مستغلين تسامح السلطات التي تخشى الاضطرابات الاجتماعية منذ بدايات «الربيع العربي»، يحتل آلاف الباعة المتجولين شوارع المدن المغربية؛ حيث يعرضون بضائعهم مثيرين استياء أصحاب المحال التجارية في تلك الشوارع. وهؤلاء الباعة الذين يلقبون ب«الفراشة» (أي الذين يفرشون البضاعة على الأرض) يثيرون غضب أصحاب المتاجر الذين يرون فيهم منافسة غير مشروعة تهدد رقم أعمالهم. وينتشر هؤلاء في طرقات المناطق الراقية كما في الأحياء الشعبية على طول أسوار الرباط الأثرية؛ فيعرضون بضائعهم على العربات أو يبسطونها أرضا ويبيعون الخضار والفاكهة والأسماك والملابس والهواتف المحمولة وأفلام «دي في دي» مقرصنة. وتحاول السلطات حاليا تفادي فرض القانون والعقوبات حتى لا تعرض السلم الاجتماعي النسبي الذي يسيطر في المغرب للخطر. فذكرى وفاة بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي المأسوية التي أطلقت «ثورة الياسمين» في تونس وأطاحت بنظام بن علي، ما زالت تخيم على البلاد. وكان البوعزيزي بعدما ضاق ذرعا بإهانات الشرطة المتكررة له، قد أحرق نفسه في 17 ديسمبر الماضي في سيدي بوزيد. وفي المغرب توفي خباز في السابعة والعشرين من عمره في شهر أغسطس بعدما أحرق نفسه في مدينة بركان شمال المملكة احتجاجا على رب عمله السابق. وبسحر ساحر، لم تؤد خطوته تلك إلى أية حركة اجتماعية. بالنسبة إلى الحسن الأدشر أحد تجار الرباط، فإن «السلطات لا تجرؤ على طردهم وقمعهم خشية أن يأتي هؤلاء الباعة المتجولون بردود فعل عنيفة». وهو يرى أن «السلطات لا تريد اختلاق مشاكل مع الناس وتنتظر أن تهدأ الأمور في البلدان الأخرى حتى تتحرك». في الواقع انخفض عدد هؤلاء الباعة في شوارع المدن الكبيرة بعد ذروة سجلت خلال شهر رمضان المنصرم. في تونس، برزت هذه الظاهرة نفسها بعد سقوط نظام بن علي في يناير واستمرت إلى الأول من سبتمبر عندما منعت وزارة الداخلية التونسية الباعة المتجولين من بسط بضائعهم عشوائيا في شوارع تونس إثر شكاوى تقدم بها مواطنون. الأخصاص بوشطا بائع متجول قصد الرباط من بنجرير (الجنوب) الفقيرة. هو يدافع عن عمله قائلا «من الأفضل القيام بذلك بدلا من السرقة والسجن. لدي خمسة أفواه لأطعمها». البطالة (%30 لدى الشباب) والفقر مستوطنان في هذا البلد الذي يحصي 33 مليون نسمة لا تستفيد من نظام حماية اجتماعية. كذلك فإن النزوح باتجاه المدن كبير. منذ ساعات الصباح الأولى يحتل «الفراشة» الشوارع حتى ساعة متأخرة من الليل. وبحسب دراسة نشرها أخيرا المرصد الوطني للتنمية البشرية فإن هؤلاء «الفراشة» هم من النساء ومن الشباب الذين لا يعملون ومن أصحاب الشهادات الذين لم يجدوا وظائف ومن الموظفين الصغار والمهاجرين. وفي تصريح لوكالة فرانس برس يوضح وزير الاتصالات خالد الناصري أن «الحكومة سوف تعالج المسألة بشكل مناسب من خلال الحوار وذلك بهدف المحافظة على المصالح المشروعة لأصحاب المحال وللباعة المتجولين، في جو من الهدوء والسلام». وفي مايو كان التجار الذين يخضعون لنظام الضرائب في الرباط ومراكش وأغادير والدار البيضاء وفاس (وسط)، قد تظاهروا أمام البرلمان بأعداد كبيرة استنكارا لهذه «الظاهرة» التي تؤثر سلبا على أعمالهم. ويشكو حميد اعريش رئيس تجمع مركز المأمونية التجاري أحد أبرز المراكز في الرباط من أن «الباعة المتجولين أصبحوا باعة ثابتين يشوهون جمالية شوارع الرباط وسمعتها... هم لا يحترمون القانون ويعطلون حركة السير ويلوثون البيئة». ويشير إلى أنه «عندما نعترض على تواجدهم أمام محلاتنا يشهرون فورا سكاكينهم».