علامة مجتمعية مميزة للمغاربة بل لكل شعوب العالم التي ربَّتها الرأسمالية المتوحشة ودربتها على اغتنام الفرص وعدم تضييعها مهما كلف ذلك، و"اَلهْمْزَة" لم تترك مجالا إلا وبصمته : الاقتصاد، السياسة، التدبير العمومي، الزواج، التعليم...، بل صارت سياسات الدولة تتأسس على "اَلهْمْزَة" في مد وجزر مع باقي الدول ومع الأفراد والمجتمعات، وقد تابع الجميع مسلسل الخوصصة الذي باشرته الدولة في تسعينيات القرن الماضي والتي كانت "هْمْزَة" لها، والمغادرة الطوعية التي كانت "هْمْزَة" للأجراء الذين خرج بعضهم من الباب وعاد من النافذة وكذلك التشغيل عن طريق التوظيف المباشر. ويشكل بلدنا "هْمْزَة" للشركات التجارية الأجنبية وشركات الخدمات وكذا للمحلات الكبرى ذات العلامة التجارية المميزة والمؤسسات البنكية التي صارت كلها محترفة في إخراج العروض الخاصة "les promotion" ، لأن المستهلك مغلوب ومتروك لوحده في ملعبها، فلا جمعيات حماية المستهلك تُوَعّيه، ولا أجهزة المراقبة تحميه، وارتقى في درجات الاستغلال ليصير مستهلكا من درجة فارس لكل السلع التي أوشك تاريخ صلاحيتها على الانتهاء. والمواطن بنفسه تشرّب هذه السياسة التي صنعت منه مخلوقا يؤمن بشكل كبير بالحظ في الفوز ولم يعد للمنطق مكان في تفكيره، يتصل للمشاركة في مسابقة تلفزية أو إذاعية من سؤال واحد بجوابين ويتصل مرارا لتتعدد حظوظه، بل تعدى الأمر ذلك وأصبحنا نُحْصي أعدادا كبيرة من المقامرين والمدمنين على سباق الخيل والكلاب إلى ما لانهاية من المسابقات، وتأكدوا بأنفسكم من ذلك من خلال أخبار وحوادث النصب والاحتيال التي عادة ما يستغل فيها إيمان الضحايا ب"اَلهْمْزَة" فيجدون أنفسهم "لا تيتي لا حب الملوك". ولعل أكبر مُوسْم "للهْمْزَة" هو الانتخابات عندنا، مُوسم شبيه "بِرحبة" لبيع أضاحي العيد، حيث يكثر الرواج وتنتعش التزكيات وتتحرك المطابع والكل "قاضي الغرض". إنها فرصة المنتخَب للحصانة وضمان أجر مريح وتقاعد مشرف ووجاهة لدى الناس والثمن هو السنطيحة وحلاوة اللسان ولون ورمز حزبي، المواطن يعي ذلك لكنه لايتورع لقضاء مآربه الشخصية. "اَلهْمْزَة" وإن كانت تتقاطع مع بعض مبادئ التفاوض الناجح والمنتج المبني على فكرة "رابح رابح"، لكنها على الشكل الذي أبدعنا فيها فهي لا تنتج إلا معادلة "رابح خاسر" لأنها تستهدف تحقيق أكبر المكاسب في أقل وقت ممكن وبأقل جهد ممكن لكن التكلفة هي نسف القيم وهدم عرى المجتمع وتضخم الفردانية والكل ينادي "راسي يا راسي". في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة "هْمْزَتنا" المغربية أصبحت بنيوية ومستدامة، لكنها على فوهة بركان مجتمعي يمكنك أن تستطلع عن حالته على صفحات الجرائد ومواقع الأخبار، لتعرف إلى أي حد من التردي والنكوص وصنا إليه اليوم؟