لا يرى المصطافون من أبناء غمارة و الوافدين على شواطئها ، أجمل من مشهد تكسر أمواج المتوسط ، على رمال و أحجار شاطئ اشماعلة و الشواطئ المتوسطية المجاورة الممتدة كيلومترات طويلة ، تكسر به يتذكرون و يتخيلون كيف تكسرت آمالهم ضربة واحدة بعد الاستقلال ، لكن الأمل في تجددها بدأ لما زار ملك البلاد بلدتهم في يوم رمضاني حار بتاريخ 11 غشت 2012 . منذ عشرات السنين ، و على أقل تقدير منذ الاستقلال ، و أبناء غمارة عموما و تيكيساس خصوصا ، ينتظرون بارقة أمل تنتشل منطقتهم من التهميش و الإقصاء ، الذين تعرضت لهما بشكل مقصود كانتقام مما كان لها من صيت و شهرة على مستوى خصوصياتها و مؤهلاتها و مواقفها ، و مما افتخرت به بين القبائل و الأحواز و الجهات ، من سطوع لنجمها العلمي و الصوفي و الجهادي و التراثي ، و منه مشاركة أبنائها في فتح الأندلس و الذود عن الحدود ضد المحتلين في فترات تاريخية مختلفة . انتظارات الساكنة رافقتها شتى أنواع المعاناة و ضروب الدونية ، إذ قلما تجد في ربوع المنطقة ما به الإنسان يعتبر إنسانا ، و البلدة تعتبر وطنا ، من انعدام للمرافق و غياب للمؤسسات و انتفاء لمقومات الحياة الكريمة ، ما عدا ما هو بدائي لا يرقى و لا يليق بالحياة الكريمة لبني الإنسان . و لما طلعت شمس الاستقلال الناقصة نورا و ضياء و شعاعا ، استفاق الأهالي على وعود تبشر بغد أفضل من سابقه ، تمنيهم بالازدهار و التقدم ، فسلموا الأمر لمن يسوسهم محليا و وطنيا ، مصدقين الوعود ، إلى أن توالت عقود “العهد الحسني الزاهر” ، و “الإنجازات الحسنية الخارقة” ، دون أن يحصلوا حتى على “طريق مزفتة” ، و لا على إنارة و لا ماء و لا حبز و لا مدرسة و لا مشفى … و ما كان من استثناءات فهو من بقايا الاستعمار الإسباني تم استصلاحه على عجل ... لم يرد المستعمر المطرود من الوطن لهذا البلد نماءا ولا خيرا . و هكذا توالت عقود الإخفاقات و الشعارات البراقة الكاذبة ، و شتى أنواع وسائل الاستعباد و الحيل المسكنة و المهدنة و المضللة ، في غمرة معركة ترسيخ الحكم ، الذي كادت أن تزلزله محاولات انقلابية سوداء متتالية . و مع حلول عهد سمي بالجديد ، كان موعد الساكنة مع نوع جديد من الشعارات ، يرتدي أصحابها حلة جديدة مغايرة هذه المرة لما سلف من عقود ، فصدق الأهالي الوعود و الشعارات بكل براءة و سذاجة يحذوهم الأمل و الشوق لرؤية “الأقوال مترجمة إلى أفعال” ، و بدؤوا يتسمرون أمام التلفاز مشدوهين بمشهد “ملك الفقراء” يقبل الصبيان و ينحني للعجزة و ذوي الاحتياجات الخاصة ، و يخطب في شعبه ، ناشرا لأمل عريض متجل في مشروعه التنموي البشري الشامل ، و الكل يتخيل متى و كيف سيحين موعد زيارة الملك الشريف الشاب لمنطقتهم المنكوبة و المقصية و المتهمة ، المنكوبة بفعل فاعلين من ذوي الأيادي القذرة و الضمائر الخائنة ، المتعاقبة على حكم المنطقة من مسؤولين “فوقيين و “محليين” . و بعد أن كشفت الطريق الساحلية رغم عللها و انجرافاتها عيوب غمارة و شريطها الساحلي خصوصا ، و عرت ما كان مستورا فيها ، و تبين للعالم أن المنطقة التي ينهبها و يستغلها المفسدون ، مجرد بقرة حلوب ، تنعدم فيها ظروف العيش الكريم و مقومات المواطنة الكاملة ، أشاعت الجهات المعنية إشاعة إمكانية قيام الملك المحبوب محمد السادس ، بزيارة لنقط شاطئية ذات موقع استراتيجي هام و كثافة سكانية كبيرة . فبدأت بالفعل عمليات التجميل المزيفة ، من تجيير و صباغة و تسوية أتربة ، و تشطيب جنبات الطريق ، و جمع الأزبال ، و إرغام الناس على القيام بذلك في بيوتهم و محيطهم ، في أجواء مثيرة للهلع و الخوف ، إذ شوهدت سيارات الدولة من كل الأجهزة تجوب المنطقة ، ذهابا و إيابا لأزيد من شهر ، في صورة حالة استثناء قصوى . و من أجل خلخلة نفسية السكان الرأي العام ، تهييئا و تمهيدا لهم لاستقبال “الحدث العظيم” ، عمدت جهات ما إلى إشاعة أخبار متضاربة ، تارة تفيد بأن الملك سيأتي يوم كذا ، و تارة بأن الملك لن يأتي ، إلى أن شوهدت الإنزالاات و التعزيزات الأمنية تجتاح المنطقة برمتها برا و بحرا و جوا. و فيما يشبه حالة استنفار غير مسبوقة ، أعطيت الأوامر للمقدمين و الشيوخ و المتعاونين لإخلاء المداشر و القرى من الأهالي ، و التوجه نحو الطريق الذي سيمر منه الملك ، و بالضبط في اتجاه اشماعلة ، بواسطة سيارات و عربات كبيرة و متوسطة ، تستعمل عادة لنقل البضائع و مواد البناء و المواشي ، و بفعل الضغط و السرعة المفرطة و خطورة المنعرجات ، انقلبت عربة من نوع مرسدس 207 ، بطريق بني سلمان ، مخلفة 2 قتيلان ، و جرحى كثر ، و أما الحوادث التي لطف الله بركاب سياراتها فكثيرة . و أما عن السرعة الجنونية لبعض السيارات من شتى الألوان ، فحدث و لا حرج ، كان من نتائجها دهس عامل إقليمشفشاون لشاب في مقتبل العمر ، بواسطة سيارة رباعية الدفع . و في صبيحة يوم السبت 11 غشت اليوم الرمضاني المشهود ، توافدت على منطقة تيكيساس الغمارية ، المحددة بديلطا اسطيحات بواحمد اشماعلة و ما بينهم ، توافدت قبائل و قرى و مداشر غمارة الساحلية و الجبلية ، حاملين معهم مطالب و ملتمسات اجتماعية و اقتصادية و فلاحية و إنسانية ، و تظلمات و شكايات ، تترجم معاناتهم و خصاصهم ، و كلهم أمل في أن تتحقق بعد مشاهدتم و “ملاقاتهم” للملك الذي طالما انتظروا حلوله على أراضيهم . فعلا ، لقد انتظرت الساكنة الملك المحبوب بترحيب عظيم ، و انتظرت من مقدمه الكريم أن يكون فاتحة خير على المنطقة ، لكن بعد كل هذه المدة منذ الزيارة التاريخية للمنطقة ، لم يتحقق بعد و لو النزر اليسير من مطالب الساكنة ، المتعلقة خاصة بتوفير المرافق العمومية الضرورية و إنشاء بنية تحتية مناسبة ، و إيجاد فرص الشغل ، و إنشاء معاهد للتكوين المهني ، و تعيين مسؤولين في المستوى المطلوب اللآئق بالمنطقة الاستراتيجية ، و محاسبة المسؤولين المحليين المنتخبين و غيرهم على التفريط و التهاون و الإهمال ، لأنهم محور كل تنمية محلية . إن الزيارة الملكية التاريخية لغمارة اشماعلة لم تستثمر على الوجه الأتم من طرف رؤساء الجماعات و جمعيات المجتمع المدني و الأهالي ، لأنهم لم يعملوا على تسطير برامج و مشاريع قابلة للتطبيق و يعملوا على التسويق لها مركزيا و إقليميا ، للبدء في تنفيذ بعضها و إعطاء نموذج و دليل إمكانية إحداث تغيير متدرج و نوعي في دينامية مسلسل التنمية المحلية المنشودة . الآن ، تلوح في الأفق بوادر انفراج جديدة ، تزامنت مع حلول الذكرى الجديدة لزيارة الملك محمد السادس لاشماعلة ، بعد وصول رئيس متنور إلى إدارة جماعة بني بوزرة ذو رؤية و مقاربة تنموية موضوعية ، تلاه تظافر جهود جمعيات المجتمع المدني و مجلس جماعة بني بوزرة و المجلس الإقليمي ، لوضع خطة عمل طويلة المدى ، تخص موضوع الاقتصاد التضامني و الاجتماعي ، كخطوة أولية سليمة في عملية البناء .