش وعزلة الريف وتشويه سمعة أبنائه. ولهذا يبقى المدخل الاساسي لتجاوز الاشكالات السابقة هو اصدار قانون يقنن زراعة هذه النبتة ويحدد مجالات استعمالاتها وطرق زراعتها وتسويقها. ان مطلب تقنين نبتة الكيف، اصبح مطلبا آنيا وجوهريا لساكنة الريف، ولكنه بعيدا عن الاستغلال السياسوي لهذا المطلب، وبعيدا عن مقايضة طموحات وآمال ساكنة تريد التحرر من جشع و تسلط المخزن بحسابات انتخابوية موسمية ضيقة. فأبناء الريف يعرفون جيدا نوايا بعض الأحزاب السياسية و المنتخبين الذين سالت لعابهم في السنوات الاخيرة امام الاصوات الانتخابية الموجودة بالمنطقة. ويعرفون جيدا ماذا قدمت هاته " النخبة" للمنطقة، والتي لا تريد ان تستحيي من الوضع الذي آلت اليها المنطقة من حيث البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية والشروط الضرورية للعيش الكريم، فهي المنطقة التي تلجها خصيصا في اوقات الحملات الانتخابية من اجل شراء ذمم وكرامة ساكنتها. فبشأن هذا التقنين ان تصبح نبتة "الكيف" أهم الثروات التي سيعتمد عليها اقتصاد المنطقة واقتصاد المغرب بصفة عامة، بحيث ستساهم في التنمية الفلاحية و التجارية والسياحية. مما سينعكس ايجابا على المستوى الاجتماعي، وسيقلل من نسبة البطالة المتفشية بنسبة كبيرة في المنطقة، وسيحرر وسيبرئ الريفيون من التهمة التي لازمتهم طوال عقود من الزمن، حتى يتسنى لهم التعبير عن موقفهم الحقيقي في اتجاه من استفاد من الوضع القائم ويريد ان يضل قائما. - محمد الغلبزوري / طالب باحث في سلك الدكتوراه. - المراجع المعتمدة: 1- محمد نجيب بوليف: الآثار الاقتصادية لغسيل الاموال، مجلة مسالك، العدد 7-2007. 2- قانون الرشوة وغسل الاموال، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 181، الطبعة الاولى 2007.