يفقد الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) حوالي 700 ألف درهم يوميا نتيجة اعتماد أسعار مرتفعة للأدوية المقبول إرجاع مصاريفها. ومن المرشح أن ترتفع هذه الكلفة المالية بشكل صاروخي إذا ما تم تنفيذ قرار إغلاق «صيدلية الكنوبس» امتثالا لقانون التغطية الصحية، حيث سيتحمل الصندوق تبعا لذلك وقعا ماليا سنويا إضافيا بقيمة 72 مليون درهم بسبب التفاوت الكبير بين أثمنة هذه الصيدلية والأثمنة المعتمدة بالسوق المغربية. فهل سيفجر إذن قرار غلق صيدلية «الكنوبس» ملف أثمنة الأدوية المرتفعة في المغرب؟ تنكب لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب منذ، أول أمس الثلاثاء، على دراسة التعديل الثاني للمادة 44 من القانون 65-00 التي تقضي بتخلي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على 13 مصحة تابعة له والتعاضديات بالقطاع العام على منشآتها الاجتماعية والطبية (أكثر من 100 منشأة) والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي المعروف اختصارا ب «الكنوبس» على صيدليته التي توفر أدوية مكلفة لأكثر من 10 آلاف مستفيد سنويا بنسبة تحمل محددة في 100 في المائة. وقد حددت المادة 44 كما تم تعديلها نهاية دجنبر 2012 كآخر أجل للتخلي عن التدبير المباشر لهذه المنشآت، مما يضع «الكنوبس» والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حاليا خارج القانون في انتظار تجديد التمديد من طرف البرلمان. وإذا كانت التعاضديات المُكوٍنة للصندوق قد سارعت إلى التخلي عن التدبير المباشر لمنشأتها وعملت على خلق وحدات اجتماعية وطبية مستقلة قانونيا ومحاسبيا عن التعاضدية، فإن إغلاق صيدلية الصندوق يطرح العديد من الإشكاليات. 2.4 مليار درهم حجم الأدوية المكلفة منذ دخول التأمين الإجباري عن المرض سنة 2005 وإلى غاية سنة 2012، بلغت مشتريات صيدلية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي من الأدوية المكلفة ما مجموعه 2.4 مليار درهم، خصص نصفها لاقتناء أدوية تخص السرطان (1.3 مليار درهم) والباقي للالتهابات الفيروسية للكبد وداء القصور الكلوي والعديد من الأمراض المكلفة والخطيرة. وقد ارتفعت مشتريات هذه الصيدلية المتمركزة في الرباط بشكل مهول ما بين سنة 2006 وسنة 2011، حيث انتقلت من 181 مليون درهم إلى 411 مليون درهم، خصصت كلها لاقتناء حوالي 160 دواء مكلفا، تسلم لمؤمنين يشُدون الرحال صوبها من كل المناطق للحصول على أدوية قد تصل قيمتها الإجمالية إلى أكثر من 100 ألف درهم، وهي غير متوفرة بالصيدليات وبالمستشفيات العمومية. وحسب «الكنوبس»، يعرف ثمن اقتناء الأدوية المكلفة المتواجدة بصيدلية الصندوق مستوى يقل ما بين 2 إلى 3 مرات عن الثمن المعتمد بالمستشفيات والمراكز الجامعية و5 مرات عن الثمن العمومي المعتمد بالصيدليات. ويعطي مسؤولو الصندوق كمثال على ذلك، سعر دواء Gemzar، الذي لا يتعدى 397 درهما بصيدلية «الكنوبس»، في حين يصل ثمنه في المستشفى إلى 1244 درهما والثمن العمومي في الصيدليات إلى 1881 درهما، مشيرين إلى أنه إذا كان الأمر يتعلق بحوالي 160 دواء، فإن إغلاق صيدلية الصندوق يعني تحمل وقع مالي إضافي سنوي يقدر ب 72 مليون درهم نتيجة الانتقال من الأثمنة الحالية بالصيدلية إلى ثمن المستشفى أو الثمن العمومي للأدوية. ويضيف مسؤولو الصندوق أن المفارقة هي أن ثمن هذا الدواء الذي حدده المختبر لصيدلية الصندوق في 1885 درهما سنة 2006 قد هوى إلى 764 درهما سنة 2011 ثم 397 درهما سنة 2012 دون أن ينعكس ذلك على الثمن العمومي للدواء الذي ظل «صامدا» في 1885 درهما. ويعطي «الكنوبس» نموذجا آخر يبين حجم التفاوت بين أثمنة صيدلية الصندوق والأثمنة بالسوق المغربية، إنه Docetaxel الذي كان يُباع للصندوق ب 11500 درهم سنة 2006، فأصبح جنيسه سنة 2012 لا يتجاوز 800 درهم وحصلت عليه وزارة الصحة بناء على طلب عروض بأقل من 300 درهم، وكذلك Glivec المخصص لسرطان الدم والذي خُفض سنة 2012 من 26 ألف درهم إلى 20 ألف درهم، في حين يصل ثمن جنيسه 3500 درهم في المغرب وإلى 65 أورو في فرنسا، أي حوالي 700 درهم فقط، حسب مجلة خيارات اقتصادية الفرنسية. خسارة يومية ب 700 ألف درهم ويرى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي أن الأثمنة المتداولة في السوق المغربية سواء على مستوى المستشفيات أو الصيدليات مرتفعة جدا ولا تتناسب والقدرة الشرائية للمغاربة، حيث تفيد المعطيات بأنه يفقد 700 ألف درهم كل يوم بسبب الأثمنة المرتفعة للأدوية المقبول إرجاع مصاريفها. وبالرغم من الإجراءات التي تم اتخاذها لترشيد نفقات الأدوية التي تصل حاليا 1.2 مليار درهم عبر الاعتماد على الأدوية الجنيسة، فإن مستويات الأثمنة وهوامش الربح تهدد مستقبل التأمين الإجباري عن المرض و«راميد» وقد تحُول دون توسيع التغطية الصحية لبعض الفئات الاجتماعية، خاصة في ظل الارتفاع المضطرد للأمراض المزمنة والمكلفة. فعدد المصابين بأمراض مزمنة ومكلفة بالكنوبس يصل إلى 108 آلاف شخص، أي حوالي 3.7 في المائة من إجمالي المستفيدين، يستهلكون 46 في المائة من النفقات. ومن المنتظر أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من ذلك في ظل التوافد على «الكنوبس» ابتداء من نهاية السنة الحالية لحوالي 250 مستفيدا جديدا أغلبهم متقاعدون وعدد مهم منهم يعانون من أمراض مزمنة ومكلفة، كلهم مؤمًنون لدى التعاضديات والصناديق الداخلية لأكثر من 30 مؤسسة عمومية. خيارات تحتاج لالتزامات لقد ضع الكنوبس متم سنة 2013 كأجل للإغلاق النهائي للصيدلية، معتمدا على ثلاثة حلول. أولا تمكين المراكز الجامعية ومراكز السرطان بفوترة الأدوية موازاة مع طلبات تحمل حصص العلاج الكيماوي، وقد مكنت العملية من نقل تدبير الأدوية المكلفة للسرطان من صيدلية الكنوبس إلى هذه المراكز مما يشكل 80 في المائة من الأدوية. ثانيا العمل مع مراكز تصفية الكلي على فوترة الأدوية موازاة مع حصص التصفية، ثم أخيرا، إتاحة الفرصة للصيادلة لتسليم أدوية بعض الأمراض المكلفة بشرط اعتماد هوامش للربح مرتبطة بأثمنة الأدوية. ومع ذلك، من المنتظر أن يتحمل الكنوبس 72 مليون درهم سنويا نتيجة إغلاق الصيدلية طبقا لقانون التغطية الصحية والاعتماد على أثمنة المستشفى أو الثمن العمومي بالمغرب، خاصة أن خفض ثمن 320 دواء من طرف وزارة الصحة نهاية سنة 2012 كان له تأثير محدود على التأمين الإجباري عن المرض، لكون الأدوية المعنية إما غير قابلة للتعويض أو لا يصفها الأطباء أو ذات رقم معاملات ضعيف. وفي انتظار اللائحة الثانية التي وعد بها وزير الصحة بعد الانتهاء من المفاوضات مع المختبرات، تشير بعض المصادر إلى تواجد لائحة من 200 دواء يفوق ثمنها العمومي بالمغرب ما هو معتمد بفرنسا بنسب تصل إلى 160 في المائة. ويرى مسؤولو الصندوق ضرورة إحداث مركزية افتراضية لشراء الأدوية، تحت إشراف وزارة الصحة، تضم جميع المؤسسات التي تقتني الأدوية المكلفة وتتولى التفاوض مع المختبرات حول ثمن وطني مرجعي للأدوية، مع اعتماد هوامش للربح مرتبطة بثمن الأدوية marges dégressives كما هو معمول به في أغلب دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ووضع ضوابط قانونية تحدد مفهوم الأدوية المكلفة وتخصصها فقط للاستعمال الاستشفائي، مقابل الأدوية العادية التي يجب أن تتبع المسار الصيدلي، مع تحيين الإطار القانوني المحدد لأثمنة الأدوية وتشجيع الأدوية الجنيسة من خلال وضع تدابير تنظيمية تدفع العديد من المختبرات التي تحتكر الأدوية الأصلية على صعيد السوق المغربية إلى إدخال أدويتها الجنيسة. ويضيف هؤلاء أنه من الضروري إحداث مرصد عمومي للأدوية والأجهزة الطبية والتحاليل البيولوجية والإشعاعية لتعزيز الشفافية و«ضبط العلاقة بين المختبرات والأطباء وجمعيات المرضى في إطار شفاف أسوة بفرنسا التي اعتمدت منذ 21 ماي الماضي مرسوما يفرض على المختبرات التصريح بعلاقات المصلحة التي تجمعها بالأطباء والجمعيات، مستلهمة تشريعها من sunshine act الأمريكي لسنة 2009». وفي انتظار قرار البرلمان تمديد أجل المادة 44 من القانون 65-00 من عدمه، فقد أبدت العديد من الجهات رغبتها في فتح ملف الأدوية والعلاقات بين المختبرات والأطباء وجمعيات المرضى، من بينها بعض البرلمانيين وبعض المؤسسات الرقابية والاستشارية، دون أن ننسى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الذي اعتمد في 13 يونيو الماضي قرارا بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لرفع العراقيل التي تحول دون استفادة الجميع من أدوية «بثمن في المتناول، فعالة وبجودة عالية». وقد تكون المناظرة التي ستنظمها وزارة الصحة في أوائل يوليوز المقبل بمراكش فرصة لتوضيح الرؤية بخصوص موضوع تناولته العديد من التقارير البرلمانية والاستشارية دون أن تتبلور على أرض الواقع نتائج ملموسة لحد الآن، بفعل قوة تأثير بعض اللوبيات التي قد تؤجل الإصلاح إلى أجل غير مسمى.