برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا «تبيع وتشتري» لوبيات شركات الأدوية في صحة المغاربة
«المساء» تكشف تفاصيل صادمة عن نسبة الأرباح التي تحققها وكذا أساليب التحايل من أجل نهب جيوب المواطنين
نشر في المساء يوم 27 - 04 - 2014

إن فتح موضوع مختبرات وشركات الأدوية بالمغرب» يشبه إلى حد بعيد السير في حقل مليء بالألغام، مرشح للانفجار في أي لحظة، لسبب بسيط وهو أن أصحابها اطمأنوا إلى قناعة أساسية مؤداها أنه في المغرب يمكن شراء كل شيء بالمال، حتى ولو تعلق الأمر بالضغط داخل البرلمان المغربي ولدى مسؤولي الجرائد وإغراء جمعيات المرضى. على هذا المنوال، اشتغلت شركة ومختبرات الأدوية بالمغرب طيلة أكثر من خمسين سنة، واستطاعت أن تحقق أرباحا خيالية على حساب جيوب المواطنين.
لم تتوان هذه الشركات في قتل روح المنافسة وفي الإخلال بمبادئ الاقتصاد الحر، وكانت تحارب في كل الجبهات بغاية الإبقاء على امتيازاتها من خلال التحكم في سعر الأدوية، وفي وقت من الأوقات أصبحت أقوى من الحكومة نفسها، وإلا كيف نفهم أن صيدلية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي أغلقت أبوابها بعد ضغط رهيب مورس على الحكومة وعلى مسؤولي الصندوق.
إنه لوبي حقيقي تمتد أطرافه في كل مكان، استطاع أن يحتوي بعض الأطباء والصيدلانيين والإعلاميين والبرلمانيين، بل وحتى مسؤولين داخل وزارة الصحة، والهدف المتستر/المعلن كان دائما تحقيق أكبر قدر من الأرباح. ولأن القانوني يحمي الأذكياء على الدوام، ولأنه وضع ليخرق، أيضا، فإن هذه المختبرات ابتدعت أساليب لا تخطر على بال أحد للاحتيال عليه وتبييض أرباحها بقوة القانون نفسه.
لحظات فقط بعد أن أعلن الحسين الوردي مراجعة أسعار «عدد» من الأدوية، قامت الدنيا ولم تقعد، وخرجت لوبيات الأدوية في المغرب من جحورها لتوجه كل أنواع السباب للوزير وصل إلى حد الاعتداء عليه داخل قبة البرلمان. في علم النفس تقول القاعدة إن رد الفعل العنيف هو تصريف لموقف عدائي، ينتج دائما عن ألم عميق أو فقدان شيء عزيز. من الطبيعي جدا إذن أن نرى صيادلة يفترض فيهم أنهم واعون ومثقفون، يهاجمون وزير الصحة ويهددونه بطريقة أثارت حينها الكثير من علامات الاستفهام.
ليس من السهل بالمرة أن تفتح مثل هذا الموضوع دون التوفر على وثائق وعلى معطيات موثقة، وليس من السهل، بتاتا، رصد كل الخدع التي يلجأ إليها أصحاب الشركات، بيد أن هذا الملف/التحقيق، يفتح الملف من كل زواياه، ويلقي مزيدا من الضوء على مناطق ظلت دائما مظلمة، ويكشف عن معلومات دقيقة وخطيرة تنشر لأول مرة حول الخدع التي تحتمي بها هذه المختبرات في سبيل تسويق منتجاتها.
تجدون في الملف، وقائع ومعطيات ووثائق تكشف إلى أي حد صارت مختبرات الأدوية قوية ومتحكمة في كل مفاصل قطاع الأدوية بالمغرب. إنها تجارة رائجة أحكمت لوبيات بوجوه معروفة وعناوين مألوفة السيطرة عليها، وبإمكانها أن تزيد في ثمن الدواء بما يقرب من 5000 في المائة ولا يسألها أحد.
مختبرات الأدوية تمتلك لوبيا قويا يتشعب في الكثير من القطاعات
يضغط على وزارة الصحة باستعمال البرلمان وجمعيات المجتمع المدني المكلفة بالمرضى والتعاضديات والصيادلة والأطباء
«القانون وضع ليخرق»، وأول جهة فهمت هذه القاعدة القانونية، بغير قليل من المكر، هي مختبرات الأدوية في العالم بشكل عام وفي المغرب على نحو خاص. في الظاهر يبدو كل شيء قانوني، من طلبات العروض إلى طلب رخص المختبر الوطني للتحليلات الطبية، إلى التسويق عبر مختلف صيدليات المملكة، لكن في الكواليس ثمة شيء آخر لا يسير بالطريقة التي تتناسب مع القانون ومع رسالة الطب النبيلة ومع وصايا أبو قراط، بقدر ما تخضع للمنطق الرأسمالي الشهير: «الرأسمال جبان»، ومنطق المال لا يأخذ بعين الاعتبار أن في المغرب مواطنون مسحوقون، أنهكت جيوبهم مصاريف الصحة. التعميم في هذا المضمار غير محمود بتاتا، لأن في المغرب مختبرات صغيرة تشتغل بإمكانيات بسيطة وتدور في أفق ضيق، ومع ذلك، فبعض الشركات المغربية، التي تحظى بالامتياز التاريخي، ثبتت أركانها في السوق بعدما أصبحت تروج أدوية لشركات عالمية، بينما احتكرت شركات عالمية أدوية معينة.
في الظاهر أيضا، تبدو أن المنافسة الحرة ومبادئ الاقتصاد الليبرالي مضمونة إلى أبعد حد، بيد أن الحقيقة تقول العكس: لا منافسة حرة في سوق الأدوية في المغرب ولا مبادئ رأسمالية، وحتى مجلس المنافسة الذي يراقب مدى احترام التنافسية بين شركات الأدوية، أصدر في وقت سابق تقريرا أسود حول عمل المختبرات بالمغرب، وأفرد حيزا كبيرا للحديث عن أهم الاختلالات التي تشوب القطاع وتوقف عند خروقات لا تخطر على بال أحد، وقبلها بخمس سنوات، ولأول مرة، خرج تقرير برلماني أكثر قتامة من تقرير مجلس المنافسة، وبعيدا عن الصراعات الطاحنة التي نشبت بين الفرق البرلمانية حول جدوى نشر التقرير من عدمه، فإنه كان أكثر تدقيقا من مجلس المنافسة، وتحدث بكيفية مفصلة عن الحيل التي تلجأ إليها المختبرات لرفع مبيعاتها وضمان أرباح خارج القانون وخارج المحاسبة.
ولئن كان، الحسين الوردي، وزير الصحة الحالي، قد حاول طوال الفترة التي قضاها على رأس وزارة الصحة أن يشدد الخناق على»لوبيات الأدوية» وعلى المختبرات الكبرى ويغلق المنافذ وحتى المسام التي تنفذ منها، فإن بعضا من تلك الخروقات التي وردت في تقرير مجلس المنافسة وفي تقرير اللجنة البرلمانية مازالت قائمة، وقمة الغرابة أن القانون وحده من يحميها، ووحده من يبقيها في دائرة الظل.
كل الشهادات والمصادر التي تحدث إليها صحافي الجريدة تكاد تتفق في مجرى أساس وهو أن مختبرات الأدوية تتوفر على لوبي كبير يتشعب في الكثير من القطاعات: وزارة الصحة، البرلمان، جمعيات المجتمع المدني المكلفة بالمرضى، التعاضديات، الصيدليات والأطباء. بمعنى آخر، مهما حاول الوردي أن يحارب لوبيات الأدوية التي تحركها المختبرات، فإن مهمته لن تكون بالسهولة التي تصورها أول يوم، سيما وأن قطاع صناعة الأدوية ظل منذ استقلال المغرب حكرا على شركات تسيرها عائلات معروفة ولديها نفوذ داخل مراكز القرار .
يقينا أن قرار مراجعة أسعار الأدوية، أقلق الكثير من الجهات التي كانت قد اطمأنت لسنين طويلة إلى أن كل شيء قابل للشراء، ولا غرابة أن نجد أدوية كانت في السابق تباع ب5000 مرة، بالمقارنة مع كلفة تصنيعها علاوة على أن أدوية كثيرة منعت في الكثير من البلدان، لكن المختبرات في المغرب، كما في الكثير من بلدان العالم الثالث، فرضتها بقوة»المال» وبقوة التحايل.
الضغط على التعاضديات..مختبرات أقوى من الحكومة
حينما ارتأى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي أن يشدد من مراقبة الملفات المعروضة عليه المتصلة بالأدوية التي تعوض بنسبة 100 بالمائة، حدث ما لم يكن يتوقعه أحد..ظهرت الكثير من الجمعيات معلنة العصيان على القرار، وتزامن هذا العصيان مع الضغط الذي مورس على المنظمة من أجل إلغاء المراقبة الطبية على المرضى.
لم يفهم المسؤولون مبعث الضغط الرهيب الذي مورس عليهم إلى درجة أن جمعيات احتجت قرب مقر الصندوق ونقلت صوتها إلى داخل البرلمان. بالنسبة للرأي العام، فهم الأمر أنه نوع من الإجهاز على حقوق المرضى وإنهاك قدرتهم الشرائية والتشكيك في ملفاتهم، لكن الأمر كان أعقد من ذلك بكثير على حد تعبير عبد العزيز عدنان»بالنسبة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، عانينا من بعض حملات الضغط التي قادها بعض الأطباء وبعض المختبرات بعد أن قررنا اعتماد تحمل الأدوية المكلفة وتعويض الأدوية المتعلقة بالعلاجات العادية على أساس الأدوية الجنيسة، مما مكن من الرفع من نسبة اعتماد الأدوية الجنيسة بصيدليتنا من 34% سنة 2009 إلى 60% سنة 2012».
ولا يتوقف عدنان عند هذا الحد، بل يضيف «وأود أن أوضح أن قرار الصندوق بالاعتماد على الأدوية الجنيسة ينسجم مع المقتضيات القانونية للتغطية الصحية الأساسية، ومع استراتيجية وزارة الصحة التي تبلغ نسبة مشترياتها من الأدوية الجنيسة 80%، ومع المخطط الوطني لمحاربة السرطان، ومع توجه عالمي تقوده منظمة الصحة العالمية من أجل جعل الدواء في متناول الجميع وفق شروط من السلامة والجودة معترف بها».
ما قلناه سلفا عن مراقبة الملفات الطبية لم يبق حبيس أدراج الصندوق الوطني للاحتياط الاجتماعي، إنما دخلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط بعدما أحال الصندوق أكثر من 100 ملف، أظهرت الكشوفات الطبية التي أجريت على أصحاب الملفات أنها كاذبة. بعد ذلك، سعى الصندوق إلى تقليص هامش المناورة أمام المرضى من خلال فرض الكشف الطبي كمعيار أساس للاستفادة من الأدوية مجانا. مرة أخرى، احتجت الجمعيات لكن هذه المرة بطرق أكثر حرفية من ذي قبل.
في البدء، خرجت للاحتجاج، ثم حشدت دعما إعلاميا كبيرا بتنظيم ندوة صحافية، وتبين في وقت لاحق أن شركة سويسرية هي من مولت هذه الحملة الصحافية تحت غطاء»إنشاء مواقع على الفايسبوك واليوتوب وشراء الملفات الصحافية وطبع الأوراق»(كم هو مبين في وثيقة تنشرها «المساء»). القانون واضح في هذا الإطار، بل لا يحتمل أي تأويل آخر غير هذا: ليس من المسموح لشركات الأدوية أن تدعم أي جمعية مغربية مهما كان توجهها وكيفما كانت أنشطتها. استغلت الشركة المذكورة الفراغ القانوني فيما يخص العلاقة بين المختبرات وباقي المنظمات المدنية، كما هو معمول بها في فرنسا مثلا. بموجب القانون الفرنسي، يجب التصريح بكل المعاملات المالية لمختبرات الأدوية، وفي المغرب، مازال الفراغ القانوني يسمح بالتحايل وبالالتواء.
لقد كان الغرض، حسب ما يقول المسؤولون في الصندوق، من الحملة الإعلامية الضغط على الصندوق لتعويض الأدوية التي تحتكرها الشركة ذاتها بدل الاستفادة من الدواء الجنيس الأقل ثمنا. تنفي ليلى نجدي، رئيسة الجمعية المغربية لمرضى الروماتويدAMP، أن تكون الجمعية قد تلقت أي ضوء أخضر من طرف مختبرات الأدوية لممارسة الضغط على»كنوبس»، مضيفة أن» الاتهامات المذكورة ليس لها أي أساس من الصحة، وليس هناك أي قانون يمنحنا الشرعية للضغط على أي تعاضدية، وفوق ذلك لا نتوفر على القوة التي تساعدنا على فعل ذلك، وشغلنا الشاغل هو صحة المرضى المصابين بمرض الروماتويد، وأخبركم أنه منذ تأسس جمعيتنا كان هدفنا هو التحسيس والوصول إلى التعويض الشامل على كل الأدوية الملائمة لعلاج مرض الروماتويد، وبعيدا عن هذه الاتهامات، ننتظر من أصحاب القرار احترام القدرة الشرائية للمرضى، وأؤكد لكم أن جمعيتنا ستستمر في نضالها من أجل الوصول إلى مطلب التغطية الشاملة».
شد الحبل بين «كنوبس» وبين جمعيات المرضى مرده الأساس هو التعويض الكلي عن الأدوية لبعض الأمراض التي تحتاج إلى أدوية غالية الثمن، ففي الوقت الذي ترى فيه التعاضدية أن الدواء الجنيس، وفق جميع الدراسات ووفق جميع الاتفاقيات، يبقى فعالا جدا، تدفع بعض الجمعيات في اتجاه أن يتم التعويض عن الأدوية الأصلية. تفيد المعطيات التي حصلت عليها»المساء» أن بعض المختبرات لا تكتفي فقط بالدعم المادي للجمعيات، بل تقدم وعودا للمرضى بغاية مساعدتهم على تحمل أعباء الأدوية مقابل التخلي عن الأدوية الجنيسة. لماذا؟ الجواب عن السؤال وفق المعطيات نفسها، يقود إلى الكثير من الحقائق الصادمة. أولى هذه الحقائق أن المختبرات تستعين بالكثير من الأطباء وتنسج لهم علاقات مدفوعة الأجر، مع بعض الصحافيين للتشجيع على استعمال دواء بعينه والتحريض على مقاطعة آخر، وهي الحيلة، التي وظفتها، استنادا إلى المعطيات نفسها، في أكثر من مناسبة.
إحدى هذه المناسبات تزامنت مع الصراع العنيف الذي خاضه»الكنوبس» مع بعض جمعيات مرضى سرطان الدم، إذ دافع مسؤولو صندوق الاحتياط الاجتماعي على الدواء الجنيس البالغ ثمنه 3500 درهم، فيما يريد المرضى دواء أصليا سيكلف 25000 درهم قبل مراجعة الأثمان التي قام بها الحسين الوردي، وزير الصحة الحالي. في فترة الصراع نفسها، ظهر حوار في إحدى الصحف الوطنية يحث على شراء الأدوية الأصيلة عوض الأدوية الجنيسة.
انتبه تقرير اللجنة البرلمانية إلى ظاهرة»تبخيس» الدواء الجنيس-الجينيريك- لفائدة الدواء الأصلي، المرتفع الثمن، وأكد، بما لا يدع مجالا للشك أن» اللجنة لاحظت أنه ثمة انتقاصا ممنهجا من قيمة الأدوية الجنيسة لدى الأطباء والمرضى، وإن كانت شركات الأدوية تتبرأ من هذه الاستراتيجية إلا أنها تحارب الأدوية الجنيسة عبر استراتيجية بث معلومات خاطئة، وإشاعات للتشكيك في جودتها وفعاليتها». ويضيف التقرير بعبارات أكثر قوة» يعني تقديمها في شكل جديد من أجل تجنب منافسة الأدوية الجنيسة، إن دخول الأدوية الجنيسة إلى الأسواق غالبا ما يترجم بمنافسة أكثر شراسة تساهم في خلق كل من المبيعات والأثمنة، ولمواجهة هذه المنافسة تعمد شركات الأدوية إلى طرق متنوعة كتغيير شكل الدواء أو تغيير التلفيف، واستخدمت، أيضا، حملات للكشف عن بعض الأمراض كوسيلة لترويج بعض الأدوية، فتحت غطاء العمل الإنساني تستغل هذه الشركات ضعف الموارد العمومية لبعض الدول كالمغرب للقيام بعملية الكشف عن بعض الأمراض يكون الهدف غير المعلن منها هو الترويج لبعض الأدوية».
كما أن الحملات الطبية، التي تكتسي طابعا إنسانيا، بدأت تتخذ أبعادا أكثر خطورة، ليس أن هذه الشركات تستهدف شرائح أكبر وفي مناطق متعددة، بل لأن طرق التحريض أصبحت أكثر نفاذا وأكثر إقناعا، وبيان ذلك أن بعض المرضى ليسوا مستعدين لتقبل فكرة أن الدواء الجنيس يمكن أن يكون فعالا بنفس الطريقة التي يكون بها الدواء الأصلي، وليس من الغرابة في شيء أن يشن هؤلاء هجوما عنيفا على مختلف التعاضديات، لدفعها إلى تعويضها بشكل كلي. يقول علي لطفي، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، في معرض حديثه عن عمل مختبرات الأدوية بالمغرب إن بعض مختبرات صناعة الأدوية أقوى من الحكومة نفسها لاعتبارات بعضها «ظل بمثابة محميات لجهات قوية في الدولة لا يمكن التقرب منها. والدليل على ذلك أن جل الحكومات لم تستطع التقرب من أسعار الأدوية رغم ما عرف عن المغرب كأعلى سعر في العالم» مردفا في السياق نفسه أنه»رغم تقارير البنك الدولي والمنظمة العالمية للصحة والبرلمان المغربي ومكاتب الدراسات، فما تم القيام به إلى يومنا يظل رتوشات لا تسمن ولا تغني من جوع.
من كل ما سبق، يحق لنا أن نتساءل، عن الطريقة التي أغلقت بها صيدلية «كنوبس» رغم أن القوانين تمنح لها الامتياز بشراء الدواء بثمن منخفض. مسؤولو الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، الذين تحدثت إليهم «المساء» أكدوا أن ضغوطا رهيبة مورست على الحكومة وعلى الصندوق من أجل التخلص منها»لا يساورنا أي شك أن تكون المختبرات وراء هذا الضغط رغبة في المزيد من الأرباح والدفاع عن احتكارها لأدوية بعينها، لكن مع ذلك أصبحت المعركة الآن متكافئة إلى حد ما، لكن في السابق كان لوبي الأدوية أقوى مما تتصورون، إلى درجة أنه صار يتدخل حتى في بعض القوانين التي تصدر من المؤسسة التشريعية، ويشتري بعض الأقلام الصحافية». بالنسبة لعلي لطفي، يشرح هذا الإغلاق بلغة الأرقام، وبلغة الربح والخسارة: «لقد استطاعت شركات ومختبرات الأدوية-يستطرد علي لطفي- أن «تفرض على الحكومة إغلاق صيدلية» الكنوبس «التي كانت تشتري عبر صفقات عمومية الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة بسعر أقل عشر مرات مما هو عليه لدى الصيدليات ( الثمن العمومي للدواء في الصيدلية 12 ألف درهم كان الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي الكنوبس يقتنيه ب 300 درهم ) علما، يضيف لطفي، أن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي « الكنوبس» يعالج سنويا ما يقارب 17 ألف ملف مرضي لمرضى السرطان يتحمل الصندوق 100 في المائة من نفقات علاجهم . بغلاف مالي يقدر إجمالا ب2.4 مليار درهم سنويا، بالنسبة للأدوية المكلفة نصفها لأمراض السرطان أي 1.3 مليار درهم والباقي تخصص لأمراض التهاب الكبد وداء القصور الكلوي».
القانون يحمي الأذكياء
حيل المختبرات عديدة ومتشعبة وكلما التف حبل القانون حول عنقها، ابتدعت حلولا جديدة أكثر خداعا، والهدف الأول والأخير هو جني المال. من يمكن له أن يصدق أن شركات الأدوية وصل بها الأمر إلى حد التأثير على جمعيات الطلبة داخل كليات الطب، من أجل تنظيم ملتقيات بعينها، وحول موضوعات مفكر فيها قبلا. المعلومات التي حصلت عليها الجريدة تشير إلى أن شركات الأدوية، تكون دائما على استعداد لتمويل أنشطة الطلبة شريطة أن تنظم ندوات ودورات تعالج ظواهر مرضية لها علاقة بنوعية الأدوية التي تحتكرها هذه الشركات. يحكي أحد الطلبة الذي كان يشغل عضو مكتب جمعية الطلبة في كلية الطب بالرباط» كانوا يحاولون مرارا إقناعنا بأهمية تنظيم ندوات حول مواضيع أمراض القلب وبعض الأورام السرطانية ومحاولة عقد تجارب مقارنة مع دول أخرى، في البداية بدا لنا الأمر عاديا، لكن فيما بعد تبين أن وراء هذا الدعم أشياء أخرى تتعلق بترويج الأدوية وجني أرباح طائلة». يتساءل العضو السابق ذاته، «لا أفهم حقا كيف تشتغل هذه المختبرات داخل الكليات رغم أن أهدافها لم تكن يوما أكاديمية كما تحاول أن توهمنا دائما».
تقرير اللجنة البرلمانية رغم أنه أنجز سنة 2009، فإنه مازال صالحا للحديث عن الوضعية الحالية، فعدا قرار مراجعة أسعار الأدوية الذي اتخذه الوردي بعد صراع مرير مع المهنيين، لا شيء تغير. يتوقف التقرير عند بعض الخروقات القانونية وغير القانونية التي ترتكبها مختبرات الأدوية بالقول» الدورات التكوينية الطبية تروج للمنتوجات الطبية الغالية الثمن، ومن المعلوم أن الطب يعرف تقدما دائما وسريعا مما يلزم الأطباء للخضوع لتكوين مستمر لا يتوفرون دائما على الإمكانيات المادية اللازمة للحصول عليه، ويوفر قطاع صناعة الأدوية الإمكانيات لسد هذه الحاجة عند الأطباء، إذ تستخدم عدة تقنيات كالزيارات الطبية والأمسيات الموضوعاتية داخل المغرب وخارجه، بحضور اختصاصيين مرموقين وتتحمل شركات الأدوية مصارف هذه التظاهرات لتضمن عرفان الأطباء بالجميل، وبالتالي وصف منتوجاتهم للمرضى، وهي غالبا الأغلى ثمنا أو المحمية بموجب براءة الاختراع».
هنا تحديدا، مربط الفرس، فشركات الأدوية تستثمر المناخ الدولي الذي يسمح بالاحتكار بموجب براءة الاختراع، لكن براءة الاختراع تصبح أكثر فتكا في دول العالم الثالث. في الدول المتقدمة، وفي أوربا خاصة، هناك شركات عديدة وهناك نوع من المنافسة بين مختبرات الأدوية، رغم كل ما يقال عن التنسيق بينها للإبقاء على ثمن الدواء مرتفعا.
الأطباء والمختبرات..قصة حب مجوسية
في سنة 2012، افتتح «ع» عيادته، وبعد شهرين من موعد الافتتاح وجد عشرات المناديب الصحيين التابعين لشركات الأدوية يتقاطرون على مكتبه لإقناعه بجدوى الأدوية المستعملة في علاج أمراض القلب. سعيد ابن كلية الطب وذاق محنة التخصص بفرنسا، ويعرف إلى حد بعيد خدع المختبرات ومغرياتها الكثيرة. اقترح عليه أحد المختبرات، حسب تصريحاته أن يستفيد من عمولة مالية تبلغ 25 ألف درهم مقابل تشجيع المرضى على اقتناء أدوية مخصصة. ذهب سعيد بعيدا في التفاوض مع عدة مختبرات: المختبر الأول اقترح عليه دورات تكوينية سنوية خارج أرض الوطن، فيما اقترح عليه المختبر الثاني الاستفادة من الكثير من الأدوية أما المختبر الثالث، فقد كان أكثر صراحة من المختبرين الآخرين، إذ وعد الطبيب بتعويضات مالية في حال وصف لمرضاه دواء تبلغ قيمته في السوق 14 ألف درهم.
يؤكد الطبيب نفسه أنه رفض كل عروض المناديب الصحيين، لأنه كان يسمع من أصدقائه قصصا كثيرة تشبه ما حدث له أثناء افتتاحه لعيادته. لا ينفي بعض الأطباء الذين تحدث إليهم صحافي الجريدة وجود لوبي كبير من الأطباء والصيدلانيين يشتغلون مع المختبرات دون أي حسيب أو رقيب مادام أن هذه الممارسات لا يمكن ضبطها بالقانون. من بين تلك الممارسات أن بعض الأطباء أصبحوا يدافعون عن الأدوية الأصلية، والكثير من القراء يصدقون أن بعض الخرجات الصحافية تأتي بالمصادفة. بالنسبة للمختبرات وشركات الأدوية لا شيء متروك للمصادفة، فالحملات الإعلامية والتنسيق مع الأطباء غالبا ما يأتي إما للضغط على وزارة الصحة أو التعاضديات أو جمعيات المرضى.
هناك حلقة أساسية في العلاقة بين الأطباء والصيدليات من جهة والشركات والمختبرات من جهة أخرى، وهي المناديب الصحيين Délégués Médicaux. يعملون ليل نهار، لإقناع الأطباء والصيدليات بجدوى الأدوية التي تسوقها مختبراتهم حتى وإن اقتضى الأمر توظيف الإغراءات المادية، فأمام المنافسة بين الشركات العالمية والوطنية بالمغرب باتت مختلف الوسائل مستباحة لاستمالتهم.
لا بد من أن نتوقف في هذا الصدد، عند تجارة رائجة أبطالها المناديب الصحيين والصيدليات، إذ ينعقد نوع من»الدستور العرفي» بينهم وبين أصحاب الصيدليات لترويج «الأدوية المجانية» أو ما يسمى في أبجديات عالم الأدوية Echantillons gratuits. تفيد بعض المصادر أن هذه التجارة تدر على أصحابها الملايين من الدراهم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن العينات المجانية التي تقدمها المختبرات للمناديب غرضها الأساس هو الترويج للأدوية والتشجيع على تسويقها.
في الأرقام يتخفى الشيطان
هل هناك اليوم عقل بشري يمكن أن يستوعب أن ثمن الأدوية التي تنتجها المختبرات اليوم تضاعف بنسبة 4963 في المائة، و 2240 في المائة و 2048 في المائة، قبل إقرار قرار خفض سعر الأدوية، بينما بقيت بعض الأدوية في مكانها لا تتزحزح. لنشرح أكثر: المختبرات حين تضع طلبات العروض لدى وزارة الصحة، تحدد مثلا مبلغ 13.80 درهم للدواء ثم تبيعه في السوق ب 66 درهم، أي أن نسبة الأرباح تبلغ 1793 في المائة بالمقارنة مع مبلغ الضمان المحدد في الصفقات العمومية. نسوق مثالا آخر للتدليل على أن الادعاءات التي تروجها بعض المختبرات بكونها لا تحقق أي أرباح سنوية كما «تزعم الصحافة والجمعيات المدافعة عن الحق في الصحة، ثمة دواء يباع في الصيدليات يباع ب 71 درهما بينما كلفة التصنيع لا تتجاوز 13 درهما. بمنأى عن لغة الأرقام، فإن هامش الربح الذي يحدده القانون بالنسبة للمصنعين لا يتجاوز 30 في المائة. بطبيعة الحال، ستجد المختبرات مسوغات كثيرة لتبرير الزيادة الكبيرة في ثمن الأدوية لعل من أبرزها دفع الضرائب وكلفة التسويق لكنها لا تقدر، كيفما كانت الأحوال، أن تبرر 4963 من الزيادة في ثمنه.
لعبة الأرقام قد تساهم في تأبيد اللبس الذي يحيط بتجارة الأدوية بالمغرب، لكنها ضرورية لفهم طريقة الاشتغال، ولأن الشيطان يثوي في التفاصيل دائما، فالتفاصيل تقول إن بعض الأدوية في المغرب تتضاعف قيمتها بحوالي 973 في المائة بالمقارنة مع بلد متقدم اسمه تركيا، حيث إن بعض الأدوية تبلغ قيمتها 5.86 درهم بتركيا يصل ثمنها في المغرب إلى 56.99 درهما. دعونا نطرح السؤال البريء: هل القدرة الشرائية للمغاربة تضاهي نظيرتها التركية لترتفع أثمنة الدواء إلى هذا الحد المجنون؟
الفرق بين البلدين أن تركيا أولا لجأت إلى سياسة دوائية تشجع الشركات الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي واجتناب الاعتماد على المختبرات الدولية، ثم وفرت وعاء قانونيا يضمن شفافية القطاع وشفافية تعاملات المختبرات مهما كانت جنسيتها، في حين أن بلدا مازال ينتمي إلى دول العالم الثالث، يعجز برلمانيوه وصحافيوه وجمعياته على الوقوف في وجه مختبرات تتوفر على أسباب القوة.
يرفض علي السدراتي، رئيس الجمعية المغربية لمصنعي الأدوية ما يسميه بالهجوم غير المبرر على مصنعي الأدوية معللا رفضه بثلاثة أسباب رئيسة»أولاها أن في المغرب إطار قانوني واضح لا يمكن لأحد أن يخرقه، وثانيها أن المختبر الوطني للتحليلات الطبية التابع لوزارة الصحة يراقب شركات الدواء والمختبرات، وهو الذي يمنح كل التراخيص مع الحرص على التدقيق في مكونات الأدوية وطريقة تغليفها، مما يغلق المنافذ أمام أي تعامل غير قانوني، وثالث هذه الأسباب أن المغرب كان سباقا إلى سن تشريع يخص الأدوية والمختبرات بالمغرب، أي أن تصنيع الأدوية وتسويقها خاضع لضوابط قانونية معروفة».
إنشاء مختبرات طبية بالمغرب يخضع لمجموعة من الشروط حددتها الأمانة العامة للحكومة، إذ لا يجوز فتح أو إعادة فتح واستغلال وتسيير مختبر للتحليلات البيولوجية الطبية قبل الحصول على رخصة مسبقة من الأمين العام للحكومة الذي يمنحها بعد استشارة كل من: الهيئة المهنية المعنية ووزارة الصحة، ووزارة الخارجية والتعاون، ووزارة التعليم العالي عند الاقتضاء ومؤسسة التكوين (كلية الطب والصيدلة)، وبعد دراسة ملف طلب المعني بالأمر والتأكد من استيفائه لجميع الشروط القانونية المطلوبة، يمنح الأمين العام للحكومة رخصة إدارية مسبقة من أجل إنجاز مشروع المختبر، وبعد إنجاز المشروع يمكن للمعني بالأمر أن يطلب الحصول على الرخصة النهائية، وأن يرفق طلبه بقائمة المستخدمين التقنيين الدائمين ونسخ مصادق عليها من الشهادات أو الدبلومات المثبتة لكفاءاتهم ونسخ مصادق عليها من عقود تشغيلهم، ثم يمنح الأمين العام للحكومة الرخصة المطلوبة بعد القيام بإجراء معاينة من لدن لجنة للتأكد من مطابقة المشروع المنجز للوثائق المدلى بها، يعينها وزير الصحة لهذا الغرض. ويبعث بقرار منح الرخصة إلى مدير المختبر».
علي لطفي الذي يشتغل على ملف ارتفاع أثمنة الأدوية في المغرب يؤكد أنه رغم وجود بعض الضوابط القانونية بالمغرب إلا أن المختبرات تتوفر على قوة تجعلها تفعل ما تشاء»نحن أمام صناعة تتحكم فيها جهات قوية تستفيد من الريع منذ ربع قرن، لا يمكن حصرها إلا بمراجعة القوانين ورفع حالة الاحتكار وتشجيع الاستثمار بدخول فاعلين جدد يحترمون دفتر التحملات والقانون. إن الأدوية الجنيسة هي الأقل مبيعا في المغرب رغم أنها أرخص كثيرا مقارنة بالأدوية الأصلية، والنتيجة أن أغلب المغاربة يشترون الأدوية الأغلى رغم وجود أدوية مماثلة لها في المفعول أقل ثمنا منها في السوق، إن معظم الأطباء يصفون لمرضاهم الأدوية الأصلية المشهورة وهي الأغلى ولا يوجهونهم لشراء الأدوية الجنيسة وهي الأرخص وتحقق الشركات أرباحا خيالية، وفي كل مناسبة يلجؤون إلى مبررات لا تقنع أحدا يقال فيها إن المغاربة لا ينفقون على الأدوية إلا 362 درهما، إذا من أين تأتيهم كل هذه الأرباح.
عمل المختبرات يتم وفق القانون ونحن منخرطون في قرار تخفيض أسعار الأدوية
- عمل مختبرات وشركة الأدوية بالمغرب يشوبه الكثير من اللبس، بل وهناك اتهامات ثقيلة توجه إليها بشأن الاشتغال بطرق غير قانونية لجني أرباح طائلة، كيف تنظر إلى هذه الاتهامات؟
بعض الاتهامات تنطوي على الكثير من المزايدات وعلى القيل والقال، ولا نعتقد أن القانون المغربي يسمح ببعض الممارسات التي يتحدث عنها الجميع دون معرفة حقيقتها. ثمة العديد من الأسباب تجعلنا مؤمنين أن العمل الذي تقوم به شركات الأدوية يخضع قبل كل شيء للقانون. أول هذه الأسباب هي أن في المغرب إطار قانوني واضح لا يمكن لأحد أن يخرقه، وثانيها أن المختبر الوطني للتحليلات الطبية التابع لوزارة الصحة يراقب شركات الدواء والمختبرات، وهو الذي يمنح كل التراخيص مع الحرص على التدقيق في مكونات الأدوية وطريقة تغليفها، مما يغلق المنافذ أمام أي تعامل غير قانوني، وثالث هذه الأسباب أن المغرب كان سباقا إلى سن تشريع يخص الأدوية والمختبرات بالمغرب، أي أن تصنيع الأدوية وتسويقها خاضع لضوابط قانونية معروفة.
- كيف تنظر إلى اتهام مجموعة من الأطباء بالتواطؤ مع شركات الأدوية من أجل وصف أدوية غالية الثمن؟
هذا أمر من الصعب إثباته ومن الصعب جدا أن نجد أدلة ملموسة تؤكده، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الأكيد أنها ستكون حالات معزولة، لأن هذا التصرف يقود إلى السجن ويعتبر تهمة جنائية حقيقية، ولا أرى أن الأطباء سيغامرون بسمعتهم وأموالهم من أجل مبالغ مالية صغيرة. لقد أثير الموضوع في اللقاء الذي جمعنا أخيرا مع الحسين الوردي، وزير الصحة، لكنه يبقى مجرد كلام لا يمكن التدليل عليه.
- وماذا عن ضغط المختبرات على التعاضديات من أجل تعويض أدوية أصلية غالية الثمن عبر دعم مجموعة من جمعيات المرضى؟
ما لا يفهمه البعض أن مسطرة الحصول على تراخيص الأدوية دقيقة جدا ولا يمكن التلاعب بها، والحكومة تراقب كل شيء، من نوعية الدواء إلى استعمالاته، بل وحتى طريق التلفيف، أما الحديث عن الضغط على التعاضديات بغاية تعويض الأدوية غالية الثمن، فهو فعل خارج القانون، ولا أعتقد أن الأمر قائم حقا.
- قررت وزارة الصحة أخيرا تخفيض سعر الأدوية، ما موقفكم من الإجراء الجديد؟
نحن منخرطون في هذا القرار، وتهمنا مصلحة المواطن المغربي إلى حد بعيد، وبيان ذلك أننا وافقنا على القرار، وأريد أن أؤكد في هذا الصدد أننا نبتغي في نهاية المطاف ضمان نوع من الاكتفاء الذاتي، حيث إن 65 في المائة من الأدوية المتداولة في المغرب تصنع بالمغرب، وهذا في حد ذاته إنجاز حقيقي. ونريد أيضا أن نطمئن الجميع أننا نعمل مع جميع الفاعلين من أجل ضمان سعر مناسب للأدوية، والمغرب له السبق في مجال التشريع للأدوية، بمعنى أننا راكمنا تجربة طويلة في الموضوع.
علي السدراتي رئيس الجمعية المغربية لمصنعي الأدوية
علي لطفي *: المختبرات أقوى من الحكومة وشركات الأدوية تستعين بجمعيات المرضى للضغط على التعاضديات
قال إن إغلاق صيدلية «كنوبس» دليل على هزيمة الحكومة أمام المختبرات
- توجه اتهامات كثيرة إلى المختبرات بكونها تستعين بالكثير من الجمعيات للضغط على التعاضديات لتعويض أدوية مرتفعة الثمن..
أعتقد أن بعض مختبرات صناعة الأدوية أقوى من الحكومة نفسها، لاعتبارات بعضها ظل بمثابة محميات لجهات قوية في الدولة لا يمكن التقرب منها. والدليل على ذلك أن جل الحكومات لم تستطع التقرب من أسعار الأدوية رغم ما عرف عن المغرب كأعلى سعر في العالم، ورغم تقارير البنك الدولي والمنظمة العالمية للصحة والبرلمان المغربي ومكاتب الدراسات، فما تم القيام به إلى يومنا يظل رتوشات لا تسمن ولا تغني من جوع. لقد استطاعت هذه المختبرات أن تفرض على الحكومة إغلاق صيدلية» الكنوبس «التي كانت تشتري عبر صفقات عمومية الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة بسعر أقل عشر مرات مما هو عليه لدى الصيدليات ( الثمن العمومي للدواء في الصيدلية 12 ألف درهم كان الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي الكنوبس يقتنيه ب 300 درهم ) .علما أن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي « الكنوبس» يعالج سنويا ما يقارب 17 ألف ملف مرضي لمرضى السرطان يتحمل الصندوق 100 في المائة من نفقات علاجهم . بغلاف مالي يقدر إجمالا ب2.4 مليار درهم سنويا، بالنسبة للأدوية المكلفة نصفها لأمراض السرطان أي 1.3 مليار درهم والباقي تخصص لأمراض التهاب الكبد وداء القصور الكلوي.
ولهذا السبب كان الهجوم المدبر على مدير الكنوبس الذي قاوم هذا الأخطبوط ولم يفلح، وفرض على الصندوق أن يتخلى عن صيدليته تدريجيا. كما تطالب الجهات نفسها والجبهة الداعمة لها من التعاضديات التخلي النهائي عن الخدمات الطبية والصحية التي تقدمها للمنخرطين بأقل تكلفة ودون رسوم إضافية. وهي سابقة في العالم، حيث نجد أن أغلب مؤسسات التعاضد وصناديق التأمين تؤدي بدورها خدمات صحية في إطار ما يسمح به القانون دون فتح المجال للاحتكار. وبالتالي فالهجوم على هذا المكتب أو على التعاضديات يدخل في هذا الباب، وكانت المساومة حتى للقبول ببعض الفتات في تخفيض أسعار الأدوية، وهو ما يؤكد ضعف الحكومة والوزارة الوصية على القطاع أمام لوبي قوي يفرض قوانينه.
اليوم بعد إغلاق الصيدلية، الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي المسمى «الكنوبس «يفقد يوميا 700 ألف درهم نتيجة اعتماد أسعار مرتفعة للأدوية المقبول إرجاع مصاريفها، أي أنه يضيع في مبلغ قدر ب72 مليون درهم بعد إغلاق الصيدلية، فلصالح من ستحول كل هذه الأموال وبعد إفلاس صناديق التأمين ستعود الحكومة إلى الأجراء لتصحيح العجز على حساب الأجراء والعمال، كما يقع اليوم بالنسبة لصناديق التقاعد، شركات تستفيد وتنهب والمواطنون البسطاء والعمال يؤدون الفاتورة،
- تقصد أنها تخوض حربا بالوكالة؟
بعض الجمعيات سامحها الله تبيع نفسها للشركات من أجل الحصول على دعم مالي سنوي وتصدر بلاغات كاذبة عن صناديق التأمين أو بعض التعاضديات، رغم ما يشكل ذلك من خطورة على المرضى الذين تتكفل بهم هذه الجمعيات، فبدل أن تسلك مسارات ومساطر أهم، أي عبر الوكالة الوطنية للتامين الصحي المكلفة بتدبير وتأطير نظام التأمين الإجباري عن المرض، وتدبير نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود، أعتقد أنه من الواجب اليوم التصريح بالمساعدات المالية التي تتلقاها الجمعيات المهتمة بالمرضى لدى الجهات المختصة، حتى لا تصبح هذه المساعدات آلية لخدمة أغراض وأهداف مبطنة لصالح الشركات.
- بالنسبة للدواء الجنيس، ضغطت بعض المختبرات من أجل عدم تعويضه رغم فعاليته، في تقديركم، هل يمكن الحديث عن لوبي حقيقي من المختبرات بالمغرب؟
أعتقد أن الحكومة تساهم في تكريس المغالطات حول فعالية الدواء الجنيس، فهو أي الدواء الجنيس يعادل في مفعوله الدواء الأصيل، لكن وزارة الصحة تتلكأ في توفير مختبرات المعادلة البيولوجية وبالتالي تترك المجال مفتوحا أمام مختبرات همها الربح بكل الأشكال، ولو على حساب صحة المرضى وجشع بعض شركات الدواء، التي تبحث عن أكبر هامش للربح على حساب المرضى هي من بين الأسباب التي تعطل انتشار الدواء الجنيس والدي لا تتعدى نسبة استعماله 28 في المائة.
- هل يمكن الحديث عن دور كبير للمختبرات في تحديد السياسة الدوائية بالمغرب؟
بالفعل لا يمكن لعاقل أن يقول بغير ذلك، فالمختبرات الكبرى لصناعة الأدوية هي التي ظلت ومازالت تخطط وتشرعن للسياسة الدوائية بالمغرب، وتفرض شروطا أقل ما يقال عنها إنها مجحفة وظالمة في حق المواطن الفقير والبسيط. وهناك فعلا لوبيات وصناعيون لا يمتثلون لقواعد اللعب في مجال صناعة وترويج وبيع الأدوية، وتقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 شهد على ذلك وبالحجج الدامغة. إذا فمن واجب الحكومة تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة، لكنها لا تفعل شيئا ملموسا في هذا الصدد إلا الوعود.
نحن أمام صناعة تتحكم فيها جهات قوية تستفيد من الريع منذ ربع قرن، لا يمكن حصرها إلا بمراجعة القوانين ورفع حالة الاحتكار وتشجيع الاستثمار بدخول فاعلين جدد يحترمون دفتر التحملات والقانون. إن الأدوية الجنيسة هي الأقل مبيعا في المغرب رغم أنها أرخص كثيرا مقارنة بالأدوية الأصلية، والنتيجة أن أغلب المغاربة يشترون الأدوية الأغلى رغم وجود أدوية مماثلة لها في المفعول أقل ثمنا منها في السوق، إن معظم الأطباء يصفون لمرضاهم الأدوية الأصلية المشهورة وهي الأغلى ولا يوجهونهم لشراء الأدوية الجنيسة وهي الأرخص وتحقق الشركات أرباحا خيالية، وفي كل مناسبة يلجؤون إلى مبررات لا تقنع أحدا يقال بشأنها إن المغاربة لا ينفقون على الأدوية إلا 362 درهما، من أين تأتيهم كل هذه الأرباح.
- على ضوء ما قلت، ماذا تقترح لتجاوز الوضعية الحالية؟
أعتقد أن المشوار مازال طويلا بخصوص مواجهة ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب، التي قال عنها وزير الصحة في تصريح رسمي سابق إنها مرتفعة بنسبة 4000 في الألف. لكن السيد الوزير أو الحكومة عندما أرادت التخفيض من أسعار الأدوية جاءتنا بلائحة أعدتها مع هذه الشركات المصنعة للأدوية لم تتجاوز أزيد من 50 في المائة، منها نسبة التخفيض 10 في المائة أو أقل مابين 5 سنتيمات ودرهمين.
وبالتالي فالمطلوب اليوم كما أشرتم إلى ذلك هو بناء سياسة دوائية وطنية اجتماعية واقتصادية، تضمن الاكتفاء الذاتي والجودة، وأن يكون سعر الدواء في متناول القدرة الشرائية للمواطنين من خلال مراجعة القوانين، ومراجعة أسعار جميع الأدوية المتداولة في السوق الوطنية، وتشجيع الدواء الجنيس، فضلا عن تعميم التغطية الصحية الإجبارية، وخاصة تفعيل دور الوكالة الوطنية للتأمين الصحي في تأطير المنظومة ككل لا يتجزأ في نظام التأمين الإجباري عن المرض ونظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود، وتسريع وتيرة المصادقة على المرسوم التطبيقي للقانون 65/00 المتعلق بدور الوكالة في نظام المساعدة الطبية للفقراء والمعوزين الذي مازال يعرف تعثرات واختلالات كبيرة لها تأثير على حق هذه الفئة الدستوري والإنساني في ولوج العلاج والدواء.
* رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة
مكلف بالاستراتيجية التجارية لمختبرات أدوية يعترف: نشتري الأطباء والصحافة ونخفي الأعراض الجانبية القاتلة
صدر أخيرا كتاب للدكتور برنارد دالبيرغ تحت عنوان
«Omerta dans les labos pharmaceutiques». الدكتور كان مكلفا لأكثر من 20 سنة بالاستراتيجية التجارية لعدد من المختبرات، وقد صرح أن الدراسات السريرية تكلف 2500 أورو لكل مريض، والعقود الاستشارية ما بين 25 و 30 ألف أورو، كانت تؤدى لأطباء يوجدون في مناصب عمومية جد حساسة، قبل أن ترد أسماؤهم في تحقيقات صحفية صدرت في فبراير 2014. الدكتور دالبيرغ اعتبر أن المختبرات تقوم بالتلاعب بالأعراض الجانبية للأدوية عبر إنفاق أموال طائلة على عدد من المتدخلين، كما اعترف أنه كان يؤدي أموالا لعدد من الأطباء للتمكن من بيع أكبر عدد ممكن من الأدوية. أخيرا، قررت السلطة الإيطالية المكلفة بالمنافسة تغريم مختبرين 182.5 مليون أورو لاتفاقهما على التشكيك في أحد الأدوية المخصص لطب العيون، والذي يكلف ما بين 15 و80 أورو من أجل توجيه استهلاك نحو دواء مماثل سعره 900 أورو.
يؤكد صاحب الكتاب أن شركات الأدوية كانت مستعدة على الدوام لدفع عمولات كبيرة إلى قادة الرأي العام والأطباء المشهورين في مختلف التخصصات بهدف الترويج لأدوية بعينها. واعترف صاحب الكتاب أيضا أن شركات الأدوية تتوفر على لوبي كبير يدافع عن مصالحها، وتخصص مبالغ فلكية بغاية شراء بعض المنابر الإعلامية وشركات التسويق والأطباء وحتى التأثير على الصيادلة.
يتحدى برنارد حكومة بلاده أن تكون لديها القدرة على مواجهة لوبيات الأدوية، إذ يكشف على أن المختبرات لديها صناديق سوداء بالملايير تصرفها في كل اتجاه للتأثير على مستهلكي الأدوية. وبالتفصيل الممل، يتوقف دالبيرغ عند أهم الأحداث التي عاشها خلال عمله مديرا للاستراتيجيات التسويقية، معترفا بأن بعض المختبرات تحاول أن تخفي بعض الآثار الجانبية القاتلة.
عدنان عبد العزيز *: المختبرات تدفع بالأطباء إلى وصف أدوية مكلفة وتحرض على التشكيك في فعالية الأدوية الجنيسة
أكد أن المغرب في حاجة إلى وعاء قانوني لمواجهة «ممارسات لا أخلاقية»
- هناك حديث عن سياسة لي الذراع تنهجها بعض مختبرات الأدوية ضد التعاضديات، إلى أي مدى يمكن أن يكون الأمر صحيحا؟
أظن أن العديد من التقارير الرسمية قد تناولت منذ سنة 2009 العلاقات الملتبسة التي قد تجمع مختبرات الأدوية ببعض الأطباء وجمعيات المرضى، وإن كنت أظن أن هذه العلاقات الملتبسة قد تذهب إلى مستويات أكثر عمقا سواء على المستوى الأكاديمي أو الطبي. ولا شك أن هذه المختبرات تستفيد من غياب ميثاق للأخلاقيات ومن الفراغ القانوني في هذا المجال كي تتخذ من بعض جمعيات المرضى وبعض الأطباء مطية للضغط على الأجهزة المدبرة للتغطية الصحية الأساسية وعلى وزارة الصحة، من أجل تحمل بعض الأدوية المكلفة أو للتشكيك في الأدوية الجنيسة أو للرفع من استهلاك بعض الأدوية.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تبني قانون Sunshine act لوقف تجاوزات المختبرات المصنعة للدواء وانخرطت فرنسا في التجربة نفسها منذ سنة 2012. فالمختبرات بفرنسا ملزمة بالتصريح بكل امتياز يفوق 10 أورو، كما يجب عليها التصريح بكل مساهماتها النقدية أو العينية المباشرة أو غير المباشرة لفائدة الأشخاص والمؤسسات والشركات والهيئات. لذلك، نجد أن المواقع الإلكترونية لعدد من مختبرات الأدوية تقدم جردا لكل جمعيات المرضى التي استفادت من دعمها المالي، إضافة إلى مقدار هذا الدعم.
أعتقد أن على الجهاز التشريعي ببلادنا الاهتمام بعلاقات مختبرات الأدوية بمحيطها، بما يضمن الشفافية والوضوح ويكرس المنافسة الشريفة ويحد من اتجار بعض الجمعيات بأمراض المواطنين. فتقرير اللجنة البرلمانية حول أثمنة الأدوية سنة 2009 وتقرير مجلس المنافسة لسنة 2011 كشفا عن ممارسات لا أخلاقية من طرف المختبرات المصنعة للدواء، بهدف تشجيع الوصفات الطبية المتكررة وغير المبررة والمكلفة، والضغط على وزارة الصحة والهيئات المدبرة حتى توافق على تعويض بعض الأدوية المكلفة أو تعطيل تبني الأدوية الجنيسة. أظن أن هذه الممارسات تتعارض مع الدستور الذي يعاقب في فصله 36 على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.
- هل بالفعل مورست عليكم ضغوط بغاية تعويض أدوية آلية غالية الثمن بدل تعويض الدواء الجنيس؟
إن انخراط المغرب في مسلسل تعميم التغطية الصحية الأساسية قد بجعل الضغوط على الأجهزة المدبرة من أجل تحمل أو تعويض بعض الأدوية المكلفة، ومن أجل تعطيل إدراج الأدوية الجنيسة في لائحة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها ستزداد، كما ستتصاعد استراتيجيات الدفع بالأطباء نحو وصف أنواع محددة من الأدوية المكلفة، وببعض الجمعيات من أجل تشكيل قوة ضاغطة. هذه الاستراتيجيات لا تخص فقط المغرب، بل أغلب الدول في العالم، وقد تكون مرتبطة بتراجع وتيرة اختراع أدوية جديدة خلال العقود الماضية وبسقوط براءة الاختراع عن العديد من الأدوية الأصلية خلال السنين الأخيرة، واستراتيجيات بعض الدول كالهند في مجال فك احتكار بعض الأدوية المخصصة لبعض الأمراض الخطيرة.
بالتالي، أن تقوم جمعيات بالضغط بغية تعويض أنواع معينة من الأدوية يحيلنا على ضرورة اعتماد قانون يؤطر هذه العملية، ويحد ليس فقط من الإشهار غير المباشر الذي تقوم به للأدوية، بل من الأساليب الدعائية والتحريض والحملات الموجهة التي تمس بسمعة المؤسسات المشرفة على القطاع الصحي. وفي العمق، لا بد أن تأخذ السياسة الدوائية التي تعمل وزارة الصحة على بلورتها على تأطير هذه العلاقة سواء عند دراسة طلبات الأذن بالعرض بالسوق أو عند دراسة تعويض الأدوية من طرف التأمين الإجباري عن المرض، كما يجب على هذه السياسة أن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحد من التشكيك الممنهج من الأدوية الجنيسة، عبر فتح مجالات للتكوين والتحسيس والنقاش، بعيدا عن التأثيرات السلبية التي قد تقوم بها المختبرات المصنعة للأدوية الأصلية عبر زيارات مناديبها والدورات التكوينية المدفوعة الأجر، والعينات المجانية وغيرها من وسائل التأثير التي تلعب دورا هاما في خلق صورة سلبية عن الأدوية الجنيسة، مع أن أغلب الدول الغنية وضعت هذه الأدوية في صلب سياستها الصحية، وضمن أهم مرتكزات تعميم التغطية الصحية الأساسية.
- بالنسبة للدواء الجنيس، ضغطت بعض المختبرات من أجل عدم تعويضه رغم فعاليته، في تقديركم، هل يمكن الحديث عن لوبي حقيقي من المختبرات بالمغرب ؟
أخيرا، قامت السلطة المكلفة بالمنافسة بفرنسا بتغريم أحد المختبرات المصنع لدواء أصلي ذعيرة قدرها 40 مليون أورو بسبب ترويج معلومات تبين أن الهدف منها التشكيك في فعالية وسلامة دواء جنيس مماثل ومنافس. بالنسبة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، عانينا من بعض حملات الضغط التي قادها بعض الأطباء وبعض المختبرات، بعد أن قررنا اعتماد تحمل الأدوية المكلفة وتعويض الأدوية المتعلقة بالعلاجات العادية على أساس الأدوية الجنيسة، مما مكن من الرفع من نسبة اعتماد الأدوية الجنيسة بصيدلياتنا من 34% سنة 2009 إلى 60% سنة 2012.
وأود أن أوضح أن قرار الصندوق بالاعتماد على الأدوية الجنيسة ينسجم مع المقتضيات القانونية للتغطية الصحية الأساسية ومع استراتيجية وزارة الصحة التي تبلغ نسبة مشترياتها من الأدوية الجنيسة 80%، ومع المخطط الوطني لمحاربة السرطان ومع توجه عالمي تقوده منظمة الصحة العالمية من أجل جعل الدواء في متناول الجميع وفق شروط من السلامة والجودة معترف بها.
بالتالي، فأن يكون للمختبرات لوبيات للضغط هو أمر عادي لأن العديد من القضايا بأوربا وآسيا والولايات المتحدة وحتى ببلدان المغرب العربي قد أظهرت خطورة الاستراتيجيات التجارية لبعض المختبرات للرفع من المبيعات أو لمواصلة احتكار بعض الأدوية أو للحفاظ على استقرار أثمنة جد مرتفعة أو لتكسير المنافسة. لكن بالمقابل، يجب أن تكون لنا الأدوات لمواجهة هذه اللوبيات على مستوى السياسة الدوائية والتشريع والتكوين والشفافية والتواصل.
* رئيس الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.