شهدت الآونة الأخيرة بالمغرب، تنامي الحركات الاحتجاجية ذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية ،وهدا في تقديري الشخصي اكبر برهان على صحة ومعافاة المجتمع المغربي وحركيته، والتي تنم بشكل كبير على مستوى النضج الذي وصلته الجماهير الشعبية بالمغرب . شهدت الآونة الأخيرة بالمغرب، تنامي الحركات الاحتجاجية ذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية ،وهدا في تقديري الشخصي اكبر برهان على صحة ومعافاة المجتمع المغربي وحركيته، والتي تنم بشكل كبير على مستوى النضج الذي وصلته الجماهير الشعبية بالمغرب . إن الاحتجاجات لم تعد محصورة ومقوقعة في مواقع النضال الكلاسيكية –المدن الكبرى العمالية – بل امتدت إلى المناطق المهشمة والتي يفرض فيها المخزن هيبته بسياسة التعسف والاستبداد منذ عقود . إذ أنها أصبحت لاتقتصر على رقعة جغرافية بعينها ،أو فئة اجتماعية بعينها ،بل أصبحت تعم كل المناطق وكل الفئات .وهذه الاحتجاجات هي تعبير من طرف فئات ومناطق واسعة بالبلاد ، عن رفض الأوضاع القائمة ،والتي تتسم بالطبقية وغياب العدالة الاجتماعية واستحواذ أقلية قليلة من المغاربة –المخزن الاقتصادي- على ثروات البلاد مع رفض أي اقتسام عادل للخيرات الوطنية -والتي هي ملك للجميع - مستفيدة من الامتيازات واقتصاد الريع . فتأسيسا على ما قلت إن الاحتجاجات والتي تعتبر شكلا من أشكال التعبير الحضاري عن الرأي، تروم فضح الاختلالات القائمة في المجال الاجتماعي والاقتصادي ، و تسعى إلى تحقيق مطالب معينة ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي . وهي - أي الاحتجاجات- ليست وليدة الانفتاح الديمقراطي واتساع هامش الحريات كما يروج البعض، .بل هي ضرورة موضوعية افرزها الصراع الطبقي ، وما وصلت إليه الجماهير الشعبية من قهر ومعاناة .إن محرك الاحتجاجات هو عامل موضوعي ويتمثل في ارتفاع نسبة الفقر ( المغرب يحتل الرتبة 126 في سلم التنمية البشرية ) فعدد المغاربة التي يعيشون تحت عتبة الفقر تجاوز الستة ملايين. و المعاناة من سياسة القهر الطبقي أصبحت تعم كل الطبقات بما فيها الطبقة المتوسطة، والتي كانت تعيش في بحبوحة من النعيم سنوات الخمسينات و الستينات والسبعينات. أن الحركات الاحتجاجية بالمغرب والتي تعتبر موضوع هذه المساهمة ، تختلف من حيث الأهداف والوسائل والمرجعيات . لكن قاسما بنيويا على الأقل يجمعها، وهو نقل الاحتجاج والسخط من السياسات اللاشعبية إلى الفضاءات العمومية ( ساحات –أسواق –محطات إدارات ..) بوسائل سلمية وحضارية راقية. و يبقى من ابرز الحركات الاحتجاجية ، على الأقل في الوقت الراهن : تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية .فكيف ظهرت هذه التنسيقيات ؟ وما هي اهدافها ؟ وما هي مرجعيتها ؟ إن ظهور التنسيقيات المحلية لمناهضة غلاء الأسعار جاء في وقت أصبحت فيه النقابات تعاني التمزق والتفتت، بفعل سيادة النزعة الزعامية –أزيد من 25 مركزية نقابية - مما ساهم في ضعفها و تحييدها لتبقى الساحة فارغة ، ولتفقد بذلك الجماهير الشعبية مساندا كان دائما يرفع مطالبها . ولتجاوز هذه الانتظارية القاتلة التي دخلت فيها النقابات التي أصيبت بالوهن والضعف، بعد دخولها في سلم اجتماعي معلن/ غير معلن . أطلق المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مبادرة جريئة تتمثل في تنظيم أسبوع وطني ضد الفقر في بداية شهر أكتوبر 2006 والذي انخرطت فيه اغلب فروع الجمعية بحماسة.( وقفات، ندوات..إما بشكل منفرد أو بتنسيق مع إطارات ديمقراطية ) .وبعد هذا الأسبوع النضالي مباشرة اخدت التنسيقيات المحلية تظهر تباعا لتعم كل المغرب . إن ظهور تنسيقيات مناهضة الغلاء بالمغرب سنة 2006 جاء في ظرفية اتسمت باستمرار الدولة في الهجوم على ما تبقى من مكتسبات اجتماعية ، وقد استطاعت في زمن قياسي أن تعبئ شرائح واسعة من المجتمع، وتؤطرها في معارك اجتماعية واقتصادية محضة . وبالتالي فان ظهور التنسيقيات حتى وان كان بدعوة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، وحتى وان كانت فروع الجمعية قد ساهمت في تشكيل التنسيقيات المحلية ولعبت أدوارا ريادية مهمة فيها .فان التنسيقيات لا يحب النظر إليها على أنها ترف فكري من اجل الدفع بعجلة الاحتجاج للاحتجاج كما يعتقد البعض . بل هي ضرورة موضوعية أملتها سياسة القهر الطبقي التي أوصلت غالبية الشعب المغربي بجميع فئاته بما فيها الطبقة المتوسطة، إلى وضعية لا يحسد عليها.إن التنسيقيات تدرك جيدا مهامها وأهدافها فهي حتى وان رفعت شعارات سياسية أحيانا، فنظرا للعلاقة الجدلية التي تربط ما هو اجتماعي واقتصادي بما هو سياسي . وهو علاقة لا يمكن القفز عليها بتاتا .فالشعب المغربي وصل إلى ما وصل إليه من ترد لأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ، نتيجة لسياسات معينة ، وبالتالي فحين تحتج التنسيقيات على أوضاع اقتصادية واجتماعية بعينها ،فهي تحتج بالضرورة على السياسة المسؤولة عن هكذا اواضاع، إن احتجاج تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار هو احتجاج من جهة ضد ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، ومن اجل توفير خدمات عمومية مجانية وجيدة للفقراء. وضد سياسات الدولة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه 1- الاحتجاج ضد غلاء المعيشة: إن الرقم الاستدلالي للمعيشة في المغرب ارتفع بنسبة مهمة حسب المعطيات والإحصائيات الرسمية، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى الارتفاع الصاروخي المهول في الأسعار. وهذا أمر منطقي طبعا ، فمند أن اختارت الدولة سياسة التقويم الهيكلي سنة 1983 تكون بذلك قد اختارت ضرب الخدمات الاجتماعية والإجهاز على القدرة الشرائية لأوسع الجماهير الشعبية –بمبرر تفادي اختلال بالتوازنات المالية – إن الجماهير الشعبية لم تبق مكتوفة الأيدي أمام ما يحاك ضدها من مخططات طبقية إذ سلكت سبيل المواجهة ، وعبرت عن رفضها لهذه السياسة الطبقية بانتفاضتين مجيدتين : انتفاضة 24 يناير 1984 وانتفاضة 14 دجنبر 1990 . كما استمرت مقاومة هذه السياسة الطبقية بكل الوسائل هنا وهناك .لكن في سنة 1999( في عهد حكومة اليوسفي للأسف)وبعد صدور قانون حرية المنافسة وتحرير الأسعار، الذي أطلق العنان لضرب قوت الجماهير وأذان باستقالة الدولة من مهمة مراقبة التلاعب في الأسعار،مما أدى إلى تفاقم غول الغلاء والغش في اثمنة المواد الأساسية التي كانت تخضع للمراقبة . ومما زاد الطين بلا كما يقال ،الرفع من نسبة الضريبة على القيمة المضافة TVA الشيء الذي ساهم في ارتفاع مجموعة من المواد الأساسية والخدمات ( الماء –الكهرباء –الزيت –السكر –القطان- مواد البناء –الأدوية –الخدمات البريدية ...) إن الجماهير المسحوقة لم تبق مكتوفة الأيدي أمام هذا الهجوم الخطير على قوتها اليومي ، فقد فجرت هبات اجتماعية بمختلف المدن والقرى ، تعبيرا عن إدانتها لسياسة الدولة ،والتي تمعن في تفقيرها وتجويعها . إن الوضع يبقى مرشحا في للمزيد من التذمر الشعبي مادام أن هناك هجوم تدريجي على صندوق المقاصة في أفق إلغائه –حاليا صندوق المقاصة يدعم فقط ثلاث مواد هي غاز البوطان والدقيق العادي والسكر – ولتجلية الأمر فقد أطلق منظرو البورجوازية والفكر الليبرالي مؤخرا ،عدة صيحات مؤداها أن صندوق المقاصة يشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة، وبالتالي يجب حذفه. إن هذا المخطط إذا تم تمريره فسيضطر المواطن إلى شراء المواد المدعمة المشار إليها سابقا –دقيق عادي ، سكر ، غاز البوطان- بثمنها الحقيقي- وهذا ما يعتبر صعب المنال على الأقل بالنسبة لربع المغاربة ( أزيد من ستة مليون تحت عتبة الفقر) . 2-تدمير الخدمات الاجتماعية: لا احد أصبح ينكر ما تتعرض له الخدمات العمومية من تدمير( الصحة- التعليم -السكن -النقل ...) فعلى مستوى التعليم هناك إجهاز خطير على الحق في المجانية . إذ أن التعليم ببلادنا للأسف أصبح يتحول رويدا رويدا من كونه حق للجميع ، إلى كونه سلعة ستوفر لكل من يدفع . فهناك إجهاز تدريجي على الحق في المجانية، وقد اتخذ الأمر أبعادا خطيرة مع ما يسمى بالميثاق الوطني للتربية والتكوين ،والمخطط ألاستعجالي لإصلاح التعليم ، إننا نرى ألان أكثر من أي وقت مضى ، تشجيعا منقطع النظير للمدرسة الخصوصية ،يوازيه تدمير ممنهج وشامل للمدرسة العمومية ، فالدولة أصبحت تقدم عدة امتيازات للقطاع الخاص في طبق من ذهب ( الأراضي بأسعار تفضيلية والتخفيض من الضرائب وإعارة الأطر مستقبلا ....) في حين أن المدرسة العمومية أصبحت تخضع لتدمير كلي (الأقسام المشتركة –الضم :تدريس المعلم الواحد لستة مستويات عربية فرنسية –تدريس المواد المتآخية من طرف نفس الأستاذ في الإعدادي والثانوي –الاكتظاظ في الأقسام والذي يتجاوز أحيانا الستين تلميذا – النقص في الإداريين والأعوان و الأساتذة –غياب البنيات التحتية ....) صحيح أن لا ا حد يجبر أبناء الطبقات المسحوقة لدفع مصاريف التعليم ، لكن اعتقد جازما بأنه لولا وقوف النقابات- حين كان يضرب لها ألف حساب طبعا - أمام ضرب المجانية لكننا الآن في وضع مختلف ولكان أبناء الفقراء يؤدون هذه المصاريف التي يمن بها البعض علينا ألان . إن الدولة لما عجزت عن ضرب المجانية بشكل مباشر، راحت تستعمل كل الطرق الحر بائية الملتوية لتحقيق هذه الغاية.فهاهي ألان تغدق عدة امتيازات على التعليم الخاص ، في مقابل تدمير المدرسة العمومية ، والنتيجة أصبحت واضحة للعيان فالتعليم الخاص ،والذي كان لا يستوعب إلا 3 في المائة في الثمانينات أصبح ألان يستوعب أكثر من نصف المتمدرسين حاليا .وهو مرشح لاستيعاب نسبة اكبر مستقبلا ، لان الطبقة المتوسطة وحتى الفقراء أصبحوا يبعثون بأبنائهم إلى المدارس الخصوصية لضمان تعليم جيد ، يمكن أن يحقق لهم الشغل في المستقبل ، مادام أن التعليم العمومي يخرج إلى الشارع ويدفع حاملي الشواهد إلى الاعتصام أمام البرلمان والوزارات .أما على مستوى الحق في الصحة ، فإذا كان مسلسل الإجهاز عليه قد بدا مع تطبيق سياسة التقويم الهيكلي ،فان أمر المجانية سيحسم سنة 1999 وبعدها سنة 2004 على اثر صدور المنشور المشترك لوزير المالية ووزير الصحة، والذي ضرب بشكل سافر مجانية الحق في الصحة ، وفرض تسعيرات محددة على كل الخدمات الصحية التي تقدمها المراكز الاستشفائية والمستشفيات والمراكز الصحية ، لتحقيق ما يسمى بالتسيير الذاتي لهذه المؤسسات الصحية) (SEGMA.وبالتالي فقد أصبح يتم حرمان المواطنين من حق منصوص عيه في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادقت عليه الدولة المغربية سنة 1976 ،والتزمت بتنفيذ وإعمال بنوده .أما الحق في السكن فانه حق أصبح صعب المنال، خاصة بعد ارتفاع وتيرة المضاربات العقارية والتي ساهم ويساهم فيها المنعشون العقاريون المغاربة والأجانب .الشيء الذي يجعل حاليا أزيد من 2 مليون أسرة محرومة من الحق في السكن اللائق المنصوص عليه في المادة 11 من العهد المشار إليه آنفا . 3- الطابع الجماهيري للتنسيقيات : اعتبارا لكون التنسيقيات تدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات الكادحة – جيوب الكادحين - فقد كان لزاما أن تلقى تجاوبا كبيرا من طرف عموم الشعب المغربي .لذلك نلاحظ انخراطا واسعا من طرف الجماهير الشعبية في أشكالها النضالية ، وبشكل اكبر في المدن الهامشية التي تدخل ضمن المجال الجغرافي للمغرب الغير النافع-.وهي المناطق التي تعاني التهميش على كل المستويات- .لقد نجحت اغلب التنسيقيات في المناطق التي تعاني الإقصاء ،من تعبئة الجماهير الشعبية لفضح الإقصاء والهشاشة والتهميش ، وللمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ليتسنى للجميع الاستفادة من الثروة الوطنية . يضاف إلى هذا أن مرد ومبعث المشاركة المكثفة للجماهير الشعبية في الأشكال النضالية للتنسيقيات ، كون الجماهير رأت في التنسيقيات بحسها ووعيها الطبقي ،أحسن معبر عن طموحاتها ومطالبها . طبعا فالتنسيقيات لم تخيب ظنونها ، فقد استطاعت التنسيقيات بمعية الجماهير الشعبية أن تنتزع بعض المكاسب المادية والديمقراطية ما كان بالإمكان انتزاعها في ظل هذا الهجوم الشرس من طرف نظام اقتصادي ليبرالي متوحش . 4- من اجل استمرار التنسيقيات : إن التنسيقيات المحلية باعتبارها تشكل نموذجا رائعا في التنسيق النضالي بين مكونات نقابية وحقوقية وسياسية وجمعوية ، محتاجة إلى المزيد من الدعم لتعمم في كل المناطق :ولإعطائها شحنة جديدة قادرة على تطويرها ، وهو ما لن يتأتى إلا بالحفاظ على الطابع الاستقلالي للتنسيقيات بعيدا عن الالحاقية أو الهيمنة الحزبية واللتان تعدان من عناصر تدمير الإطارات الجماهيرية .إن التنسيقيات يمكنها أن تتبنى ملفات بعينها حسب خصوصية كل منطقة ( الماء –الثروة الغابوية –مشكل العقار –نهب المال العام –الكهرباء –الصحة –التعليم .....) ولكن على أساس أن تتوحد حول هم مشترك، وهو الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين ، ومن اجل ضمان جودة ومجانية الخدمات العمومية. على سبيل الختم : إن المطلوب من كل المناضلين والمناضلات ،توفير كل الدعم لتنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ، لتستعيد عافيتها وتتجاوز تعثراتها ، لنساهم بذلك في تقوية وتصليب أداة من أدوات المقاومة الشعبية ضد التفقير والتجويع . الصديق كبوري منسق التنسيقية المحلية ببوعرفة .