التقوى هي صلاح ما بين العبد وبين ربه، والبر وحسن الخلق هو صلاح ما بينه وبين الناس، فإذا أصلح العبد ما بينه وبين ربه كان تقيا، وإذا أصلح ما بينه وبين الناس كان برا، والصيام يدعو إلى الأمرين ففي القرآن:(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)(البقرة /183)، وإذا كان يوم صوم احدكم فلايرفث ولا يصخب، واجتماعهما في المرء يوصله إلى مصاف الأولياء المقربين، وفقدهما أو أحدهما يسلكه في سبيل المجرمين. ولما كانت الأخلاق الحسنة والصالحة فرقانا بين سبيل الأبرار وسبيل الفجار، فقد جعلها الله تعالى: إحدى الوظائف العظمى لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عليه لصلاة والسلام:إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق، وفي رواية:إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فهذه الأخلاق التي اعترتها قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، غيوم غبراء، علتها بالصدإ وجللتها بالسواد، احتاجت إلى تكميل وتجميل، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليردها إلى كمالها وجمالها ويعيدها إلى الوصف الكريم لتعود كما كانت: مكارم الأخلاق. إن رمضان شهر كريم، ولما كان القرآن المنزل فيه كريما كما وصفه منزله سبحانه(إنه لقرآن كريم)(الواقعة /77)، ولما كان منزل هذا القرآن كريما، كما وصف نفسه سبحانه(يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) (الانفطار /6)، ولما كان من تنزل بهذا القرآن وهو جبريل عليه السلام كريما، كما وصفه القرآن(إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين) (التكوير /19 20)، ولما كان من تنزل عليه هذا القرآن كريما، بل أكرم الناس، لأنه أتقى الناس(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(الحجرات /13). فلا جرم بعد كل ذلك أن نرى القرآن باعثا لأعلى درجات المكارم في الأخلاق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليكمل مكارم الأخلاق إلا وقد تحلى بها وتخلى عن أضدادها، من خلال تخلقه بالقرآن، وتضلعه من شمائله، حتى إن عائشة رضي الله عنها، عندما سئلت عن أخلاقه عليه الصلاة والسلام قال:كان خلقه القرآن، فمكارم الأخلاق التي توزعت في أكارم العالمين من الأنبياء والاتقياء والصالحين، تجمعت في شخص سيد المرسلين وخاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم، فجمع الله تعالى في أخلاقه ما تفرق في أخلاقهم جميعا، والقرآن الذي تخلق به الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يزال غضا يانعا كما أنزل، والرسول الذي تخلق بهذا القرآن، لن تزال سيرته حاضرة حية، فحري بك أيها الصائم وأنت في شهر الكرم والمكارم، أن تضع لنفسك غاية كبرى، في الوصول إلى حظ وفير من مكارم تكمل بها إيمانك في شهر الصيام، فإنأكمل المؤمنين أحسنهم خلقا، وتستوجب محبة ربك.فإن أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا، فإذا حزت بالصيام حسن الخلق مع التقوى، فزت برضى الرب، وبجوار نبيك صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام:إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون، قال:المتكبرون. (اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت)