الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد ، فقد اشرنا في الحلقة الماضية إلى أن رمضان هو فرصتنا المواتية لتحقيق مصالحة شاملة بيننا وبين النفس الأمارة بالسوء من خلال العمل والاجتهاد على تحقيق أمارات التقوى وتجلياتها في ذواتنا وفي علاقتنا بالخلق وبالخالق سبحانه وتعالى . والمتأمل لمعاني التقوى يجد الارتباط الوثيق بين التقوى والعمل الصالح والخلق الحسن مثلما يرتبط الإيمان بالعمل الصالح، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) الترمذي.تماما وهدفنا من هذه الكلمة أن ننبه أنفسنا لنتخلى عن بعض الظواهر السلوكية التي لا تتوافق مع حقيقة الصوم ، فكثير في شهر الصيام تتحول أخلاقه –بحجة الصيام- إلى النقيض ، فلا يرى أحدنا إلا سابا آو شاتما او متوترا أو فظا غليظا ، آو مخاصما او... وذا كان تحصيل التقوى هو الأثر الباطن لإقامة فريضة الصيام، فان الخلق الحسن هو الأثر الظاهر لإقامتها، وصلاح الباطن لابد أن يبدو على الظاهر بحيث لا يرى الصائم إلا صافيا ساكنا أليفا تعلوه مهابة الاستجابة وأنوار الطاعة)(1). لذلك نلحظ من الحديث آنفا أن الرابطة وطيدة بين التقوى وحسن الخلق ، وهو ما تجلى في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم الذي وصف نفسه بأنه اتقى الناس وأكثرهم خشية لله . ولا عجب أن نجد من بين أحاديث الصيام ما يدل على هذه العلاقة قال صلى الله عليه وسلم:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في إن يدع طعامه وشرابه ) وقال في حديث آخر (ليس الصيام من الطعام والشراب ،وإنما الصيام من اللغو والرفث) وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا (والصيام جنة،واذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ،فان احد شاتمه أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم).أخرجه ابن حبان إن الإسلام يريدنا أن نتميز بأخلاقنا لا بعباداتنا فحسب ، وبالتالي فلا يستقيم لا في المنطق في المنطق ولا في الشرع والعقل ونحن ندعي الانخراط في برامج الإصلاح ومحاربة الفساد أن نعدل عن تقويم ما بأنفسنا من فساد للنوايا والأخلاق ، إن المسلم وهو رائد المجتمع نحو الصلاح والإصلاح لابد أن ينخرط في معركة بناء الأنفس التي هي من اشق وأصعب المعارك ، إذ لم تكن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم سوى رسالة أخلاقية بإقراره صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، وفي رواية (صالح الأخلاق) فحري بنا ونحن في شهر الصيام أن نضع من غاياتنا الوصول إلى حظ وفير من مكارم الأخلاق وصالحها ف(ان أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) (3) (وان أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا)(4) .وبحسن الخلق نفوز بجوار النبي في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم:(أن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاستكم أخلاقا .وان أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال المتكبرون.) 5) ويمكن إذن أن نستخلص بأن رمضان برنامج متكامل لتقويم النفس والسلوك لما شرع فيه من القواعد والأحكام التي بها تستقيم النفس وتتربى على الخضوع والطاعة وحسن الخلق . فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال ، لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا انت .. آمين والحمد لله رب العالمين. ............................... (1)روح الصيام ص42 (2)اخرخه البخاري.