الطريقة الكتانية تنقسم الطريقة الكتانية إلى قسمين: الطريقة القديمة. والطريقة الجديدة. أ- الطريقة القديمة: الطريقة المحمدية الكتانية: وهي: طريقة الإمام العارف بالله؛ أبي المفاخر محمد بن عبد الواحد الكبير بن أحمد الكتاني الإدريسي الحسني، تأسست عام 1266 بفاس، وكانت لها زوايا في فاس والقصر الكبير، وزرهون ومراكش وغيرها من مدن المغرب وشنقيط، وفي المشرق أيضا؛ خاصة المدينةالمنورة ومصر، وكان لمؤسسها – قدس سره – نشاط ملحوظ في الميدان الدعوي، وانتفع به خلق كثير من الناس والأعلام، وكم اهتدى على يديه من ضال، وانطلق إلى باب الله من جاهل، حتى لقب بإمام الأئمة. وكانت له كرامات ظاهرة وخوارق عادات، وما كان يبالي بها، إنما كان ديدنه كثرة العبادة لله تعالى وقيام الليل، والتهجد والصيام والنوافل، والابتعاد عن الشبهات، والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى عرف عند أهل بلاده – فاس – وزمانه بالصلاح والوقار والسمت. ورحل إلى المشرق للحج ثلاث مرات، أخذ فيها عن أعلام المشرق؛ كالإمام العارف بالله محمد بن علي السنوسي الإدريسي. وأخذ عنه أعلام من المشرق؛ كالإمام العلامة حسين بن محمد الحبشي الباعلوي، شيخ الإسلام بمكةالمكرمة، والإمام محمد بن يحيى الولاتي الشنقيطي الذي كان من خاصة أتباعه. وكان – – مسند المغرب في زمانه. وعمدته في أول الطريق: العارف بالله سيدي محمد بن قاسم القندوسي. كما أدرك القطب مولاي الطيب الكتاني وانتفع به، رضي الله عنهم أجمعين. ومن خاصة من أخذ عنه: ابنه الشيخ عبد الكبير الكتاني، وابن عمه شيخ الإسلام جعفر بن إدريس الكتاني، والإمام محمد بن المختار التاشفيني...وغيرهم. ولد الشيخ أبو المفاخر عام 1234، وتوفي بفاس عام 1289، وترك أكثر من ثلاثين مؤلفا، ومنظومات شعرية، وأحزابا صوفية تزيد عن الأربعين. وقد خصه غيرما واحد بالتأليف، وخلفه في طريقته: ابنه الإمام العلامة العارف بالله؛ الشيخ أبو المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني. وهي طريقة محمدية قادرية شاذلية نقشبندية حسبما كان يصفها شيخها قدس سره. وقد انتهت هذه الطريقة بظهور الطريقة الأحمدية الكتانية، وانضم باقي أتباعها إلى الطريقة الأحمدية الكتانية. ب- الطريقة الباقية: الطريقة الأحمدية الكتانية: وهي طريقة ربانية صوفية جامعة، أسسها الإمام أبو الفيض محمد بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد الكتاني عام 1308، وسنه لما يبلغ العشرين، وهي الطريقة الباقية التي انتشرت مشارق الأرض ومغاربها، إلى حد أن كان إمام المسجد النبوي في المدينةالمنورة هو مقدم الطريقة الكتانية في الحجاز، وهو: الإمام العلامة عبد القادر بن توفيق شلبي المدني، وهي محل التعريف في هذا البحث. نبذة عن حياة مؤسس الطريقة الكتانية قدس سره هو: أوحد اهل زمانه علما وعملا، الإمام العلامة، المفسر الحافظ المحدث، الفقيه المجتهد، اللغوي المشارك، شيخ الإسلام، وحجة الإسلام، الختم الأحمدي والشيخ الأكبر؛ أبو الفيض محمد ابن الشيخ عبد الكبير الكتاني، المستشهد بفاس عام 1327. والمولود بها عام 1290. مجدد الإسلام في المغرب القرن المنصرم، وشيخ التربية، ورائد الحركة الدستورية والجهادية الإصلاحية. شهادات الأعلام فيه(5): قال فيه مفتي مكةالمكرمة الإمام العلامة حسين بن محمد الحبشي الحسيني: "إنه من ذوي العلوم الواسعة، والحقائق الجامعة، الذين علت همتهم، وتسامت في العلوم الظاهرة والباطنة رتبتهم، الواصل الموصل إلى طريق الحق والصدق، البدر السامي المقدار، الظاهر كالشمس في رابعة النهار، العارف بربه، المستغرق فيه بقلبه...". وقال فيه شيخ محدثي الحجاز، الإمام محمد حبيب الرحمن الهندي بعد مدحه للعلم: "وإن ممن وُفق لتحصيله، وشمر على ساق الجد والاجتهاد في سبيله، وصرف جوهرة حياته في حل مشكلاته، وأفنى زهرة شبابه في توضيح معضلاته؛ حضره الإمام العالم العلامة، القدوة اللوذعي الفهامة، مفخر الأوائل والأواخر، وارث العلم كابرا عن كابر، فرع الشجرة النبوية، معدن الجود والفتوة، الأستاذ العارف الرباني". وكان الإمام شيخ الإسلام؛ الشيخ ماء العينين الشنقيطي الحسني يصفه ب: "نوارة الأولياء"، ويأمر أصحابه بتعظيمه ومحبته، ويقول لهم: "عدوها ليوم القيامة"، وإذا لقي أحدا من الإخوان الكتانيين؛ يقول: "أهلا بأصحاب شمس الضحى"، وكان لا يسميه إلا بها، وزاره جماعة من الإخوان السلاويين، فقال لهم: "نِعم الشيخ شيخكم، ونعم الطريق طريقكم، ونعم الشعار شعاركم، ونعم الناس أنتم!..."، أعادها مرات متعددة. وحلاه الإمام العلامة الحافظ أبو شعيب بن عبد الرحمن الدكالي في إجازته لابنه الأكبر الشيخ محمد المهدي الكتاني ب: "الشريف الأجل، العالم الأمثل، الحافظ اللافظ، الذي كرع من بحري الشريعة والحقيقة حتى ارتوى، سيدي محمد بن سيدي ومولاي عبد الكبير الكتاني الحسني، رضي الله عنهم ونفعنا ببركاتهم آمين". ولما كان يدرس "الصحيح" بمراكش أيام وزارته، قال للجماهير الغفيرة التي كانت تحضر دروسه: "ما رأت عيني من يحسن دراسة التفسير كالشيخ سيدي محمد الكتاني رحمه الله، سواء في المغرب أو المشرق". وصار يصف لهم مجالسه بالحرم المكي حينما كان يدرس التفسير به سنة 1321ه. وناهيك بذلك من إمام المدرسة السلفية بالمغرب. ولادته ونشأته: ولد الشيخ أبو الفيض رضي الله عنه بفاس عام 1290، وأخذ العلم عن كبار علماء وقته، وبالأخص فاس، ورحل إلى شتى مدن المغرب ينهل من علمائها؛ كالرباط وسلا، وزرهون ومكناس...وغيرها. وظهر نبوغه مبكرا، حتى إنه كان ينعزل عن الناس انعزالا كليا لطلب العلم، وكان من شدة اعتنائه بالعلم يقرأ كتب المتقدمين والمتأخرين فيه، وكان يقرأ في الليلة الواحدة الكتاب ذا المجلدات ولا يغيب عن ذهنه منه شيء. وقد أشرف والده المقدس على تربيته التربية الكاملة، وكيف لا؟؛ فوالده إمام في العلم والمعرفة، وجده الشيخ أبو المفاخر إمام في العلم والمعرفة، وكان كثيرا ما يصيح في البيت قائلا: "لي علوم لا أجد من يسألني عنها". وخاله شيخ الإسلام في المغرب وقته؛ وهو: الشيخ أبو المواهب جعفر بن إدريس الكتاني. وابنا خاله: محمد بن جعفر الكتاني شيخ الإسلام وحافظ عصره في الحديث، وأحمد بن جعفر الكتاني؛ إمام من أيمة العلم المبرزين في فاس. وجده والد والدته أبو العلاء إدريس بن الطائع الكتاني، العالم المجاهد بالسيف ضد الاستعمار الإسباني، والعارف بالله. ووالدته الشريفة فضيلة بنت إدريس الكتانية؛ عالمة من عالمات الفقه والسلوك، وولية صالحة ضربت بمآثرها الطبول. فكانت نشأته – رضي الله عنه – في بيئة الأولياء والعلماء، بحيث كان سلوك الشيخ باديء ذي بدء على يدي والده، فكان والده قبل احتلامه أعطاه وردًا؛ وهو: سبعون ألفًا من الإسم المفرد "الله"، وستون ألفا من اسم رسول الله: "سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم". في كل يوم، مما تسبب في الفتح الأعظم له وهو في الثامنة عشرة من عمره، والإذن الخاص بالدعوة إلى الله تعالى ونشر العلم. الدعوة والإرشاد: ومذ فتح على الشيخ – قدس سره – تصدر للتدريس والدعوة إلى الله تعالى في مجتمع كثر فيه الظلم والفسق والفجور، وكانت الحروب متواصلة بين القبائل المغربية، والجهل متفش، والضلالات والخرافات والخزعبلات منتشرة، وترك الصلاة صار عادة وشيئا طبيعيا. وهكذا سافر الشيخ – رضي الله عنه – إلى القبائل والجبال، يصيح صيحات في أهلها، ويرشدهم إلى حق الله عليهم، وإلى ما فيه حياتهم ونجاتهم الدينية والدنيوية: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}. [الأنفال/ 24]. وبذلك انتشر العلم في فترة وجيزة في البوادي وكثير من المدن، وكان الأعرابي والبربري الذي لا يحسن النطق بالشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله. يلازم الفرائض والسنن، والأذكار التي لا يعرفها إلا المتعمقون في علوم الآثار، ولا تجدها في كبار العواصم الإسلامية حينه؛ كالقاهرة، والحجاز، ودمشق، وبغداد... وأصبحتَ تجد الحِكم تتدفق من فم البربري والأعرابي، ناهيك بمن كان بين العلماء الأعلام، حتى كانوا أشد الناس ضد الاستعمار، ومن أكثر من قاسى في سبيل محاربته ودفع ويلاته. واتخذ من بين تلامذته من كل جهة شخصا كريم الأخلاق، وطي الأكناف، هينا لينا، ألوفا كريم المائدة، أسند له الرئاسة عليهم، وأعطاه لقب "المقدَّم"، وأوصاه بأن ينظر منهم بعينيه، ويكرمهم ويحبهم ويلم شعثهم، ويكون أبا شفوقا عليهم، ويصبر على ما عساه أن يصدر منهم، ولا يتخلف عن جمعهم، ويتعاهد من تخلف عنهم، فإن كان له شغل يكون في عونه، فيكون الله تعالى في عونه. وإن كان مريضًا يعده، وإن كان مقطوعًا يصله، وإن كان مكروبا يذكره حتى ينزاح ما أصابه من ضيق الصدر والضنك والحرج. ويبذل مجهوده في نصحهم وإصلاح ذات بينهم، ويحبب النسبة للطريقة للعامة، ويتحافظ على شرائعها، ويشيد أركانها، ويظهر عليه أثرها، ويتخلق بما يبلغه من أخلاق أهل الصدق مع الله، ويحضهم على العلم وتعلمه وتعليمه، حتى يكونوا على بصيرة في دينهم، وحتى يعرفوا ما يتعلق بالعقائد وأحكام الطهارة، من وضوء وغسل وغيرهما، ويراقبوا الله تعالى في المعاملات من البيع والشراء، ولا يتعاطوا أمر الربا بجميع أنواعه...إلى غير ذلك. وكما وجه عنايته للرجال فخط لهم خطوطًا تقرب لهم الوصول إلى الله تعالى؛ وجه مثل تلك العناية للنساء؛ لأنهن شقائق الرجال في الأحكام، فانتخب من كل قبيلة امرأة ذات عقل ورزانة، وصاحبة زوج سعى في تعليمها ضروريات الإسلام وما لا بد منه من آدابه السامية، وبعث فيها غيرة على الشريعة المطهرة، وحفظها سورًا من القرآن الكريم، ولقنها عدة أذكار، وخصوصًا ورده اللزومي الخاص بالنساء، وأعطاها لقب: "المقدَّمة"، وكلفها بمهام التهذيب والإرشاد في وسطها. فكانت تقوم بواجبها أحسن قيام، وتدعو لإصلاح العقائد المشوبة بعدة خرافات، وإلى المحافظة على قواعد الدين، والاعتناء بالنوافل، وطاعة الأزواج، وبر الوالدين، واتخاذ الحجاب، والتمسك بالعفة، وترغب في مكارم الأخلاق، وترهب من سيئها، حتى صارت الدور والخيم والأخصاص المنتمية إليه مملوؤات بالمؤمنات والقانتات، والصادقات والصابرات، والخاشعات والمتصدقات، والصائمات والحافظات فروجهن، والذاكرات الله كثيرًا، وقد قال الله تعالى فيمن هذه صفتهن: {أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}. [الأحزاب/ 35]. وقد أتت أعماله – قدس سره – أكلها في الحين، فشاعت تعاليم الإسلام في سائر القبائل، ووقع القضاء على كثير من البدع، وانتشرت السنن النبوية في البوادي والحواضر انتشارا لم يعهد مثله فيما سبق. -يتبع- ----------------------------------------------------------------------------------- (5) هذه الشهادات مقتبسة من كتاب "ترجمة الشيخ سيدي محمد الكتاني الشهيد" للشيخ محمد الباقر الكتاني رحمه الله تعالى.