هل سيبدأ ” الاختناق ” في الرئة الغذائية لأوروبا ، في التلاشي بعدما أعاد ” النفس الثوري ” الذي واكب عمليات التسريع ، بحلحلة الوضعية الحرجة لقطاع الفلاحة بالقطب الجهوي سوس ماسة جنوب المغرب، آمالا واضحة لإنقاذ منطقة باتت مهددة بأزمة المياه، لاسيما الموجهة للري الفلاحي. ويبدو هاجس الخوف من تسرب المياه المالحة إلى الفرشة المائية ، واحدا من أخطر السيناريوهات التي تدفع مدبري القطاع إلى المرور للسرعة الثانية نحو ضمان إنجاز أكبر محطة لتحلية مياه البحر ، بمنطقة ” اشتوكة أيت باها ” ، لتحصين الاقتصاد الفلاحي وسائر الأنشطة المعتمدة على المياه ، في منطقة تشكل ” الخزان الفلاحي للمغرب ” ، ويعتبرها المراقبون ” رئة غذائية ” لأوروبا ، باعتبارها أول مصدر للبواكر بالمملكة بما يمثل نحو 85% من الصادرات بالمغرب ، فضلا عن نسبة 97% من الطماطم ، يتم إنتاجها وفق تقنيات عالية على مساحة إجمالية تصل إلى 28 ألف هكتار. الخزان الغذائي للمغرب.. أزمة الذهب الأزرق وباتت منتجات الفلاحة التصديرية للمنطقة ، تفرض وجودها القوي في السوق الأوروبية ، فضلا عن اقتحام وجهات عالمية أخرى تشهد تنافسية واضحة كأمريكا الشمالية وروسيا ، وهو ما يجعلها فلاحة ذات قيمة مضافة عالية تدر عملة صعبة هامة تساهم في تطوير الصناعة القطاعية والتشغيل ، عبر توفير مناصب دائمة وأخرى موسمية تصل إلى نحو 100 ألف منصب. وتبرز الوضعية الحرجة ، للإمكانيات المائية ، صورة مقلقة في الوقت الذي تسعى هذه الجهود القطاعية للحفاظ على معدلات التأمين الغذائي وتلافي الاندحار الاقتصادي ، حيث سجل متوسط العجز المائي منذ عام 2014 مايناهز 90 مليون متر مكعب سنويا ، ويتعبر الاستغلال غير الرشيد والمفرط ، سببا رئيسيا في ” خنق ” هذه الرئة الغذائية الإستراتيجية. ووفق الصورة التي يظهرها هذا التوجس ، فإن القيمة المحينة لخسائر الرأسمال تصل إلى نحو 03 مليار درهم ، و09 ملايير درهم على مستوى القيمة المضافة ، بالإضافة غلى الانعكاسات المحتملة للوضعية الحرجة على الوظائف بما يناهز مليون يوم عمل دائم. وتشكل أزمة الذهب الأزرق ، التي أرخت بظلالها على هذا المجال الحيوي ، الذي تتراوح به معدل التساقطات المطرية 140 إلى 200 ملم سنويا في المتوسط ، جزءا من وضعية عامة جد مقلقة ، تكشف عنها المعطيات التي أوردها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب ، حيث تقدر الموارد المائية ، حاليا ، بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا ، مقابل 2500 متر مكعب عام 1960 ، ومن المتوقع ، وفق المجلس ، أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول عام 2030 ، وتشير بعض الدراسات الدولية إلى أن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى فقدان 80% من الموارد المائية المتوفرة في المغرب خلال الأعوام الخمسة والعشرين القادمة. بين تدبير الوفرة وتدبير الندرة .. ودفع ، هذا الوضع ،المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، إلى الدعوة لرصد أفضل للاستثمارات في مجال المياه ، من خلال تسريع الاستخدام المكثف للموارد المائية غير التقليدية ، خاصة عبر تعميم تقنية تحلية مياه البحر بالنسبة للمناطق الساحلية. من تدبير الوفرة إلى تدبير الندرة ، تحولت محاولات الإنقاذ بسرعة إلى طي المسافة لبلورة مشروع أكبر محطة لتحلية مياه البحر أريد لها أن تشكل آخر الحواجز ضد الجفاف والعطش ، إذ بات الطلب على الماء يشكل أولوية لضمان تنمية مستدامة لهذا ” الخزان الغذائي ” الكبير. وبموجب هذا الالتزام المتبادل في الإجراء التعاقدي ، سيكون الفلاحون أمام الاستعاضة بالماء المحلى عن المياه الجوفية بما يقدر ب3600 متر مكعب للهكتار بالنسبة للمساحات المزروعة ذات القيمة المضافة العالية ، بالإضافة إلى التقليص من استخراج المياه من الفرشة ، ووضع نظام حصص لضخ المياه من الفرشة المائية بالنسبة لسائر الاستعمالات. كما يهدف الإجراء التعاقدي إلى وضع برنامج لدعم الفلاحين الصغار ، يروم الاقتصاد في استعمال الماء ووضع عدادات ، وإنجاز شبكة متصلة بالري لتزويد الفلاحين الذين يعتمدون على الضخ من الفرشة ، بالماء الكافي. مشروع التحلية يحمل نفسا ثوريا على مساحة تصل إلى 15 ألف هكتار ، يتوقع أن يستهدف مشروع تحلية مياه البحر، حوالي 1500 ضيعة فلاحية ، بتكلفة مالية إجمالية تصل إلى 4.481 مليار درهم تتوزع بين مساهمات الدولة والشريك الخاص ، بالإضافة إلى تكاليف الاكتتاب والربط لولوج خدمات التزويد بماء السقي من لدن الفلاحين ، كما ينتظر أن تبلغ السعة الأولية لمحطة المشروع ، مايناهز 400 ألف متر مكعب في اليوم ، نصفها من المنتظر أن يتم توجيهه لتزويد المنطقة ومحيطها الكبير بمياه الشرب ، عبر استعمال تقنية ” التناضح العكسي ” التحويلية للمياه. فهل سيحمل هذا ” النفس الثوري ” لأكبر مشروع تحلية مياه البحر وطنيا ، حلولا لبلورة سياسة عمومية لتدبير الماء من خلال توجيهها لإحداث تحولات اجتماعية واقتصادية جذرية ؟ هل سيشكل المشروع قاطرة حقيقية لجر استثمارات قطاعية كبرى للحفاظ على ديمومة الطفرة الاجتماعية على مستوى المجال الترابي الكبير الذي يستهدفه مشروع التحلية، في ظل فتح آفاق نحو الجيل الجديد من المشاريع المهيكلة بالمغرب ؟ في ظل الدينامية التي انطلقت بتسريع تنفيذ المقاربات التنموية الجديدة بجهة سوس ماسة ، التي تشكل قطبا فلاحيا حقيقيا بالمملكة ، يظل مشروع تحلية مياه البحر ،رقما أساسيا لتعزيز هذه المعادلة التنموية ذات النفس الجديد ، في أفق تنزيل مخطط ” التسريع الصناعي ” للجهة ، والذي يتضمن حزمة مشاريع ذات بعد استراتيجي ، من شأنها أن تحيل المنطقة ، برمتها ، إلى “منصة للوساطة ” بين الشمال والجنوب، بين المغرب وإفريقيا وأوروبا ، عبر تنزيل مختلف المشاريع الكبرى وتنفيذ المقاربات التي ينتظر أن يكون لها انعكاس على المجالات الاجتماعية والاقتصادية ، عبر توفير فرص الشغل وتثمين موارد المنطقة.