في أول سنة من الألفية الثالثة، أعلن «التقرير الوطني حول السياسة السكانية»، أن نسبة الفقر بالمغرب وصلت إلى تسعة عشر في المائة (19%)، وأن سبعمائة و ثمانين ألف (780.000) أسرة تعيش فقرها المدقع في تجمعات سكنية غير لائقة بأحياء الصفيح و بمساكن هامشية، وأن عشرين في المائة (20% ) من المباني العتيقة تشكل خطرا على ساكنيها ، وأن قطاعي التعليم و الصحة في حاجة إلى بذل مجهود كبير لإصلاحهما. ويفيد التقرير الصادر عن «اللجنة العليا للإسكان» بعنوان «محاربة الفقر، الحصيلة والآفاق» أن تفاقم الفقر النقدي المطلق بالمغرب، انتقل من 13 % سنة 1991، إلى 19% سنة 2001 حسب نتائج البحث الوطني حول معيشة السكان الذي أجرى، في السنة الأخيرة من القرن الماضي، و يعزى ذلك، إلى تراجع نسبة نمو الدخل الفردي و إلى الجفاف و فقدان العمل والبطالة طويلة الأمد و المرض المزمن و الترمل و الطلاق و غيرها. ويفيد هذا التقرير أيضا، أن سكان العالم القروي، أكثر فقرا من سكان العالم الحضري، وأن جهات في وسط و شرق و غرب المغرب هي الأكثر تضررا من الفقر، كما أن الأسر التي تعيلها النساء و الأطفال تعد الأكثر فقرا. و يقدر هذا التقرير أن عدد السكان الفقراء الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد، قد يصل إلى ستة ملايين نسمة، يمثل سكان العالم القروي منهم حوالي سبعين في المائة (70 %). ويفيد هذا التقرير أيضا، أن الدخل الفردي للمغاربة تطور بوتيرة منخفضة خلال التسعينات من القرن الماضي، و يمكن اعتبار ارتفاع البطالة في المدن خلال هذه الفترة، إشارة واضحة إلى انخفاض دخل الأسر المغربية، خاصة تلك التي يكون الراتب الشهري هو المورد الوحيد الذي تعتمد عليه في تلبية حاجياتها الأساسية. وتبرز معطيات البحوث حول مستوى استهلاك و نفقات الأسر، التي أنجزتها وزارة التوقعات الاقتصادية و التخطيط بالمغرب (خلال السنوات الأولى من الألفية الثالثة)، أن نفقات أغلب السكان تقترب من عتبات الفقر، وتوضح أن الفقر النقدي المطلق ،أصبح يصيب واحدا من أصل خمسة مغاربة في الوسط القروي وواحدا من أصل عشرة بالعالم الحضري. هكذا، تكون العمليات، وبحوث الخبراء المختصين، قد كشفت أن ما يقرب من ثمانين في المائة(80 %) من الأسر المغربية، تعيش فقرها بصمت، وهو أمر لم يندهش له أحد، لأن الذين قاموا بالعمليات الإحصائية، وقدموا معلوماتها التفصيلية، يعلمون أكثر من غيرهم، ان عوامل شتى تضافرت على مر السنين، لم يكن لها سوى خلق المزيد من الفقر، بالنسبة للفئات الواسعة من المواطنين. وبالنسبة للمحللين الاقتصاديين ،أن حالة الفقر التي تفجرت في المجتمع المغربي على مراحل، وبإيقاع تصاعدي، لم تستند فقط على مؤشرات النمو الديمغرافي غير الخاضعة لأي تخطيط، ولكنها أيضا ركزت على عدم توجيه الاستثمارات إلى القطاعات المنتجة، التي تعتمد التوازن و الفاعلية. كما استندت على الإشكالية التي طبعت / تطبع علاقة الجماعات والأفراد بالدولة. وعلى إشكالية تهرب القطاع الخاص من تحمل مسؤولياته وعلى الفساد المتعدد الصفات والأهداف، الذي طبع مرحلة هامة من التاريخ الإداري والمالي والسياسي للدولة المغربية. إن الارتفاع الفاحش للمديونية الخارجية، كارتفاع الفاتورة الطاقوية، وسقوط الأسعار العالمية لكثير من المواد الأولية (منها أسعار الفوسفاط الذي يعتبر منتوجا أساسيا) كارتفاع أسعار الدولار والاورو، وأسعار فوائد القروض، وعوامل إضافية أخرى إلى جانب العوامل السياسية، وعوامل الفساد المالي و الانتخابي والاقتصادي وسعت دائرة الفقر في المغرب، كما قلصت ما كان بإمكان المغرب استثماره في المنتجات الوطنية، وكرست حالة الفقر المتفجرة، لتصبح النتيجة ثقيلة و مروعة في العقد الأول من الألفية الثالثة. إن الفقر و التحولات السوسيولوجية العميقة التي عرفها المغرب انطلاقا من الفترة الاستعمارية (1912-1955) أثرت بشكل هجين وعنيف على بنياته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهو ما أدى إلى شرخ كبير، مس الجسم المغربي التقليدي وعطل إلى حد بعيد بعض وظائفه التي كانت مسندة إلى العائلة بوصفها المقاولة الاقتصادية الأساسية و النواة الثقافية الأساسية أيضا، التي تعيد إنتاج الدورة الرمزية للهوية المغربية. في نظر العديد من الباحثين المغاربة، إن الفقر اللعين قد أدى أكثر من ذلك، إلى تقليص حجم العائلة، و الاتجاه نحو تثبيت الأسرة النووية، والانتقال من نموذج الأسرة الممتدة إلى نموذج الأسرة المكدسة، و ذلك نتيجة الاكراهات الاقتصادية والقانونية وتقليص السلطة الأبوية و تقليص التعايش بين الأجيال، مما أعطى الفوارق الطبقية موقعه على أرض الواقع. ولقد كشفت الدراسات الأكاديمية حول هذا الموضوع، أن الفوارق الطبقية أخذت تشكل كما يعرف ذلك الخاص والعام، عقبة أمام ترسيخ المسلسل الديمقراطي و تعميقه، إذ بينت التجارب الديمقراطية في الدول المختلفة، أن رهان الديمقراطية مرتبط بوجود طبقة متوسطة قوية وواسعة الأطراف والتأثير، فكلما زاد حجم الفوارق الطبقية، تلاشى وزن الطبقة المتوسطة و استعصت إشكالية البناء الديمقراطي، و بالتالي استعصت إشكالية القضاء على الفقر وأسبابه. وكما كشفت هذه الدراسات، أن وجود الفوارق الطبقية الصارخة يشكل عائقا حقيقيا للتنمية الاقتصادية، فالإقلاع الاقتصادي يرتبط دائما بالتخفيف من التشرذم الطبقي. وعلى المستوى العلمي، تكشف بحوث علم الاجتماع، أن تعاظم الفوارق الطبقية يؤدي باستمرار إلى استفحال ظواهر اجتماعية خطيرة، كالسرقة و الإجرام وانعدام الأمن. ويؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي وما ينجم عنه من عنف، كتعبير سياسي ضد الحيف الاجتماعي. وتكشف بحوث علم النفس، أن الفوارق الطبقية تغرس الانحرافات خصوصا أمام تزايد استفزاز الطبقات الميسورة التي تسعى إلى المبالغة في إظهار المؤشرات الخارجية لثرائها. إن بروز ظاهرة «الفوارق الطبقية» يعني علميا، عجزا في التنمية، ويعني إخلالا بالتوازنات الاجتماعية على حساب التوازنات المالية الشاملة، كما يعني تكريس التخلف واتساع رقعة البطالة ورفع وتيرة الفقر المؤدي إلى الجمود والتراجع والركود الاقتصادي. بذلك لم تعد ظاهرة الفقر بمغرب اليوم، عقبة في وجه التنمية فقط و لكنها أكثر من ذلك، أصبحت تقضي على مسلسل الإنتاج والاستهلاك، وتعمل على توسيع دائرة الجريمة والتخلف والأمراض الفتاكة في المجتمع، وتؤسس لأجيال فاشلة وغير قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.