إن كل حركة تعتمل في المجتمع ، على المستوى العمودي أو الأفقي ، إلا و تحركها عوامل و دوافع ، يقف وراءها و أمامها أشخاص أو هيئات أو قوى ظاهرة أو خفية ، و تلك القوى لا تنشط إلا عبر آليات و وسائل ، إما قانونية واضحة خاضعة للمعتاد الذي درج الناس على الانتهاء بنهيه و الائتمار بأمره ، أو تنشط و تتحرك وفق أجندة سرية محكمة التنظيم و الضبط ، عبر خيوط منسوجة تصل إلى عمق كل إدارة و كل جهاز دولتي ذات سلطة و نفوذ مباشرين . و للعلم فإن تعبير “جماعات الضغط” ، تعبير حديث نسبيا استعمل لأول مرة في الغرب ، و بالضبط في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، ثم انتقل بعد الحرب العالمية الثانية إلى كافة أرجاء المعمور ، و هي أي الجماعات تضم أفرادا معدودين من الناس توحدهم مصالح و مطامح ، قد تكون مؤقتة أو عابرة أو دائمة ، و يمارسون ضغطا منظما على السلطات الحاكمة لتحقيق أهدافهم ، المطابقة للأهداف “الشخصية” لأصحاب السلطة . و حسب بعض الباحثين ، فإن جماعات الضغط نوعان : جماعات الضغط الكلي ، و جماعات الضغط الجزئي . يهيمن على جماعات الضغط الكلي هاجس الانشغال بالعمل السياسي ، أي ممارسة الضغط مباشرة على السلطات بشتى أجهزتها و أنواعها ، و تتكون من أشخاص متخصصين في التدخل لدى نواب الشعب و الوزراء و الموظفون السامون ، من أجل الحصول على “امتياز” أو “استثناء” معينين ، و قد يكون تدخلهم لقضاء أغراض تتراوح بين الضخمة و البسيطة .
و في المغرب يلعب بعض الوزراء و بعض النواب و بعض الجنرالات ، و بعض المقربين من القصر ، دورا مهما في إطار مهمات “جماعات الضغط” ، لأن مناصبهم المقربة من الحكم و دواليبه المركزية ، تجعلهم يقومون بصناعة شبكات أخطبوطية للضغط بشكل مباشر لصالح زبنائهم و أصحابهم ، أو لصالح جهات داخلية أو خارجية أو لصالح أهداف وطنية نبيلة أو مصالح ذاتية خاصة .
و يدخل في سياق عمل اللوبيات الضاغطة ، الأطر و الكوادر العليا ، و الحاصلين على الشواهد في تخصصات نادرة و حساسة تهم مجالات مختلفة {اقتصاد جيش سياسة تدبير …} ، يضطر أن يحتاجها الحاكم لحساسيتها المفرطة ، قضاء لمصالحه و سدا للفراغ ، المحتمل لكل التوقعات المضادة لمصالحه . أما جماعات الضغط الجزئي ، فهي التي لا يكون الضغط السياسي المباشر ، إلا جزءا من برنامجها العام ، و تتم عملياتها عن طريق نقابات العمال أو جمعيات “مصطنعة” أو فعلية ، و رغم أن نشاطها لا ينحصر في العمل السياسي أو لا يمت له بصلة ، فإنها تلجأ إلى الضغط سياسيا لبلوغ ما تصبو إليه من أهداف . و فيما يخص التفريق بين جماعات الضغط الكلي و جماعات الضغط الجزئي ، فإنه من الصعب وجود فرق كبير بينهما ، لأن الحدود بينهما متداخلة و متشابكة ، إلا أن مغزاهما و مرماهما واحد ، ينحصر في الوصول إلى قضاء أغراض كبيرة بواسطة الضغط من داخل الأجهزة الحاكمة ، التي بيدها مقاليد الفعل تدبيريا في قضايا تهم الشأن العام .
في الحلقة القادمة بحول الله ، سنقف على آليات و كيفية اشتغال اللوبيات Loubbies المتغلغلة في دواليب الدولة المغربية و أجهزتها الحساسة ، خدمة لمصالحها السياسية و الاقتصادية الكبرى .