المرأة في المجتمعات غالبا ما تلعب دور الرضوخ والخنوع للسلطة ولقمع الذكورية فهي أداة ووسيلة إشباعية لرغبات معينة متعلقة بالغرائز البيولوجية وأداة إنتاجية للأطفال ، بمعنى أن لها أدوار ووظائف محددة داخل المجتمع وضعها لها المجتمع وأعدها نفسيا لذلك.أي أن شخصيتها تضمحل في خضم الأساسيات البسيطة فقط دون أن يتم الاعتراف بخصوصياتها وقدراتها وإمكاناتها العقلية والإبداعية المختلفة ، حيث نمطت في صورة متمثلة في الأداء البيولوجي فقط. فهذه الوضعية عاشتها المرأة فيما مضى لكن اليوم فرضت وجودها في مجموعة من الميادين وتفتقت عناصر من شخصيتها التي دفنت فيما مضى. وبالرغم من هذه الصورة العامة حول شخصية المرأة إلا أنها في المجتمع الأمازيغي السوسي تختلف عما عهدناه في المجتمعات الأخرى فهي بالرغم من الوضعية السلبية التي عاشتها وتعايشت معها لكن المرأة السوسية كانت لها أيضا أدوار وخصائص مميزة داخل المحيط أو البيئة التي احتضنتها حيث لعبت أدوارا مهمة في الحياة السوسية سواء السياسية أو الاجتماعية. فنمط شخصيتها وسماتها التي فرضتها مكنتها من تبوء المنزلة المناسبة ككائنة إنسانية مساهمة وفاعلة في المنظومة الحياتية . شخصية المرأة : Persona الشخصية مفهوم له جذور قديمة رافقت الإنسان فكانت تعني القناع في المسرح اليوناني ؛ كما أسندت إليها عدة تعاريف مختلفة المنطلق. وسأدرج هنا فقط بعض التعاريف التي قدمها علماء من علم النفس. فالشخصية تتحدد انطلاقا من مجموعة من محددات بيولوجية ؛ نفسية ؛ بيئية؛ اجتماعية ؛ تكوينية بالإضافة إلى محددات الدور والموقف. وتبقى هذه العناصر مترابطة لا تعمل بشكل مستقل، بل تعمل متوافقة إحداها مع الأخرى وهناك تناسق فيما بينها في تشكيل الشخصية وأشير إلى أن شخصية المرأة تخضع لكل هذه المحددات المذكورة سلفا والتي تعمل على إعطاء شخصيتها خصوصية التكوين البيولوجي والنفسي والعقلي وخصوصية تكيفها أيضا مع بيئتها. وقد قدم علماء النفس مجموعة من التعاريف للشخصية، على سبيل الذكر لا للحصر فإن البعض عرفها بأنها : ” مجموع ما لدى الفرد من استعدادات ودوافع ونزعات وشهوات وغرائز فطرية وبيولوجية، وكذلك ما لديه من نزعات واستعدادات مكتسبة ” (د. سيد محمد غانم) وأدرج أيضا التعريف الذي قدمه “جوردن ألبورت” : ” هي ذلك التنظيم الدينامي الذي يكمن بداخل الفرد؛ والذي ينظم كل الأجهزة النفسية الجسمية التي تملي على الفرد طابعه الخاص في السلوك والتفكير ” . ونجد هذا التعريف ركز على ناحية التنظيم الداخلي لأجهزة الفرد النفسية الجسمية أكثر من اهتمامه بالظاهر، كما يهتم بالطابع المميز للفرد وكذا تكيفه مع البيئة المحيطة به. 2 – المرأة االأمازيغية كأداة للذة والمتعة : ارتبطت المرأة الأمازيغية بصفة خاصة أكثر من غيرها في المجتمعات الأخرى بتحقيق المتعة والإشباع الجنسي ، ومن الأقوال التاريخية المذكورة بهذا الصدد ” وإن أردتموها للمتعة فخذوها بربرية” كذلك طلب هشام بن عبد الملك من عامله على شمال إفريقيا ” طلب جواري بربريات المليئات الأعين الآخذات القلوب، فتلطف في الانتقاء وتوخى أنيق الجمال عظم الأكفاف وسعة الصدور ولين الأجسام ورقة الأنام وجثول الفروع ونجالة الأعين وسهولة الخدود وصغر الأفواه وحسنة الثغور واعتدال القوام ورخامة الكلام” ( السيوطي تاريخ الخلفاء باب عبد الملك بن مروان ).. فهل هذا يعني أن إمكانات وقدرات شخصية المرأة الأمازيغية محصورة في هذا الجانب البيولوجي الجنسي فقط ؟ ، إن المرأة الأمازيغية و السوسية اختزلت في جسدها ومظهرها الخارجي ولمدة طويلة ، فاعتبرت مجرد وعاء لتفريغ الغرائز والرغبات الجنسية من جهة ومن جهة أخرى فجسدها ملكية خاصة لأهلها. بمعنى أن هذا الاختزال والرضوخ الجنسي الذي عانته لم يفرض ولم يكون نابعا من داخل مجتمعها بالدرجة الأولى ؛ بل من الذات الأخرى فهي فيما مضى كانت تسبى وكانت تقاد إلى خيم المتعة دون رضائها أو رضاء أهلها وذلك لتحقق لمن يتمتعون بالنفوذ والسلطة والسيطرة الإشباع الغريزي من خلال الرقص واللهو والغناء (أحواش / تيرويسا …)، وربما أصبح جانب الانبساطية المفرطة التي فرضت عليها فيما مضى جعلتها اليوم جزءا من سمات شخصيتها، أي أنها أعادت الاعتبار لذاتها وحاولت تحويل الصورة السلبية التي نمطت بها إلى صورة إيجابية يقبلها المجتمع خاصة الذي تنتمي إليه، فأعادت الاعتبار لجسدها وأزاحت عنه صورة المتعة الجنسية إلى صورة المتعة الفنية، إلا أن المجتمع السوسي ولو أنه ظاهريا يظهر بأنه قبل بفكرة وجود شخصيات من النساء السوسيات في صورتهن الجديدة إلا أن في اللاوعي الجمعي لا تزال بقايا الصورة القديمة مترسخة في الجانب الخفي من شخصية المجتمع، وهذا يظهر بشكل جلي حينما يستمتع الرجل في حفل برقصات محفوفة بلغة الجسد ( الفني ) للراقصات ( الشيخات) وغناء ترايست، لكن في نفس الوقت فهو لا يرضى بل لا يقبل نهائيا أن تكون زوجته أو ابنته في موقع ترايست أو الشيخة – وهنا أشير إلى تقمص الرجل السوسي شخصية تلك الذات الأخرى التي بخست فيما مضى المرأة وجعلتها أداة للمتعة واللذة – وبالتالي فهذا التناقض يحيل إلى عدة تفسيرات متشابكة ومترابطة فيما بينها، أبرزها فكرة ثنائية : أن المرأة مجرد جسد مشيء أعد لتصريف كل الرغبات الجنسية ثم أنها ملكية خاصة وعورة يجب أن تصان وتستتر لذا يجب إخضاعها فالقمع منقوش منذ الطفولة على جسدها في حركيته وتعبيراته وقسماته وإن ثقافتنا الشعبية تزخر بأمثال تلح على طمس شخصية المرأة ” لا تخرج المرأة من البيت إلا مرتين ، في حالة انتقالها من بيت أبيها إلى بيت زوجها ومن بيت زوجها إلى القبر” من خلال هذه الثنائية يظهر أن جسد المرأة مختزل في بعده الجنسي بشكل أو بآخر، وظهورها يقترن بالمسموح والممنوع من تحركات الجسم وتعبيراته ومتطلباته تبعا للأنماط التي حددها لها المجتمع أو بالأحرى الأنماط التي تخدم مصلحة المسيطر. وبالتالي فالمرأة المختزلة في إطار واحد سلب منها كيانها وسلبت إنسانيتها وقدراتها العقلية والفكرية ، من خلال ( هذا التجريد تم تحويلها إلى أسطورة تأخذ شكل اختزالها من كيانها إلى إحدى صفاتها أو خصائصها وهذا ما يسجنها في صورة لا يمكن أن تتعداها، حيث يتم بذلك نفي تعدد وجودها ونفى إرادتها وخضعت لإرادة ذكورية المجتمع) (د.مصطفى حجازي). و من النتائج السلبية لهذه الوضعية أن المرأة يتولد لديها الحقد والمعانات النفسية المتناقضة تجاه وضعيتها وتحاول تفريغها بطرقها الخاصة الخفية. كأن تمرره عبر التنشئة الاجتماعية للأطفال. 3- المرأة السوسية في ارتباطها بالسحر : من السمات التي وصفت بها أيضا المرأة السوسية هي السحر، وذلك من أجل التخلص من المعانات التي أصابتها من جراء القمع والسيطرة التي خضعت لها ، ولهذا فهي تلجأ إلى السحر والشعوذة كرد فعل لتحمي نفسها ولتخلص ذاتها من السجن الذي همشت فيه قدراتها ، وفي هذا الإطار أيضا نكشف رغبة المرأة في السيطرة التي تعتبر المصدر النفسي لقوة السحر، فالساحر يسعى إلى مد السيطرة وخضوع المسحور ليصبح ضعيفا وقابلا للانصياع فبعد عصور من استعباد المرأة جسديا ومحو فكرها أصبحت اليوم تعاني من هاجس ضعف الثقة بالنفس وبقدراتها ولتستمد القوة اللازمة لمواجهة الذكورية فهي تلجأ إلى الطقوس السحرية هذه القوة تعوضها عن الهون والمهانة وقلة الحيلة، وكذلك الخوف من قمع الرجل فهو يظل حاضرا في ذهنها حتى وإن كان غير ما تعتقد وهذا راجع إلى مخلفات الماضي . وهذه الفكرة أشار إليها مالينوفسكي في قوله : ” إن السحر لا يوجد أينما كان العمل مأمونا مضمونا ، ويمكن التحكم فيه والحصول على النتائج المرجوة منه وذلك بالتجربة والمعرفة وغيرها بينما يتم اللجوء إلى السحر عن غرض ..إنه رد فعل لشعور الإنسان بقصوره وقلة حيلته في عالم لا يستطع التحكم في ظواهره ” ، وكمثال واضح فإن المرأة السوسية تلجأ قبل تزويج ابنتها إلى ممارسة طقوس وذلك عبر مراحل فمفعول الوصفات السحرية يجب أن يستمر حتى بعد الزواج خاصة في السنوات الأولى منه، حتى تتمكن من ردع سيطرة الرجل منذ البداية وأن تنقلب الآية لتكون هي صاحبة السلطة وصاحبة الأمر والنهي، فهي تسعى إلى زرع مشاعر القلق لديه حتى تشل تفكيره، وهنا تعيش المرأة في وهم نفسي استدمجته في شخصيتها هذا بعد التبخيس الذي تعرضت له فحتى لما تحسنت وتقدمت وضعيتها إلا أنها لم تعد تثق في الآخر فهي أصبحت تتميز باليقظة وحسن الحيلة والتصرف حسب كل موقف هذه الميزات مكنتها من تناط إليها أدوار مهمة داخل مجتمعها وهذا ما سأشير إليه في الفقرة الموالية. كما أنها تلجأ للسحر كوسيلة لاستجلاب الحظ وحماية الذات وصد كل ما يمكن أن يصيبها من آذى سواء من المجتمع عامة أو من ذوات النساء الأخريات. - المرأة السوسية شخصية قوية ومحنكة في التدبير الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي : المرأة السوسية أهلتها سمات شخصيتها للعب أدوار مهمة داخل مجتمعها وساهمت في تطويره وتنميته ، رغم العراقيل التي واجهتها خلال فترات تاريخية واستطاعت كسر القيود التي فرضت عليها فأثبتت بذلك ذاتها وإمكاناتها وقدراتها العقلية والفكرية وبرهنت على كفاءتها في شتى المجالات . * التضحية سمة مرتبطة بشخصية المرأة داخل الأسرة السوسية : حيث أنها تتسم بالتضحية والكفاح في سبيل تحقيق الاستقرار النفسي الاجتماعي لأسرتها فهي قادرة على تحمل مسؤوليات عدة داخل البيت وخارجه ، فهي استطاعت أن تؤكد صلابة شخصيتها، لدرجة أن المجتمع يطلق عليها اسم “تمغارت” أي العظيمة بالإضافة إلى كون المجتمع السوسي والأمازيغي عامة مجتمعا اميسيا بمعنى أن الأبناء ينتسبون إلى الأم فكلمة مثلا : “كما” “ألتما” … يقصد بها أخ وأخت منتسبان إلى أمي وهنا تظهر لنا القوة التي فرضت بها شخصيتها ، وأشير حتى إلى أن عند موت الزوج أو طلاقها فهي لا تلجأ إلى الزواج مرة أخرى بل تبقى رهينة بمسؤولية تربية أطفالها صامدة متحلية بالصبر غير مبالية بما تتعرض له من إهانة ونظرة احتقار وإذلال المجتمع لها، كما لا تبالي بنظرة الوصم التي توجه إليها وهي لقب “تادكلت” وتعني بالدارجة ( المطلقة الهجانة). وبالتالي فهي الركيزة الأساسية للأسرة تقوم بكل شؤونه وتتحمل كل مصاعبه ومشاقه بحيث لها السلطة الكاملة داخل بيتها. فهي حاولت تنمية مجتمعها بمجهوداتها ولتحقق له كامل الاستقرار. * بالإضافة إلى ما ذكر عن شخصية السوسية على المستوى الاجتماعي وما تمتاز به من سمات (التضحية / الصبر / الكفاح…)، فإنها فرضت ذاتها أيضا حتى على المستوى الاقتصادي، فبنفس النهج وبنفس الطريقة التي تتحمل بها المسؤولية داخل البيت نجدها كذلك خارجه؛ مستغرقة في أعمال وشؤون الحقل والفلاحة واليوم نجده بالمثل مقتحمة ميادين مهنية أخرى ( كالمحماة / الطب /…). فتكوين شخصيتها وخبراتها واكتسابها المعارف من خلال تجاربها في الحياة، فإن كل ذلك مكنها من تبوأ مكانة هامة داخل المجتمع وأن تنتزع الاعتراف من هذا الأخير. وحصلت على نوع من السيطرة المبتغاة إلى جانب الرجل، حيث تولت مهام وأدوار اقتصادية مهمة ، فهي التي تحمل مفاتيح “الخزين ” وهي التي تتولى التدبير المالي للبيت ، بالإضافة إلى مشاركتها الفاعلة في الحقول فنجدها حاضرة في عملية ” التويزا ” . كما أنها تحصل على اعتراف المجتمع لما تقوم به من مجهود اقتصادي واجتماعي. وبوأها نفس منزلة الرجل فاعترف لها بالسعاية والكد ومشاركة الرجل في المداخيل والأرباح ( حيث أن جهود المرأة يعطى لها عليها نصيب في كل ما يدخل إلى الدار بقدر سعيها – المعسول : محمد المختار السوسي ) . * المرأة السوسية حققت لها مكانا أيضا في البهو السياسي في المجتمع السوسي، إذ أنها أبانت عن إرادتها وتمرسها في التسيير واتخاذ القرار الصائب ، فهي تشارك “الجماعة” في تداول أمور المجتمع ويكون رأيها حاضرا بشكل أو بآخر؛ فحتى وإن لم تشارك في المجمع –بالنسبة للواتي مازلنا قابعات تحت سيطرة الرجل والأسرة – فإن موقفها من قضية معينة حاضر ، بحيث أنها تقوم بتبليغه من خلال زوجها أو ابنه …فهي تجند فكرها وقدراتها العقلية للمناقشة وإيجاد الحلول المناسبة ، فيتبنى الزوج أو الإبن الحلول والمواقف المقدمة ليقوم بطرحها لتشاور داخل الجماعة. هكذا بينا بعض من جوانب وضعية شخصية المرأة في منظومة المجتمع السوسي، وكيف استطاعت بقوة شخصيتها وخبراتها أن تكسر القيود والصور النمطية التي مازالت العديد من النساء في مجتمعات أخرى تعاني منها. فأتثبت وجودها وأهميتها في تطوير وتنمية والرقي بالمجتمع . وبالرغم من هذه المحاولة في تقريب صورة المرأة السوسية إلا أنه يبقى موضوعا شاسعا غني بجوانب أخرى هامة من شخصيتها والتي تستحق أن تنجز حولها دراسات سيكولوجية واسعة . *طالبة باحثة في علم النفس الاجتماعي – كلية علوم التربية بالرباط