شهدت منطقة العوامة بطنجة موجة بناء عشوائي غير مسبوقة، بعد انتشار «إشاعات انتخابية» تفيد بأن السلطات ستسمح بالبناء هناك دون ترخيص، ما نتج عنه مواجهات عنيفة بين الأمن والسكان أثناء عمليات الهدم، لكن يوم الأربعاء الماضي عرف تطورا ملحوظا لتلك المواجهات، حيث قوبل تدخل عناصر القوات المساعدة بالرشق بالحجارة، لترد بقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أسفر عن جرح عشرات المواطنين واعتقال آخرين، إلى جانب إصابة 57 عنصر أمن بجروح متفاوتة الخطورة. «المساء» تعيد تركيب عناصر الحكاية من البداية في الربورطاج التالي. كما هي عادتها موسميا، لا تمر الحملات الانتخابية في مدينة طنجة دون أن تترك خلفها قضايا عالقة وظواهر اجتماعية تتفجّر دون سابق إنذار، وهذه المرة، أسهمت الحملة الانتخابية الأخيرة، التي عرفت صراعا محتدما أسقط أسماء وازنة ومنعها من ولوج قبة البرلمان، في عودة مشكلة تفشي البناء العشوائي في المناطق الهامشية للمدينة إلى الواجهة. فمباشرة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، انتشرت عمليات البناء بدون ترخيص وبدأ الترامي على الأراضي في منطقتي «العوامة» و«بئر الشفا» بشكل غير مسبوق، بعدما راجت إشاعة غريبة أسهمت السلطات والمرشحون في الترويج لها، بسبب صمتهم عليها إلى حين انتهاء العملية الانتخابية. إشاعة غريبة في غمرة الحملة الانتخابية للاستحقاقات البرلمانية الأخيرة، صدر قرار بإدخال منطقة «العوامة»، التابعة لمقاطعة بني مكادة، إلى المجال الحضري، وعليه، كان لزاما أن تخضع هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها لتصميم تهيئة حضرية جديد، فأصدرت السلطات الولائية قرارا باعتماد مسطرة استثنائية لإنجاز رخص البناء في مدة لا تتجاوز يوما واحدا، وعلى الراغبين في تعمير البقع الأرضية التي يحوزون وثائق ملكيتها القانونية أن يتقدموا بطلب للحصول عليها وفق المسطرة المبسطة، إلى جانب تسوية وضعية الذين سبق لهم البناء هناك بدون ترخيص، مع منح رخص جديدة لمن أرادوا زيادة طابق أو طابقين محترمين الارتفاع القانوني. كان هذا هو الخبر الأصلي، لكن ما وصل إلى السكان، سواء من يملكون قطعا أرضية هناك بطريقة قانونية، أو حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بالمنطقة، كان «خبرا» مختلفا تماما، حيث انتشرت شائعة غريبة، صدّقها الجميع، مفادها أن السلطات توصلت ب«قرار ملكي» يُلزِمها بالسماح للمواطنين بالبناء فوق القطع الأرضية المملوكة لهم في مناطق «العوامة» و«بئر الشيفا» والكورزيانة»، دون حاجة إلى ترخيص، أما أولئك الذين لا يملكون بقعة أرضية أصلا فبإمكانهم أن يحددوا لأنفسهم المساحة التي يحتاجون إليها لبناء منزل، مقتطَعَة من «أراضي الدولة»، حسب ما راج، وأن يقوموا ببنائها دون ترخيص، على أن يحوزوا وثائق ملكيتها القانونية من لدن السلطات، بعد ذلك.. هي إشاعة لم يكلف كثيرون أنفسهم عناء التأكد منها، حوّلت المنطقة إلى حلبة صراع ضخمة على «امتلاك البقع» الأرضية، وانتشر البناء العشوائي كالفطر بين عشية وضحاها، قبل أن تتطور الأمور إلى صراع من نوع آخر، بعدما تدخل «المخزن» لإصلاح ما أفسدته «إشاعة».. حملة «تعمير» ذات صباح، استيقظ أهالي حي «العوامة» على وقع أعمال الحفر والبناء، ليجدوا أنفسهم أمام عشرات المنازل التي تبنى هنا وهناك بشكل مفاجئ، فكل من يملك قطعة أرضية شرع في البناء فوقها بدون ترخيص. لم يتوان الكثيرون عن الالتجاء إلى الاقتراض من أجل إنشاء «منزل الأحلام»، فيما فك آخرون ارتباطهم بمنازلهم المكتراة، وهم على يقين من أنهم سيحصلون، أخيرا، على منزل في ملكيتهم. «أكد» هذه الأمانيَّ صمتٌ غريب من لدن ممثلي السلطة، الذين لم يتدخلوا إطلاقا في سير هذه العملية ولم يطالبوا أي شخص بالكشف عن رخصة البناء، حسب رواية سكان المنطقة، فيما لم تقم القوات العمومية بهدم أي منزل بدعوى أنه بناء عشوائي، ف»تأكد» أصحاب تلك المنازل من أن «القرار الملكي»، المزعوم، نافذ لا محالة. كان ذلك في فترة الصراع الانتخابي المحموم، الذي كانت مقاطعة بني مكادة أبرز معاقله، فيما أكد السكان أن مرشحين معروفين أكدوا لهم أن السلطات العمومية لا تستطيع التدخل لمنعهم من البناء، مُزكّين بذلك الخبر -الشائعة. ولم يسبق لعملية البناء التي عرفتها بالأساس منطقتان من أشد المناطق تهميشا في مقاطعة بني مكادة، هما «العوامة» و»بئر الشفا»، مثيل، إلى درجة أن مواد البناء نفدت من مدينة طنجة، لكن ذلك لم يمنع الراغبين في البناء من السعي إلى اقتنائها من خارج المدينة، وبالضبط من مدينة تطوان، بأثمنة مضاعفة، إلى جانب عودة استعمال الرمال المنهوبة من شواطئ المدينة، أما ممتهنو البناء فقد عرفوا نشاطا غير مسبوق. ويحكي أحد سكان المنطقة أن المقاهي التي اعتادت استقبال البنّائين خلت منهم خلال تلك الفترة، وصار البناؤون يأتون من القرى المجاورة لطنجة، بل إن حتى بعض العاطلين عن العمل خاضوا غمار هذه «المغامرة»، ووجدوا في الاشتغال في البناء ملجأ مؤقتا وغيرَ منتظر من العطالة، فيما استغل البناؤون هذه الفرصة ورفعوا من راتبهم اليومي بشكل صاروخي، لينتقل من 150 إلى 500 درهم. وفي بعض المداشر التي انتبهت السلطات إلى التفاقم الصاروخي للبناء العشوائي فيها، مقررة محاصرتها بواسطة رجال الأمن والقوات المساعدة، لمنع إدخال السلع، قام أهاليها بتحدي كل تلك الإجراءات. وحسب شهود عيان، فإن الراغبين في البناء هناك اضطروا إلى القيام بعمليات «تهريب» السلع ليلا بواسطة وسائل «بدائية»، كالحمير والدراجات النارية، عبر منطقة تلية وعرة التضاريس، تقع خلف تلك المداشر، بينما لجأ آخرون إلى أساليب أسهل وأضمن، حسب المصدر ذاته، بإرشاء بعض الحراس والأمنيين، حيث قال أشخاص إنهم كانوا يمنحون 500 درهم رشوة لأمنيين مقابل غض الطرف عن إدخال مواد البناء. عودة «السيبة» في بعض المناطق، كانت الأوضاع أسوأ بكثير من حي العوامة، كما هو الحال في منطقة «بئر الشفا»، إذ هاجم أشخاص غرباء المنطقة بشكل مفاجئ وصاروا «يُقسّمون» البقع الأرضية على هواهم، وكل من استطاع أن يحدد لنفسه بقعة، يشرع في الحفر والبناء.. وأحكم البعض سيطرتهم على قطع أرضية كانت مخصصة أصلا لبناء مسجد ومستشفى ومدرسة عمومية، وقام آخرون بالبناء على الأراضي المخصصة لتمرير الخط السككي للقطار فائق السرعة «تي جي في»، فيما تحول كثيرون إلى «منعشين عقاريين» وصاروا يسيطرون، باستخدام القوة، على مساحات شاسعة ويقسمونها إلى بقع ويقومون ببيعها لأشخاص آخرين، الشيء الذي خلق حالة من الفوضى والتسيب وأدى إلى اشتعال فتيل الصراع بين كثيرين، كان دائما يحسم بقانون القوة والهراوات والأسلحة البيضاء.. لم يتوانَ بعض، ممن لم يجدوا بقعا أرضية مناسبة، عن الالتجاء إلى المقبرة، التي «غزاها» العشرات وقسّموها في ما بينهم، ومنهم من شرعوا فعلا في أعمال الحفر، إيذانا بتشييد منازلهم، مستخرجين عظاما بشرية رموها مع مخلفات البناء!.. فيما اضطر آخرون، ممن لم يتمكنوا من «المنافسة» على قطعة أرضية مناسبة، إلى المغامرة بالبناء وسط مجرى واد، رغم إدراكهم أنه «يفيض» أثناء فصل الشتاء، فيما التجأ آخرون إلى جنبات التل.. أضحت الصورة في منطقة «بئر الشفا» غريبة، فأينما ولى المرء وجهه يجِدْ بقعا أرضية محددة بالجير، يحرسها أشخاص مسلحون بالعصي والسكاكين، فبمجرد أن «يغفل» أحد عن «بقعته» التي امتلكها عنوة، يجد أن آخرين سيطروا عليها، فيما لم ينتظر آخرون كثيرا. وبسرعة البرق، «ارتفعت» المباني إلى طابقين، في «غفلة» عن السلطات، التي ستضطر إلى التدخل بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، لتجد أن «أخطبوط» البناء العشوائي قد مدّ أذرعه بإحكام في كل مكان. «الأربعاء الأسود».. كان لزاما على السلطات أن تتدخل لوقف عمليات البناء العشوائي، التي صارت تتزايد بوتيرة قياسية، غير أن السلطات وعناصر الأمن لقوا مقاومة عنيفة من أصحاب تلك المنازل، الذين صدموا ل»تبخر» حلمهم في امتلاك سكن، وقاموا بعدة اعتصامات واحتجاجات، رافعين شعارات تفيد أن البناء في تلك المناطق «حق مشروع لهم» وأنه مبني على «قرار ملكي»، وتطورت تلك الاحتجاجات، في مرات كثيرة، إلى صدام مباشر مع قوات الأمن. غير أن صباح يوم الأربعاء، 25 يناير الجاري، لم يكن عاديا على الإطلاق في منطقة «العوامة»، فمنذ السادسة صباحا، قامت عناصر الأمن والقوات المساعدة بإنزال مكثف و»مفاجئ»، حسب وصف سكان المنطقة، الذين صرحوا ل»المساء» أن القوات العمومية دخلت الحي على متن 10 سيارات أمن، نزل منها أكثر من 100 عنصر، طوّقوا المنازل التي بُنيت بدون ترخيص وأخرجوا سكانها منها عنوة، بمن فيهم أولئك الذين كانوا ما يزالون نياما، حسب رواية السكان دائما، ثم شرعوا في عمليات الهدم. وحسب روايات شهود عيان من أهالي المنطقة، فقد لقي أفراد القوات العمومية مقاومة عنيفة من لدن السكان الذين واجهوهم بوابل من الحجارة، حاملين هراوات كبرهان على استعدادهم للدخول في مواجهات مباشرة أعنف، راسمين بذلك صورة مخيفة عن واقع المنطقة. وقد أدت هذه الاشتباكات إلى إصابة حوالي 60 عنصرا من القوات العمومية والعشرات من السكان.. وأمام هذه «المقاومة» العنيفة، التجأت القوات المساعدة إلى قنابل الغاز المسيل للدموع، التي أسهمت في تفريق المتظاهرين نسبيا، كما أصابت أحد المواطنين، كان معتصما في سطح منزله، في صدره، ما أدى إلى سقوطه من ارتفاع طابقين، ليُنقَل إثر ذلك إلى المستشفى في حالة خطرة. وانتهت هذه المواجهات باعتقال 5 أشخاص، على الأقل، وبإصابة أكثر من 100 شخص، ما بين عناصر الأمن والمواطنين، 3 منهم، على أقل تقدير، إصاباتهم شديدة الخطورة. في المقابل، أكد مصدر مخول من ولاية طنجة أن عناصر القوات المساعدة والأمن الوطني التزموا بأوامر مشددة وُجِّهت لهم بعدم الرد بعنف على ردة فعل سكان المنطقة، مضيفا أنهم التجؤوا إلى جر البعض أو حملهم، لكونهم رفضوا الابتعاد عن المنازل التي صدر القرار بهدمها، قائلا «لقد اعتقدوا أنهم تغلبوا على رجال الأمن وأضحوا «يتباهَوْن» بذلك، بينما فضل رجال الأمن عدم الرد بقسوة، احتراما لتعليمات وجهت لهم بذلك». اتهامات متبادلة يصر سكان حي «العوامة»، معقل البناء العشوائي، على «أحقيتهم» في إنشاء منازل، رغم عدم توفرهم على الرخص، قائلين إن هناك تلاعبا بمسطرة منح تلك الرخص، إذ إن البعض يضطرون إلى دفع رشاوى مقابل الاستفادة منها، في حين يلجأ الذين لم يستطيعوا توفير المبلغ المطلوب أو الذين ووجه طلبهم ب»التماطل» إلى البناء بدون رخصة، كما يعتبرون أن لما يحدث في هذه المنطقة أغراضا سياسية، تتمثل في عملية عقاب جماعية للمواطنين، لعدم تصويتهم لصالح أسماء معينة نافذة في المنطقة. ويقول سعيد جميل، وهو أحد الذين تعرضت منازلهم للهدم، متحدثا بلسان من وصفهم ب»المتضررين»، إن السلطات كانت قد «غضّت الطرف» عن عمليات البناء لأكثر من شهر، ما أدى إلى اطمئنان الناس إلى «سلامة» تصرفهم، حيث إنهم لجؤوا إلى لاقتراض من أجل إنشاء تلك المنازل، متسائلا: «إنْ كان البناء بدون رخصة ممنوعا، فلماذا تركتنا السلطات نقوم بذلك تحت أنظارها إلى ما بعد الانتخابات؟».. وتابع جميل قائلا إن مسطرة منح الرخص تشوبها «اختلالات» كثيرة، خاصة اضطرار المواطنين إلى تقديم رشاوى أو الالتجاء إلى المحسوبية من أجل الحصول عليها. كما أن عملية الهدم طالت منازل معينة دون أخرى بُنيّت في نفس الآونة وبدون ترخيص. من جهته، أكد مصدر مسؤول في ولاية طنجة -فضّل عدم الكشف عن اسمه- أن التأويل الخاطئ لقرار السلطات الولائية والجماعة الحضرية بتسهيل مسطرة تراخيص البناء كانت السبب وراء سريان إشاعة مفادها «السماح» بالبناء بدون ترخيص، مضيفا أنه رغم ذلك، قامت السلطات بتسوية أوضاع مجموعة من المنازل، فيما كان ذلك مستحيلا في بعض الحالات، كأنْ يتم البناء فوق مساحات مخصصة لمرافق عمومية أو للطريق العام. أما رئيس مقاطعة بني مكادة، محمد الحمامي، الذي اتهمه السكان بالوقوف وراء عملية الهدم، بعد فشله في «حجز» مقعد برلماني، قائلين إنه «يحمي» أشخاصا غير حاصلين على الترخيص، دون آخرين، فقد نفى، في حديث إلى «المساء»، صلته بالسماح بالبناء بدون ترخيص أو التدخل في عملية الهدم، واصفا ما يجري في المقاطعة التي يرأسها ب»السيبة» وب»الخروج عن القانون»، قائلا إن عمليات الهدم تمت في حق منازل بُنيّت فوق أراضٍ مخصصة لإنشاء سكة قطار وفوق بُقع مُعَدّة لإنشاء مؤسسات عمومية. واعتبر الحمامي أن التدخل الأمني ليوم الأربعاء، «الأسود»، كان «مُبرَّرا»، بحكم أن عناصر الأمن تعرضوا للرشق بالحجارة من طرف السكان، محمّلا هؤلاء مسؤولية المواجهات، ومستشهدا بعدم حصول نفس الاضطرابات في مناطق أخرى شهدت عمليات هدم.
نظرة على بؤر البناء العشوائي في طنجة كان البناء العشوائي في طنجة مرافقا للوتيرة السريعة للنمو العمراني الذي تشهده المدينة منذ الثمانينيات، وظلت المباني العشوائية، سواء منها تلك التي تنشأ بدون ترخيص أو دور الصفيح، تنتشر بشكل ملحوظ، خاصة في فترة التسعينيات. وكان البناء العشوائي الذي اكتسح المدينة مرتبطا، بشكل وثيق، بأغراض سياسية وانتخابية، وساهم في التغاضي عنه سياسيون من ذوي النفوذ، إذ ما يزال سكان مدينة طنجة يتذكرون، مثلا، حي «بن صالح»، الواقع في مقاطعة بني مكادة، والذي سمي باسم أحد المرشحين المعروفين، الذي أكد لسكان المنطقة أنه «سيحميهم» من هدم دورهم الصفيحية، مقابل التصويت له في الانتخابات البلدية في فترة التسعينيات، حسب الرواية المعروفة، وذلك ما كان فعلا، حيث ظل هذا الحي قائما إلى أن تم تعويض سكانه بقِطَع أرضية في مناطق أخرى قبل بضع سنوات. وتعد «حومة صدام»، التي باتت تُعرَف الآن بحي «بني ورياغل»، الواقعة، بدورها، في مقاطعة بني مكادة، من بين أكبر مناطق البناء العشوائي في طنجة. وقد أنشئت هذه المنطقة سنة 1991 في فترة «حرب الخليج»، لذلك سميت باسم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. وقد ضم هذا الحي سكانا قَدِموا من قرى نائية وأنشأوا دور صفيح تحولت، مع الوقت، إلى بنايات أنشئت بدون ترخيص، ليصبح هذا الحي، الذي ظل إلى وقت قريب مفتقرا إلى أبسط البنى التحتية، أمرا واقعا. وشهدت «حومة الشوك»، في منطقة «مغوغة»، بدورها، حالات بناء عشوائي كثيرة في العقدين الماضيين، لكن مشكلة هذا الحي هي البنى التحتية، التي لم تواكب نوه المضطرد «في غفلة» من السلطات، حيث إن سكانه يعانون الآن من مشاكل تهُمّ، بالأساس، قنوات الصرف الصحي، إلى جانب مرور واد مكشوف وسط الحي، يتسبب سنويا في فيضان مياه الأمطار المخلوطة بالمياه العادمة، أثناء فصل الشتاء.. أما منطقة العوامة، فإن «لعنة» البناء العشوائي التي أصابتها مردها إلى عملية التقسيم الترابي، التي حوّلتها من منطقة قروية إلى شبه حضرية، ثم تم إدخالها إلى المجال الحضري، وكلما سرى خبر بهذا الخصوص تنمو معه الإشاعات، تغذيها وعود السياسيين وتغاضيهم عن عمليات البناء العشوائي في مقاطعة ذات كثافة سكانية جد مهمة، وبالتالي تمثل خزانا انتخابيا يجب التعامل معه بحذر. لكن أكبر موجة بناء عشوائي هي تلك التي ضربت المنطقة خلال الحملة الانتخابية للاستحقاقات البرلمانية في العام الماضي. وتظل أحياء عشوائية أخرى، خاصة في منطقة بني مكادة، تنتظر دورها في إعادة الهيكلة، عبر تعويض ساكنيها بقطع أرضية أو مساكن في منطقة أخرى أو بالسماح لهم بالبناء بشكل قانوني، فيما لا تعدو قرارات تسوية الوضعية القانونية لملاك تلك المساكن كونَها حبرا على ورق، ترددها الألسن خلال الحملات الانتخابية، موقدة «شعلة أمل» في نفوس السكان، ما تفتأ «تنطفئ» بمجرد انتهاء الصراع الانتخابي، فتتحول الوعود إلى مجرد كلام «تبخّرَ» في الهواء.