خلال الوهلة الأولى من اطلاعي على تصريح الأستاذ عصيد، بخصوص علاقة العرب بالأمازيغ، وبالتالي، حول كيفية دخول العرب إلى شمال أفريقيا عامة، وإلى المغرب الأقصى خاصة، راودتني جملة من الأسئلة بشأنه (= التصريح )، ومنها الأسئلة التالية : ماذا أصاب أحمد عصيد ؟ كيف يصرح الرجل بهذه الأمور المنافية للحقيقة التاريخية ؟ وما هي الجهات التي يروم المتحدث (عصيد) إرضائها بهذا التصريح المتناقض مع مواقفه السابقة بخصوص نفس الموضوع؟ هذه نماذج من الأسئلة الاستفسارية الصارخة التي بادرت إلى دهني خلال قراءتي لتوهمات عصيد بشأن موضوع هذا المقال/ الرد ؛ وهي أسئلة تأتي في سياق التصريح الذي أدلى بها (عصيد) على هامش أشغال الندوة التي عقدت يوم الأربعاء الماضي بالرباط تحت عنوان" هل تكفي دسترة الأمازيغية لبناء الميثاق الاجتماعي "، حيث نفي فيه ( التصريح) عصيد وجود استيطان عربي في المغرب، مؤكدا في ذات الوقت أن العرب جاءوا إلى المغرب بناءا على إرادة الأمازيغ وطلبهم، وبالتالي، فإنهم جاءوا بلا سيف ولا حروب تذكر. هذا ما صرح به عصيد خلال الندوة المذكورة أعلاه (1) . ونحن، بدورنا سنحاول في هذا المقال المتواضع أثبات العكس؛ أي أثبات أن شمال أفريقيا والمغرب عرف بالفعل استيطان العرب وقيام حروب ومواجهة طاحنة بين العرب والأمازيغ كما تزخر بذلك مختلف المصادر التاريخية (2). فالدراسات التاريخية التي تناولت هذا الموضوع؛ أي موضوع الغزو العربي الإسلامي لشمال أفريقيا والمغرب، تذكر لنا عددا هائلا من الأمثلة التي تؤكد عكس ما صرح به عصيد.(3) ورفعا لكل لبس وتفاديا لتأويلات خصوم الحركة الأمازيغية ؛ المغرضة والسلبية، نود في مستهل هذا المقال، التوقف أولا عند نقطتين أساسيتين فيما نحن بصدد توضيحه هنا : النقطة الأولى: هي أننا عندما نشير ونؤكد على وجود استيطان عربي في شمال أفريقيا مع بداية انطلاق أولى الحملات( السرايا) العربية الاستعمارية نحو شمال أفريقيا ، أو عندما نقول أيضا بأن علاقة العرب بالأمازيغ هي علاقة المغزو للغازي حسب تعبير الباحث والمفكر الأمازيغي محمد شفيق ، خاصة في مراحلها الأولى، فأننا لا نسعى بذلك إلى أثارت الأحقاد والكراهية بين العرب والأمازيغ أطلاقا، وإنما غايتنا الوحيدة، والأخيرة، هي معرفة الحقيقة أولا. وثانيا نروم الإسهام– قدر المستطاع - في نفض الغبار عن صفحات هذه الحقبة المحورية في تاريخنا الوطني، وبالتالي، العمل على نشرها بين الجمهور المغربي العريض قصد معرفة تاريخه الموغل في الماضي، حيث أن تسمية الأشياء بمسمياتها، و تقديم الوقائع التاريخية كما هي بلا تجميل أو تشويه هو الكفيل الوحيد لخلق الوعي التاريخي للفرد المغربي. والثانية ( النقطة الثانية) هي أن عصيد بنفسه يقر بالغزو العربي لشمال أفريقيا والمغرب، وبالتالي، فإنه يقر عمليا بوجود صراعات وحروب طويلة بين العرب والأمازيغ ؛ أي انه يقر تماما عكس ما جاء في تصريحه الأخير، المستفز للحقيقة التاريخية . ففي كتابه الشيق " الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي " نقرأ ما يلي " لقد اتجه العرب إلى غزو شمال أفريقيا، كان الشعار دينيا هو (( جعل كلمة الله هي العليا ))، غير أن الوقائع والأحداث ستبين أن الهدف لم يكن يتجاوز احتلال الأرض واسترقاق أهلها وانتهاب خيراتها ..))(4) ، وفي نفس السياق أضاف يقول " وسرعان ما تحولت انتفاضة الأمازيغ ضد الولاة والعمال إلى ثورة عارمة على الحكم الأموي بأكمله، فخلعوا الخليفة وبايعوا زعميهم ميسرة المطغري كخليفة.(5) وبناءا على هذه المعطيات الموضوعية ، لا ندري، صراحة، كيف انقلب عصيد مائة وثمانين درجة دفعة واحدة من موقفه السابق (القديم)، العلمي والتاريخي، إلى موقفه الجديد، الخطير والغير المنتظر منه نهائيا، وبالتالي، فأننا لا ندري في أي أطار يمكن إدراجه، خاصة إذا عرفنا أن الرجل ( عصيد) اعتمد في صياغة موقفه الغريب هذا على حدثين تاريخيين فقط ، الأول هو حكم الموحدين حيث قال في هذا الصدد " أن الملك الموحدي يعقوب المنصور هو من ادخل القبائل العربية وإعطائها الأراضي واسكنها ولم يأتي العرب غزاة واستولوا على ارض الأمازيغ.. ". والثاني هو سقوط الأندلس حيث استقبال الأمازيغ العرب العائدين من الأندلس حسب ما جاء في تصريح عصيد، السالف الذكر. طيب، إذا كان الأمر على هذا النحو في مرحلة يعقوب المنصور، وفي مرحلة سقوط غرناطة( الأندلس) كذلك، فماذا وقع قبل هاتين المرحلتين السي عصيد ؛ أي ما بين سنة 647 ميلادية ( بداية الغزو العربي لشمال أفريقا) و سنة 1184 ( فترة بداية حكم يعقوب المنصور) ؟ وإذا كان الأمازيغ هم من جاءوا بالعرب، فلماذا تعتبر العرب غزاة ومحتلين كما نقرأ ذلك في كتابك المذكور أعلاه ( الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي) ؟ ما هذا التناقض السي عصيد؟ وللاشارة، فمن المفيد في هذا السياق معرفة مثلا : لماذا جاء الأمازيغ بالعرب؟ وما هو الهدف ؟ وبأية صفة جاءوا ؟ هل بصفة محاربين أم عمال ؟ وكيف جاءوا بهم ؟ وكم بلغ عددهم ؟ فابن خلدون مثلا يصف طريقة دخول القبائل العربية إلى شمال أفريقيا على النحو التالي " تقاسم أعراب هلال و سليم أعمال التخريب، فانقضت بنو سليم على مدن ليبيا الشرقية ( برقة و سرت و أجدابيا) و خربتها عن آخرها، و كذلك فعل بنو عمومتهم الهلاليين بالقيروان و هي جوهرة مدن المغرب، و بقلعة بني حماد، و استحكمت فيهم شهوة القتل فأوغلوا في الدماء و احتلوا البوادي و قسموها بين بطونهم و حاصروا المدن و كمنوا الطرق بينها فلا يكاد يخرج منها أهلها إلا حصدتهم سيوف الأعراب و رماحهم, "ولم يبق اٍلا شرهم ممتدا وفسادهم على مر الزمان والدهور" . وفي نص تاريخي آخر نقرأ أيضا " ووصلوا ( = بني هلال) إلى أفريقيا عام 443 ه – 1050م ، وتصدى المعز للهلاليين بجيش قوامه ثلاثون ألف جندي وفارس، فاشتبك مع عشائر رياح وزغبة وانهزم جيش المعز أمام هذا الطوفان البشري القادم من مصر ". وفي ثنايا نفس المقال نقرأ كذلك " وانطلق بنو هلال فانتشروا في تونس وباجة وعنابة وتسبة وقسنطينة وقدر عددهم باريعمائة ألف نسمة ". ( انظر مقال " الخلفية المستنصر أرسل القبائل العربية للمغرب للانتقام من الدولة الصنهاجية " منشور على الموقع التالي www.yoo7.com ( والجدير بالذكر أيضا أن الموحدين حكموا مابين سنة 1124 و1269 م، وأبو يوسف يعقوب المنصور، المعروف ب " يعقوب المنصور " استولى على الحكم 1184 – 1199 م، أما سقوط الأندلس فكان سنة 1495 ميلادية، بينما الغزو العربي لشمال أفريقيا كان مع بداية تولى عثمان بن عفان الخلافة، وتحديدا سنة 27 هجرية ( 647 م) ، وبالتالي، فالأستاذ عصيد يتحدث في تصريحه الأخير عن مرحلة متقدمة جدا من تاريخ التواجد العربي قي شمال أفريقيا والمغرب، ولا يتحدث عن المرحلة الأولى لبدء علاقة العرب بالأمازيغ، وبالتالي، فهو يمزج بين مرحلتين مختلقتين كليا، سواء من ناحية الظروف والسياقات أو من ناحية تطور العلاقة الثانية بين الأمازيغ والعرب. وحول هذا الموضوع بالذات يقول الأستاذ موسى أغربي في مقال له تحت عنوان " تاريخ الأمازيغ من وجهة نظر شرقية " ما يلي (( حينما يتحدث كثير من المشارقة عن غزو شمال أفريقيا من لدن القبائل العربية في القرن السابع الميلادي؛ وما أفضى إليه من الاسلمة " والتعريب"، فإنهم يخلطون- على الرغم من أنف ابن خلدون – بين هذه الموجة الأولى من الاجتياح، والموجة الثانية في القرن الحادي عشر الميلادي على يد أعراب بدو من بني هلال وبني سليم .." (6) . معطيات تاريخية حول الموضوع: ومن المعلوم أن الغزو العربي الإسلامي لشمال أفريقيا كان بعد تولى عثمان بن عفان دفة الحكم بعد اغتيال عمر بن الخطاب، حيث عين الخليفة الثالث ( عثمان) سنة 25 هجرية أخا له من الرضاعة يدعى بعبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري وليا على مصر بعد عزله لعمرو بن العاص، وبعد سنتين تقريبا من هذا الحدث ؛ أي سنة 27 هجرية( 647 م) ، سيتم تجهيز قوة هائلة لغزو شمال أفريقيا تحت قيادة هذا الوالي الجديد، حيث وضعت تحت إمرته ؛ أي عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، حوالي عشرين ألف مقاتل لغزو افريقية، علاوة على فتيان بني هاشم وجمع كثير من بني أمية فيهم مروان بن الحكم، كما أن الخليفة ( عثمان) قدم ألف بعير لحمل ضعفاء الناس ، هذا ما تقدمه لنا النصوص التاريخية الحديثة (7) . هذا النص التاريخي، الذي بين أيدينا واضح جدا، كوضوح الشمس في النهار، وبالتالي، فإنه لا حاجة إلى تأويله أو مجادلته، إذ يكشف بنفسه عن حقيقة العلاقة التي كانت بين العرب والأمازيغ خلال بدايتها، أو بصيغة أدق، النص يكشف لنا كيف بدأت علاقة العرب بالأمازيغ، فإلى جانب القوة العسكرية التي قدرت بحوالي عشرين ألف مقاتل ( جندي)، كان هناك أيضا عدد هائل من العرب الغير المقاتلين ؛ أي مجرد مواطنين، هذا ما يقوله التاريخ وليس كاتب هذه الكلمات، فهل يستطيع الأستاذ عصيد أن يفسر لنا كيف يمكن تفسير عملية نقل (= حمل) المواطنين العرب من موطنهم الأصلي إلى شمال أفريقيا ؟ وما هو الهدف من ذلك؟ وما هو دورهم في هذه العملية العسكرية الأولى من نوعها للعرب في شمال افريقيا ؟ بعبارة أخرى، كيف نفسر استقدام مواطنين عرب، بما فيهم الضعفاء، إلى شمال افريقيا في أول حملة عسكرية للعرب تجاه منطقة شمال افريقيا؟ أليس هذا استيطانا ؟ وفي سنة 40 هجرية(660 م) سيواصل العرب حملاتهم العسكرية في اتجاه شمال افريقيا والمغرب، حيث سيوجه معاوية بن أبي سفيان عشرة آلاف مقاتل (عسكري) إلى أفريقيا بقيادة معاوية بن حديج، مرورا بغزوة عقبة بن نافع الذي قتله الزعيم المغربي كسيلة سنة 63 هجرية ، ومن المعلوم أن عقبة تولى غزو المغرب مرتين، الأولى كانت سنة 50 هجرية، والثانية كانت 62 هجرية. وهكذا استمر الأمر حتى تمكن العرب من بسط سيطرتهم الشاملة على شمال أفريقيا والمغرب بعد أزيد من خمسة عقود من الحروب والثروات ضد الاحتلال العربي لشمال افريقيا (8)، وخلال هذه الفترة كلها خاض الأمازيغ حروب طاحنة ضد العرب نتيجة الفساد والظلم الذي مارسه العرب المسلمين؛ خاصة في عهد الأمويين، حيث " تعصب بني أمية للعرب ضد البربر سكان البلاد الأصليين، ورغم اعتناق البربر الإسلام لم يحظوا بالمساواة مع العرب فاعتبروا موالى وحرموا من حقوقهم في المغانم والفىء رغم اشتراكهم في الحروب التي قام بها ولاة المغرب في جزر المتوسط وبلاد الأندلس (9)؛ وهو الأمر الذي قاد الأمازيغ إلى إعلان التمرد والكفاح المسلح ضد عنصرية الأمويين (10) وفي نهاية هذه المقالة، تجدر الإشارة إلى أن المستوطنين العرب الذين رافقوا القوات العسكرية عبر مختلف مراحل غزوها لشمال أفريقيا والمغرب، ابتداء من عهد عثمان بن عفان سنة 27 إلى عهد موسى بن نصير سنة 86 هجرية (705 م) ، لم يرجعوا قط إلى وطنهم الأصلي حسب المؤرخ الفرنسي " كوتييه – GAUTLER حيث قال " أن هؤلاء العرب كانوا عزابا، وأما دمائهم فكانت مختلطة بفعل الزواج وتأسيس الأسر، بعد أن استقروا في شمال أفريقيا وصاروا جزء من أهله، وقد أصبحوا يسمون " العرب الفارقة " و" العرب البلديون " (11). محمود بلحاج:لاهاي/ هولندا للتواصل: [email protected] بعض الهوامش 1: انظر تفاصيل التصريح على الموقف التالي:www. Dalilrif.com أو انظر التقرير (المقال) الذي كتبه المدعو محمد الراجي تحت عنوان " عصيد: العرب لم يدخلوا بالقوة ووجدوهم ليس احتلالا "، المنشور في هسبريس يوم 24 أكتوبر 2013 . 2: انظر مجلة الهوية العدد الخامس عشر، عدد خاص حول " الإسلام والأمازيغ " من أعداد وتقديم المرحوم صدقي علي أزايكو – إصدارات دار أبي رقراق لطباعة والنشر 3: المرجع السابق مجلة الهوية 4: انظر ص 27 من الكتاب المذكور في المقال – الطبعة الثانية 2000 5:نفس المرجع أحمد عصيد – ص 28 6: مقال الأستاذ موسى أغربي منشور ضمن كتاب أشغال جمعية الجامعة الصيفية بأكادير تحت عنوان " تاريخ الأمازيغ " – الجزء الثاني – ص 17 – منشورات دار أبي رقراق لطباعة والنشر 7: انظر كتاب " المغرب الأقصى ومملكة بني طريف البرغواطية" للدكتور أحمد الطاهري – ص 27 - الطبعة الأولى 2005 – منشورات مطبعة النجاح الجديدة 8 : انظر مثلا كتاب " لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين " للأستاذ محمد شفيق –الطبعة الثانية 2000 – منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي 9: انظر كتاب "الحركات السرية في الإسلام " للدكتور محمود اسماعيل – ص 29 ، الطبعة الخامسة ، منشورات مؤسسة الانتشار العربي 10: انظر المرجع السابق احمد عصيد –ص 29 11: للأمانة النص مقتبس من مقال الأستاذ أغربي – المرجع السابق – ص 21