الحديث عن الوجه الخبيث لمافيا مختبرات الأدوية لا يمكن تبسيطه في جرة قلم أو ملف أسبوعي ب«المساء» خاصة حين تكون أول التصريحات التي تتلقاها بخصوص الموضوع تشبه بين شركات السلاح التي لن تسعد بأن يعم السلام جميع أرجاء الأرض، وشركات الأدوية التي بدورها لا تسعد فقط بانتشار الأمراض والأوبئة في العالم، بل تفترض طبيعة «البيزنس» أن تعمل على نشرها، ومن وسائلها لتحقيق ذلك أن تغلق الطريق على العلاجات والأدوية البديلة، وهي الحرب التي تخوضها حالا وزارة الصحة مع شركات صناعة الأدوية. ولا يمكن التطرق إلى الوجه الآخر لمختبرات صناعة الأدوية دون الحديث عن صيادلة منهم من يجيد حبك خيوط اللعبة بتواطؤ مع شركات الأدوية ومنهم صغار الصيادلة الذين يعتبرون كبش فداء في حرب باردة ضد سياسة تخفيض الأسعار، إذ تتجه آلاف الصيدليات بمجموعة من المدن نحو الإفلاس. مافيا مختبرات الأدوية تتحكم في السوق كيفما شاءت ويمكن أن تفرض على الصيادلة وحتى المستهلكين شراء الدواء الذي تختاره وتصنعه كيفما كان نوعه، ويكفي أن نعلم أن حوالي 60 دواء اختفت من السوق، ووضعت الصيادلة في حرج مع زبنائهم، خاصة أدوية الأمراض المزمنة، وبعض الأمراض الخطيرة، التي يعرض انقطاع دوائها بشكل جزئي أو دائم صحة المريض للخطر. وتطول لائحة أسماء الأدوية المختفية، خاصة تلك التي أصبح هامش الربح فيها ضعيفا بعد تخفيض الأسعار، إذ تبين أن شركات صناعة الأدوية وتوزيعها تقود حربا باردة ضد وزارة الصحة، وذلك، باستهداف صحة المواطنين من جهة، واستهداف استثمار الصيادلة مباشرة. كيف يمكن الحديث عن لوبيات الأدوية بالمغرب؟ ومن يدعمهم؟ وكيف صنعوا ثرواتهم؟ الجواب بشكل مختزل يمكن أن يأتي على لسان المتخصصين الذين التقتهم «المساء» ومن بين ما كشفوا عنه، أسباب الانقطاع المتعمدة للأدوية، أولها، تتحكم فيه بعض مختبرات الأدوية، إذ أن القانون يلزمها بتصنيع وتخزين مخزون ثلاثة أشهر من أي دواء، لتأمينه للمواطنين، وضمان عدم انقطاعه، بسبب إكراهات التصنيع، غير أن بعض هذه المختبرات، تعتبر ذلك تخزينا غير مدر للمال، ولا تصنع إلا ما يكفي لمدة محددة، قبل أن ينقطع الدواء، ويدخل المواطنون في دوامة البحث عنه. وحتى تكتمل صورة «الملف» الذي بين يدي قراء «المساء» فقد توصلنا إلى أن المختبرات المعنية لا تشعر الإدارة أو أغلبية الموزعين الكبار، ولا الصيادلة بانقطاع دواء معين، إذ يشكل ذلك بالنسبة إليها تهديدا لمصالحها، بخسارة جزء من سوقها، لصالح منافسين، والمشكل يصبح أكثر خطورة حين تكون هي المصنع الوحيد لهذا النوع من الدواء، ما يطرح مشكلة عدم إمكانية تعويضه بأي دواء آخر لضمان سلاسة واستمرارية العلاج في الوقت المناسب. وفيما يشبه الفضيحة توضح من خلال تصريحات المهنيين من الصيادلة أن بعض المختبرات لا تشعر إلا الشركات التي تملك نسبة في رأسمالها، وتستثني الأخرى، وذلك بغرض السماح لها بتخزين الدواء المعني بالانقطاع، وتحقيق ربح على حساب الموزعين الآخرين. وفي الوقت الذي سيجف فيه حبر كلمات ملف «المساء» فإن الضجة التي أثارها مصنعو الأدوية وبعض نقابات الصيادلة حول الإصلاح المتعلق بالأدوية، الذي اقترحته وزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي، لن تهدأ فورتها نظرا للدفاع الشرس الذي أبدته لوبيات الدواء والتي تعلم ضعف استهلاك الدواء في البلاد، إذ لا يتجاوز 200 إلى 300 درهم للفرد سنويا. لقد كان بوسع الحكومة أن تفتح الحدود في وجه الأدوية القادمة من بلدان ذات تكلفة منخفضة، مثل الصين والهند، وكان من الممكن أن تكون النتيجة باهرة لأن تكلفة إنتاج الأدوية ضعيفة جدا، إلا أن هناك وجه آخر خبيث لمختبرات صناعة الأدوية. لوبيات الدواء بالمغرب.. من يدعمها؟ وكيف صنعت ثرواتها؟ الأشجعي: «شركات صناعة الأدوية في المغرب تراكم الأرباح على حساب جيوب المواطنين» إن الضجة التي أثارها مصنعو الأدوية وبعض نقابات الصيادلة حول الإصلاح المتعلق بالأدوية، الذي اقترحته وزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي، لا يمكن أن ننعتها إلا بالفضيحة، ذلك أن اللوبيات، ولا يمكن تسميتها بغير ذلك، تدافع عن مصالحها الخاصة دون أدنى اعتبار للمصلحة العامة، فهدف المصنعين غير المعلن هو الإبقاء على وضعية تتيح لهم جني أرباح كبيرة دون بذل أي مجهود، وذلك على حساب صحة المغاربة. إن مصنعي الأدوية المغاربة والأجانب يبحرون عكس مسار المصلحة العامة، الذي يبين أن الشعوب تواقة دوما إلى الولوج إلى الصحة. الأمر الذي يوضح بجلاء أننا أمام لوبيات قوية هدفها احتكار صحة المغاربة خدمة لمصالحها الشخصية. الحديث عن لوبيات الأدوية بالمغرب يرتبط باسترجاع شريط مشروع الإصلاح الرامي إلى تخفيض أسعار الأدوية في المغرب، والضغوط التي مورست من قبل مصنعي الدواء من أجل «تأليب» الصيادلة ضد المشروع، من خلال ترويج أن تطبيق المشروع سينعكس سلبا على مصالح الصيادلة في المغرب، بعد أن تبين أن هناك حملة منظمة يقودها مصنعون عنوانها الرئيس التخويف من أن هامش ربح الصيادلة مهدد بالتراجع بشكل كبير، في حال تطبيق ما انتهت إليه دراسة مكتب دراسة دولي من إمكانية تخفيض ثمن الأدوية الأصلية ب 14 في المائة والأدوية الجنيسة ب 26 في المائة. لوبيات الدواء شنت حملة شرسة ضد ما انتهت إليه نتائج الدراسة التي أنجزها «مكتب الدراسات بوستن للاستشارات BCG»، لفائدة وزارة الصحة، إذ لم يفهم سر مهاجمة مصنعي الدواء لنتائج دراسة قام بها مكتب الدراسات الأمريكي، وهو ثاني أكبر مكتب للدراسات في العالم، والتخويف منها والتشكيك فيها، مع أن الجمعية المغربية لمصنعي الأدوية اختارت المكتب ذاته من أجل إنجاز دراسة حول تطوير صناعة الأدوية الموجهة للتصدير، أدت عنها 12 مليون درهم»، إذ كيف لبعض الجهات أن تحارب الإصلاح وتتهرب منه بذريعة تراجع هامش الربح، في حين أن مجرد الإطلاع على الأسعار التي تقدمها المختبرات والمصنعون بمناسبة طلب العروض الخاصة بالصفقات العمومية يؤكد أن الربح مضمون في كل الأحوال، بالرغم من أن الأسعار المقدمة تكون منخفضة بالمقارنة مع أسعار البيع للعموم؟» مصدر من تنسيقية الصيادلة قال ل«المساء» إن قطاع الصيدلة يعيش حاليا مشاكل مادية عدة إلا أن لا أحد يمكنه أن ينكر أن الأدوية هي عنصر رئيس في المنظومة الصحية بالمغرب، وأن تشجيع الولوج إليها متعلق بأثمنتها، مبديا استغرابه من محاربة تخفيض أسعار الدواء في ظل تخفيض وزارة الصحة خلال 3 أشهر من أسعار 301 دواء وذلك بتوافق مع المصنعين. وتكشف دراسة تتوفر «المساء» على نسخة منها أن تشجيع الأدوية الجنيسة، انعكس على أسعار الأدوية في المغرب التي انخفضت بشكل فوري بنسبة 7 في المائة بمجرد بدء تنفيذ الإصلاح القائم على اعتماد الأدوية الجنيسة بدل الأدوية الأصلية. وبخلاف ما وصفته الدراسة بالأوهام التي ينسجها البعض حول ما سيشكله خفض الأسعار في شقه الثاني من خسارة للصيادلة ومصنعي الدواء، أبرزت الدراسة أن هناك ربحا فوريا في هامش الربح سيصل إلى 11 في المائة بالنسبة إلى الصيادلة، ليرتفع إلى 53 في المائة في أفق 2016. وتوقعت الدراسة، نموا طبيعيا على المدى المتوسط لسوق الأدوية، وتحقيق كافة الفاعلين تقريبا لأرباح من جراء هذا النمو مقارنة بالوضع الحالي. وفيما توقع واضعو الدراسة، ظهور جهات ستعرقل الإصلاح وأطرافا فاعلة ستدلي بحجج مضادة لإجراءات الإصلاح المقترحة، أكدت الدراسة نفسها أن القيام بخفض ملموس للأدوية يقتضي الاعتماد على الأدوية الجنيسة في أغلب الحالات، مشيرة إلى أن هذه الأدوية لم يتم استغلالها حيث لا تتجاوز نسبة انتشارها حاليا 29 في المائة، وأنه يمكن الرفع من هذه النسبة إلى 55 في المائة في ظل الوضعية الحالية، وإلى 75 في المائة إذا قام منتجو الدواء بصنع دواء جنيس لكافة الجزئيات الدوائية الموجهة للعموم، والهدف هو بلوغ 50 في المائة في أفق 2016. وقال ياسين الأشجعي، الكاتب العام للتنسيقية الوطنية لصيادلة المغرب ل»المساء» إن بعض شركات الأدوية بالمغرب تستعمل النفوذ لإيقاف الصيادلة الذين يحاولون الانتظام في إطار من اختيارهم كما حدث في تيفلت بعد اعتقال صديدلي بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، رغم أن شركات الأدوية هي التي تلزم الصيادلة بوضع شيكات موقعة على بياض مقابل تسليمهم الأدوية، لتصبح هذه الشيكات وسيلة تبتز بها أصحابها. وأضاف الأشجعي أن بعض شركات الأدوية لا تحترم الشراكة الاقتصادية والمهنية التي تجمع مكونات القطاع، وتدفعهم إلى هاوية الإذعان والإذلال الجاري بها العمل حاليا، والذي يشكل صيدلي الصيدلية ضحيتها وحلقتها الأضعف. وعبرت التنسيقية الوطنية لصيادلة المغرب، عن سخطها عما تعرض له زملاؤهم بتيفلت إبان عملية انتخاب ممثليهم في الإطار الجديد، وقالت إن الوزارة الوصية مطالبة بالتدخل للقطع مع ممارسات الشركات التي تطلب بغير وجه حق شيكات على سبيل الضمان، غير آبهة بعدم شرعية هذا المطلب، ومعاقبة القانون عليه إضافة إلى رهنها حرية الصيادلة الجسدية والفكرية لدى هذا الشركات «الجشعة» تضيف التنسيقية. وفي بلاغ شديد اللهجة إلى لوبيات الدواء، طالبت التنسيقية بضرورة تدخل الجهات المسؤولة والوصية على المهنة من أجل الضرب بيد من حديد على من لا هم لهم إلا الاغتناء، ولو على حساب المهنة، وشرفها، مستهترين بأخلاقياتها ومستقبلها، وإيجاد آليات قانونية للقطع مع تضارب المصالح لدى ممثلي المهنة ومحاربة حالات التنافي ذات الطابع المصلحي والمخلة بقواعد التنافس النزيه والحد من الجمع بين المناصب، وعدت التنسيقية التي انضم إليها مئات الصيادلة في المغرب خاصة الذين يوجدون في حالة صعبة، بسبب ممارسات بعض شركات الأدوية، إلى حوار وطني يجمع شمل جميع المتدخلين في القطاع مع ضمان تمثيلية حقيقية للصيدلي والخروج بمقاربة تشاركية تساهم في حل الأزمة التي تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي. وتم الخروج بإطار وطني سمي «التنسيقية الوطنية لصيادلة المغرب»، بعدما تم اكتشاف أن جل التمثيليات التي تمثل الصيادلة تعيش تضاربا في المصالح ويمثلون شركات التوزيع والتصنيع فقط. وقال الأشجعي، ل«المساء»، إن أخطر ما يعيشه الصيادلة هو موضوع الشيكات على سبيل الضمان (بدون رصيد) التي تفرضها شركات التوزيع والتصنيع على الصيدلاني، والتي تشكل آلية من آليات التحكم لكي لا تصل معاناة الصيدلاني إلى وزارة الصحة أو إلى الجهات المسؤولة. وناشد الكاتب العام للتنسيقية المسؤولين وتمثيليات الصيادلة وشركات التصنيع والتوزيع بالجلوس إلى طاولة الحوار لإعطاء كل ذي حق حقه، خصوصا أن الضحية الأكبر في السياسة الدوائية التي وصفها بالفاشلة والتي تتبناها وزارة الوردي، هو الصيدلي الذي بات يعيش أوضاعا مزرية بسبب السجن الذي أصبح أقرب إليه من حبل الوريد. جميع المعلومات المحصلة من المتخصصين في السياسة الدوائية بالمغرب تفيد أن شركات صناعة الأدوية في المغرب تراكم الأرباح على حساب جيوب المواطنين وصحة وحياة المرضى. وحسب تقرير خاص رفع إلى وزارة الصحة فإن ثمن الأدوية في المغرب مرتفع بشكل غير عادي وذلك كيفما كانت المعايير المعتمدة لتحديد مفهوم الغلاء حملت المسؤولية في الغلاء إلي صانعي الأدوية وكذا إلى المساطر الإدارية المتبعة لتحديد ثمن الدواء ومساطر التعويض عن الأدوية من طرف مختلف أنظمة التغطية الصحية. ووفق مقارنات قامت بها الهيأة مختصة فإن أثمنة الأدوية بالمغرب على العموم أعلى من مثيلاتها في دول أخرى بنسب تتراوح مابين 30و189 في المائة بالنسبة لتونس مثلا، وما بين 20 إلى 70 في المائة مقارنة مع فرنسا بالنسبة للأدوية الأصلية. وتختلف أثمنة الأدوية حسب العلامة التجارية نفسها بنسب تصل إلى 600 في المائة كما تختلف أثمنة الدواء نفسه تحت العلامة التجارية نفسها حسب المكان الذي تشترى منه بنسب تصل إلى 300 في المائة. وترجع أسباب غلاء الأدوية حسب التقرير إلى أن أغلب الشركات الصيدلية في العالم تسعى إلى تحقيق الأرباح عبر السعي للحصول على أغلى الأثمان والحث على استهلاك الأدوية وبالمقابل تسعى السلطات الحكومية المكلفة بتحديد وتقنين ثمن الأدوية إلى حماية المريض وضمان حصوله على الدواء. وفي المغرب لم تتمكن السلطات العمومية ولم تعرف على مدى عدة عقود الدفع بأثمنة الأدوية إلى الانخفاض نظرا لتطبيقها لنصوص تنظيمية متجاوزة تتضمن عدة ثغرات تستغلها شركات الأدوية للحصول على أثمنة مرتفعة. وهو ما دفع وزارة الصحة أخيرا إلى السعي لتعديل النصوص لجعلها أكثر حماية لمصلحة المرضى ومستعملي الدواء. ومن جهة أخرى فإن الدولة لا تستعمل وسائل تفاوضية فعالية على اعتبار أنها هي أهم مستثمر مباشر وغير مباشر للأدوية. وقد مكنت هذه الإمكانية التفاوضية أخيرا من تحقيق تخفيض ملحوظ لثمن الأدوية بالمغرب. وفيما يخص مسؤولية مصنعي الأدوية، فإن الهيأة ألحت على أن الأدوية لا يجب التعامل معها كغيرها من المنتجات الصناعية ذلك أن الحق في الحياة رهين بحق الحصول على الخدمات الصحية والأدوية، وهذه أمور لا تقبل تطبيق المفاهيم المطبقة في الصناعات التجارية من قبيل حرية الاختيار وحرية المنافسة، فالمغرب، اختار نظاما إداريا لتحديد أثمنة الدواء يهدف لضمان حصول المريض على الدواء عبر السهر على توفيره وضمان جودته وتحديد ثمنه. إلا أن هذا مازال لم يتحقق بشكل كافٍ إلا بإصلاح المنظومة القانونية التي أشار التقرير إلي عيوبها وثغراتها مما يحتم أولا وقبل كل شيء دراستها ثم تقديمها للهيأة التشريعية من أجل تغييرها حتى لا تبقى مستغلة من طرف مصنعي ومروجي الأدوية. الصناعة الدوائية بالمغرب.. ثلاث شركات تحتكر السوق وفاء لخليلي قبل أقل من ثلاث سنوات من الآن، أصدر مجلس المنافسة تقريره الذي يرصد فيه هيمنة شركات على حصة السوق من صناعة الأدوية بالمغرب، في قطاع قيل عنه إنه يتسم بالإنتاج والتوزيع، لكن بشكل يفوق بكثير جيوب المغاربة، ويتمرد على ما أسمته الوزارة المكلفة بصحة المغاربة برنامج تخفيض أسعار الدواء لمواطني المغرب، الذي تسبب في غضب لوبيات الدواء ضد وزيري الصحة، الوزيرة السابقة ياسمينة بادو والوزير الحالي الحسين الوردي، اللذين نالا من غضب هذه اللوبيات الشيء الكثير. فتقرير مجلس المنافسة الذي يرصد نشاط تجارة الصناعة الدوائية بالمغرب، كشف أن 40 شركة، تنشط في مجال صحة المغاربة، من ضمنها 25 مختبرا، تبرز «هيمنة» ثلاثة منها، ويتعلق الأمر، حسب ما كشف عنه التقرير، بشركة «سانوفي افنتيس» التي تسيطر على 10.52 في المائة من حصة السوق على مستوى القيمة، متبوعة في المركز الثاني بشركة «مافار» بحصة تناهز 9.3 في المائة، وثالثا، حلت شركة «لابروفان» بحصة بلغت 8.63 في المائة من حصة سوق الصيدلة الخاصة بالمغرب. وفي إطار عرضه لمعطيات عن سوق الأدوية بالمغرب، أوضح التقرير أن هذا السوق يخضع لهيمنة الشركات الثلاث، من بين 40 شركة تنشط في هذا المجال، وذلك بامتلاكها لحوالي 44 من حصص السوق، وذلك في كشف واضح لاحتكار الشركات الثلاث، وهو ما جعل التقرير يصف القطاع الوطني للصناعة الصيدلية بأنه يشكل «احتكار القلة المفتوح»، إذ يتكون من نواة تضم عددا قليلا من المصنعين، الذين يهيمنون بقوة على السوق. هذا الاحتكار يظهر جليا في فروع معينة من السوق، إذ يمتلك بعض المصنعين الدراية والخبرة ويهيمنون على الأدوية التي يكثر عليها الطلب وتدر الملايين من الأرباح، حيث أظهرت النتائج التي توصل إليها التقرير أن الشركات قد حققت عائدات مالية مهمة، حيث أظهرت البيانات المالية لفرعين محليين لشركات متعددة الجنسيات، ويتعلق الأمر ب «ج.س.ك» و»مافار»، أنهما قد حققتا على التوالي، نتائج صافية ناهزت 46.7 مليون درهم و 20.4 مليون درهم، في حين تراوح معدل عائدهما المالي ما بين 5 و17 في المائة. في المقابل، كانت النتائج بالنسبة لسبع شركات وطنية، ويتعلق الأمر بكوبير فارما، وسوطيما، وبوطي ش.م، وكالينيكا، وفارما 5، وبروموفارما، وأفريك فار، إذ تراوحت نتائجها الصافية ما بين 12.5 و94.5 مليون درهم، في حين تراوحت معدلات العائد المالي لديها ما بين 12 و 29 في المائة. في غضون ذلك، يتم توزيع الأدوية وطنيا عبر قناتين رئيسيتين، تتمثل الأولى في العقود المباشرة بين المختبرات الصيدلية وصيدليات وزارة الصحة، والصحة العسكرية والمنظمات والعيادات، أما القناة الثانية فتمثلها القناة غير المباشرة التي تمر عبر الموزعين الصيدليين بالجملة، الذين يزودون الصيدليات باحتياجاتها من الدواء. أما فيما يتعلق بالأدوية المصنوعة خارجيا، والتي يتم استيرادها، فإنها تخضع لترخيص مسبق من وزارة الصحة، وهي العملية التجارية التي ارتفعت أرقام معاملاتها بشكل بكير، حيث كانت تمثل 1 في المائة من إجمالي الواردات المغربية، لكنها سجلت ما بين سنتي 2005 و2009، ما قيمته المالية تناهز 4 ملايير درهم. وتعد فرنسا على رأس لائحة الدول المزودة للمغرب بالصناعة الدوائية باستحواذها على حصة الأسد منها، إذ وصلت واردات المغرب من دوائها مليار ونصف المليار درهم، وهو ما يعادل 43 في المائة من الحجم الإجمالي للواردات المغربية من الأدوية. في المقابل، تسجل صادرات القطاع وتيرة نمو تتسم بالارتفاع، إذ انتقلت من رقم 241 مليون درهم سنة 2005، إلى 426 مليون درهم سنة 2009. وهو ما يكشف حجم الأرباح التي تجنيها الشركات من تجارتها في الأدوية وطنيا ودوليا. فسوق الأدوية بالمغرب، يعد، حسب متتبعين، أكبر ظاهرة للريع الاقتصادي، نتيجة الضغط الكبير الذي تمارسه لوبيات الأدوية، ولعل مسألة تخفيض سعر الدواء خير دليل على ذلك، حيث لم تستطع الوزيرة السابقة ياسمينة بادو تخفيض سوى ثمن 400 دواء لا يستهلكه المغاربة، ولا يمثل سوى 10 في المائة من الأدوية التي تستهلك بكثرة، كما أن إغلاق صيدلية «كنوبس» مثال حي يوحي بمدى توغل هذه اللوبيات ومدى قوة سياسة لي الذراع التي تمارسها حفاظا على مصالحها. فالكثير من المتتبعين لمجال صناعة الأدوية بالمغرب، يرون أن الشركات التي تنشط في هذا المجال، تلعب دورا حاسما في التأثير على باقي المتدخلين في الصناعة الدوائية، من صيادلة وأطباء وموزعين، من أجل تحديد الأسعار، من خلال إقناعهم بأنهم سيتضررون من ذلك، في حين أنها تسعى من خلال ذلك إلى حماية مصالحها، والحفاظ على أكبر هامش من الربح، الذي سيتأثر حتما ولا محالة، إن اتجهت أسعار الدواء الذي يحتاجه المغاربة أكثر إلى الانخفاض، فمن يتحمل مسؤولية حماية صحة المغاربة من جشع هذه اللوبيات؟ لوبيات الأدوية أخطر من شركات الأسلحة وزير الصحة قال إن هناك طرقا مختلفة لمعالجة إشكالية أسعار الأدوية - هل من المعقول أن يمنح أطباء وصفات مرتفعة التكلفة مقابل انخفاض استعمال الأدوية الجنيسة، مع ما يطرحه البعض من وجود علاقات مشبوهة بين بعض الأطباء وشركات صناعة الأدوية؟ أعتقد أن سبب تقديم أطباء لوصفات مرتفعة التكلفة لا يرتبط دائما بما تتحدثون عنه بشأن وجود لوبيات أو بعض الممارسات، لكن في الحقيقة هناك أطباء غير مقتنعين مع الأسف بالدواء الجنيس. أما بخصوص اللوبيات، فمنذ الاستقلال لم يستطع أحد الاقتراب من عدد من الملفات، بل أقول إن هذه اللوبيات أخطر من شركات الأسلحة. عندما طرح السؤال بشأن مدى رضاي عن نسبة تخفيض الأدوية قلت بأنني غير راض لأننا نستحق أكثر من ذلك، لكن هناك طرق مختلفة لمعالجة إشكالية أسعار الأدوية، علما أن هذه المختبرات تشغل 42 ألف من مهنيي القطاع. بيد أن ما يجب أن نعرفه اليوم هو أننا تجاوزنا 2000 دواء تم تخفيض سعره. - لماذا لم تمنحوا الصيادلة حق استبدال الأدوية؟ نحن نمضي في معالجة مختلف الملفات، لكن حق الاستبدال ليس بالأمر السهل. أتذكر أن آخر اجتماع حول هذا الموضوع كان بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، والذي حضره الصيادلة والأطباء، وكان هناك نقاش حاد. الأطباء الذين أخذوا الكلمة أكدوا أنهم ضد حق الاستبدال وبأنهم متشبثون بالوصفة التي تمنح للمريض. نحن نحاول تقريب وجهات النظر وشرح مختلف الأمور. - قلت بأنك غير راض، لكن الحكومة احتفلت كثيرا بهذا الموضوع. أليس في ذلك تناقضا؟ هناك دواء خاص بالسكري كان يباع ب180 درهم وأصبح ب84 درهم علما أنه يستعمل بشكل كبير، وهناك دواء خاص بالضغط الدموي انتقل من 139 درهم إلى 29 درهما، ولدي أمثلة كثيرة تؤكد أن الأدوية انخفضت على أرض الواقع. ماذا عن الصفقات العمومية لشراء الأدوية، حيث يمكن لوزارة الصحة أن تقتني دواء ب4 دراهم في حين أنه يعرض في الصيدليات بحوالي 200 درهم في الصيدلية؟ المختبرات لها أرباح، ولا يمكن أن تبيع الأدوية بنسبة تحمل خسارة. طبعا هذه الأمور ليست موجودة في المغرب لوحده، بل الشيء نفسه موجود في فرنسا مثلا. - لكن نسبة الفرق بين ثمن البيع لوزارة الصحة والبيع في الصيدلية تقدر أحيانا ب2000 في المائة، أضف إلى ذلك أن هناك حديثا عن عدم اقتناء الوزارة للأدوية برسم سنة 2014. هل من توضيحات؟ الشق الأول من السؤال موجود، لكن بالنسبة للأدوية فهذا غير صحيح وإلا لما وجدت المؤسسات الصحية الأدوية التي تشتغل بها في سنة 2014. - هل ذهبتهم نحو التدبير المفوض لقطاع الأدوية؟ لا لم نتخذ أي قرار بشأن التدبير المفوض للقطاع. طبعا كانت لدي فكرة بشأن إمكانية تفويض عمليات نقل وتخزين الأدوية وقدمت عرضا حول الموضوع في البرلمان، لكننا لازلنا في مرحلة التفكير ونستشير مع البرلمانيين ومختلف المعنيين. فإذا كان الأمر مفيدا بالنسبة لبلادنا فهذا أمر جيد، أما إذا كنا سنفتح الباب أمام إشكالات جديدة فلا حاجة لنا بذلك. محمد الأغضف الغوثي: قرار تخفيض أسعار الدواء قرار سياسي شعبوي غرضه تغطية العمق الصحي الأسود بالمغرب - ما حقيقة القرار الوزاري المفضي إلى تخفيض أسعار الدواء بالمغرب، وهل كان في مستوى تطلعات المواطنين؟ الإشكالية المتعلقة بمسألة الأدوية، يمكن اختصارها في زاويتين أساسيتين لمقاربتها،الأولى تفضي إلى القول إنها تسجل كنقطة إيجابية للوزارة الحالية، مع العلم أن بداية الإرهاصات المتعلقة بتخفيض أثمنة الأدوية ليست وليدة هذه الوزارة بل بدأت مع حكومات سابقة، أما المقاربة الثانية الأكثر علمية التي تخلص إلى أن هذا التخفيض هو جزئية تتعلق بإشكالية السياسة الدوائية إن لم نقل السياسة الصحية، ليطرح السؤال هل فعلا المغرب يتوفر على سياسة صحية أو دوائية؟ وهل سعر الدواء في المغرب مرتفع؟ كخبير أكاديمي يمكنني القول إنه إذا قارنا أثمنة الأدوية في المغرب مع الأدوية مثلا في أوربا سنجد أن 80 في المائة من الأدوية الموجودة ببلادنا أرخص بالمقارنة مع أوربا، هذا لا يعني كليا أنه أرخص، لأن هناك نسبة تتعلق ب 20 في المائة من الأدوية المرتفعة الثمن، وإذا قارنا أسعار الدواء بالمغرب مع دول في مستوى نموه كتونس مثلا سنجد أن ثمن الدواء مرتفع بالمغرب بنسبة 80 في المائة، وبالتالي علينا الحديث عن إشكالية غلاء الدواء نسبيا. وإذا افترضنا أن الدواء سعره مرتفع بالمغرب، فعلينا أولا إبراز مختلف المتدخلين في تحديد أثمنة الأدوية لنجد أربعة متدخلين، أولا الدولة عن طريق مختلف الضرائب المفروضة على المواد الأساسية واستراتيجية تتعلق بأغلى ما يملكه الإنسان وهي صحته، ابتداء من ضرائب الرسوم الجمركية إلى مختلف الضرائب المفروضة على شركات التصنيع علاوة على ضرائب التوزيع والضرائب المفروضة على أصحاب الصيدليات، وبالتالي تستفيد الدولة من مختلف هذه الضرائب. ثاني متدخل هم مصنعو الأدوية الذين يتوفرون كذلك على مستوى ربحي يصعب تحديده بحكم أنه يختلف من الشركات المتعددة الجنسية والتي تتعامل مع الشركات الأم، وكذالك الشركات المغربية ذات الرأسمال الوطني وبالتالي هناك نوع من اللبس والغموض وقلة الشفافية على مستوى تحديد أرباح هذه الشركات، فهناك نوع من المحاباة بين الجهات المسؤولة عن قطاع الأدوية وهذه الشركات خاصة المتعددة الجنسية التي لها ما يكفي من الضغوطات التي تشكل لوبيات من أجل تحديد الأثمنة التي تريد. أما المتدخل الثالث فهم موزعو الأدوية الذين يبقى هامش ربحهم صافيا لا يتعدى 2 في المائة. ثم المتدخل الرابع الصيادلة الذين كذلك ربحهم الصافي لا يتعدى 8 في المائة كأبعد تقدير. ويمكن القول إن ثلث الصيادلة يعيشون وضعيات مالية متأزمة إلى حد الإفلاس، والثلث الباقي يعيش صعوبات مالية لا يستطيعون تأدية ديونهم إلا بعد ستة شهور، وهذا ما أدى إلى خلل في التوازن المالي لشركات التصنيع ليمتد الضرر إلى شركات التوزيع والصناعة ليبقى المستفيد الأكبر من هذه المعادلة هم البنوك، ليتبين أن خلفية قرار خفض سعر الدواء خلفية سياسية شعبوية محضة هدفها التغطية على المشاكل الصحية العميقة بالبلاد، فالمغاربة يستهلكون فقط 8ملايير درهم من الدواء سنويا وبالتالي حجم المعاملات يبقى جد بسيط مقارنة مع دول نامية ليبقى هذا الرقم نقطة سوداء في جبين السياسة الصحية بالمغرب. - ما هي الإشكالات الكبرى التي يطرحها قطاع الدواء بالمغرب؟ لم تستطع أي حكومة منذ الثمانينيات إلى الآن تشكيل الاستثناء فيما يخص السياسية الصحية والدوائية التي لم تستطع التحرر من إملاءات المؤسستين الماليتين: البنك الدولي والصندوق الدولي من خلال برنامج التقويم الهيكلي الذي يفرض على الدولة رفع يدها على كل ما هو اجتماعي. الإشكالات الكبرى تتعلق بالسياسات العمومية، إذ لا يمكن الحديث عن سياسة صحية أو دوائية إن لم تكن سياسة عمومية اجتماعية، ولا يمكننا الحديث عن سياسة دوائية في ظل غياب وثائق وبرامج مكتوبة، كمعيار أول لتحقيق السياسة الدوائية، أما الثاني فلابد أن تكون الوثائق المكتوبة منشورة ثم بعد ذلك متاحة للمواطنين، الإشكال الثاني تعاني منه الدول النامية وهو غياب العلاقة والانسجام بين البرامج المنزلة والإجراءات على أرض الواقع إذ نجد مجموعة من الدراسات والمخططات دون تبعات ولا يوفر لها الجهد للتطبيق، بالإضافة إلى عدم إشراك مختلف الفرقاء في صنع السياسات، وبالتالي المشكل الأساسي يبقى في تنزيل السياسات الصحية كما هو شأن باقي السياسات العمومية. - هل يمكن القول إن وزير الصحة الحسين الوردي رضخ للوبيات صناعة الأدوية؟ إذا قلنا إنه استسلم هذا يعني أنه كانت لديه إرادة قبلية، لكننا لم نلمس تلك الإرادة بعد، فتحقيق السياسات الصحية هدفها المواطن، وليس مجابهة لوبيات صناعة الأدوية، فهي ليست سوى فاعل من الفاعلين ويجب اعتبارها شريكا للنهوض بالمستوى الصحي، فمثلا انعكاسات تخفيض الأدوية على الصناع الذين طالهم الطرد من شركات صناعة الأدوية، وبالتالي عند صياغة أو اتخاذ أي قرار يجب دراسة أبعاده وتحديد انعكاساته، وهذا هو عمق الإشكال فالاستسلام وليد سياسات شعبوية غير مسؤولة وغير مندمجة، إذ أن تخفيض سعر الدواء مثلا عاد بأضرار على مختلف المتدخلين، ومنطقيا أن يتحرك اللوبي في هذه النقطة بالذات. - أين تتجلى نقاط ضعف خطة إصلاح السياسة الدوائية بالمغرب وما الأسباب التي حتمت فشلها؟ إن التعاطي مع قطاع الصحة كقطاع تجاري استثماري مدر لخزينة الدولة وليس كقطاع إنساني ذي عمق اجتماعي يسجل كأقوى نقطة ضعف لوزارات الصحة المتعاقبة، بالإضافة إلى الإشكال المتعلق بالتنزيل، مع العلم أن المخططات تتسم بالخلل من خلال انعدام المقاربة التشاركية لمختلف الفاعلين، وهذا ينقسم إلى ثلاثة مستويات تتعلق بأي سياسة عمومية: الأول مرحلة البلورة التي ولابد أن تسبقها الإرادة للنهوض بالمستوى الصحي، بمعنى هل الحكومة تؤمن بقاعدة لا تنمية بدون صحة وهل تعتبرها مدخلا حقيقيا للنهوض بالتنمية، وطالما أن الصحة ليست في مقدمة البرامج الحكومية، فهذا ينم على خلل في مستوى الإرادة الحقيقية للنهوض بهذا القطاع. المواطن المغربي يؤدي ضريبة دواء «فوطوكوبي» المغاربة يؤمنون بأن «دوا أوربا» أحسن في العلاج من «دوا المغرب»
يتداول الكثير من المواطنين معلومة، مفادها أن الدواء القادم من فرنسا وغيرها من الدول الأوربية، أكثر فعالية من نظيره في المغرب بالرغم من أن له العلامة التجارية ذاتها التي تسوق الدواءين في السوقين المغربية والأوربية، مما يستدعي أخذ كميات مضاعفة من الدواء في المغرب للحصول على علاج قد لا يكلف ربع العلاج، إن تمكن المستهلك المغربي من الحصول عليه من فرنسا على سبيل المثال. وأيضا عندما يذهب المريض إلى الطبيب، يصف له «خنشة» من الدواء مقارنة بطبيب في أوربا والذي يكتفي في علاجه للمرض نفسه بدواءين أو ثلاثة على أبعد تقدير. تساؤلات وأخرى يعيش في دوامتها المستهلك المغربي من دون أن يجد لها جوابا شاف غير أن «الدوا في المغرب» ليس كنظيره في أوربا. أين يكمن الخلل؟ هل الدواء في المغرب يقل في جودته عن نظيره في أوربا؟ أم أن الأمر يرتبط بالشركات والمختبرات المصنعة؟ أم هو هاجس الربح الذي يطغى على قطاع الصحة وصناعة الأدوية في المغرب؟ البداية من الصيدلية كانت البداية من الصيدلية للإجابة على جملة من الأسئلة باعتبار أن الصيدلية في الحي أقرب إلى المواطن المغربي من الطبيب، حيث يكتفي العديد من المرضى من طلب مساعدة مستخدمي الصيدلية لأجل الحصول على الدواء مستغنين عن الطبيب بهدف توفير تكلفة الفحص، الشيء الذي أدخلنا بدوره في متاهة أي مساعدين نطلب استشارتهم وأي تكوين لديهم، حتى يصفون الدواء المناسب للعلاج، الشيء الذي تضمنه حديث ليلى الشياظمي في تصريح لها ل«المساء» بقولها أن مساعدي الصيادلة لا يتلقون تكوينا من أجل إفادة المواطنين ومنحهم الأدوية المناسبة، وأفصحت عن كون المواطنين ولضيق ذات اليد يفضلون اقتناء الدواء من دكان الحي بدلا حتى من الصيدلية في غياب مراقبة وحماية للوزارة الوصية على القطاع واهتمامها بصحة المواطنين. الأدوية الرخيصة؟ يحدث أن يدخل أي مواطن منا إلى الصيدلية ويطلب دواء بعينه حتى بدون الإدلاء بوصفة طبية، فيقول له الصيدلي إن وجد في حينه أن هذا الدواء غير موجود ولكن توجد أدوية مثيلة له تشبهه معللا القول «بأنه غير الأسماء وصافي والشركات» وبثمن أرخص، هذه الأدوية هي التي تدعى بالأدوية الجنيسة (المثيلة أو البديلة) والتي في غالب الأحيان لا يبالي بها المواطن العادي الذي لا يهمه غير الثمن، إلا إذا تأخر العلاج وتطلب الأمر منه العودة إلى الطبيب أو الصيدلي لطلب علاج آخر. «الأدوية الأصلية والفوطوكوبي» بهذه العبارة حدثنا صيدلاني بالبيضاء فضل عدم الإدلاء باسمه بكون الدواء الأصلي ليس ك«الفوطوكوبي» وإن كان يماثله من حيث الشكل الصيدلاني ودواعي الاستخدام، وعادة يتم إنتاجه من دون تصريح من الشركة الأولى التي صنعت الدواء بعد سقوط براءة الاختراع بعد مرور 20 عاما على إنتاج الدواء الأصلي، وهي الفترة اللازمة لاسترداد الشركة الأم المصنعة للدواء الأصلي نفقاتها التي استثمرتها في الأبحاث والتصنيع. ولكن هناك بعض الشكوك التي تحوم حول فعالية (بعض) هذه الأدوية الجنيسة بناء على معاينات يومية للمرضى والتي تشير بأصابع الاتهام إلى هذه الأدوية لعدم تحسن حالتهم الصحية، وأنهم لو استخدموا الدواء الأصلي وليس الجنيس لكانت الفعالية أكبر والاستجابة أفضل. صحة الاتهامات علميا وعن صحة الاتهامات الموجهة للدواء الجنيس من الناحية العلمية ورد في دورية لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية أنها حتى ترخص للدواء الجنيس يجب أن تكون فعاليته في الجسم وتركيزه بالدم يكافئ الدواء الأصلي بنسبة زيادة أو نقص (20 %)، ولكن في الحقيقة اختبارات التكافؤ الحيوي تكون على أشخاص ليسوا مرضى، ولا يتم عادة عمل اختبارات سريرية على المرضى لتحديد التأثير العلاجي للأدوية، مثل: انخفاض ضغط الدم وسكر الدم والحرارة على سبيل المثال. وهناك شكوك أخرى حول جودة المواد الخام التي تستخدم في هذه الأدوية من المواد الفعالة والإضافات مثل: الألوان والنكهات التي قد تؤثر على إتاحة الدواء وإعطاؤه الأثر العلاجي المطلوب.لذلك ألزمت هيئة الدواء الأوربية أخيرا شركات الأدوية التي تريد تصنيع أدوية جنيسة بعمل اختبارات سريرية لتحديد فعالية الأدوية بناء على التأثير (العلاجي) وليس فقط التكافؤ (الحيوي)، ولا زالت هيئة الدواء الأمريكية متساهلة بعض الشيء في هذا المجال حيث تسعى بضراوة إلى تغليب النواحي الاقتصادية للدواء على إجراء أبحاث قد تكون مكلفة للشركات وترفع بالتالي أسعاره. وهناك دراسات أشارت إلى ضعف التأثير العلاجي لبعض الأدوية الجنيسة، فالباحث «والنر» في مجلة (سلوك الصرع 2004) عند سؤاله عينة من أطباء الأعصاب، أشار ثلثاهم إلى تجدد حالات الصرع لدى المرضى وارتفعت الأعراض الجانبية عندما تم تغيير الدواء الأصلي إلى دواء جنيس، ودراسة أخرى مقارنة للتكافؤ الحيوي أثبتت أن عقارا جنيسا لدواء «فالزارتان» الأصلي الذي يستخدم لعلاج ضغط الدم غير مكافئ له ونشرت في مجلة (العلاجيات السريرية 2010). في المغرب هناك اتهامات من قبل المرضى وحتى الصيادلة أنفسهم لكن الخوف من الشركات والمختبرات كما ورد على لسان ليلى الشياظمي يجعل الكثيرين يفضلون الصمت. صناعة متقدمة ومواطن يعاني؟ تحتل الصناعة الصيدلانية المغربية المرتبة الثانية على مستوى القارة الإفريقية، ب 40 وحدة صناعية و50 موزعا وأزيد من 11 ألف و500 صيدلية وذلك انطلاقا من الأرقام التي طرحتها وزارة الصحة أخيرا، بحيث يصدر المغرب 10 في المائة من إنتاجه، خاصة إلى البلدان الإفريقية المجاورة. ويصنف المغرب ضمن «منطقة أوربا» من قبل منظمة الصحة العالمية، نظرا لجودة صناعة الأدوية. وتشكل الصناعة الدوائية رهانا اقتصاديا واجتماعيا في أفق 2023. خلاصة للخروج بالجواب الكافي فإنه يمكننا القول إنه يمكن الاستعاضة بالدواء الجنيس عن الدواء الأصيل إذا كان الدواء الجنيس مكافئ حيويا وبشكل متسق مع الدواء الأصيل .وباستعراض ما لهما وما عليهما، فيمكن سرد مميزات وسيئات كل منتج على النحو التالي: الدواء الأصيل: يتميز بالجودة المضمونة ويشجع على البحث والتطوير لابتكار أدوية جديدة ضمن الأنظمة التشريعية نفسها، غير أنه غالي الثمن إذا ما قورن بالبدائل المناظرة له من الأدوية الجنيسة. الدواء الجنيس: له الفضل في تشجيع انخفاض الأسعار وزيادة القدرة على التداول للدواء، غير أن أمر جودة الدواء يبقى القضية الرئيسية التي تبقى قيد الطرح وتحتاج إلى المزيد من التأكيد.