برزت مؤخرا – بشكل لم يسبق له مثيل – إشكالية الدفاع عن مصالح فئة مزارعي الكيف و أسرهم، و كذا ضرورة التعامل الشفاف والعلني مع واقع الحال هذا الذي ظل التعامل معه بشكل غامض وغير واضح حسب الظرفية والمزاج أحيانا كثيرة مما ساهم في تقوية لوبيات ومافيات وتكريس الفساد في صفوف جملة من المسؤولين في أكثر من مجال. حاليا نعاين طرح الإشكالية خصوصا من جانب ما يرتبط بالاستعمالات الايجابية للنبتة الكيف، والوضعية الاجتماعية والاقتصادية لمزارعيه وأسرهم، ومعاناتهم مع المتابعات القضائية وإملاءات جملة من الفاسدين الذين ظلوا يعتبرون هذا المجال سبيلا للاغتناء السريع ومراكمة الثروة. اهتمام متصاعد بالإشكالية وإن كان من منطلقات متباينة اهتم مؤخرا بهذه الإشكالية سياسيون وجمعويون ومهنيون. فقد تم تنظيم لقاءات عديدة بهذا الخصوص بين أطراف من هذه المكونات، وبرزت في هذا المضمار تحركات كل من حزب الأصالة والمعاصرة والائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي و الصناعي للكيف، وبعض السياسيين من أمثال حميد شباط المعروف بخرجاته غير المنتظرة ومواقفه الطارئة على حين غرة. كل هذه الأطراف كادت تجمع على اعتماد استراتيجية توريط البرلمان بهذا الخصوص: صياغة سياسة ناجعة وعادلة في مجال تدبير زراعة واستغلال نبتة الكيف. كما ظهر أكثر من مؤشر يفيد انخراط حزب العدالة والتنمية ضمن الدينامية الرامية إلى إيجاد حل قانوني و واقعي لوضعيات مزارعي الكيف وأسرهم، وكذا دعم نواب العدالة والتنمية للنقاش المفتوح بخصوص استثمار الكيف لأغراض طبية وصناعية. فقد سبق لحميد شباط أن دافع عن زراعة الكِيف في خطاب له بمدينة تطوان وطالب بقوانين تشرّع زراعة الكيف بالمغرب. كما اقترح أن ينظم مزارعو الكيف أنفسهم وينخرطوا في نقابة. في حين دعا الاتحادي، طارق القباج، إلى تقنين زراعة الكيف وإنشاء تعاونيات فلاحية تضم المزارعين لهذه المادة وإدخال زراعة الحشيش ضمن خطة المخطط الأخضر لوزارة الفلاحة، فيما انتقد رئيس الفريق الاستقلالي ، نور الدين مضيان، تعامل السلطات مع الفلاحين الذين يتعاطون لزراعة الكيف التي تعيش منها مناطق بكاملها وقدر عدد المغاربة الذين يعيشون من هذه الزراعة بمليوني نسمة، مشيرا إلى أن الأباطرة هم المستفيدون من هذه الزراعة فيما المزارعون يعانون، ودعا إلى تقنين الزراعة واستعمال النبتة في المجال الطبي والصيدلي ومعاقبة من يستعملها في التخدير أو أن يتم منع هذه الصناعة بشكل مطلق. ولعل أبرز موقف في هذا الصدد التصريح المنسوب لوزير التعليم العالي في حكومة حزب العدالة والتنمية لحسن الداودي لما قال إن مادة القنب الهندي "الكيف" ثروة وطنية ينبغي استغلالها ، مضيفا أن قيمة هذه المادة تظهر على مستوى الأدوية والبحث العلمي، وهو ما يتطلب القيام ببحث عميق في هذا المجال ، مشيرا إلى وجود 4200 نوع من النباتات في المغرب لا يستغل منها إلا اقل من 200 نوع، مؤكدا في نفس السياق أن جهة تاونات تبقى من بين المناطق المغربية الغنية بالنباتات الطبيعية، ولو تم استغلالها لما كان هناك فقر بالمنطقة. إنها دعوة لإعادة النظر في طريقة التعامل مع ملف زراعة الكيف ، دعوة تنضاف لدعوات أخرى من أكثر من مسؤول وبرلماني ، تشكل نداء لفتح باب الأمل أمام ساكنة تربت بين أحضان طبيعة تنتج "ذهبا أخضر" وإن كانت استفادتهم منه تبقى محدودة إلى حد كبير، فهناك مناطق تاريخية، لطالما شكل منتوجها قوة اقتصادية وازنة، فمنطقة كتامة التي تطور الفلاحون بها نتيجة هذه الزراعة، بنيات اجتماعية مختلفة، ما يجعل من الصعب الحديث عن زراعات بديلة، أو منع زراعة القنب الهندي، لتصبح الظاهرة بنيوية أكثر منها مؤسساتية. وظلت الحكومة تتعامل مع هذا النوع من المطالب باستخفاف واضح المعالم، إذ أثارت ضحك وزير الداخلية امحند العنصر والوزير المنتدب، الشرقي اضريس... أرضية شكيب الخياري لقد سبق للناشط الحقوقيّ شكيب الخياري، عضو الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، أن أعدّ بدعم مجموعة من الشركاء، أرضية بعنوان "نموذج مشروع قانون لتقنين زراعة واستغلال الكيف الطبي والصناعي". وجاءت هذه الأرضية بعد خروجه من السجن – حيث كان قد أدانه القضاء ب 3 سنوات سجنا نافذا على خلفية تهمة تسفيه مجهودات الدولة في محاربة المخدّرات، أمضى منها سنتين ونيف قبل أن ينال عفوا خاصّا في عزّ الحراك المغربي- وبعد الحرب التي انخرط فيها ضد الاتجار غير المشروع بالمخدرات، خاصة بعد زيارته لكتامة في صيف 2007 للتعرف عن حقيقة المعاناة التي يعيشها مزارعو الكيف وأسرهم بالمنطقة، تحت نير وقهر بارونات المخدرات بدعم من عناصر أمنية و شخصيات نافذة. ويؤسس شكيب الخياري أرضيته على الفكرة التالية : إن تقنين زراعة و استغلال نبتة الكيف تنسجم و نصوص إعلانات ومعاهدات واتفاقيات الأممالمتحدة، سواء تلك التي صادق عليها المغرب أو التي لم يصادق عليها بعد. واقع الحال من المعلوم أن المغرب ظل ينهج سياسة منع زراعة و استغلال الكيف، بصدور ظهير 24 أبريل 1954، دون أن يراجع سياساته بعد الاستقلال، وذلك بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي تفرض معايير جديدة في التعامل مع زراعة واستغلال النباتات التي تنتج منها المخدرات الخاضعة للمراقبة الدولية، وعلى رأسها الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961. قد طرحت هذه الأرضية كبديل واقعي للاتجار غير المشروع في الكيف و مشتقاتها، بعد ثبوت عدم جدوى الحرب عليها من لدن الدول بتوجيه من الأممالمتحدة و الإتحاد الأوروبي، و هي الحرب التي ثبت لاحقا، حتى بالنسبة لعدد مهم من دعاتها، أنها كانت حربا خاطئة من أساسها، حيث لم تزد سوى في معاناة مزارعي الكيف و أسرهم، وزادت من سوء وضعهم الاقتصادي و الاجتماعي في تناقض تام مع سياسة محاربة الهشاشة و الفقر التي تعلن الدول والمؤسسات الدولية عن تبنيها كأولوية. إن الأمر يتعلق بشريحة كبيرة من ساكنة الشمال المغربي والتي تنشط في زراعة الكيف ولا تعرف نشاطا آخر غيره ، وبالتالي فالمنع يعني قطع أبواب الرزق بالنسبة لهم. وقد أقر المغرب رسميا منذ سنة 2004 استراتيجية وطنية لمحاربة المخدرات، تعتمد على جانب زجري يتمثل في محاربة هذه الزراعات بالقوة ، خاصة بمناطق الريف والشمال، وإيقاف المتاجرين فيها، لكنها تعتمد في شقها الثاني على البعد التنموي التحسيسي من خلال إقرار خطة لتنمية المناطق التي تنتشر فيها زارعة الكيف وتحسيس ساكنتها بأخطارها الجسيمة. وبذل المغرب جهودا كبيرة منذ نهاية 2003 لمحاربة زراعة هذه النبتة سواء بحرق المحاصيل أو اقتلاع النبتة قبل نموها أو رشها بمواد سامة وكذلك سجن عدد من الفلاحين وتجار المخدرات. وفي سنة 2009 انخفضت المساحة المزروعة من القنب الهندي إلى 56 ألف هكتار في حين انخفض إنتاج خلاصة هذه النبتة المخدرة إلى أقل من 500 طن. ومنح الإتحاد الأوروبي المغرب في عام 2008 امتياز " الوضع المتقدم " كما جاء على رأس المستفيدين من مساعدات الإتحاد في عام 2009 بأكثر من 290 مليون يورو. وبالفعل، انطلق مسلسل الزراعات البديلة بإقرار تعويضات مالية لكل مزارع وكانت وزارة الداخلية قد اقترحت على المزارعين إقامة زراعات بديلة مقابل 12 مليون سنتيم لكل مزارع، غير أن هذا المبلغ اعتبره المزارعون غير كاف من أجل إقامة زراعات أخرى أو التخلي نهائيا عن زراعة "الكيف"، وإقامة مشاريع أخرى مدرة للدخل، وذلك نظرا للوضعية الاجتماعية الصعبة التي يعيشونها في تلك المناطق النائية. لكن بمجرد إقرار هذا الإجراء انطلقت عمليات محاربة هذه الزراعة بالقوة من خلال تجريف الحقول أو إحراق العشبة قبيل موسم النتف وتراكمت الملفات المعروضة على القضاء بتهمة زراعة الكيف، وتضاعف عدد المبحوث عنهم من الرجال ليناهز أكثر من مائة ألف مطلوب وأصبح الريف المغربي يعيش حالة احتقان حقيقية تنذر بالأسوأ ما لم تنتهج الدولة مقاربة جديدة في التعامل مع هذا النوع من الزراعة، ولعل هذا ما يفسر بروز أصوات وسط الطبقة السياسية والمثقفين والمجتمع المدني ، تنادي بضرورة إطلاق الدولة لحوار وطني حول الموضوع مع إجراءات أكثر جرأة عوض الاختباء وراء مطالب دول الاتحاد الأوربي والمنظمات الدولية التي مافتئت تصدر تقارير سوداء عن المغرب في مجال زراعة المخدرات ، وهو ما يشكل ضغطا نفسيا حادا تترجمه السلطات المغربية إلى حملات موسمية ضد المزارعين بالأساس، خاصة عند انطلاق الموسم. وكانت أول دراسة عن زراعة القنب الهندي في المغرب صدرت عن مكتب الأممالمتحدة في العام 2003 أكدت أن المغرب أول منتج عالمي للكيف. وجاء في التقرير أن عدد الأسر التي تزرعه حوالي 96 ألف أسرة بمعدل 66 في المائة من مجموع 146 ألف أسرة من مزارعي منطقة الشمال المغربي و6.5 في المائة من مليون و496 ألف فلاح مغربي. وفي حين لا يجني من زراعته الفلاحون سوى 214 مليون دولار قدرت الدراسة رقم المعاملات لسوق القنب الهندي في أوروبا الذي مصدره المغرب بنحو 12 مليار دولار. وتضغط دول الإتحاد الأوربي على المغرب لمحاربة هذه الزراعة وتصديرها لدول الإتحاد حيث يعتبر الحشيش المغربي الأكثر رواجا في أوروبا .