عندما يحصل الطالب المغربي على الإجازة من الجامعة يفرح قليلا لأنه أنهى مسارا طويلا من الدراسة و المعاناة في شتى أنواعها؛ مع الحافلات، المنحة أو الأرجح المحنة، السكن، التغذية(..) وفي ظل ظروف بئيسة لا حصر لها ليحصل في الأخيرعلى تلك الشهادة التي كانت في يوم من الأيام وسيلة مباشرة للترقي الإجتماعي للأسر قبل أن تفرغها سياسات الدولة من مضمونها، وتحولت إلى تذكرة ذهاب سريعة نحو البطالة والجلوس على المقاهي أو للإعتصام على أبواب العمالات والبرلمان للمطالبة بحق من الحقوق المشروعة في كل المواثيق الدولية والو طنية، بينما ينظر إليه المسؤولون مثل متسول أو لص خطير يريد أن يمد يديه في جيوب سراولهم، فيلجئون إلى جيوش من الشرطة والمخازنية لقمع كل من تجرأ وسولت له نفسه إزعاجهم بصراخه على أبوب مكاتبهم المكيفة، لأنهم لا يدركون ولا يريدون أن يدركوا أن المطالبة بالشغل حق وليس منة، وأنهم لن يدفعوا أجورنا من جيوبهم بل نحن من ندفع أجورهم وامتيازاتهم الخيالية من عرق جبين أبائنا وأمهاتنا، وعندما يصير مصير أحدنا إلى هذا الواقع لا بد أنه سيتذكر شريط حياته في لحظة معينة اجتاحها العبث والأسى ، فيتذكر تلك الأيام التي ننهض فيها باكرا، لنفطر بالزيت والخبز والشاي ونأخذ معنا خبزة حافية في المحفظة التي نحملها من المكان الذي رميناها فيه لما غلب النعاس جفوننا البارحة، نغادر في البرد باكرا مرفقين بدعوات الأهل الذين ينظرون إلينا كمشروع مربح في المستقبل عندما يفتح الله علينا من أبواب رزقه؛ نعمل ونربح كثيرا (..) ، نصعد في حائط المدرسة إذا وجدنا الحارس الذي لانحبه أغلق الباب ، نتسلل خوفا من أن يرانا الحارس العام. نحك النبتة الكريهة الرائحة عند أستاذ الإنجليزية الذي يصر على أننا أبلد قسم مر على يده إلا أننا اكتشفنا أنه يقول نفس الكلام لباقي الأفواج والأقسام ، نسخر من أستاذ التربية الإسلامية الذي يصر على عزل البنات عن الأولاد وتطبيق سياسة الفصل لدواعي البيداغوجيا كما يقول ، فنشاكسه كل مرة ندخل إلى حصته بالعودة إلى سابق عهدنا ، ولما يدخل حتى ينهرنا ثم يشرع في إعادة فصلنا ، فتضيع ربع الحصة في ذلك ، نحب أستاذ العربية لأنه لايتشدد معنا في الحراسة أثناء الإمتحان ويدرسنا جيدا والأهم أنه يعطي النقط بسخاء .هكذا كنا وكانت مسيرتنا، شغبنا ، أحلامنا، وجدنا، وهزلنا(..) عملية عبور سريع من الحلم إلى القبح .وولجنا الجامعة بعد الباكلوريا ، إكتشفنا المدرجات والنضالات ، عرفنا أن عصى البوليس مصنوعة من المطاط ، وعلمنا أشياء أخرى كثيرة .درسنا عند الأساتذة المخلصين ، عرفنا المتاجرين في المطبوعات والبحوث ، ومن يهمه تحصيل الطلبة ومن تشغله الطالبات. وتخرجنا من الجامعة، فجلسنا على الحصير بباب الإقليم ننتظر أحلاما أعلنت الإضراب عن العمل .