خرج حزب الأصالة والمعاصرة من الإنتخابات الجماعية سنة 2009 بفوز كاسح برغم حداثة نشأته، وأطل علينا السيد عالي الهمة من التلفزيون الرسمي ليبشر المغاربة ببزوغ فجر الحرية والديمقراطية ويطمئنهم من أن المغرب قد إنتصر على القوى الظلامية التي كانت ستدخله في دوامة العنف الديني والإفتاء الجائر وأحكام النيات المسبقة. وبطبيعة الحال، لم يكن المقصود بهذا الحديث إلا حزب العدالة والتنمية الذي تأكد بالملموس ومن خلال أجهزة الداخلية أنه حزب يزحف وينتشر بكل قوة داخل المدن والقرى. مستقطبا الكثير من الأصوات ومؤازرا بجميع الفئات الإجتماعية على إختلاف مشاربها الثقافية والإيدولوجية. اليوم بعد كل هذا التشويش والمضايقات التي مورست على الحزب، منها على سبيل الذكر إتهامه بشكل غير مباشر في أحداث 16 ماي الإرهابية، زيادة على منعه من الترشح في عدد من المدن المغربية إبان إنتخابات 2007 ،إستطاع هذا الحزب الرجوع بقوة إلى الساحة السياسية المغربية ،والفوز بالإستحقاقات الإنتخابية لسنة 2011 متجاوزا كل الأحزاب التقليدية المغربية التي شاركت في التجارب الحكومية السابقة ،مثل حزب الإستقلال والإتحاد الإشتراكي بفارق كبير من الأصوات. مما يعطي صورة كاملة وواضحة عن عدم إستعداد المصوتين إعطاء ثقتهم للأحزاب التي فشلت في إدارة الأزمات المغربية . بعد هذا الفوز المستحق بشهادة العدو قبل الحبيب، تفطنت جميع الأحزاب" اليسارية والإدارية والمخزنية إلى أن حزب العدالة والتنمية أصبح يزحف بقوة نحو التربع على قمة الهرم الحزبي في المغرب. وهذا يشكل خطرا على وجودها خصوصا أن المغاربة تعبوا من كل تلك الأوهام الديمقراطية التي كانت تنشرها الأحزاب اليسارية خصوصا حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الذي بات يلفظ أنفاسه جراء التجربة الحكومية الفاشلة إلى جانب تخلي مناظليه عن الشعب وإهتمامهم بثرواثهم المتراكمة ،ومزارعهم العامرة والفسيحة ،وأبنائهم المبتعثين إلى الديار "الإمبريالية" للدراسة والرجوع إلى الوطن للتربع في مناصب جهزت لهم منذ نعومة أظافرهم. أحزاب المعارضة الهجينة لها إسترتيجية وخطط لإفشال هذه التجربة الجديدة في المغرب، خصوصا أنها تأكدت بالملموس بعد الإنتخابات الجزئية التي جرت في بعض المناطق المغربية( إنزكان، شيشاوة، طنجة...) أن العدالة والتنمية مازال يحقق النجاح تلوى الآخر. وهذا حتم عليهم إعادة ترتيب صفوفهم والخروج بخطاب جديد يتمثل في الخوف من التيار الديني وإمكانية تحريم وقتل الكثير من المكتسبات الحقوقية التي ناظل من أجلها المغاربة. من أجل هذا إستعدت هذه الأحزاب ومعها ترسانتها الإعلامية لتمرير خطاب الخوف من الأحزاب الإسلامية والخوف من تأثيرها على الحياة الشخصية للمواطنين والخوف من التضييق على الإبداع الأدبي والسينمائي والمسرحي... رد حزب العدالة على هذه الإدعاءات كان قويا من خلال التصريح في البرلمان وخلال الندوات الخاصة أن العدالة والتنمية لم يأتي إلى سدة الحكم للتضييق على الحريات الخاصة . زيادة على هذا مرور العديد من التظاهرات الفنية والسينمائية من دون أي تدخل أخلاقي من طرف الحكومة. وأخيرا الإستقبال الذي خص به بن كيران المبدعين المغاربة تحت قبة البرلمان كان بمثابة الدليل القاطع أن ليس هناك أية قطيعة بين الإبداع والعدالة والتنمية . اليوم نجد أنفسنا أمام أحزاب سياسية فاشلة تقوم بالمستحيل من أجل إيقاف الإصلاح في المغرب من أجل أجندات حزبية ضيقة تضع مصلحة الحزب فوق مصلحة الشعب والوطن.وإنسحاب حزب الإستقلال من الحكومة دليل على هذه العشوائية التي تعيشها دواليب هذا الحزب في عهد حميد شباط الذي فشل في إدارة مدينة من حجم فاس . لم يعد لأحزاب المعارضة أي دليل على أن حزب العدالة والتنمية سيحول المغرب إلى أفغانستان أو إيران، وإنكشفت كل تلك الخطابات التحريضية والتي كانت تخوف الناس من مستقبل المغرب في ظل حكم هذا الحزب. وإتضح جليا بأن هذه الأحزاب ليس لها مشكل فقط مع الإسلام السلفي بل إن مشكلتها تكمن في أنها لا تحبذ حتى التعايش مع الإسلام المعتدل.