في كل خرجة إعلامية لرئيس جهة تازة – الحسيمة – تاونانت، محمد بودرا يسعى جاهدا إلى تحميل ما وقع و يقع في أريف من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلى أطراف سياسية و خارجية دون أن تكون له الجرأة السياسية لتسمية الأشياء بمسمياتها، ففي حواره الأخير الذي نشر في مجموعة من المواقع الإلكترونية، تحدث فيه عن احتجاجات 58 – 59 حيث اعتبرها نتيجة لتحريضات بعض النخب منها الخطيب، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن السياق التاريخي الذي جاءت فيه هذه الإنتفاضة وكذا مطالبها، كما اعتبر الإحتجاجات الأخير التي عرفتها المنطقة (آيث بوعياش) كانت نتيجة استغلال بعض الأطراف السياسية الخارجية لسذاجة و اندفاع الريفيين، ونظرا لما يحمله هذا الحوار من مغالطات و تشويه خطير للحقائق التاريخية، والاستهزاء بنضالات الجماهير الشعبية، والانتقاص من قيمة ذاكرة أريف، سأحاول الوقوف عند بعض النقط بالتحليل والمناقشة دون الخوض في التفاصيل التاريخية الدقيقة، سعيا مني تبيان الهوة السحيقة الموجودة بين ما ذكر في الحوار وما هو موجود في التاريخ و الواقع. لقد سبق السيد بودرا في نص استقالته، في يوم 21 فبراير 2011 والتي تراجع عنها بعد ذلك ب 24 ساعة، قال بأن أطراف وصراعات سياسية، هي التي كانت وراء إحراق الحسيمة، بل وصلت به الوقاحة الساسية إلى اتهام شباب من بوكيدارن، آيث بوعياش، و إمزورن جاءوا لإحراق الحسيمة، ولقد كان لنا مقال في هذا الصدد. لماذا يقحم السيد بودرا الأطراف السياسية و الخارجية فيما آلت إليه الأوضاع في أريف، وما عرفته من انتهاكات لحقوق الإنسان و من الإعتقالات و المحاكمات الصورية دون أن يتجرأ على تحميل المسؤولية للدولة و النظام القائم على جرائمه؟
إن إقحامه لهذه الأطراف السياسية واعتماده لمغالطات تاريخية، واستعماله لبعض المفاهيم التي لقنت له، تأتي في سياق محاولة تحويل النقاش العمومي حول تورط الدولة بأجهزتها المختلفة في الجرائم المقترفة في حق أبناء أريف الذين يطالبون بالعيش الكريم و الحرية و العدالة إلى متاهات القصد منها محاولة التستر على تورط النظام و محاسبته.
لقد حاول بودرا من خلال هذا الحوار ربط أحداث 58 – 59 و أحداث آيث بوعياش 2012 بالإندفاع و السذاجة لدى الريفيين إذ يقول بالحرف " مباشرة بعد الإستقلال لجأت بعض النخب كالمرحوم الدكتور الخطيب إلى أريف سنة 1985 و حرضت سكانه على الإحتجاج و التظاهر" كما يضيف قائلا "إنني مرة أخرى أؤكد أننا ضحية لمؤامرات متعددة الأطراف، أرادت أن تنسف كل مصالحة مع أريف مستغلين سذاجتنا و اندفاعنا" من خلال هذا الكلام يمكن لنا أن نستشف أنه يريد أن يلعب على مجموعة من الأوتار يمكن أن نذكر منها مثلا أن اختياره للخطيب و دوره على التحريض لم يكن اعتباطيا، بل كان الغرض منه استقطاب و شحن بعض أبناء الريف ضد البيجيدي، في تشويه مخز و مخجل للتاريخ، لحسابات سياسية ضيقة ولو كان ذلك على حساب تضحيات بطولات و أمجاد أجدادنا في مواجهة الآلة القمعية لولي العهد الحسن بن محمد.
إن انتقاء و توظيف فعل "حرض" لم يكن محض صدفة و إنما متعمدا من أجل التقليل من شأن الانتفاضة و صانعيها من أبناء أريف، و محاولة النيل من دور و شجاعة سلاّم أمزيان، لأن اعتبار أن أبناء الريف و سلاّم أمزيان مُحَرَّضين يعطي لهم صبغة الجهل بحقيقة الأوضاع السياسية آنذاك، و المآلات التي يمكن أن تأول إليها الأوضاع، في حين يعطي صبغة العلم و المعرفة لدى المُحَرِضين، وهذا خاطئ، لأن السياق التاريخي الذي جاءت فيه هذه الانتفاضة يشبه إلى حد كبير، انتفاضة أريف الأخيرة، إذ جاءتا نتيجة طغيان النظام المخزني و انتشار الفساد و ضد سياسة الحزب الوحيد في التحكم في أجهزة الدولة و مؤسساتها لتوظيفها لأغراض حزبية، بل تعبير عن إرادة شعبية قوية وقناعة مبدئية، ضد الأوضاع اللاإنسانية، بل جاءتا نتيجة النخوة و الكرامة و ليس نتيجة السذاجة و الاندفاع فكفاكم محاولة لتحريف الحقائق، إذا كان الأمر كما تقول سيد بودرا، فهل يمكن اعتبار القابعين في السجن و مندفعين؟ أليس كلامكم هذا هو تثمين على إقدام النظام على مثل هذه المحاكمات الصورية؟ لم يكتف السيد بودرا بهذه الاتهامات في حق أبناء أريف بل بلغ به الأمر إلى اعتبار أن الحراك الذي عرفه أريف ليس حراكا ريفيا محضا، و بهذا المنطق فإن المزج بهم في السجن على خلفية هذه الاحتجاجات، أتوا من جزيرة الواقواق، وكأنه يريد بذلك أن يجردهم من هويتهم الريفية، إذ يقول بالحرف " الحراك الذي وقع في أريف و الشمال ليس حراكا ريفيا يدافع عن طموحات و هموم سكان الشمال المتمثلة في الجهوية المتقدمة" من قال لكم بأن أبناء أريف و الشمال تتمثل طموحاتهم في الجهوية المتقدمة؟ ومن منحكم تأشيرة الحديث باسم أريف و الشمال، الجماهير الشعبية و أبناء أريف خرجت إلى الشارع للاحتجاج وتمثيل نفسها بنفسها و مطالبها واضحة و مسطرة في أرضية حركة 20 فبراير، والقابعون في السجن يدفعون ضريبة الجرأة و حب الوطن و الرغبة في الحياة الكريمة و التغيير الجذري. إن الأطراف التي تتهمونها السي بودرا بالمؤامرة قد جالستموهم على أساس صفقة سياسية شخصية تضمن لكم استمراركم على رأس الجهة مقابل ضمانكم للطرف الآخر بلوغ أمانة الحزب العامة.