نشرة إنذارية.. أمطار قوية محليا رعدية بالناظور ابتداء من الإثنين    "الجبهة المغربية" ترفض "تهريب" نصوص قوانين إلى البرلمان    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    ترامب يثير الجدل مجددًا.. يدعو لضم كندا كولاية أميركية رقم 51    بن سلمان يستقبل أحمد الشرع في الرياض    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبرانسي" عضويتها من لجنة محاربة الفساد إعلان مدوي عن انعدام إرادة مواجهة الآفة    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    مجلس مقاطعة البرنوصي يحدد جدول أعماله للدورة الاستثنائية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أسئلة الانتقال الديمقراطي.. سؤال الطبقية والاحتقان الاجتماعي
نشر في شورى بريس يوم 12 - 04 - 2016

إن أكبر تجل للانتقال الديمقراطي الحقيقي هو وضع المسألة الاجتماعية على سكة الانفراج للحد من الطبقية ووقف حالة الاحتقان الاجتماعي. بيد أن القبضة الأمنية للنظام المخزني، والسياسة الاحتوائية والتمويهية التي يعالج بها النظام السياسي ملف الطبقية والاحتقان الاجتماعي لا يمكنهما أن يمنعانهما من تصدر قائمة الأولويات. فمهما بذلت الآلة الإعلامية الدعائية المخزنية من جهد للترويج لنموذج تنموي اجتماعي، فإن ذلك لا يمكنه أن يقنع بفعالية الإجراءات المتخذة وجدواها. لذلك فلا المقاربة الأمنية الاستئصالية توقف مدهما، ولا المقاربة الاحتوائية التمويهية تفي بقطع أسبابهما. هذا على مستوى المقاربة، أما على مستوى المداخل فإن جميع الحلول تبقى غير ذات جدوى ما لم يتم اعتماد "مبدأ فصل السلطة عن الثروة" و"مبدأ التوزيع العادل للثروة" لمعالجة مشكل الطبقية والاحتقان الاجتماعي.
في هذه الحلقة الثانية من مقال "في أسئلة الانتقال الديمقراطي" نعالج موضوع الطبقية والاحتقان الاجتماعي من خلال ثلاث اعتبارات وهي: اعتبار أسبابه، واعتبار طبقاته، واعتبار آليات تأطيره.
الاحتقان الاجتماعي باعتبار أسبابه
من خلال استقراء جزئيات وتفاصيل الاحتقان الاجتماعي يتبين أن هذا الأخير يرجع إلى أربعة أسباب، منها ما هو مرتبط بفئات اجتماعية، ومنها ما هو مرتبط بمجموعات سكانية.
• أسباب مرتبطة بفئات اجتماعية
أ- الهشاشة والفقر: يشمل هذا السبب الفئات منعدمة الدخل أو الفئات ذات الدخل المحدود، وقاعدتها في اتساع مستمر وبسرعة كبيرة بسبب ارتفاع كلفة الحياة، الناتج عن الأزمة الاقتصادية العالمية، مما يؤدي إلى عدم القدرة على توفير الحاجات الضرورية وتأمين الغذاء. وفي مقابل ذلك نرى صمت الدولة وعجزها عن حماية هذه الفئة من المجتمع لفشل السياسات العمومية على هذا المستوى، وهذه معضلة خطيرة لأن تداعياتها تؤثر بشكل مباشر على الأمن الاجتماعي العام. تتواجد هذه الفئة في تجمعات سكانية على هوامش المدن وتتكدس في دور الصفيح. وكمثال على فشل السياسات العمومية على المستوى الاجتماعي فشل مشروع القضاء على مدن الصفيح في أفق 2008 الذي عرف إخفاقا كبيرا على مستوى وتيرته وفعاليته. في مقابل ذلك يتم تسريع وتيرة مشاريع كبرى لا تعتبر أولوية أمام تحدي الهشاشة والفقر (تي جي في نموذجا).
ب- العطالة: ويمكن التمييز بين عطالة "حملة الشواهد" وعطالة "اليد العاملة".
بالنسبة لعطالة الشواهد: هذا المشكل الاجتماعي يثبت فشل الدولة على ثلاث مستويات هي:
- مستوى تعليمي: حيث أن الدولة بسياساتها التعليمية تخرج أفواجا من العاطلين لا يستجيب تكوينهم لمعايير الجودة والفعالية والتأهيل، وبالتالي يصعب اندماجهم في سوق الشغل بشكل سريع، كما أن وجود نوعين من التعليم بالمغرب، العمومي والخاص، يعيق هذه الإمكانية في وجه خريجي التعليم العمومي ولا يخفى ما في هذه الازدواجية من ظلم من حيث تكافئ الفرص.
- على مستوى ملائمة التعليم لمتطلبات سوق الشغل: حيث أن معظم التكوينات لا تستجيب لسوق الشغل، وهذا ناتج عن افتقاد الرؤية الإستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والافتقار إلى البنيات الأساسية والأطر الكافية لانجاز هذه المهمة.
- على مستوى التشغيل: عجزت الدولة عن توفير مناصب شغل لأطر كلفت ميزانية الدولة مبالغ هامة، ولم تستطع مع ذلك الاستفادة منها بالشكل المطلوب. ناهيك عن الطريقة التي يدبر بها ملف التشغيل، والتي تخضع لمنطق المحسوبية حزبيا أو عائليا، أو الرشوة لمن له القدرة على دفع مبالغ مالية كبيرة.
تتم معالجة هذه المعضلة من طرف المعطلين إما بالهجرة إلى الخارج حيث لا يتم الحديث عن "نزيف الأدمغة" من قبل الدولة، وتكتفي بالحديث فقط عن "الهدر المدرسي"، أو من خلال الاحتجاج في الشارع العام عبر مجموعات لا يخلو الشارع منها، وهي عنوان بارز على فشل منظومتي التعليم والتشغيل.
بالنسبة لعطالة اليد العاملة: ترتبط عطالة هذه الفئة من المجتمع بمبررات أهمها:
- عدم وجود فرص للشغل: ويفسر هذا بغياب تصور عملي للاستثمار حيث تسود ثقافيا الرغبة في تكديس الأموال عوض استثمارها في مشاريع توفر فرص شغل لليد العاملة، وتدر الربح على أصحابها، أو تفضيل الاستثمار في مشاريع صغيرة ومتوسطة تضمن عدم المغامرة برأس المال. أما بالنسبة إلى الرأسمال الأجنبي فإن القيود والعراقيل الإدارية التي توضع في وجهه تدفعه إلى الرحيل إلى بلدان الجوار، لأن ثقافة الرشوة وسلوكها أصبحا متحكمين بشكل كبير في مراكز القرار الإداري، وهذه من أكبر المعيقات التي تحول دون تسريع عجلة الاستثمار في المغرب. علاوة على المعيقات الإدارية هناك النظام الضريبي بالمغرب الذي يفتقد إلى الصرامة اللازمة والشفافية المطلوبة.
- تدني الحد الأدنى للأجور: هذا الإشكال مرتبط بروح الاستغلال الرأسمالي لدى أرباب الشركات والمصانع، حيث يفضل رب العمل اليد العاملة النسائية على غيرها نظرا للحاجة الملحة التي تدفع المرأة التي تعول أسرتها إلى القبول بالأجر الزهيد، وأيضا لعدم قدرتها على الانخراط في نسق احتجاجي بحكم التزاماتها الاجتماعية وتخوفاتها من تهديد مصدر رزقها.
- غياب شروط مناسبة للعمل: يعرف القطاع الخاص بالمغرب فوضى وعدم هيكلة تجعله بعيدا عن المراقبة، وبالتالي عدم ضمان حقوق الطبقة العاملة، وغياب شروط سليمة للعمل خاصة الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية والتعويض عن الحوادث وساعات العمل الإضافية، وغياب حوافز في الشغل، كل هذه الأسباب تدفع في اتجاه رفض الاستغلال من طرف رب العمل.
ت- اضطراب القدرة الشرائية: يرتبط هذا السبب بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل، حيث أدى ارتفاع تكلفة الحياة الناتج عن التحولات الاقتصادية، واستقرار الدخل الفردي إلى صعوبة وعدم القدرة على ضمان وتوفير مستوى من العيش الملائم. وهذه الفئة تجسد المفهوم الجديد للفقر أو الأشكال الجديدة للفقر، خاصة على مستوى توفير السكن والتعليم المناسب للأطفال والخدمات بالأساس، وقد أدت التحولات الاقتصادية إلى إفقار هذه الفئة فاتسعت الهوة بينها وبين الفئات الغنية. غالبا ما تقابل هذه الفئة هذا الوضع باختلاق أنشطة موازية تمكنها من إحداث توازن في قدرتها الشرائية، أو تلجأ إلى القروض الاستهلاكية التي تشجع منطق الاستهلاك وتسهل سبله.
• سبب مرتبط بمجموعات سكانية
ج- التهميش والعزلة: امتدت الأطروحات الاستعمارية المتمثلة في التقسيم الجغرافي "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع" إلى السياسيات المجالية والاجتماعية لمرحلة ما بعد الاستقلال العسكري، حيث بدا واضحا الغياب التام لسياسات اقتصادية واجتماعية مندمجة تروم إحداث توازن بين مختلف الجهات بالمغرب، فتم التركيز فقط على جهات معينة في غياب الاهتمام بالمناطق النائية كالجهة الشرقية ومناطق الأطلس والريف، إذ لا زالت بعض المناطق تفتقر بشكل كبيير إلى الحاجات الأساسية لسير الحياة العادي من طرق ومدارس وكهرباء وماء صالح للشرب. مما يدفع بهذه الأخيرة إلى النزوح صوبالحواضر تتكدس في تجمعات سكانية على هامش المدن في ظروف مهينة للكرامة الآدمية ولا تراعي الشروط الإنسانية والأخلاقية. هذه الوضعية تهدد بانفجار خطير في المستقبل نظرا لاتساع قاعدة هذه الشريحة من المجتمع. لقد كان التقسيم الاستعماري مبني على أساس جغرافي لتمركز الخيرات المستهدفة من قبل الأطماع الاستعمارية الفرنسية، إلا أن المغرب في ظل الوضعية الحالية يخضع لتقسيم اجتماعي طبقي خطير بغض النظر عن تواجدها وتمركزها الجغرافي.
الاحتقان الاجتماعي باعتبار طبقاته
السياسات الاجتماعية لمغرب ما بعد الاستقلال العسكري لم تكن وفية لروح المواطنة، حيث فقرت المواطن المغربي عوض إغنائه وفاء وعرفانا لنضاله ضد الاستعمار. فبعدما تحرر المواطن المغربي من قبضة الاستعمار وجد نفسه في قبضة عدو أشد خطرا وفتكا هو الفقر المدقع. إن ما وصل إليه الوضع الاجتماعي هو نتيجة حتمية لسياسات عمومية فاشلة بدأت أكثر من خمسين سنة، زاد من حدتها الأزمات الاقتصادية التي يمر منها الاقتصاد العالمي ويتأثر بها المغرب بشكل مباشر أو غير مباشر، ناهيك عن احتكار الموارد التي تزخر بها البلاد وسوء تدبيرها. تلك السياسات الاجتماعية الفاشلة قسمت المغرب إلى طبقات أساسية يمكن رصدها شكليا من خلال بنية العمران في المغرب. كما تتحدد هذه الطبقات بمستوى الدخل والمستوى التعليمي. لكنها تتقاسم جميعها حالة الاحتقان بصيغة تناسب وضعيتها الاجتماعية، ويمكن أن نميز بين مستويين من الاحتقان "احتقان طبقي" عمودي تقوم فيه الثروة على مستوى غياب التوزيع العادل بدور مركزي، و"احتقان طبقي" أفقي تقوم فيه عوامل التنشئة الأخلاقية بدور كبير، كما يؤثر بدوره على التنشئة الأخلاقية في إطار علاقة جدلية بين الثروة والأخلاق. وهذه الطبقات هي:
- "طبقة المغرب المهمش": التهميش الاجتماعي الذي يحدث احتقانا خطيرا لا يقل خطورة عن التهميش المجالي، ولعل هذه الطبقة تمثل القاعدة العريضة من سكان المغرب، لم تمنح لها فرصة عادلة لتلقي تعليم مناسب، ودخلها الفردي، المنعدم في بعض الأحيان، بالكاد يضمن لها الاستمرار وموقع أقدام تحت أشعة الشمس. هذه الطبقة الاجتماعية لا تحتج على وضعيتها مطلقا، بقدر ما تتفاعل داخل بنيتها الخاصة في إطار ما يسمى ب"أحزمة الفقر". الحركة الاحتجاجية تفقد الكثير من قوتها لإهمالها هذه الفئة العريضة من الشعب. تعيش هذه الطبقة الاجتماعية وضعية نفسية خطيرة نتيجة الضغط الإقصائي الذي يمارس عليها اجتماعيا واقتصاديا، حتى أصبح الإقصاء جزءا ومكونا أساسيا في بنيتها النفسية، ولا تبحث إلا عن الحماية الجسدية، أما الحصانة النفسية المتمثلة في الكرامة الآدمية فإنها ممتنعة ما دامت وضعيتها المادية على ما هي عليه. تتميز هذه الطبقة بالعنف المادي كما تعرف هذه الأخيرة انتشارا خطيرا للجريمة والجهل والأمية والأمراض والأوبئة وسطها.
- "طبقة المغرب الكادح": تلقت هذه الطبقة تعليما بكل سلبياته، وتحرز دخلا ماديا يتفاوت بحسب مستواها التعليمي، وبحسب الفرص الاقتصادية المتاحة لها، هذه الطبقة الاجتماعية من طبقات المغرب وهي شريحة وإن لم ترق على مستوى قاعدتها إلى طبقة المهمشين إلا أن تمركزها في تجمعات سكنية تتميز بالقرب يجعل منها كتلة منسجمة غير راضية على ذاتها، وفي إطار البحث الدائم والمستمر على وسائل تحقيق الرفاهية الممتنعة، خاصة على مستوى الاحتياجات الأساسية كالتعليم والتطبيب والسكن ووسائل النقل. هذه الطبقة موجودة في جميع أشكال الاحتجاج الاجتماعي لكن الروح الاحتجاجية لم تسري بعد في كامل أجزاء جسدها بسبب الانشغال الدائم بتحسين الوضعية، أو المحافظة على وضعية شبه مريحة نوعا ما، رغم أن هذه الفئة لها ميولات انطوائية بسبب الخوف على مصالحها إلا أن كل فرد من أفراد هذه الطبقة يعيش في إطار محيطه الاجتماعي الضيق تجربة احتجاجية خاصة تكون في بعض الأحيان الاحتجاج على الاحتجاج الاجتماعي العام نفسه من حيث إيقاعه وفعاليته.
- "طبقة المغرب المستبد": هذه الطبقة من الطبقات الاجتماعية المستبدة بالثروة تعيش وضعا خاصا، وهي بطبيعتها منغلقة على ذاتها وهي في عمومها امتداد ثقافي ومادي مصلحي للغرب داخل المغرب. تتلقى هذه الطبقة تعليما غربيا في عمومها. تعيش هذه الطبقة احتقانا خاصا على مستوى بنيتها الداخلية بسبب "صراع المصالح"، وبسبب "صراع مراكز القوة" بشكل كبير. هذه الطبقة تعيش وضعا نفسيا قلقا جراء حرصها الدائم على استمرار وضعها المادي والاقتصادي على ما هو عليه وتستعين في هذا بطبقة أطلق عليها اسم "طبقة المغرب الذيلي" وهي إفراز مصلحي ل"طبقة المغرب الكادح". تعيش هذه الطبقة وضعية مضطربة جراء تبعيتها ل"طبقة المغرب المستبد"، وتتميز هذه الطبقة بالقابلية السريعة لجميع الموبقات الأخلاقية بحكم حرصها على التقرب من طبقة "المغرب المستفيد" وخدمتها وبذلها في سبيل ذلك كل ما تملك من قيم المروءة والأخلاق. كما تعيش هذه الطبقة احتقانا خطيرا على المستوى الأخلاقي بسبب "صراع المواقع" فيما بين أفرادها.
تبقى جميع الطبقات سواء "المغرب المهمش" أو "المغرب الكادح" أو "المغرب الذيلي" ضحية طبقة "المغرب المستبد" التي تحتكر الثروة والسلطة معا دون عموم الشعب المغربي.
الاحتقان الاجتماعي باعتبار آليات تأطيره
يمكن حصر آليات تأطير الاحتقان الاجتماعي في ثلاث مستويات:
1- المستوى النقابي: رغم الضغط الذي تشكله الحركة النقابية في المغرب إلا أن هذه الأخيرة لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكنها من تصعيد نضالاتها من أجل أن تفرض على نظام الدولة التغيير في سياساتها الاجتماعية وذلك بسبب:
- بنية الحركة النقابية المتسمة بالتشرذم التنظيمي والتصوري الذي يستفيد منه المخزن في المقام الأول للإبقاء على الحركة النقابية ضعيفة وغير موحدة.
- أدوات الاحتواء والاختراق المخزنيين.
- ارتهان الأبعاد النقابية إلى الحسابات السياسوية.
- غياب التأطير النقابي الناتج عن انعدام الشفافية وبالتالي فقدان الثقة في جدوى العمل النقابي.
هذه الأسباب وغيرها تبقي على الحركة النقابية ضعيفة تجعل جل همها الصراع فيما بينها عوض توجيه الجهد وتوحيده ضد السياسات الاجتماعية للدولة. لكن مع هذا فإن الاحتجاج النقابي ينذر بتصاعد وتيرة الاحتقان الاجتماعي في صفوف الطبقة العاملة. والملاحظ أن هذا الاحتجاج يشمل عددا كبيرا من القطاعات الهامة في البلاد مما يدل على وجود أزمة حقيقية تمس جميع قطاعات المجتمع الحيوية، كما يدل على فشل الدولة في تدبير هذه الإشكالية وإيجاد صيغة توافقية للخروج من الأزمة.
2- المستوى الميداني: عرفت الآونة الأخيرة عددا هاما من المظاهرات الاحتجاجية الناتجة عن سياسات الدولة الاجتماعية خاصة في المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية، ولعل هذه الاحتجاجات هي الأكثر خطورة والأكثر تهديدا لاستقرار البلاد، لعدم خضوعها لضوابط قانونية، حيث بلغ بهذه الاحتجاجات حدود التهديد بالهجرة الجماعية إلى دول مجاورة، أو الدعوة إلى إذكاء الروح الانفصالية خاصة في مناطق الشمال والجنوب. هذا النوع من الاحتجاج يهدد الأمن والاستقرار بشكل كبير. لكن النظام السياسي لا يتعامل بشكل جدي وبالمسؤولية المطلوبة مع هذه المؤشرات التي تسير في اتجاه التصعيد يوما بعد يوم، ويفضل في المقابل انتهاج سياسة النعام التي لا يجدي نفعا. تتأطر الاحتجاجات بشكل عفوي في المناطق البعيدة عن المركز، وتتأطر في جمعيات وتنسيقيات في التجمعات الحضرية.
3- المستوى الأخلاقي: لعل هذا النوع من التأطير الاحتجاجي لم يلق الاهتمام اللازم، وذلك لكونه يشتغل وفق منطق خاص يجعله بعيدا عن أضواء الإعلام ورقابة المجتمع، إلا ما كان من التفاتات إعلامية من حيث كونه ظاهرة من ظواهر المجتمع وليس شكلا من أشكال الاحتجاج الاجتماعي. وهو في نظري لا يقل خطورة عن سابقه لأنه متعلق بقيم المجتمع، حيث إن فئات عريضة لا تحتج على المسؤول المباشر عن وضعيتها المتمثل في جهاز الدولة ونظامها وسياساتها، بقدر ما تحتج على المجتمع بالانتفاضة على قيمه ومثله التي تشكل جوهر بنائه واستمراره، وهنا تكمن خطورة هذا النوع من الاحتجاج، حيث يتم نسف المجتمع من أسسه، وهذا مقصود من قبل جهات متعددة تتقاطع مصالحها على هذا المستوى، وهو نتيجة حتمية لسياسات التفقير والتهميش.
ولعل أبرز تجلي لهذا النوع من الاحتجاج هو محاولة القضاء على الفقر بطرق غير مشروعة كالسرقة وتجارة المخدرات والمتاجرة في الأعراض البشرية، حيث إن عددا مهما من الأسر المغربية تعيش على هذا النوع من الأنشطة، الذي يفضله البعض لأنه وسيلة سهلة للاغتناء السريع. والأخطر في هذا الأمر هو سكوت الدولة عن هذا النوع من الاحتجاج، بل نجدها تشجعه من خلال إغماض العين عن تورط مجموعة من الشخصيات في تجارة المخدرات، إلا ما كان في إطار تصفية الحسابات، وتكوين شبكات الدعارة والمتاجرة بها في الداخل والخارج، وجعلها وسيلة من وسائل الاستقطاب السياحي من قبل المنعشين السياحيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.