بعد طول الانتظار والضجر منه تم تعيين الحكومة كاملة وتم افتتاح الدورة البرلمانية وبدأت الحياة السياسية المغربية من جديد تدب بالحركة والأقاويل والتحاليل والانتقادات تعبر عن عدد من الاتجاهات والميولات وربما تكون نابعة من عدم الالمام بصعوبة وتعقيد الشؤون السياسية والاجتماعية بشكل عام. استسمح القراء الكرام بإبداء بعض الملاحظات لعلها تبين وجهة أخرى حول الحكومة المغربية القائمة. قبل كل شيء، وبالرغم من الاختلافات السياسية بين الافراد والجماعات والرغبات المتعددة عند المواطنين والمواطنات، لا بد من الاعتراف من قبل الكل، أفرادا وجماعات، بالحقيقة الثابتة وهي أن النظام في المغرب مقبول لدى عامة المغاربة وأن هذا النظام محكوم بدستور صوت عليه من صوت وعزف عن التصويت من لم يستطع ومن مارس حقه في الرفض. اضافة إلى هذه الحقيقة وهي جزء منها فإن العملية التي تم في ضوئها تعيين الحكومة من قبل صاحب الجلالة(الدستور والأعراف والأخلاق توجب الاحترام الفائق والتوقير) الملك وكل ذلك تم حسب ما رسمته القوانين التي يسير عليها المجتمع بالرغم من موقف من قد يختلف وقد اختلف من قبل وسيقع الخلاف فيما بعد، بل إنه جزء من العملية السياسية وحق مضمون بالقانون سواء داخل البرلمان أو خارجه. اي مآخذ على الحكومة الحالية التي يترأسها السيد بنكران وتحت رئاسة الملك لمجلس الوزراء قد يستدعي العقل بعض التأني لوضع الأمور في نصابها وتاجيل الحكم حتى تقوم بالعمل لتنفيذ برامجها المختلفة ويظهر أدائها . أما الملاحظات التي اود أن أبديها بخصوص بعض الانتقادات المتداولة في الساحة فبدون تشاؤم ولا قلق على الحكومة هي كالتالي: أولا، فعلا انتظرنا طويلا خروج الحكومة كاملة، لكن خرجت وهي تكوين مجتمعي انساني عقلاني. لا أحد في الدنيا ولا مجتمع يدعي تشكيل حكومة في أتم الكمال. أعضاء الحكومة بشر ويمكن أن نرى هذه الحكومة كثمرة مجهودات الفاعاين السياسيين في المجتمع المغربي وقد اتفق الفرقاء على هذا النحو والمعارضة مضمون لها اتخاذ جميع الاجراءات القانونية لتغيير الوضع والمحاسبة والمنافسة على السلطة في إطار الدستور الذي يسير عليه نظام الحكم في المغرب وقد تقدم التصريح بقبوله من قبل عامة الناس. نعم انتظرنا وضاع وقت وتعثرت مفاوضات وكثرت انتقادات وعمت التكهنات وفي خاتمة المطاف عينت الحكومة وكون السيد بنكران أمضى وقتا طويلا في المفاوضات مع حزب آخر وغيره أو أنه اضطر للتنازل عما كان يتمناه فقوانين السياسة هي هكذا يتم فيها التفاعل من أخد ورد وتجاذب ووعود وتنازلات وتوافق. واللافت أن الامور تمت في جو سلمي يجسد نضج المجتمع المغربي وعقلانيته ووعيه.كل هذا بالرغم من الاختلافات السياسية وبفضلها. قبلت الاغلبية كما تقتضيه قيم الديمقراطية التي تتبناها معظم الفئات الاجتماعية التي يتكون منها الشعب المغربي ومن له أساليب أخرى في تدبير الشأن العام، فسبل تحقيقها وتطبيقها مضمونة قانونيا بأساليب شرعية وفي الزمن المسموح به لإجراء الاستحقاقات الا نتخابية ليقول المواطنون والمواطنات كلمتهم في تلك المشاريع الأخرى التي قد تكون بديلة. نقرأ في أول افتتاحية الدستور الذي تسير على ضوءه الامة المغربية: إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة . الضمان للجميع ممنوح في الاطار القانوني خارج العنف وفي عدالة. وفوق هذا لا أحدا فوق القانون. السيد مزوار وغيره من الوزراء والمسئولين وكل المواطنين والمواطنات أ جميعن تحت مظلة القانون. فالعقا ب لمن خالف. القانون لا يستثني أحدا كل حسب جرمه وما تقتضيه المساطر والقوانين وهي قابلة للتغيير في الظروف التي حددها الدستور. والذي هو أيضا قابل للتغيير في الظروف وحسب الاجراءات التي حددها القانون والأعراف. من جهة أخرى اخذ عن هذه الحكومة الكاملة أنها كبيرة وتشتمل على أربعين وزيرا إلا واحدا وهذا يعتبره البعض كثيرا والتكلفة الحكومية ستزداد كثيرا وووو. طيب، لما لا يرى من عدد الوزراء الكبير مزية ايجابية من ناحية المسائلة فالعدد خاضع لصرامة القانون والمحاسبة، فمسئولية الوزارة وغيرها من المسئوليات الرسمية تكليف قبل ان تكون تشريفا. الوزراء والوزيرات(نستطيع الآن في هذه النسخة الثانية ان أن نقول السيدات الوزيرات بدل السيدة الوزيرة على الأقل) لم يتم تعيينهم في الحكومة المغربية من أجل شم الهواء كما قد يقول الشرقيون. عمل الوزراء مراقب ومحاسب عليه قانونيا. ينص الدستور على ذلك، والبرلمان؟ وألصحافة؟ والمعارضة؟ والمجتمع المدني بشتى أطيافه وتوجهاته؟ والملك؟ والرأي العام العالمي؟ فالعدد قد يكون عنصرا مهما في التشارك في تحمل المسئوليات الجسيمة التي خولها القانون للمؤسسات الوزارية. ومن يكون مسئولا؟ حتى الوزراء والوزيرات بصفة الانتداب ليسوا فوق القانون مثلهم في ذلك مثل يا أيها الناس. وقد ورد في الفصل 94 من الدستور بان: أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة، عما يرتكبون من جنايات وجنح، أثناء ممارستهم لمهامهم. يُحدد القانون المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية فمن باب كثرة الوزراء كعنصر مثير لجدال ولتناقضات في المواقف، ما يكون إلا أن أملتها الظروف السياسية والحاجة إلى المشاركة في تحمل المسئولية، الكل مسئول.فالقانون هكذا سطر ورسم. أما قضية تسمية الوزارة الانتدابية، أليست هي وزارة؟ الانتداب صفة وهي على قدر تحملها المسئولية القانونية، الوزير هو الوزير انتدب أو انخرط أو سمي وزيرا مكلفا في الوزارة الفلانية أو وزيرا للشئون الفلانية في الوزارة الفلانية أو سمي وزير الملفات الفلانية في الوزارة الفلانية لايفقد الوضع القانوني والتوقعات والمسئوليات لحامل ولحاملة أعباء المنصب الوزاري كيفما كانت تسميته. فلهذا لم تخرج التسمية عما هو مرسوم في الدستور. يقترح رئيس الوزراء المعين أسماء الوزراء على الملك رئيس الدولة الذي يخول له الدستور حق تعيين الوزراء ولا يوجد في الدستور ما يمنع من اطلاق الصفات المعينة على الوزراء والوزيرات. انتتداب، انتداب، تكليف، تكليف، وزير وزير. أين الفرق وما المقصود؟ المحاسبة والمسئولية جسيمة أما حمل الامانة فهو قمة المسئولية ومبلغ المنى. أما من باب الانتماء السياسي لبعض السادة والسيدات الوزراء بحجة المحاسبة السياسية والقانونية فإن أبسط قراءة للمشهد الاجتماعي المغربي وواقعه مثله في ذلك مثل بقية الدول، نجد أن الوزراء وكل الموظفين بل وكلنا مسئولين عن أفعالنا وأعمالنا بالرغم من عدم الانتماء إلى أي تنظيم سياسي. الوزير حر مثله مثل أي مواطن مغربي في أن ينتمي أو لا ينتمي لأي تنظيم أو تيار سياسي. العمل هو العمل ينجزه المنتمي وينجزه غير المنتمي. المحاسبة هي هي والقانون هو هو وفوق هذا لم يحدد هذا القانون شرط الانتماء إلى حزب سياسي للقيام بأعمال وظيفة منصب الوزارة عدا اختيار الوزير الأول. قد تأتي ظروف سياسية معينة تقتضي تعيين حكومة من أشخاص خارج الانتماءات السياسية وكثيرا ما نسمع عن مجتمعات تم ويتم فيها تعيين حكومة ما يسمى بالتكنوقراطية دون انتماءات سياسية للوزراء المعينين وهناك امثلة الحكومات التي تسمى حكومات الاقلية . وإذا اعتبرنا هذا الانتقاد أيضا الموجه إلى الحكومة الكاملة فيما يتعلق بتعيين وزراء ووزيرات تكنوقراطيين فالأمر يتطلب بعض التأني والتفكر. أليست الحكمة في تعيين مهني ،تكنوقراط، نسميه ما نشاء، المهم أن تكن الكفائة، على رأس وزارة التربية الوطنية مقارنة بوضعها تحت من يمثل حزبا سياسيا لا يوافق على برامج تدبيره للشأن العام أغلبية المواطنين والمواطنات المطلقة؟ أين الضرر إذا ضلت الوزارة بعيدة عن الاحزاب السياسية؟ أليس الانحياز والمهنية لهذا الجهاز الهائل أفضل بحكمه يتحمل مسئولية خطيرة تتمحور حول تربية الناشئة عماد استمرارية الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى المحافظة على تراث المجتمع وصقل مواهب أفراده في جو مهني مبني على العلم والعقلانية والتجرد؟ ولا بد من الاعتراف بحقيقة الاهداف التربوية وأهميتها وأن من بينها توقعات المجتمعات الإنسانية أن تشمل الاهداف اكتساب مهارات التفكير وطرح الأسئلة وتنمية مهارات النقد الفكري(كريتكل ثينكين). أي مجتمع لا ينشد ان تكون الخلفة افضل منهم وأعقل وأعلم؟ كل المؤشرات بينة للعين المجردة. الأب والأم يعترفان بهذه الحقيقة في جميع أنحاء العالم، ويشمل هذا أيضا حتى النبغاء والاثرياء. هذا من اسرار الحياة. وهل بعد هذا يحتاج المجتمع المغربي أن يسند مهام وزارة مثل وزارة التربية إلى حزب سياسي كيفما كانت اتجاهاته؟ المحاسبة السياسية التي يدعي البعض أنها مفقودة ادعاء غير مبني على الواقع. الوزراء المنتمون وغير المنتمين يحاسبون سياسيا وقانونيا من قبل جميع المغاربة، وأين المشكل؟ المغرب يعترف بالتعددية في نمطه ونظامه السياسي، أليس أفضل للجميع أن يكون التعليم بعيدا عن الصراعات السياسية لينكب الجهاز التربوي على التطوير واتباع الطرق العلمية الفعالة في تحقيق الاهداف التي يتوقعها الآباء والأمهات والمجتمع قاطبة من المؤسسات التربوية عموما؟ الحزب السياسي له أهداف معينة لا بد أن يصبو إلى تحقيقها في التعليم، وإذا كانت المسئولية على عاتق اللامنتمي حزبيا فاهداف التربية تكون أهداف الجميع بدل أهداف حزب واحد ولو تكون مشتركة مع غيره. مصلحة التعليم وشئونه مصلحة الجميع.حياد الجهاز مرغوب لخدمة الجميع بنزاهة وبكل مهنية. لقد قيل مثل هذا بالنسبة للداخلية والأوقاف وما سمي بالسيادة ، أليست الحكمة في إبعادها عن سيطرة الأحزاب السياسية في الوقت الراهن على الأقل؟ الكل يعرف ان الدولة المغربية تعتبر من الدول النامية حديثة الاستقلال انخرطت في النهج الديمقراطي بإرادتها واختيار فئات شعبها في ظل حكم ملكية دستورية وبرلمانية. ولا يخفى علينا جميعا ما يتطلبه العمل السياسي من مهارات فكرية وتكوين اكاديمي متين وخبرة في العمل السياسي الذي ضل منذ القدم علما بأصوله ومناهجه وثمرة ابحاث المتخصصين فيه. يقال رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. الكفاءات غير كافية والأمية تضرب أطنابها في وسط فئات اجتماعية لا يستهان بحجمها والوعي والنضج بضاعة لا تغطي احتياجات الظروف والتحديات، لكن الفاعلين السياسيين يدركون حقيقة هذا الوضع وهم بلا شك مجندون للتغلب على التحديات التي تواجه مجتمعهم. وما كل المشاريع التي يتم تدشينها والتخطيط لغيرها إلا عربون الوعي بجسامة التحدي والإيمان بعزيمة قوية بالتنمية المستدامة والتقدم نحول مستقبل مشرق ينشده كل المغاربة. حتى العمل السياسي يتطور ويتقدم نحو أنظمة أكثر عدالة وديمقراطية تتغير باستمرار نحو الافضل وحتى الدول المتقدمة ينطبق عليها الوضع. ويعتبر هذا أيضا سرا من أسرار الحياة، هكذا الإنسان يطمع دائما في الأفضل لكن هذه العملية جماعية تستدعي تضافر الجهود من قبل الجميع. فالتقدم بالتدريج يتم وبالتعلم والخبرة والمشاركة. وفوق كل هذا يطرح السؤال هل يوجد في الدستور ما يحدد أعداد الوزراء الذين يجب أن يشكلوا الحكومة؟ فتشت عنه ومعذرة إن كنت قذ أخطأت في الهداية إليه. أعتقد شخصيا أن الدستور يسمح لرئيس الحكومة المعين أن يقترح على رئيس الدولة عدد الوزراء الذي يظنه مناسبا لإدارة شئون المواطنين والمواطنات ويخول الدستور لرئيس الدولة حق قبول أو رفض أي اقتراح للتوزير علاوة عن حق تعيين الوزراء قانونيا ورسميا.الاجراءات التي تمت لتعيين الحكومة المغربية يوم 10 اكتوبر 2013 جاءت وفقا لما تسمح به القوانين المتعارف عليها في البلد وخير دليل على ذلك مشاركة ثلاثة أحزاب سياسية معروفة لدى الرأي العام بوطنيتها وطموحاتها السياسية. عدد الوزراء يمكن أن يشكل ديناميكية العمل والتنافس في العطاء المرتقب. اليست المحاسبة والمسائلة على الأبواب في البرلمان وفي الصحافة وعند الراي العام ومن المك؟ يقودني هذا إلى انتقاد التكلفة. ومما لا شك فيه أن النفقات سترتفع بارتفاع عدد الوزراء، لكن قد نتجاهل المردود في هذه العملية. معظم الوزراء الجدد على ما أعتقد كانوا يعملون في وظائف سامية، فالزيادة في الراتب والامتيازات الاضافية لن تفقر المغرب ولن يرضى المغاربة إلا بالسخاء والجود لمن يخدم مصالحهم ويتحمل مسئولية تقدمهم وازدهار بلدهم في سلام ووئام ينعم بها كافة فئات الشعب المغربي. التكلفة فعلا 'محرزة' عندما يتعلق الامر بالمعيشة اليومية لفئات كبيرة من المجتمع، فلهذا وبكل تواضع وفائق الاحترام للسادة والسيدات الوزراء أدعوهم ليبذلوا أقصى جهودهم وحنكتهم ومهنيتهم في ايجاد، وفورا، صيغة مقبولة للتخفيف من الأسعار التي أنهكت كاهل المواطنين والمواطنات خصوصا أسعار المحروقات والمواد الغذائية والتطبيب والتعليم بالرغم من الأزمة المالية العالمية الخانقة وقد تسود عبقرية مجلس الوزراء الموقر . وبدون تشاؤم ولا قلق على الخروج الجديد للحكومة، العيد على الأبواب وانخفاض الأسعار بقيام العيد سيزيد الفرحة ايمانا لدى الجميع بجدية الحكومة في خدمة الصالح العام وتحقيق اهدافه المنشودة وأي فرحة وهدية تبشر بقدوم الحكومة الكاملة كلفتة مثل هذه؟ هذه بعض الملاحظات التي أحببت مشاركة القراء الكرام بها بالرغم من التعبير اللغوي الذي قد يراه البعض غير بليغ. وتجدر الاشارة إلى وجود هناك انتقادات أخرى منشورة في وسائل الاعلام المختلفة وتتداولها الالسنة وكلي آمل ان لا يرى البعض في هذا مجاملة او مبتغى غير عرض وجهة نظر أخرى التي قد لا تكون خارجة عن الصواب كل الخروج. وتبقى وجهة نظر للاعتبار من قبل من لا يثقل عليه اختلاف في الرأي ويومن بالتعددية في تعامله مع الآخرين. وبدون تشاؤم ولا قلق على هذا الخروج، أهنأ السادة والسيدات الةزراء والوزيرات وأتمنى للجميع التوفيق والسداد في مهامهم بالرغم من الاختلافات في الرأى والمنهج وانتقادات الكثيرين لمجريات الحسابات والتنازلات وما دار في الأذهان فبل التعيين. الآن ينطلق العمل الصعب والجاد محفوفا بالتفاؤل والأمل والتيسير بالرغم من قلق ابوحفص وغيره. مجال العمل السياسي مفتوح والحكومة الكاملة الحالية ثمرة من هذا العمل. الأسعار وفرحة العيد من فضلكم بدون تشاؤم ولا قلق. ملاحظة: المذكر والمؤنث سيان في التعبير اللغوي في هذا السياق. *باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية- اكادير