في زمن مضى، كان الوصول لوسائل الإعلام مسألة في غاية الصعوبة، خاصة بالنسبة للمواطن العادي، وتكون المسألة من شبه المستحيل، إن كان هذا المواطن يقيم في مدن وأقاليم نائية، بعيدة كليا عن مركز الأحداث، ومقرات الجرائد، وهي وسائل الإعلام الوحيدة التي كانت تنقل نبض الشارع، وإن بشكل متحفظ. وهي في المغرب تتركز في محور الرباط والدار البيضاء، أما اليوم فإن تطور وسائط الإتصال الحديثة، بشكل متزامن مع تطور الشبكة العنكبوتية، وانتشارها الكبير لدى عموم المواطنين، بشكل سمح بدمج وسائل الإعلام التقليدية، مثل الأفلام والصور والموسيقى والكلمة المنطوقة والمكتوبة، مع القدرة التفاعلية للحاسوب الشخصي. الأمر الذي مكن المواطن العادي من الحصول على أي خبر أو مادة يريد في أي وقت يشاء، وفي أي مكان، وفي أي جهاز رقمي، كما سمحت هذه الوسائط الجديدة من ضمان تفاعل القراء مع المحتوى، والمساهمة في إغنائه وتحريره عبر التعليقات التي قد تكون، في بعض الأحيان، أهم من المحتوى ذاته، أو الحصول على انطباعات أولية وسريعة حول مضمون معين، بمجرد الضغط على أيقونات الإستحسان أو عدم الإستحسان، مثل ما يجري به العمل في الفايس بوك. هذه المعطيات الجديدة ألغت كليا طبيعة المتلقي التقليدية في تلقي الخبر، كمستقبل سلبي، دون المشاركة في عملية صنعه والتفاعل مع محترفي تسويق الأخبار. كل هذا التطور الكبير، أفرز تطبيقات جديدة، ومواقع رائدة، مكنت المواطن العادي من أن يكون فاعلا في إعداد الخبر، وسرعة نشره بشكل حاسم يؤثر في مسار الأحداث واتجاه الرأي العام، وكان لظهور المدونات، والإستضافات المجانية للمواقع الشخصية، دور محوري في تبلور هذه الأدوار الجديدة لهذه الوسائط، بل إن عددا من الجرائد العالمية والقنوات الدولية، اعتمدت على هذه المواقع والمدونات الشخصية في تغطيتها لعدد من الأحداث العالمية، التي تمكن المدونون من تغطيتها بالكلمة والصوت والصورة بشكل لا يقل احترافية عن هذه القنوات، التي خصصت حاليا حيزا هاما لهؤلاء المراسلين في برامجها، مثل الجزيرة شارك و فرنسا 24 مراقبون .. لقد شكل توسع استخدام الإنترنت ملامح وسائط إعلامية جديدة غير تقليدية، ولا يمكن التحكم فيها أو توجيهها. من هذا السياق برزت العديد من المدونات والمواقع الشخصية، كشكل إعلامي غير تقليدي، أكثر تجردا عن التبعية، حيث تمثل المدونة رأي مالكها ولا أحد غيره، ولا يمكن أن يُفرض على المدون، ما يجب عليه كتابته وما لا يجب أن يكتب. وازداد تأثير المدونات في العديد من الدول المتقدمة سنة بعد سنة، ليتعاظم هذا التأثير لدرجة أن كثيرا من المحللين يؤكدون أن أحد أهم أسباب فوز باراك أوباما في الإنتخابات الأمريكية الأخيرة، هو الإعلام الجديد وعلى رأسه التدوين، وتزداد أهمية هذه الوسائط الجديدة في وطننا، بسبب الوضع السيئ الذي يعيشه الإعلام بشكل عام، والتقييد الكبير الذي يتعرض له، حيث ينذر أن يخرج رأي الوسائل الإعلامية الرئيسية عن رغبة السلطة ولوبيات المال. في نفس السياق قدمت مواقع التواصل الإجتماعية خدمة جليلة لكل من يناضل في سبيل قضية عادلة، أو يعمل في الترويج لفكرة معينة لدى آلاف المواطنين في كل بقاع العالم، من رواد العالم الإفتراضي، قبل النزول إلى أرض الواقع. العديد من الناس وجدوها صيغة مغرية للمهمشين في كل مكان، لم يعد معها أي معنى يذكر للتنظيمات التقليدية في المجتمع، مثل الأحزاب والجمعيات، أو لبعض القوانين التي يراد منها مراقبة التجمعات، التي قد توصف "بغير" القانونية من طرف السلطة، التي تسعى، دائما، إلى التحكم ومراقبة تأطير المجتمع. وفي الوقت الذي صارت فيه هذه الوسائط الحديثة للإتصال، توصف من طرف العديد من الخبراء على أنها السلطة الخامسة الأكثر ديمقراطية، والتي بمقدورها مراقبة السلط الأربع الأخرى، فإنها في بلدنا لا زالت تستكشف طريقها وسط المجتمع، نتيجة عدد من الأسباب، مثل الأمية المعلوماتية المتفشية، أو عدم إدراك أهميتها في سياق بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يحس فيه المنتخبون والمسئولون أن سلطة خفية لا يمكن التحكم بها، تراقب عملهم و تحاسب طريقة تدبير مسئولياتهم أمام الشعب.