يعد الزواج من أرقى العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا، فبواسطته يتم خلق مجتمع متماسك، لا تزحزحه الشوائب مهما كانت. وقد حث عليه الدستور الإسلامي من قرآن وسنة نبوية. والمجتمع الصحراوي عامة، والوادنوني خاصة. يحرص كل الحرص على استمرارية وبقاء هذه العلاقة الاجتماعية والحفاظ عليها، متجدرة بكل تفاصيلها. فعندما تكتمل أنوثة الفتاة الصحراوية، وذلك ببلوغها سن الرشد. ويتجاوز الفتى الصحراوي حد الصيام (بين التاسعة والثالثة عشر بالنسبة للفتاة، والرابعة عشر والسادسة عشر بالنسبة للرجل). تسعى أسرتيهما إلى ربطهما برابطة الزواج. وقد يتاح للفتى رؤية فتاته وهي ذاهبة لجلب الماء (يكد يشوفها شوفت عينو، وهي ماشية تسكي، ولا يشوفها في حفل أبراز). ولعل اختيار الفتاة والقبول بها كزوجة للإبن، يكون دائما بشروط محددة أهمها سمعتها وأدبها ومعرفتها بأمور البيت. إضافة إلى مكانة أهلها (كبر الخيمة) وأصلهم. وفي أحيان كثيرة قرابتهم منهم في الدم (ولدعمها). بعد اختيار الفتاة تذهب أم الفتى إلى خيمة أهل العروس، لتسمع موافقتهم وتتحرى مدى ترحيبهم (رانا طالبين منتكم لولدنا فلان). وبعد أن يتأتى لها ذلك تعد زيارة رسمية يحضرها العائلتين (عائلة العروس والعريس). وفي هذه الزيارة يجلب أهل العريس معهم ذبيحة (خروف)، مع بعض الهدايا (عطور، أثواب، حلي) فيجهز أهل العروس مأدبة عشاء على شرف هؤلاء الزوار. وفي هذه الجلسة يتم تحديد موعد إجراء مراسيم حفل الزفاف. وتدوم حفلات الأعراس في الصحراء سبعة أيام بالنسبة للفتات البكر وتلاثة أيام بالنسبة للمطلقة. عندما يقترب الموعد المنتظر وتكتمل كل استعداداته (المادية والمعنوية). يبدأ اليوم الأول من أيام الزفاف وهو الذي يعرف (بالدفوع). حيث يذهب العريس مع بعض أقاربه إلى خيمة العروس، ويكون في صحبتهم رجل من حفظة القرآن. وبعد جلسة يتم فيها الاتفاق على قدر الصداق والمقدم والمؤخر تتم قراءة الفاتحة وتحرير العقد. وبعد أن تتم قراءة الفاتحة يقول الفقيه: “أشهدوا أيها الحضور أني زوجة (فلانة بنت فلان لفلان بن فلان) .مباشرة بعد حصول هذا الحدث، ترتفع الزغاريد وتطلق الأعيرة النارية. ويقوم أهل العريس، بحمل المهر (الدفوع) إلى أهل العروس، وعادة ما يكون مكونا من أكياس من السكر، (زكايب) وبعض الحلي والأثواب والعطور… تحمل هذه الهدايا فوق الجمال، في موكب جماعي حماسي يحضره أهل العريس واقاربه، فتستقبلهن الفتيات أمام خيمة أهل العروس وأهلها. مقدمين لضيوفهم الثمر والحليب كعربون محبة وفرح وهن مرتديات لباسا خاصا (نكشة بيضاء وملحفة سوداء وظفائر خاصة). كما يتم نصب خيمة (الرق) والتي تكون على جانب ليس ببعيد عن الفريق. (مجموعة من الخيام)، تؤتث بأتاث حسن ويجلس فيها العريس وأصدقائه، وفي منتصف الليل، تحمل العروس من طرف قريب للعريس، هذا القريب يشترط فيه أن لا يكون متزوجا أو سبق له الزواج) إلى خيمة (الرق) وذلك بعد أن تم تجهيزها وتزيينها. وتسمى هذه العملية بالترواح، وتقوم في هذه الأثناء المقربات لها، بترديد مجموعة من الأهازيج الشعبية من قبيل: يا العروس تعشاي سابك ما جا لعريس كومي ضرك تمشأي والصبح يجيك دريس أي: يا عروس تناولي عشائك قبل مجئ العريس وقومي الآن لتمشي فغدا ستكونين أحسن وعند وصولها إلى خيمة الرق، يستقبلها العريس مع بعض أصدقائه الذين يسمون الوزراء، فيأمر العريس أحد أصدقائه من الوزراء يجلب العروس رغم شدة مقاومتها. إذ تجري الطقوس في الصحراء أن لا تبدي العروس أي قبول بسهولة (حياء منها). وبعد دخول العريسين إلى خيمة الرق تبدأ الأهازيج الشعبية وترتفع الزغاريد، وبهذا يكون قد انتهى اليوم الأول من العرس. في صباح اليوم الثاني، يحضر أهل العروس إلى خيمة الرق، حاملين معهم (الكصعة) صحن واسع مملوء بالارز أو العيش ويتوسطها دسم الغنم. فيخرج العريس من الخيمة إلى أن تتم مراسيم الكصعة. حيث تقوم أم العريس بأخد هذا الصحن إلى العروس، وتجعلها تنظر فيه (تجبي لعروس فانكعة) وتقوم بإطعامها من ذلك الأرز ثلاثة لقم .الأولى تأكلها العروس كاملة، أما الثانية فإنها تأكل نصفها والنصف الآخر تعطيه لإحدى قريباتها الراغبات في الزواج. ويحدث نفس الأمر بالنسبة للقمة الثالثة. وكملاحظة فإن أم العروس لا تكون معها في هذا الوقت، ويبقى أهل العروس عند أهل العريس حتى يتناولوا وجبة الغذاء عندهم. من اليوم الثالث حتى اليوم الخامس، تسمى هذه الأيام بليالي ترواغ، تحاول فيها صديقات العروس والمقربات إليها، إخفائها عن عريسها الذي يحاول هو والمتعاونين معه البحث عنها وإيجادها، إظهارا مدى حبه لها وتعلقه الشديد بها. وفي اليوم الثالث يكون كذلك ما يعرف ب “تبادل لكصع” حيث يحضر أهل العريس قصعة من الطعام، يحملونها إلى أهل العروس وذلك في وفد جماعي ويتقدمه العريسان. فتتناولها العائلتين مجتمعتين (عائلة العريس وعائلة العروس)، وفي المساء يتم نفس الأمر لكن هذه المرة يتم تناولها عند أهل العريس. تبقى العروس في خيمة الرق حتى اليوم السابع، باستمرار اللعب، الموسيقى، الغناء… حيث تقوم في هذا اليوم (أي اليوم السابع) باكرا، فتخرج إلى خيمة أهلها، حيث تغتسل، وتعمل امرأة مختصة في التزيين (المعلمة) بتجميلها، وذلك بظفر شعرها بجدائل رقيقة تسمى لفتول، وتخضيب يديها ورجليها بالحناء، ووضع الكحل في عينيها. وعند حلول المساء تجلب العروس إلى خيمة زوجها من طرف قريباته (أخواته، خلاته، وعماته…) وهن يرددن بعض الأهازيج الشعبية (التسنكيف) مصحوبة بالزغاريد، وبهذا يبدأ ما يعرف بالتبراز أيخروج العريس والعروس إلى حفل كبير يقيمه أهل العريس يحضره الفتيات والفتيان وهن بافضل حلة. خاتمة وهكذا نسنتج بأن تفاصيل العرس الصحراوي متعددة ومتشابكة، يصعب حصرها، وهي تختلف من قبيلة إلى أخرى، لكن خطوطها العريضة تبقى واحدة. ويبقى العرس الصحراوي بطقوسه هذه ميزة بتميز بها أهل الصحراء الذين يحاولون الحفاظ على موروثهم من خلال تطبيق هذه العادات والتقاليد. محمد عالي بوحولي.